«إلى الذين نبشوا الأنفاق بأظافرهم وجعلوا من عظام سواعدهم معاول لهدم الجبل، إلى الذين قضوا في الأنفاق ولم يذكروا في أناشيد الوطن، إلى العامل الذي شاهدته وأنا صبي يدفن عصرا، والدم مازال يقطر من شقوق نعشه، إلى الذين انتشلت جثثهم من تحت الأنقاض وحملت نعوشهم على كتفي، إلى الذين انتحروا تحت «الرمبلي» وعلى تخومه ليوفّروا العيش الرغيد للكُرْش، إلى الأرامل اللواتي تحملن العار والعناء واقتحمن العمل المنجمي».. هكذا يهدي الكاتب عبد الحميد الطبابي مجموعته القصصية زمن «إمرأة منجمية»..
يقول الدكتور عبد الرحمان رشيد مقدّما للمجموعة القصصية : «رشيدة جدّة لحفيدة لقيطة» هي بذرة «الطيش» في رحم ابنتها، وليست هذه الحادثة سوى شاهد على حلم طال انتظاره ولما قارب التحقّق، أجهض من حيث لا ينتظر. وكم هي كثيرة تلك الأحلام المجهضة عند شخصيات أقاصيص « زمن امرأة منجمية «..وفي المقابل امرأة « تقتات من لحمها «، أخذت الحياة مأخذا مخالفا، هي في النهاية تعبير عن وجهة نظر مغايرة، بقطع النظر عن موقفنا من سلوكها، وجهة نظر أكثر واقعية بل قل ذرائعية أو ساذجة ولكنها الأنسب في منطق المألوف الاجتماعي والتعامل مع الحياة.».
ويضيف مقدّم هذه المجموعة القصصية: «ولك أن تذهب أكثر في الكشف عن الكاتب المتخفّي، من خلال شخصيّة «خيبان»، وهو الذي ينتهي لفظ اسمه بألف ونون ينتهي بهما جنسه : إنسان. بل قل إنّه توليفة بين «خيبة– إنسان» أو على نحت مخصوص. لعلّ الكاتب قد سعى إلى أن يُلبس هذه الشخصية لبوسا وجوديا تمثلت بعض علاماته في اعتداء خيبان على محيطه وهو يتصور أنّه في مأمن، فإذا الدمار يحيق به وينزل ببيته، وفي تحوّله إلى عدوّ بل إلى وحش لا يرعى ذمة ولا عهدا، تعلّمه كلبته درسا ما كان يفقهه. فهي الوفاء للأهل والمكان وهو الغدر. مشاهد كثيرة تشدّك وتدعوك إلى التأمل والاستقراء قصد الكشف عما أخفاه الكاتب من آراء ومواقف خلف الأحداث والشخوص والإطار. ومما يشدّ الانتباه في شخوص عبدالحميد الطبّابي، أنهم مغرقون في الشعبيّة – إن صحّ التعبير –
فليس من بينهم مثقف أو مسيّس أو أرستقراطي. كلّهم بسيط أمّي يتعامل مع الحياة على السليقة دون عمق. فـ«أبطال» عبدالحميد – الكاتب – أبعد ما يكونون عن الأبطال التقليديين. إنهم عاديون جدّا، يعكسون الصدق فيما يأتون من أفعال وفيما يتفّوهون من أقوال، صعاليك يجوبون الليل بعد أن أضناهم عمل النهار. يدفنون بؤسهم في رخيص الخمر أو مبتذل الجنس. يحتسون الخمرة صحبة ثم يختصمون. يتدبرون رزقهم بكل ما يُتاح من السبل، حتى إذا ضاقت بهم الحال أو أعوزتهم الحيلة، تسوّلوا أو ادّعوا الوكالة لولي صالح. إنهم أولئك الغرباء الذين جلبتهم رائحة العمل في المناجم فصدمتهم قساوته وصادفوا مجتمعا قد صار منغلقا على نفسه بعد أن تغيّرت تركيبته فلم يعد خليطا كما في الماضي، لم يتسع صدره لاحتضانهم فعاشوا على هامشه عيشة التحرّر من رابط الدّم أو الزواج أو غيرها من الروابط والضوابط الاجتماعية. ذلك هو الدّقش الوجه الآخر لحمينة».
ومما يسترعي الانتباه كذلك في هذه المجموعة القصصية، معجم أقيم على مستويات ثلاث حسب الدكتور عبد الرحمان رشيد أولا «مستوى الفصيح، يغرق أحيانا في الغريب أو المهمل من ألفاظ اللسان العربي فيعيدك قسرا إلى المعجم مستجليا معنى «بليسة»، «دردبيس»، «فاشوش»، «متهبرس» أو عبارات من قبيل «لا يملك شروى نقير»، «يقرت الدم» أو غيرها مما يستعجم.» ثانيا: «مستوى العامي، الضارب في عاميته حتى ليكاد يتفرّد بفهمه أبناء الجنوب الغربي وحدهم دون سائر الناس، من قبيل: حلاّج، مرضخة أو نهش.. وأخيرا «مستوى الدخيل، متمثلا في ألفاظ كانت ولا تزال متداولة عند أهل المناجم، هي رصيدهم المتبقي من احتكاكهم بالأجنبي المستعمر وتعاملهم معه خاصة أثناء العمل. إنه تصرف في ألفاظ ذات أصول فرنسية وإيطالية كانت ضرورية للتفاهم والتواصل، جلّها متصل بالعمل وأدواته من قبيل: «ياطاش»، «شانطي»، «فاقو»، «قيّور»، «جنيور»، «جرناطة»، «يكنّط» وغيرها..
يقول الدكتور عبد الرحمان رشيد مقدّما للمجموعة القصصية : «رشيدة جدّة لحفيدة لقيطة» هي بذرة «الطيش» في رحم ابنتها، وليست هذه الحادثة سوى شاهد على حلم طال انتظاره ولما قارب التحقّق، أجهض من حيث لا ينتظر. وكم هي كثيرة تلك الأحلام المجهضة عند شخصيات أقاصيص « زمن امرأة منجمية «..وفي المقابل امرأة « تقتات من لحمها «، أخذت الحياة مأخذا مخالفا، هي في النهاية تعبير عن وجهة نظر مغايرة، بقطع النظر عن موقفنا من سلوكها، وجهة نظر أكثر واقعية بل قل ذرائعية أو ساذجة ولكنها الأنسب في منطق المألوف الاجتماعي والتعامل مع الحياة.».
ويضيف مقدّم هذه المجموعة القصصية: «ولك أن تذهب أكثر في الكشف عن الكاتب المتخفّي، من خلال شخصيّة «خيبان»، وهو الذي ينتهي لفظ اسمه بألف ونون ينتهي بهما جنسه : إنسان. بل قل إنّه توليفة بين «خيبة– إنسان» أو على نحت مخصوص. لعلّ الكاتب قد سعى إلى أن يُلبس هذه الشخصية لبوسا وجوديا تمثلت بعض علاماته في اعتداء خيبان على محيطه وهو يتصور أنّه في مأمن، فإذا الدمار يحيق به وينزل ببيته، وفي تحوّله إلى عدوّ بل إلى وحش لا يرعى ذمة ولا عهدا، تعلّمه كلبته درسا ما كان يفقهه. فهي الوفاء للأهل والمكان وهو الغدر. مشاهد كثيرة تشدّك وتدعوك إلى التأمل والاستقراء قصد الكشف عما أخفاه الكاتب من آراء ومواقف خلف الأحداث والشخوص والإطار. ومما يشدّ الانتباه في شخوص عبدالحميد الطبّابي، أنهم مغرقون في الشعبيّة – إن صحّ التعبير –
فليس من بينهم مثقف أو مسيّس أو أرستقراطي. كلّهم بسيط أمّي يتعامل مع الحياة على السليقة دون عمق. فـ«أبطال» عبدالحميد – الكاتب – أبعد ما يكونون عن الأبطال التقليديين. إنهم عاديون جدّا، يعكسون الصدق فيما يأتون من أفعال وفيما يتفّوهون من أقوال، صعاليك يجوبون الليل بعد أن أضناهم عمل النهار. يدفنون بؤسهم في رخيص الخمر أو مبتذل الجنس. يحتسون الخمرة صحبة ثم يختصمون. يتدبرون رزقهم بكل ما يُتاح من السبل، حتى إذا ضاقت بهم الحال أو أعوزتهم الحيلة، تسوّلوا أو ادّعوا الوكالة لولي صالح. إنهم أولئك الغرباء الذين جلبتهم رائحة العمل في المناجم فصدمتهم قساوته وصادفوا مجتمعا قد صار منغلقا على نفسه بعد أن تغيّرت تركيبته فلم يعد خليطا كما في الماضي، لم يتسع صدره لاحتضانهم فعاشوا على هامشه عيشة التحرّر من رابط الدّم أو الزواج أو غيرها من الروابط والضوابط الاجتماعية. ذلك هو الدّقش الوجه الآخر لحمينة».
ومما يسترعي الانتباه كذلك في هذه المجموعة القصصية، معجم أقيم على مستويات ثلاث حسب الدكتور عبد الرحمان رشيد أولا «مستوى الفصيح، يغرق أحيانا في الغريب أو المهمل من ألفاظ اللسان العربي فيعيدك قسرا إلى المعجم مستجليا معنى «بليسة»، «دردبيس»، «فاشوش»، «متهبرس» أو عبارات من قبيل «لا يملك شروى نقير»، «يقرت الدم» أو غيرها مما يستعجم.» ثانيا: «مستوى العامي، الضارب في عاميته حتى ليكاد يتفرّد بفهمه أبناء الجنوب الغربي وحدهم دون سائر الناس، من قبيل: حلاّج، مرضخة أو نهش.. وأخيرا «مستوى الدخيل، متمثلا في ألفاظ كانت ولا تزال متداولة عند أهل المناجم، هي رصيدهم المتبقي من احتكاكهم بالأجنبي المستعمر وتعاملهم معه خاصة أثناء العمل. إنه تصرف في ألفاظ ذات أصول فرنسية وإيطالية كانت ضرورية للتفاهم والتواصل، جلّها متصل بالعمل وأدواته من قبيل: «ياطاش»، «شانطي»، «فاقو»، «قيّور»، «جنيور»، «جرناطة»، «يكنّط» وغيرها..