للتو تنفس أصدقائي الصعداء بعد المضايقات والأعتقالات ألتي طالتهم من قبل نظام دكتاتوري فاشي يفتح جبهات قتاله على الجميع . في مساء أثقله غبار أحمر كثيف لف مدينة الجمهورية القابعة ببيوتها المكتظة وأطفالها ألمشاغبين، زارني الشاعر صباح شرهان رقيقا مؤدبا * ليخبرني أن الشاعر عبد الحسن عوده الشذر يطارده ألأمن، ومع أن أخ عبد الحسن من أعضاء حزب البعث وهو نائب ضابط في القوة الجويه على ما أعتقد ومسؤول الخط العسكري فيها كما يقولون، هذا ألأخ لم يشفع لهذا الشاعر المتمرد . دخلت في دوامة ،كيف لي ان اخبئ هذا الشاعر النزق ألذي يسب البعث علنا؟ سيما وأني خرجت من ألأعتقال منذ خمسة أيام،.كان عام 1970 عاما قاسيا على الشيوعيين فقد امتلأ قصر النهاية بهم. لممت ما بقي لي من العزم واتجهت ألى الشارع المقابل ل (حسينية العبيد) – هكذا تسمى لكثرة أحفاد زنج البصرة ألساكنين قربها – إذ أني افترضتها مكانا يتواجد بالقرب منه، فلم أجده!
رجعت خائبا أقلب وجوه إختفائه، أي مصيبة حلت به؟ أمي قرأت قلقي وبان على وجهها خوف لم أعهده، فهي إمرأة صلبه، ولها مواقف مشهودة لشد عزيمتنا نحن ألأخوة الشيوعيين الثلاثة، أبان ألأنقلاب الفاشي (1963،) أنا في سجن (نكرة السلمان) ، واخي الشهيد فاخر في سجن ألرمادي، وأخي شاكر في سجن ألبصره، وهي تتابعنا دون ملل،
أنا ألأخر كنت قلقاً من أن يصل ألأمن لبيتي بحثا عنه! وخائفا أن يسكر عبد الحسن كعادته ويقابلهم بهتاف سقوط حزبهم فيقتلوه. كان ليلاً بطيئا موحشاً يملأني بالتوجس. ثمة طرقات خفيفة على الباب ، خفق قلبي بعنف ،هل جاء زوار الليل ثانيةً؟ قلت لنفسي وامتطيت قلقي إلى سطح الدار.نظرت من خلال فتحات الستاره، رأيت شبحاً هزيلاً ملتفاً بشئ لم أميّزه ، لكنني عرفته حين نظر إلى السطح ملوحا بيديه .انه هو بودلير محلة الجمهورية وأحد صعاليكها.أنه الشذر. نزلت مسرعا مادا ذراعي لأحتضانه . لم ينبس بكلمه .أمي كانت مستيقظه ،بسرعة قدمت ألبيض والخبز والشاي وكأنها على موعد بقدومه.
لا أدري لماذا أمرته أمي بالذهاب إلى المرحاض للتبول؟ حين سألتها لاحقاً، قالت كان الولد مرعوباً وحين يبول يذهب نصف رعبه! في الصباح ألباكر ذهبنا إلى حديقة ألامه وهي حديقة كبيرة تقع على كورنيش شط العرب. تناقشنا بكيفية إختفائه وإلى أين! برقت في رأسي فكرة أن يختفي في المستشفى، لا أعرف كيف ! تلقفها الصعلوك بقهقة صارخا وجدتها. دخل المستشفى بتدبير ليس لي علاقة فيه، لم استطع زيارته كي لا يُكشف .أرسلت أبن أخي إليه حاملا خمسة دنانير لعلها تساعده على الهروب! بعداسبوع جاء زوار ألليل بسيارة الفولكس واكن الصغيره، لم أكن موجداً في البيت أمي أرسلت لي خبراً أن أغادر البصرة دون أية كلمة أخرى؟
كانت بغداد محطة اختفائي دائما، لسعتها وازدحام سكانها. لم أمكث طويلا دون عمل فيها، ساحة الطيران ملجئي حين يزاملني ألأفلاس .أقف مع طابور العماله، بنيتي القويه وعمري يغريان ألمقاولين باستغلاليهما، فأعيش لفترة وبعدها يكتشفون أن هذه ليست مهنتي، فينتهي بي ألأمر ثانية خارج سوق ألعمل.
لم أعرف شيئا عن شاعرنا الصعلوك، لقد إختفت أخباره بسب عدم متابعتي لها، لأنشغالي في معهد المكننه الزراعيه وتعيني بعد ذلك في مشروع ألمصب ألعام في ألجزء الواقع منه بين النعمانية والشوملي، بصحراء لم أعرفها أو اقرأ عنها .خلال هذه ألفترة ذهبت الى البصره فوجدته. سالته أين أنت؟ أجابني
( لم تكن زلة رأسي.... أنما زلت سياف المدينه)
**
فهمت من جوابه كل شئ، ولكنني فوجئت وهذا بالتحديد في عام (1971) وفي مهرجان مديرية تربية البصره يلقي قصيدة- كما قال لي احد الرفاق- بعنوان (ورقة من تقويم المنفى) ألغريب انه أهداها للرفيق الشهيد عبد الخالق محجوب (سكرتير الحزب الشيوعي السوداني) و سط إندهاش الجميع قرأ قصيدته!
***
سنوات مرت دون أن أرى عبد الحسن ، إنقلب البعث على حلفائه وكان رفاق محلة الجمهورية أول المعتقلين . وبعد ألاعتقال تفرق الجمع. لم اقرأ لعبد الحسن شيئا . في كردستان عندما كنت نصيرا، سمعت أن سيارة أمن دهسته ورجعت عليه ثانية ولم يمت يا لهذا الرجل العنيد . وبعد خروجي من كردستان عرفت انه إختفى وللأبد دون أن يعرف أحد مصيره . هكذا تهوي الشهب ولكنها ترسم على وجه السماء إضآ تها...!
* الشاعر صباح شرهان شاعر رقيق كان ضمن مجموعة يهتمون بالادب منهم حاتم العقيلي وعبد الحسن الشذر وانا ونبيل كاظم جياد. وبعض المسرحين .صباح لم أسمع عنه شيئا سوى قصيدة قرأتها في الثقافة الجديده
** ضمنت ما قاله عبد الحسن في قصيدة نشرتها باسم (بشت آشان) وقد أكمل عبد الحسن قصيدته وأسماها (صعود اورفيوس الى باب المطهر) نشرت قصيدة عبد الحسن لمناسبة احد اعياد الحزب الشيوعي العراقي مع قصائد مجموعة من الشعرا في كتيًب
*** نشرت قصيدة (ورقة من تقويم المنفى) في الثقافة الجديده (1972
رجعت خائبا أقلب وجوه إختفائه، أي مصيبة حلت به؟ أمي قرأت قلقي وبان على وجهها خوف لم أعهده، فهي إمرأة صلبه، ولها مواقف مشهودة لشد عزيمتنا نحن ألأخوة الشيوعيين الثلاثة، أبان ألأنقلاب الفاشي (1963،) أنا في سجن (نكرة السلمان) ، واخي الشهيد فاخر في سجن ألرمادي، وأخي شاكر في سجن ألبصره، وهي تتابعنا دون ملل،
أنا ألأخر كنت قلقاً من أن يصل ألأمن لبيتي بحثا عنه! وخائفا أن يسكر عبد الحسن كعادته ويقابلهم بهتاف سقوط حزبهم فيقتلوه. كان ليلاً بطيئا موحشاً يملأني بالتوجس. ثمة طرقات خفيفة على الباب ، خفق قلبي بعنف ،هل جاء زوار الليل ثانيةً؟ قلت لنفسي وامتطيت قلقي إلى سطح الدار.نظرت من خلال فتحات الستاره، رأيت شبحاً هزيلاً ملتفاً بشئ لم أميّزه ، لكنني عرفته حين نظر إلى السطح ملوحا بيديه .انه هو بودلير محلة الجمهورية وأحد صعاليكها.أنه الشذر. نزلت مسرعا مادا ذراعي لأحتضانه . لم ينبس بكلمه .أمي كانت مستيقظه ،بسرعة قدمت ألبيض والخبز والشاي وكأنها على موعد بقدومه.
لا أدري لماذا أمرته أمي بالذهاب إلى المرحاض للتبول؟ حين سألتها لاحقاً، قالت كان الولد مرعوباً وحين يبول يذهب نصف رعبه! في الصباح ألباكر ذهبنا إلى حديقة ألامه وهي حديقة كبيرة تقع على كورنيش شط العرب. تناقشنا بكيفية إختفائه وإلى أين! برقت في رأسي فكرة أن يختفي في المستشفى، لا أعرف كيف ! تلقفها الصعلوك بقهقة صارخا وجدتها. دخل المستشفى بتدبير ليس لي علاقة فيه، لم استطع زيارته كي لا يُكشف .أرسلت أبن أخي إليه حاملا خمسة دنانير لعلها تساعده على الهروب! بعداسبوع جاء زوار ألليل بسيارة الفولكس واكن الصغيره، لم أكن موجداً في البيت أمي أرسلت لي خبراً أن أغادر البصرة دون أية كلمة أخرى؟
كانت بغداد محطة اختفائي دائما، لسعتها وازدحام سكانها. لم أمكث طويلا دون عمل فيها، ساحة الطيران ملجئي حين يزاملني ألأفلاس .أقف مع طابور العماله، بنيتي القويه وعمري يغريان ألمقاولين باستغلاليهما، فأعيش لفترة وبعدها يكتشفون أن هذه ليست مهنتي، فينتهي بي ألأمر ثانية خارج سوق ألعمل.
لم أعرف شيئا عن شاعرنا الصعلوك، لقد إختفت أخباره بسب عدم متابعتي لها، لأنشغالي في معهد المكننه الزراعيه وتعيني بعد ذلك في مشروع ألمصب ألعام في ألجزء الواقع منه بين النعمانية والشوملي، بصحراء لم أعرفها أو اقرأ عنها .خلال هذه ألفترة ذهبت الى البصره فوجدته. سالته أين أنت؟ أجابني
( لم تكن زلة رأسي.... أنما زلت سياف المدينه)
**
فهمت من جوابه كل شئ، ولكنني فوجئت وهذا بالتحديد في عام (1971) وفي مهرجان مديرية تربية البصره يلقي قصيدة- كما قال لي احد الرفاق- بعنوان (ورقة من تقويم المنفى) ألغريب انه أهداها للرفيق الشهيد عبد الخالق محجوب (سكرتير الحزب الشيوعي السوداني) و سط إندهاش الجميع قرأ قصيدته!
***
سنوات مرت دون أن أرى عبد الحسن ، إنقلب البعث على حلفائه وكان رفاق محلة الجمهورية أول المعتقلين . وبعد ألاعتقال تفرق الجمع. لم اقرأ لعبد الحسن شيئا . في كردستان عندما كنت نصيرا، سمعت أن سيارة أمن دهسته ورجعت عليه ثانية ولم يمت يا لهذا الرجل العنيد . وبعد خروجي من كردستان عرفت انه إختفى وللأبد دون أن يعرف أحد مصيره . هكذا تهوي الشهب ولكنها ترسم على وجه السماء إضآ تها...!
* الشاعر صباح شرهان شاعر رقيق كان ضمن مجموعة يهتمون بالادب منهم حاتم العقيلي وعبد الحسن الشذر وانا ونبيل كاظم جياد. وبعض المسرحين .صباح لم أسمع عنه شيئا سوى قصيدة قرأتها في الثقافة الجديده
** ضمنت ما قاله عبد الحسن في قصيدة نشرتها باسم (بشت آشان) وقد أكمل عبد الحسن قصيدته وأسماها (صعود اورفيوس الى باب المطهر) نشرت قصيدة عبد الحسن لمناسبة احد اعياد الحزب الشيوعي العراقي مع قصائد مجموعة من الشعرا في كتيًب
*** نشرت قصيدة (ورقة من تقويم المنفى) في الثقافة الجديده (1972