[SIZE=6]اقرا واستمتع مع.. أحمد رجب شلتوت[/SIZE]
بقلم: سيد الوكيل
في كل يوم يتأكد لي أن تجارب الحياة الاستثنائية للكاتب، تخلق له وعيا استثنائيا، وهذا الوعي هو الذي يتشكل سردا ونقدا وفنا أي كان نوعه. يحيلني هذا إلى موضوع سبق أن تكلمت عنه، وكتبت فيه تحت عنوان ( المؤلف حيا) معارضا مقولة موت المؤلف التي انتهت إلى جمود النقد، ووضعته في أفق شكلاني ميكانيكي يتساوي فيه الأعمى والبصير، والنتيجة أنها أفقدت النص طاقة الحياة، وراحت تنظر إليه بوصفه مجموعة من المعادلات الصماء: عتبات، وضمائر، وراو عليم وآخر لا يعلم، بضعة تقنيات وأساليب، أيديولوجيات ووجهات نظر.. عندئذ فرغنا السرد من معناه الإنساني الذي احتوته الأساطير والحكايات الشعبية، وحتى تلك قد استخدمناها لتصبح حليات شكلية لتعكس فقر واقعنا الإنساني. قتلنا الإنسان الكامن وراء النص، واستعضنا عنه بحفنة مقولات جاهزة تصلح لكل وأي نص.
في كتابه ( رشفات من النهر) يمتلك أحمد رجب شلتوت قدرا من الشجاعة على انتهاك قداسة النقد، كأن يقدم لكتابة بسرد مبسط عن تجربته الخاصة التي شكلت وعيه، وجعلت الكتاب ليس صديقا فقط كما القول الشائع، بل معادلا لذاته.
تجربة قد تثير الألم لكنها تحظى بالإعجاب، لأنها تعكس نضال الإنسان في مواجهة طغيان الواقع، والقدرمعا، الظاهر والباطن، الحقيقي والمجازي، ليؤكد أن طبيعة الوجود السلطوية أعتى كثيرا من أي سلطة نظنها. هكذا يتوجه خطاب المقدمة إلى الذات المبدعة تقديرا لها، كونها انتصرت على كل حيل القدر القاهرة، لطفل ولد معاقا، وفقيرا، واب كتب عليه القتال في كل الحروب العسكرية والاقتصادية والاجتماعية.
عندما يتوجه خطاب المبدع لذاته أولا، فكل ما يخرج منه هو نتاج كينونته، لهذا يترك اقرا عميقا في قرائه، مزيحا لوهم المثقف النبي، الذي يظن أن السماء قد نصبته معلما مبشرا ونذيرا.
مقدمة الكتاب جديرة بالقراءة، وظني أنني لا أتوقف عند المقدمات كونها مصادرة على وعيي أنا القارئ، فمن قال لك أيها المثقف أن تعرف ما لم أعرفه؟
ولكني هنا توقفت وأعدت قراءة المقدمة وحدها عدة مرات، على ما فيها من بساطة ووضوح، عندئذ اكتشف النهج الإنساني الذي يخفق وراء النصوص، وهو يقتفى أثر أدباء استثنائيين في التاريخ أمثال ديستويفسكي وكامي وبورخيس، ولكن لا ينهمك في وجودهم الورقي، بل في وجودهم الإنساني، ليكون مدخلا لعالمهم الثري. لهذا أدركت معنى عنوان كتابه الثاني ( فن البحث عن الإنسان) وهو قراءات في الرواية. الذي اعتبره تنويعة جديدة على الكتاب السابق، بما يشير إلى أن الكاتب يمتلك مشروعا ورؤية لمعنى السرد، لا يلهث وراء موضات تفرضها أساليب النشر الخاص الانتهازي، التي تستلب وعي الكتاب بخدع بصرية عن البست سيللر والجوائز.
الكاتب أحمد رجب شلتوت، لا ينشغل بمصطلحات، ولا بتحليل أسلوبي، ولا تراكيب شكلانية، بقدر ما ينشغل بالإنسان( بين الجوهر والمظهر) كما يقول إريك فورم. لهذا فالتحليل النفسي والاجتماعي والثقافي هي مداخل أساسية في قراءة هؤلاء الكتاب الكبار. لكن بلا مصطلحات ولا سموق علمي، النقد هنا قرين الإبداع، قراءة مبدعة وذاتية، بلا اكتراث بأقانيم الموضوعية وإجراءات المنهجية. لهذا فنحن مقدمون على متعة معرفية في هذين الكتابين.
يقيني أن كلامي هذا سيثير حفيظة البعض الذي لم أعد انشغل بوجودهم أصلا، لكنهم سيعرفون بعد فوات الأوان كالعادة، أن أي خطاب نقدي، بلا ذات مبدعة هو لغو سوف يذهب سريعا كما يذهب زبد البحر.
فرحتي غامرة بمثل هذا الرؤى النقدية الجديدة التي تلوح في الأفق على استحياء خشية الهاكر النقدي، الذي لا يعرف كيف يزرع شجرة ليأكل وتأكل معه الناس، فقط يكتفي بالوقوف على قمة الجبل، وفجأة ينقض ليقتنص فرخا هضيم الجناجين.
فأي سموق تفخرون به؟
بقلم: سيد الوكيل
في كل يوم يتأكد لي أن تجارب الحياة الاستثنائية للكاتب، تخلق له وعيا استثنائيا، وهذا الوعي هو الذي يتشكل سردا ونقدا وفنا أي كان نوعه. يحيلني هذا إلى موضوع سبق أن تكلمت عنه، وكتبت فيه تحت عنوان ( المؤلف حيا) معارضا مقولة موت المؤلف التي انتهت إلى جمود النقد، ووضعته في أفق شكلاني ميكانيكي يتساوي فيه الأعمى والبصير، والنتيجة أنها أفقدت النص طاقة الحياة، وراحت تنظر إليه بوصفه مجموعة من المعادلات الصماء: عتبات، وضمائر، وراو عليم وآخر لا يعلم، بضعة تقنيات وأساليب، أيديولوجيات ووجهات نظر.. عندئذ فرغنا السرد من معناه الإنساني الذي احتوته الأساطير والحكايات الشعبية، وحتى تلك قد استخدمناها لتصبح حليات شكلية لتعكس فقر واقعنا الإنساني. قتلنا الإنسان الكامن وراء النص، واستعضنا عنه بحفنة مقولات جاهزة تصلح لكل وأي نص.
في كتابه ( رشفات من النهر) يمتلك أحمد رجب شلتوت قدرا من الشجاعة على انتهاك قداسة النقد، كأن يقدم لكتابة بسرد مبسط عن تجربته الخاصة التي شكلت وعيه، وجعلت الكتاب ليس صديقا فقط كما القول الشائع، بل معادلا لذاته.
تجربة قد تثير الألم لكنها تحظى بالإعجاب، لأنها تعكس نضال الإنسان في مواجهة طغيان الواقع، والقدرمعا، الظاهر والباطن، الحقيقي والمجازي، ليؤكد أن طبيعة الوجود السلطوية أعتى كثيرا من أي سلطة نظنها. هكذا يتوجه خطاب المقدمة إلى الذات المبدعة تقديرا لها، كونها انتصرت على كل حيل القدر القاهرة، لطفل ولد معاقا، وفقيرا، واب كتب عليه القتال في كل الحروب العسكرية والاقتصادية والاجتماعية.
عندما يتوجه خطاب المبدع لذاته أولا، فكل ما يخرج منه هو نتاج كينونته، لهذا يترك اقرا عميقا في قرائه، مزيحا لوهم المثقف النبي، الذي يظن أن السماء قد نصبته معلما مبشرا ونذيرا.
مقدمة الكتاب جديرة بالقراءة، وظني أنني لا أتوقف عند المقدمات كونها مصادرة على وعيي أنا القارئ، فمن قال لك أيها المثقف أن تعرف ما لم أعرفه؟
ولكني هنا توقفت وأعدت قراءة المقدمة وحدها عدة مرات، على ما فيها من بساطة ووضوح، عندئذ اكتشف النهج الإنساني الذي يخفق وراء النصوص، وهو يقتفى أثر أدباء استثنائيين في التاريخ أمثال ديستويفسكي وكامي وبورخيس، ولكن لا ينهمك في وجودهم الورقي، بل في وجودهم الإنساني، ليكون مدخلا لعالمهم الثري. لهذا أدركت معنى عنوان كتابه الثاني ( فن البحث عن الإنسان) وهو قراءات في الرواية. الذي اعتبره تنويعة جديدة على الكتاب السابق، بما يشير إلى أن الكاتب يمتلك مشروعا ورؤية لمعنى السرد، لا يلهث وراء موضات تفرضها أساليب النشر الخاص الانتهازي، التي تستلب وعي الكتاب بخدع بصرية عن البست سيللر والجوائز.
الكاتب أحمد رجب شلتوت، لا ينشغل بمصطلحات، ولا بتحليل أسلوبي، ولا تراكيب شكلانية، بقدر ما ينشغل بالإنسان( بين الجوهر والمظهر) كما يقول إريك فورم. لهذا فالتحليل النفسي والاجتماعي والثقافي هي مداخل أساسية في قراءة هؤلاء الكتاب الكبار. لكن بلا مصطلحات ولا سموق علمي، النقد هنا قرين الإبداع، قراءة مبدعة وذاتية، بلا اكتراث بأقانيم الموضوعية وإجراءات المنهجية. لهذا فنحن مقدمون على متعة معرفية في هذين الكتابين.
يقيني أن كلامي هذا سيثير حفيظة البعض الذي لم أعد انشغل بوجودهم أصلا، لكنهم سيعرفون بعد فوات الأوان كالعادة، أن أي خطاب نقدي، بلا ذات مبدعة هو لغو سوف يذهب سريعا كما يذهب زبد البحر.
فرحتي غامرة بمثل هذا الرؤى النقدية الجديدة التي تلوح في الأفق على استحياء خشية الهاكر النقدي، الذي لا يعرف كيف يزرع شجرة ليأكل وتأكل معه الناس، فقط يكتفي بالوقوف على قمة الجبل، وفجأة ينقض ليقتنص فرخا هضيم الجناجين.
فأي سموق تفخرون به؟