بوشكين ظاهرة استثنائية، وربما الظاهرة الفريدة للنفس الروسية، هكذا قال جوجول. وأضيف، من جانبي، أنه عبقرية نبوية. لقد ظهر بوشكين بالضبط في لحظة كان يبدو فيها أننا نستعد لإدراك أنفسنا، ومجيئه ساهم بقوة في إضاءة طريقنا.
الفعالية الفكرية لشاعرنا العظيم لها ثلاث مراحل. لا أتحدث، في هذه اللحظة، من خلال النقد الأدبي، لا أتحدث سوي عن نبوءاته لنا من خلال أعماله الأدبية. أعترف أن هذه المراحل الثلاث لم يكن بينها حدود فاصلة. فبداية رواية أونيجين تنتمي إلي الأولي ونهايتها تنتمي إلي المرحلة الثانية، بينما كان قد وجد نموذجه في أرض المنشأ. من المعتاد قول أن بوشكين، في بداياته حاكي الشعراء الأوروبيين: بارني، أندريه شينييه، وخاصًة بايرون. بلا شك كان لشعراء أوروبا عظيم التأثيرعلي تطورعبقريته، وهذا التأثير حافظ عليه حتي نهاية حياته. إلا أن أشعار بوشكين الأولي لم تكن مجرد محاكاة: لقد اخترقتها استقلالية عبقريته. أبدا، في أعمال مجرد محاكاة، لن نري مثل كثافة الألم هذه ولا الوعي العميق جدا بذاته. انظروا ، علي سبيل المثال، الغجر، القصيدة التي نظمها في المرحلة الأولي من فعاليته الإبداعية. لا أتحدث عن حماسته فحسب، التي ما كان لها أن تكون بمثل هذه القوة إن لم تقم إلا بالمحاكاة في مثل هذا النوع من الألكو، يكشف بالفعل بطل القصيدة عن فكرة قوية وعميقة، روسية بشكل بارز، وستظهر لاحقا مكتملة تماما في أونجين، حيث نظن أننا نري ألكو يظهر مجددا، ليس في شكل فانتازي، بل في شكل واقعي، ملموس، واضح. في هذا النوع من الألكو قد وجد وميز بوشكين بخاتم عبقريته شخصية المتسكع التعس، التائه في أرض المنشأ، هذا الشهيد الروسي، ولد قسرا من مجتمعنا المنفصل بقسوة عن الشعب. هذا ليس عن بايرون الذي قابله. هذا المتسكع الروسي بلا كوخ يلاحق اليوم طريدته ولن يختفي طويلا. إذا لم ينضم للغجر ليجد مثاله عن الحياة البرية الهائمة والسكينة في حضن الطبيعة، يلقي بنفسه في الاشتراكية التي لم تكن موجودة بعد في عصرالإلكو. يبحث دائما، ليس فقط عن رضا غرائزه الشخصية، بل كذلك عن السعادة الكونية. يحتاج المتسكع الروسي للسعادة الكونية حتي يهدأ.
الغالبية العظمي من الروس لا يطالبون بالكثير من ذلك. الكثير منهم يسعد بأن يخدم بسكينة البلد كموظف حكومي، كمستخدم في خزانة الدولة، في السكك الحديد، أو موظف بنك، ولا يقلقهم أن يتكسبوا عيشهم بطريقة أو بأخري. هذا كثير جدا لو أن بعضهم دفع بالليبرالية إلي "اشتراكية أوروبية" مبهمة، تخففها السذاجة الروسية، لكنها ليست إلا مسألة وقت. بغض النظر عن هذا الذي بمجرد أن يبدأ حتي يثير المتاعب، بينما ذلك يدق بالفعل جبهته في الباب! يكفي أن يُثار بعضهم حتي يقلق كل الآخرين. لا يعرف بعد ألكو التعبير بوضوح عن قلقه. كل ذلك في الحالة الغامضة، عنده، ليس سوي الحنين إلي الطبيعة، أحقاد ضد المجتمع الراقي،الميول، بعض الشيء، إلي الكوزموبوليتانية، دموع علي الحقيقة التي ضاعت منا، التي لن نستطيع إيجادها. يوجد بداخله بعض من جان جاك روسو. علي أي شيء تستند هذه الحقيقة؟ هذا ما لم يقله لنا، لكنه يعاني بصدق. هل الحقيقة في مكان آخر؟ في الأراضي الأوروبية التي لها شكل منظمة تاريخية، حياة اجتماعية محددة؟ لا يفهم أن الحقيقة بداخله؟ وكيف يدرك ذلك؟ إنه كغريب في وطنه. يشعر بذلك، يعاني منه، بلا شك ينتمي لطبقة النبلاء الوراثية، المالكة للأقنان علي الأرجح. عرض ببراعة فانتازيا الحياة مع أناس لا يعرفون قانونا، نزهة الدب الذي يظهر...الطبيعة الرحيمة، المرأة،" المرأة البرية"، حسب تعبير أحد الشعراء، تستطيع أن تعيد له الأمل في العافية، بلا روية يتوله بزيمفيرا" هو ذاك، قال، حيث تكون عافيتي وربما سعادتي، هنا، في قلب الطبيعة، بين بشر ليس لديهم حضارة ولا قوانين! "لكن في بداياته في الحياة البربرية، لا يحتمل التجربة وتلطخ يداه بالدم. يطرده الغجر، دون انتقام وبلا سخط، بصدق وروعة".
دعنا، أيها الرجل المتكبر، نحن برابرة، ليس لدينا قوانين. لا نمارس التعذيب ولا نعاقب. كل ذلك وبشكل طبيعي يحدث بشكل فانتازي تام، لكن وللمرة الأولي، نموذج "الإنسان المتكبر المتمدن"، بقدر ما هو متناقض مع الإنسان البربري، إلا أنه مفهوم بطريقة سليمة. لقد تم تنصيبه عندنا للمرة الأولي من قبل بوشكين. وهذه حقيقة لنتذكرها. مجرد أن الرجل المتكبر المتمدن سيري إهانة ما، سيضرب ويعاقب المسيئ، متذكرا أنه ينتمي لواحدة "من طبقات النبلاء الأربع عشر"، يطلق الصيحات العالية ويأسف علي القانون الذي كان يعاقب هؤلاء الذين يمكنهم مضايقته. ويمكن إن نقول أن هذه القصيدة الرائعة ليست سوي عمل محاك! قد يتعجلون هنا "الحل الروسي" للتساؤل اللعين.
"فلتتواضع، أيها الرجل المتكبر، يجب أن تهزم أولا عجرفتك. فلتتواضع، أيها الرجل المتبطل، فلتعمل بأرض منشأك!هذا هو الحل طبقا للشعب". الحقيقة ليست خارجك، إنها في ذاتك، فلتذعن ذاتك لذاتك، فلتستعد ذاتك أنت وستعرف الحقيقة. إنها ما توجد عبر مجهودك الخاص ضد المكتسبات الزائفة. إذا ما دحرت واستوليت ذات مرة علي ذاتك، ستصبح حرا بشكل ما كنت تتخيل أبدا أنه يمكن أن يكون كذلك، سوف تضطلع بعمل عظيم بتجاوز نظراءك، ستصبح سعيدا لأن حياتك سوف تمتلئ بالفعل وسوف تفهم أخيرا شعبك وحقيقته المقدسة. لن يكون التناغم العالمي عند الغجر ولا في أي مكان بالنسبة لك، إن لم تكن تستحقه،إن كنت شريرا ومتكبرا، إن أردت الحياة دون أن تدفع مجهود.
لقد طرحت المشكلة علي نحو رائع في قصيدة بوشكين. سوف تكون مبينة أيضا بشكل أوضح ما يكون في أوجين أونجوين، قصيدة لم يعد بها أي شيء فانتازي، لكن بها واقعية واضحة، قصيدة بها الحياة الروسية الحقيقية مستدعاة بهذه البراعة حيث لم يُكتب أي شيء بمثل هذه الحيوية قبل بوشكين، وربما ليس بعده.
تصل أونجوين من بطرسبرج وبالفعل يجب أن تصل من بطرسبرج حتي تحصل القصيدة علي مغزاها الكامل. إنه دائما إلي حد ما ألكو، ولاسيما عندما يكتب، داخل القلق:
لماذا، كالمعاون تولا
لا يقهرني العجز؟
ومع ذلك، في بداية القصيدة، يحافظ علي قليل من التعجرف، يظل محبا للحياة الاجتماعية ويعيش الكثير من الوقت حتي يزول وهمه عن الحياة.لكنه بالفعل يبدأ في مخالطة "الشيطان النبيل للضجر المختفي". في قلب وطنه نفسه يشعر بالنفي.لا يعرف ما العمل: يشعر"كأنه مدعوه الخاص".
وبعد ذلك، عندما يستولي عليه القلق، يجول عبر وطنه، ثم في الخارج، يؤمن في ذاته بإنسان مخلص، غريب عنه جدا في بلاد الغرباء. بخصوص مسقط رأسه، يحبه ، لكنه ليس لديه ثقة فيه. سمع الكلام عن المثال الروسي، لكنه لا يؤمن به. لا يؤمن إلا بالتعذر التام بتجربة أيا ما كان موجودا علي أرض بلاده، وهؤلاء الذين، هم أقل عددا كاليوم، يحافظون علي أملهم في الأرض الروسية، يستخف بهم بأسي. ببساطة قتل لينسكي بالكآبة، من يعرف؟ ربما بالحنين للمثال المحب للحياة الاجتماعية.
تاتيانا أخري: "إنها المرأة التي تستوعب بكل عواطفها أرض المنشأ. لديها نفس أكثر غورا من نفس أونجوين، تلح، بغريزة نبيلة، علي مكان الحقيقة، وتعبر عن فكرتها في هذا الموضوع في نهاية القصيدة. إنها نموذج إيجابي ، ليس سلبيا، إنها النموذج المجيد للمرأة الروسية، وأراد الشاعر أن تكون هي من يظهر الفكرة الكلية للقصيدة في المشهد الشهير الذي يلي مقابلة تاتيانا مع أونجوين. من الممكن أن نقول إننا لم نعد نجد نموذجا واحدا بمثل هذا الجمال للمرأة الروسية في كل أدبنا، إذا لم تكن ربما ليز في رواية عش النبيلاء لتورجينيف. تمر مجهولة، في حياة أونجوين، وهذا هو الجانب التراجيدي في رواياته.
آه! لو حضر في مقابلتهما الأولي الطفل هارولد أو لورد بايرون اللذان كانا قد أتيا من انجلترا، ليجعلا أونجوين يدرك سحر تاتيانا، دون شك لم يكن أونجوين في حالة غبطة أمامها، لأنه يوجد عند هؤلاء الرحالة الموجعين شيء من الروح الخانعة. لكن لم يأت بايرون، الباحث عن تناغم الحياة الاجتماعية، بعد أن تفوه لـ تاتينا بعظة ما، سيرحل بصدق بقلقه الاجتماعي. يستمر في ترحاله، وبكل قوته وصحته، يصرخ مجدفا.
أنا شاب، بداخلي الحياة هادرة،
وما لي أن أنتظر؟ الضجر، الضجر.
أدركت تاتيانا ذلك. في مقاطع خالدة، كان يعرضها الشاعر زائرة لمنزل هذا الرجل الغريب، الملغز أيضا بالنسبة لها. لا أتحدث عن الجمال الفريد لهذه المقاطع من وجهة نظر أدبية. ها هي في حجر عمل أونجوين ، تحاول أن تكشف اللغز، ثم تتوقف بابتسامة غريبة، تلح علي الحقيقة وتقول بصوت خفيض:
ليس سوي محاكي بارودي؟
نعم، كان يجب أن تظن ذلك وكشفته. فيما بعد، في بطرسبرج، عند اللقاء الجديد، ستعرفه كلية. في حينه، من أكد إذن أن حياة البلاط تستهدفها كسم وأن أفكارها الجديدة الخاصة بالحياة الاجتماعية كانت، حتي درجة ما، من قضت لها بتأنيب أونجوين... لا هذا خطأ! تاتانيا هي دائما تاتانيا، تانيا، القروية. ليست فاسدة علي الإطلاق. علي العكس، إنها تعاني من هذه الحياة البطرسبرجية شديدة التألق، تكره دوره كامرأة راقية، هؤلاء الذين يحكمون عليها بشكل آخر يقدرونها علي نحو خاطئ، ولم يفهموا فكرة بوشكين. تقول بصرامة لـ أونجوين: منحت نفسي لآخر. وسوف أظل مخلصة له للأبد. لقد عبرت عن العاطفة الحقيقية للمرأة الروسية. لن أتحدث عن آرائها الدينية،عن أفكارها حول الزواج. لن أتماس مع ذلك. لو أنها رفضت ملازمة أونجوين، علي الرغم من أنها قالت له:" أحبك" ليس كامرأة أوروبية، كأي فرنسية، لأنها تفتقد شجاعة أن تضحي بترفها، وثرائها...لا،المرأة الروسية شجاعة، إنها تلازم ذلك الذي تعتقد أنه يجب ملازمته. لكنها منحت نفسها لآخر وستظل مخلصة له للأبد".
... وماذا يمكن أن تكون السعادة التي قامت علي تعاسة آخر؟ تخيلوا أنكم قد تجدون السر الذي يجعل كل البشر سعداء، لكن من أجل ذلك يكاد أن يسقط فرد واحد شهيد، متقبلين أيضا أنه ليس سوي كائن مثير للسخرية إلي حد ما، دون أي شيء شكسبيري، عجوز، زوج، أسترضون لأنفسكم بأن تصنعوا ، بأي ثمن، سعادة الإنسانية؟
أتعتقدون، فضلا عن ذلك، أن هؤلاء الذين تودون إسعادهم بمعاناة كائن وحيد سيرضون أن يقبلوا مثل هذه السعادة؟ قولوا، تاتانيا، أيمكنها أن تأخذ قرارا آخر غير الذي ااتخذته، هي بروحها السامية بهذا القدر، هي التي تعرض قلبها لهذا الاختبار الصعب جدا؟ ستقرر روح روسية حقيقية مثلها: " أفضل أن أكون كائنا وحيدا محروما من السعادة علي أن أتسبب في تعاسة كائن بشري واحد، أود ألا يعرف أحد تضحيتي، لكني أرفض أي بهجة تحزن مخلوق آخر". إذن سيصبح أونجوين تعس؟ المسألة هنا مختلفة. أعتقد أن، حتي الأرملة تاتانيا، لم تكن لتتزوج أونجوين. كانت تعرف أن أونجوين وهو يري مرة أخري،في وسط متألق،المرأة التي كانت قد رفضت سابقا، قد يـتأثر بالترف يزينها ويحوطها. العالم يعشق هذه الصبية التي يحتقرها تقريبا.العالم، هذه السلطة الحاكمة بالنسبة لـ أونجوين!
"ها هو مثالي، يصيح، غايتي، نهاية كروبي وأنا خسرت كل هذا!والسعادة كانت قريبة جدا، ممكنة جدا! وكما فعل ألكو من قبل تجاه زامفيرا، ينطلق نحو تاتانيا، باحثا عبر الرض بهذه الفانتازيا الجديدة عن الحل لكل شكوكه. لكن ألم تكشفه تاتانيا منذ أمد بعيد؟ في الحقيقة تعرف أنه لا يحب المرأة التي تكونها في الواقع، لكن هذه التي تبدو متخيلة. هل هو قادر أيضا علي أن يحبها أيا ما كانت؟ لو تبعنه، سرعان ما سيصاب بخيبة أمل، وفي اليوم التالي سيسخر من حماسة الليلة السابقة. ليس لديه جوهر. إنه شفرة عشب تحملها الريح حيث تريد. تاتيانا ذات طبيعة مختلفة تماما. عندما تعي أن سعادة حياتها كلها ضاعت، تستند أيضا علي ذكريات طفولتها، حياتها الوديعة والقروية. ذكرياتها الماضية تكون بالنسبة لها الآن أغلي من أي شيئ، لم يبق لها سوي ذلك، بل ذلك ما ينقذها من اليأس الكامل. له، أونجوين، ماذا يتبقي له؟ لا تستطيع أن تتبعه إذن لمجرد الشفقة، لتعطيه ما ليس سوي مظهر للسعادة؟ لا هناك نفوس قوية يمكنها أن تخون حتي بسبب الشفقة. لا تستطيع تاتيان تتبع أونجوين.
في هذه القصيدة ظهر بوشكين كأعظم شاعر شعبي، أعظم من كل هؤلاء الذين سبقوه أو لحقوه. بإظهاره لنا هذا النموذج للمتسكع الروسي، كشف كنبي أهميته العظيمة لمصيرنا المستقبلي واستطاع أن يضع جانب هذا الأونجوين الشخصية الأجمل للمرأة الروسية في كل أدبنا. علاوة علي ذلك، هو أول من طرح علينا كل سلسلة النماذج الروسية الجميلة والحقيقية، التي اكتشفها في شعبنا. سأنبه مرة أخري أيضا إنني لا أتحدث في شكل نقد أدبي وإنه لذلك لم أترك نفسي لبحث أكثر اسهابا عن أعماله العبقرية. نستطيع أن نكتب كتابا كاملا فقط علي نموذج الراهب المؤرخ، من أجل توضيح أي مغزي من هذه الشخصية الروسية الجليلة والتي رسمها بوشكين علي نحو رائع، ليشعرنا بكل الجمال الروحي لهذه الشخصية. هذا النموذج موجود: ليس مجرد صورة عن النموذج الكامل للشاعر وروح الشاعر الذي أنجبه موجودة أيضا، والقوة الحيوية لهذه الروح هائلة الحجم. في كل أعمال بوشكين سوف تجد إيمانه بالنفس الروسية يتفجر.
" علي أمل المجد والخير أنظر أمامي دون خوف" وهذا ما قاله أيضا، ويمكن أن تطبق كل هذه الأقوال علي كل نشاطه الإبداعي القومي. لم يستطع أي كاتب روسي آخر أن يكتسب قليلا من مثل هذه الرابطة مع الشعب. بالتأكيد هناك مُقَدِرين رائعين لشعبنا من بين كتابنا، لكننا إذا ما قارناهم بـ بوشكين باستثناء واحد أو اثنين من خلفه الأكثر مناورة، فليس أبدا سوي " السادة " الذين يكتبون عن الشعب . بالنسبة لأولئك منهم من يمتلكون موهبة رفيعة، وأيضا بالنسبة للاثنين الذين تحدثت عنهم للتو، فجأة يخترق شيء ما من الغطرسة، نية أن يظهروا جيدا أنهم تواضعوا ليرفعوا الشعب لمستوي ذاتهم.عند بوشكين ثمة ألف حقيقة مع الشعب، نوعا من أرقة إزاءالشعب، صراحة وبساطة وواقعية. أتتذكرون أسطورة الدب والفلاح الذي قتل أنثي الدب؟ انظروا هذ الأبيات:
إيفان عرابنا،
وعندما نشرع في الشراب...
تدركون ما أود قوله.
كل هذه الكنوز الفنية كانت كبعر الخنزير البري بالنسبة لتعليم فناني المستقبل. يمكن أن نقول بشكل إيجابي أن، إذا لم يكن هناك بوشكين، ما كانت لتظهر المواهب التي تلته. علي الأقل، ما كانوا ليستطيعوا أن يظهروا بمثل هذه القوة والوضوح. والأمر لا يخص الشعر فقط. فبدونه إيماننا باستقلال العبقرية الروسية ما كانت لتجد شكلا لتعبر عن نفسها. نفهم بشكل خاص بوشكين عندما يتعمق المرء فيما سأطلق عليه الفترة الثالثة من نشاطه الفني .
أكرر ذلك مرة أخري، هذه المراحل ليست متعينة الحدود بشكل واضح تماما. بعض أعمال المرحلة الثالثة يمكن أن ترد في إنتاج المرحلة الأولي، لأن بوشكين كان دائما كائنا عضويا كاملا ، من البداية ، حمل بداخله بذور الموهبة. فالحياة الخارجية لم تقم إلا بإيقاظ في داخله ما كان موجودا بالفعل في أعماق كينونته. لكن هذا الكائن العضوي كان يتطور، ومن الصعب أن نفصل بالفعل إحدي مراحل تطوره. نستطيع، بشكل عام، أن ننسب للمرحلة الثالثة هذه السلسلة من الأعمال التي تخترق فيها نفسه بشكل خاص النفس البشرية العالمية. وبعض هذه الأعمال لم تظهر إلا بعد وفاته.
بوشكين ظاهرة استثنائية، وربما الظاهرة الفريدة للنفس الروسية، هكذا قال جوجول. وأضيف، من جانبي، أنه عبقرية نبوية. لقد ظهر بوشكين بالضبط في لحظة كان يبدو فيها أننا نستعد لإدراك أنفسنا، ومجيئه ساهم بقوة في إضاءة طريقنا.
الفعالية الفكرية لشاعرنا العظيم لها ثلاث مراحل. لا أتحدث، في هذه اللحظة، من خلال النقد الأدبي، لا أتحدث سوي عن نبوءاته لنا من خلال أعماله الأدبية. أعترف أن هذه المراحل الثلاث لم يكن بينها حدود فاصلة. فبداية رواية أونيجين تنتمي إلي الأولي ونهايتها تنتمي إلي المرحلة الثانية، بينما كان قد وجد نموذجه في أرض المنشأ. من المعتاد قول أن بوشكين، في بداياته حاكي الشعراء الأوروبيين: بارني، أندريه شينييه، وخاصًة بايرون. بلا شك كان لشعراء أوروبا عظيم التأثيرعلي تطورعبقريته، وهذا التأثير حافظ عليه حتي نهاية حياته. إلا أن أشعار بوشكين الأولي لم تكن مجرد محاكاة: لقد اخترقتها استقلالية عبقريته. أبدا، في أعمال مجرد محاكاة، لن نري مثل كثافة الألم هذه ولا الوعي العميق جدا بذاته. انظروا ، علي سبيل المثال، الغجر، القصيدة التي نظمها في المرحلة الأولي من فعاليته الإبداعية. لا أتحدث عن حماسته فحسب، التي ما كان لها أن تكون بمثل هذه القوة إن لم تقم إلا بالمحاكاة في مثل هذا النوع من الألكو، يكشف بالفعل بطل القصيدة عن فكرة قوية وعميقة، روسية بشكل بارز، وستظهر لاحقا مكتملة تماما في أونجين، حيث نظن أننا نري ألكو يظهر مجددا، ليس في شكل فانتازي، بل في شكل واقعي، ملموس، واضح. في هذا النوع من الألكو قد وجد وميز بوشكين بخاتم عبقريته شخصية المتسكع التعس، التائه في أرض المنشأ، هذا الشهيد الروسي، ولد قسرا من مجتمعنا المنفصل بقسوة عن الشعب. هذا ليس عن بايرون الذي قابله. هذا المتسكع الروسي بلا كوخ يلاحق اليوم طريدته ولن يختفي طويلا. إذا لم ينضم للغجر ليجد مثاله عن الحياة البرية الهائمة والسكينة في حضن الطبيعة، يلقي بنفسه في الاشتراكية التي لم تكن موجودة بعد في عصرالإلكو. يبحث دائما، ليس فقط عن رضا غرائزه الشخصية، بل كذلك عن السعادة الكونية. يحتاج المتسكع الروسي للسعادة الكونية حتي يهدأ.
الغالبية العظمي من الروس لا يطالبون بالكثير من ذلك. الكثير منهم يسعد بأن يخدم بسكينة البلد كموظف حكومي، كمستخدم في خزانة الدولة، في السكك الحديد، أو موظف بنك، ولا يقلقهم أن يتكسبوا عيشهم بطريقة أو بأخري. هذا كثير جدا لو أن بعضهم دفع بالليبرالية إلي "اشتراكية أوروبية" مبهمة، تخففها السذاجة الروسية، لكنها ليست إلا مسألة وقت. بغض النظر عن هذا الذي بمجرد أن يبدأ حتي يثير المتاعب، بينما ذلك يدق بالفعل جبهته في الباب! يكفي أن يُثار بعضهم حتي يقلق كل الآخرين. لا يعرف بعد ألكو التعبير بوضوح عن قلقه. كل ذلك في الحالة الغامضة، عنده، ليس سوي الحنين إلي الطبيعة، أحقاد ضد المجتمع الراقي،الميول، بعض الشيء، إلي الكوزموبوليتانية، دموع علي الحقيقة التي ضاعت منا، التي لن نستطيع إيجادها. يوجد بداخله بعض من جان جاك روسو. علي أي شيء تستند هذه الحقيقة؟ هذا ما لم يقله لنا، لكنه يعاني بصدق. هل الحقيقة في مكان آخر؟ في الأراضي الأوروبية التي لها شكل منظمة تاريخية، حياة اجتماعية محددة؟ لا يفهم أن الحقيقة بداخله؟ وكيف يدرك ذلك؟ إنه كغريب في وطنه. يشعر بذلك، يعاني منه، بلا شك ينتمي لطبقة النبلاء الوراثية، المالكة للأقنان علي الأرجح. عرض ببراعة فانتازيا الحياة مع أناس لا يعرفون قانونا، نزهة الدب الذي يظهر...الطبيعة الرحيمة، المرأة،" المرأة البرية"، حسب تعبير أحد الشعراء، تستطيع أن تعيد له الأمل في العافية، بلا روية يتوله بزيمفيرا" هو ذاك، قال، حيث تكون عافيتي وربما سعادتي، هنا، في قلب الطبيعة، بين بشر ليس لديهم حضارة ولا قوانين! "لكن في بداياته في الحياة البربرية، لا يحتمل التجربة وتلطخ يداه بالدم. يطرده الغجر، دون انتقام وبلا سخط، بصدق وروعة".
دعنا، أيها الرجل المتكبر، نحن برابرة، ليس لدينا قوانين. لا نمارس التعذيب ولا نعاقب. كل ذلك وبشكل طبيعي يحدث بشكل فانتازي تام، لكن وللمرة الأولي، نموذج "الإنسان المتكبر المتمدن"، بقدر ما هو متناقض مع الإنسان البربري، إلا أنه مفهوم بطريقة سليمة. لقد تم تنصيبه عندنا للمرة الأولي من قبل بوشكين. وهذه حقيقة لنتذكرها. مجرد أن الرجل المتكبر المتمدن سيري إهانة ما، سيضرب ويعاقب المسيئ، متذكرا أنه ينتمي لواحدة "من طبقات النبلاء الأربع عشر"، يطلق الصيحات العالية ويأسف علي القانون الذي كان يعاقب هؤلاء الذين يمكنهم مضايقته. ويمكن إن نقول أن هذه القصيدة الرائعة ليست سوي عمل محاك! قد يتعجلون هنا "الحل الروسي" للتساؤل اللعين.
"فلتتواضع، أيها الرجل المتكبر، يجب أن تهزم أولا عجرفتك. فلتتواضع، أيها الرجل المتبطل، فلتعمل بأرض منشأك!هذا هو الحل طبقا للشعب". الحقيقة ليست خارجك، إنها في ذاتك، فلتذعن ذاتك لذاتك، فلتستعد ذاتك أنت وستعرف الحقيقة. إنها ما توجد عبر مجهودك الخاص ضد المكتسبات الزائفة. إذا ما دحرت واستوليت ذات مرة علي ذاتك، ستصبح حرا بشكل ما كنت تتخيل أبدا أنه يمكن أن يكون كذلك، سوف تضطلع بعمل عظيم بتجاوز نظراءك، ستصبح سعيدا لأن حياتك سوف تمتلئ بالفعل وسوف تفهم أخيرا شعبك وحقيقته المقدسة. لن يكون التناغم العالمي عند الغجر ولا في أي مكان بالنسبة لك، إن لم تكن تستحقه،إن كنت شريرا ومتكبرا، إن أردت الحياة دون أن تدفع مجهود.
لقد طرحت المشكلة علي نحو رائع في قصيدة بوشكين. سوف تكون مبينة أيضا بشكل أوضح ما يكون في أوجين أونجوين، قصيدة لم يعد بها أي شيء فانتازي، لكن بها واقعية واضحة، قصيدة بها الحياة الروسية الحقيقية مستدعاة بهذه البراعة حيث لم يُكتب أي شيء بمثل هذه الحيوية قبل بوشكين، وربما ليس بعده.
تصل أونجوين من بطرسبرج وبالفعل يجب أن تصل من بطرسبرج حتي تحصل القصيدة علي مغزاها الكامل. إنه دائما إلي حد ما ألكو، ولاسيما عندما يكتب، داخل القلق:
لماذا، كالمعاون تولا
لا يقهرني العجز؟
ومع ذلك، في بداية القصيدة، يحافظ علي قليل من التعجرف، يظل محبا للحياة الاجتماعية ويعيش الكثير من الوقت حتي يزول وهمه عن الحياة.لكنه بالفعل يبدأ في مخالطة "الشيطان النبيل للضجر المختفي". في قلب وطنه نفسه يشعر بالنفي.لا يعرف ما العمل: يشعر"كأنه مدعوه الخاص".
وبعد ذلك، عندما يستولي عليه القلق، يجول عبر وطنه، ثم في الخارج، يؤمن في ذاته بإنسان مخلص، غريب عنه جدا في بلاد الغرباء. بخصوص مسقط رأسه، يحبه ، لكنه ليس لديه ثقة فيه. سمع الكلام عن المثال الروسي، لكنه لا يؤمن به. لا يؤمن إلا بالتعذر التام بتجربة أيا ما كان موجودا علي أرض بلاده، وهؤلاء الذين، هم أقل عددا كاليوم، يحافظون علي أملهم في الأرض الروسية، يستخف بهم بأسي. ببساطة قتل لينسكي بالكآبة، من يعرف؟ ربما بالحنين للمثال المحب للحياة الاجتماعية.
تاتيانا أخري: "إنها المرأة التي تستوعب بكل عواطفها أرض المنشأ. لديها نفس أكثر غورا من نفس أونجوين، تلح، بغريزة نبيلة، علي مكان الحقيقة، وتعبر عن فكرتها في هذا الموضوع في نهاية القصيدة. إنها نموذج إيجابي ، ليس سلبيا، إنها النموذج المجيد للمرأة الروسية، وأراد الشاعر أن تكون هي من يظهر الفكرة الكلية للقصيدة في المشهد الشهير الذي يلي مقابلة تاتيانا مع أونجوين. من الممكن أن نقول إننا لم نعد نجد نموذجا واحدا بمثل هذا الجمال للمرأة الروسية في كل أدبنا، إذا لم تكن ربما ليز في رواية عش النبيلاء لتورجينيف. تمر مجهولة، في حياة أونجوين، وهذا هو الجانب التراجيدي في رواياته.
آه! لو حضر في مقابلتهما الأولي الطفل هارولد أو لورد بايرون اللذان كانا قد أتيا من انجلترا، ليجعلا أونجوين يدرك سحر تاتيانا، دون شك لم يكن أونجوين في حالة غبطة أمامها، لأنه يوجد عند هؤلاء الرحالة الموجعين شيء من الروح الخانعة. لكن لم يأت بايرون، الباحث عن تناغم الحياة الاجتماعية، بعد أن تفوه لـ تاتينا بعظة ما، سيرحل بصدق بقلقه الاجتماعي. يستمر في ترحاله، وبكل قوته وصحته، يصرخ مجدفا.
أنا شاب، بداخلي الحياة هادرة،
وما لي أن أنتظر؟ الضجر، الضجر.
أدركت تاتيانا ذلك. في مقاطع خالدة، كان يعرضها الشاعر زائرة لمنزل هذا الرجل الغريب، الملغز أيضا بالنسبة لها. لا أتحدث عن الجمال الفريد لهذه المقاطع من وجهة نظر أدبية. ها هي في حجر عمل أونجوين ، تحاول أن تكشف اللغز، ثم تتوقف بابتسامة غريبة، تلح علي الحقيقة وتقول بصوت خفيض:
ليس سوي محاكي بارودي؟
نعم، كان يجب أن تظن ذلك وكشفته. فيما بعد، في بطرسبرج، عند اللقاء الجديد، ستعرفه كلية. في حينه، من أكد إذن أن حياة البلاط تستهدفها كسم وأن أفكارها الجديدة الخاصة بالحياة الاجتماعية كانت، حتي درجة ما، من قضت لها بتأنيب أونجوين... لا هذا خطأ! تاتانيا هي دائما تاتانيا، تانيا، القروية. ليست فاسدة علي الإطلاق. علي العكس، إنها تعاني من هذه الحياة البطرسبرجية شديدة التألق، تكره دوره كامرأة راقية، هؤلاء الذين يحكمون عليها بشكل آخر يقدرونها علي نحو خاطئ، ولم يفهموا فكرة بوشكين. تقول بصرامة لـ أونجوين: منحت نفسي لآخر. وسوف أظل مخلصة له للأبد. لقد عبرت عن العاطفة الحقيقية للمرأة الروسية. لن أتحدث عن آرائها الدينية،عن أفكارها حول الزواج. لن أتماس مع ذلك. لو أنها رفضت ملازمة أونجوين، علي الرغم من أنها قالت له:" أحبك" ليس كامرأة أوروبية، كأي فرنسية، لأنها تفتقد شجاعة أن تضحي بترفها، وثرائها...لا،المرأة الروسية شجاعة، إنها تلازم ذلك الذي تعتقد أنه يجب ملازمته. لكنها منحت نفسها لآخر وستظل مخلصة له للأبد".
... وماذا يمكن أن تكون السعادة التي قامت علي تعاسة آخر؟ تخيلوا أنكم قد تجدون السر الذي يجعل كل البشر سعداء، لكن من أجل ذلك يكاد أن يسقط فرد واحد شهيد، متقبلين أيضا أنه ليس سوي كائن مثير للسخرية إلي حد ما، دون أي شيء شكسبيري، عجوز، زوج، أسترضون لأنفسكم بأن تصنعوا ، بأي ثمن، سعادة الإنسانية؟
أتعتقدون، فضلا عن ذلك، أن هؤلاء الذين تودون إسعادهم بمعاناة كائن وحيد سيرضون أن يقبلوا مثل هذه السعادة؟ قولوا، تاتانيا، أيمكنها أن تأخذ قرارا آخر غير الذي ااتخذته، هي بروحها السامية بهذا القدر، هي التي تعرض قلبها لهذا الاختبار الصعب جدا؟ ستقرر روح روسية حقيقية مثلها: " أفضل أن أكون كائنا وحيدا محروما من السعادة علي أن أتسبب في تعاسة كائن بشري واحد، أود ألا يعرف أحد تضحيتي، لكني أرفض أي بهجة تحزن مخلوق آخر". إذن سيصبح أونجوين تعس؟ المسألة هنا مختلفة. أعتقد أن، حتي الأرملة تاتانيا، لم تكن لتتزوج أونجوين. كانت تعرف أن أونجوين وهو يري مرة أخري،في وسط متألق،المرأة التي كانت قد رفضت سابقا، قد يـتأثر بالترف يزينها ويحوطها. العالم يعشق هذه الصبية التي يحتقرها تقريبا.العالم، هذه السلطة الحاكمة بالنسبة لـ أونجوين!
"ها هو مثالي، يصيح، غايتي، نهاية كروبي وأنا خسرت كل هذا!والسعادة كانت قريبة جدا، ممكنة جدا! وكما فعل ألكو من قبل تجاه زامفيرا، ينطلق نحو تاتانيا، باحثا عبر الرض بهذه الفانتازيا الجديدة عن الحل لكل شكوكه. لكن ألم تكشفه تاتانيا منذ أمد بعيد؟ في الحقيقة تعرف أنه لا يحب المرأة التي تكونها في الواقع، لكن هذه التي تبدو متخيلة. هل هو قادر أيضا علي أن يحبها أيا ما كانت؟ لو تبعنه، سرعان ما سيصاب بخيبة أمل، وفي اليوم التالي سيسخر من حماسة الليلة السابقة. ليس لديه جوهر. إنه شفرة عشب تحملها الريح حيث تريد. تاتيانا ذات طبيعة مختلفة تماما. عندما تعي أن سعادة حياتها كلها ضاعت، تستند أيضا علي ذكريات طفولتها، حياتها الوديعة والقروية. ذكرياتها الماضية تكون بالنسبة لها الآن أغلي من أي شيئ، لم يبق لها سوي ذلك، بل ذلك ما ينقذها من اليأس الكامل. له، أونجوين، ماذا يتبقي له؟ لا تستطيع أن تتبعه إذن لمجرد الشفقة، لتعطيه ما ليس سوي مظهر للسعادة؟ لا هناك نفوس قوية يمكنها أن تخون حتي بسبب الشفقة. لا تستطيع تاتيان تتبع أونجوين.
في هذه القصيدة ظهر بوشكين كأعظم شاعر شعبي، أعظم من كل هؤلاء الذين سبقوه أو لحقوه. بإظهاره لنا هذا النموذج للمتسكع الروسي، كشف كنبي أهميته العظيمة لمصيرنا المستقبلي واستطاع أن يضع جانب هذا الأونجوين الشخصية الأجمل للمرأة الروسية في كل أدبنا. علاوة علي ذلك، هو أول من طرح علينا كل سلسلة النماذج الروسية الجميلة والحقيقية، التي اكتشفها في شعبنا. سأنبه مرة أخري أيضا إنني لا أتحدث في شكل نقد أدبي وإنه لذلك لم أترك نفسي لبحث أكثر اسهابا عن أعماله العبقرية. نستطيع أن نكتب كتابا كاملا فقط علي نموذج الراهب المؤرخ، من أجل توضيح أي مغزي من هذه الشخصية الروسية الجليلة والتي رسمها بوشكين علي نحو رائع، ليشعرنا بكل الجمال الروحي لهذه الشخصية. هذا النموذج موجود: ليس مجرد صورة عن النموذج الكامل للشاعر وروح الشاعر الذي أنجبه موجودة أيضا، والقوة الحيوية لهذه الروح هائلة الحجم. في كل أعمال بوشكين سوف تجد إيمانه بالنفس الروسية يتفجر.
" علي أمل المجد والخير أنظر أمامي دون خوف" وهذا ما قاله أيضا، ويمكن أن تطبق كل هذه الأقوال علي كل نشاطه الإبداعي القومي. لم يستطع أي كاتب روسي آخر أن يكتسب قليلا من مثل هذه الرابطة مع الشعب. بالتأكيد هناك مُقَدِرين رائعين لشعبنا من بين كتابنا، لكننا إذا ما قارناهم بـ بوشكين باستثناء واحد أو اثنين من خلفه الأكثر مناورة، فليس أبدا سوي " السادة " الذين يكتبون عن الشعب . بالنسبة لأولئك منهم من يمتلكون موهبة رفيعة، وأيضا بالنسبة للاثنين الذين تحدثت عنهم للتو، فجأة يخترق شيء ما من الغطرسة، نية أن يظهروا جيدا أنهم تواضعوا ليرفعوا الشعب لمستوي ذاتهم.عند بوشكين ثمة ألف حقيقة مع الشعب، نوعا من أرقة إزاءالشعب، صراحة وبساطة وواقعية. أتتذكرون أسطورة الدب والفلاح الذي قتل أنثي الدب؟ انظروا هذ الأبيات:
إيفان عرابنا،
وعندما نشرع في الشراب...
تدركون ما أود قوله.
كل هذه الكنوز الفنية كانت كبعر الخنزير البري بالنسبة لتعليم فناني المستقبل. يمكن أن نقول بشكل إيجابي أن، إذا لم يكن هناك بوشكين، ما كانت لتظهر المواهب التي تلته. علي الأقل، ما كانوا ليستطيعوا أن يظهروا بمثل هذه القوة والوضوح. والأمر لا يخص الشعر فقط. فبدونه إيماننا باستقلال العبقرية الروسية ما كانت لتجد شكلا لتعبر عن نفسها. نفهم بشكل خاص بوشكين عندما يتعمق المرء فيما سأطلق عليه الفترة الثالثة من نشاطه الفني .
أكرر ذلك مرة أخري، هذه المراحل ليست متعينة الحدود بشكل واضح تماما. بعض أعمال المرحلة الثالثة يمكن أن ترد في إنتاج المرحلة الأولي، لأن بوشكين كان دائما كائنا عضويا كاملا ، من البداية ، حمل بداخله بذور الموهبة. فالحياة الخارجية لم تقم إلا بإيقاظ في داخله ما كان موجودا بالفعل في أعماق كينونته. لكن هذا الكائن العضوي كان يتطور، ومن الصعب أن نفصل بالفعل إحدي مراحل تطوره. نستطيع، بشكل عام، أن ننسب للمرحلة الثالثة هذه السلسلة من الأعمال التي تخترق فيها نفسه بشكل خاص النفس البشرية العالمية. وبعض هذه الأعمال لم تظهر إلا بعد وفاته.
لقد وجد في الأدب الأوروبي شكسبير، ثيربانتس، شيلر. لكن أي من هذه العبقريات كانت لدية ملكة التعاطف العالمي التي لدي بوشكين؟ تلك الفطنة يتقاسمها تحديدا مع شعبنا، ومن هنا، وعلي وجه الخصوص، هو قومي. شعراء الدول الأوروبية الأخري، عندما كانوا يختارون أبطالهم خارج حدود أمتهم، كانوا يلبسونهم قناع أهل بلدهم، ويسيطرون عليهم بطريقتهم. فلنر أيضا شكسبير. فشخصياته الإيطالية هي شخصيات إنجليزية بشكل ساذج تماما. بوشكين من كل شعراء العالم، والوحيد الذي ولج نفس البشر من كل الجنسيات. اقرأوا دون جوان وسوف ترون أنه ، دون توقيع بوشكين كنت سوف تقسم أنك تري عملا لكاتب أسباني.
فلنتناول في موضع آخر شعرا أجنبيا يبدأ بهذا البيت:
ذات مرة، وأنا تائه في واد بري...
سوف تقول لي، هذا استنساخ تقريبا حرفي من ثلاث صفحات من كتاب غريب كُتب في شكل نثري متزمت ديني إنجليزي .لكن ليس سوي استنساخ؟ من خلال الموسيقي الحزينة والحماسية لهذه الأبيات تمر كل الروح ذات النزعة البروتستانتية الشمالية، في آن متبلدة، صوفية، كئيبة، وجموحة. مع بوشكين تشهد كل هذا التاريخ الإنساني، ليس فقط وكأن لديك سلسلة من اللوحات أمام عينيك، ولكن أيضا وبنفس الطريقة التي إذا شرعت الأحداث في الانبعاث من جديد، يبدو لك أنك مررت أمام صفوف من المتحمسين، وأنشدت معهم ترنيمتهم، بكيت معهم في جيشانتهم الصوفية، آمنت معهم بكل ما آمنوا به.
ثم يمنحنا بوشكين عدة مقاطع تحتوي علي كل الروح الشرسة للقرآن الكريم. من جهة أخري، العالم القديم يولد من جديد مع فجر التاريخ المصري القديم، الآلهة الأرضيين الذين يرشدون شعوبهم ومؤخرا، هُجروا ، فقدوا عقلهم نتيجة عزلتهم.
استطاع بوشكين بشكل بديع أن يتلبس روح كل الشعوب. إنها موهبة خاصة به، ذلك موجود فقط عنده، كذلك أيضا هذه الموهبة النبوية التي جعلته يكشف تطور جنسنا. مجرد أن أصبح شاعرا قوميا بشكل كامل، يدرك القوة التي بداخلنا ويستشعر أي المصائر الكبيرة التي تستطيع أن تخدم هذه القوة.. هنالك تكمن نبوته.
ماذا يعني لنا إصلاح بيير الأكبر؟ ألم يشتمل علي إدخال الملابس الأوروبية عندنا، العلم والإختراعات الأوروبية ؟ فلنفكر في ذلك. ربما لم يشرع بيير لو جران في ذلك، بداية، إلا من خلال هدف نفعي، بل مؤخرا خضع بكل تأكيد لعاطفة غامضة شدته لإعداد مستقبل عظيم لروسيا. الشعب الروسي نفسه لم ير في البداية سوي تقدم مادي ونفعي، لكنه لم يتأخر في فهم أن المجهود الذي كان يجعله ينجز يجب أن يقوده بعيدا وعاليا. سرعان ما ارتقينا إلي مستوي مفهوم التوحد الإنساني العالمي. نعم، مصير روسيا هو مصير عموم أوروبا والعالم. أن تصبح روسي حقا ربما لا يعني سوي أن تكون أخا لكل البشر، الإنسان العالمي، إذ أستطيع أن أعبر عن نفسي هكذا. هذا الخلاف بين النزعة المحبة للسلافية والنزعة الغربية ليست سوي نتيجة سوف تفاهم هائل. فالروسي الحقيقي يهتم بالمصائر الأوروبية، بمصائر كل الجنس الآري العظيم كما يهتم بالمصائر الروسية. إن أردتم التعمق في تاريخنا منذ إصلاح بطرس الأكبر، ستجدون أن ذلك ليس مجرد حلم شخصي لي، سوف تتحققون من رغبتنا في الاتحاد مع كل الأجناس الأوروبية من خلال طبيعة علاقتنا معهم، من خلال الطابع السياسي لدولتنا.ماذا فعلت روسيا خلال قرنين، إن لم تكن خدمت أوروبا أيضا أكثر منها نفسها؟ ولا يمكن أن يكون ذلك نتيجة جهل رجال سياستنا. فالشعوب الأوروبية لا تعرف إلي أي درجة هي غالية علينا. نعم، سوف يضع كل الروس مستقبليا في الاعتبار أن يظهروا روسيا الحقيقية وذلك بالسعي إلي أرض مصالحة حقيقية بخصوص كل التناقضات الأوروبية، وسوف توفر الروح الروسية ذلك، فالروح الروسية الموحدة عالميا هي القادرة علي أن تستوعب من خلال نفس المحبة كل الشعوب، إخوتنا، وتنطق في النهاية بالكلمات التي سيخرج منها اتحاد كل البشر، طبقا لإنجيل المسيح! لا أعرف هل الكثير من أقوالي يمكن أن تبدو نابعة من مبالغات وخيالات. فليكن، لكني غير نادم علي قولها. كان لابد أن تقال، خاصة في اللحظة التي نكرم فيها رجل العبقرية الروسية العظيم، ذلك الذي استطاع أن يخرج بأفضل ما يكون الأفكار التي أُلهم بها.نعم، سيمنحنا التلفظ بكلام جديد. هل سيقال من أجل المجد الاقتصادي أم مجد السيف ام مجد العلم؟ لا، سوف يقال فقط لتكريس أخوة كل البشر في النهاية. أجد دليلا لذلك في عبقرية بوشكين. أن تكون أرضنا فقيرة، هذا ممكن، لكن، " السيد المسيح مر عليها بهيئته المتواضعة مباركا إياها." ألم يولد السيد المسيح في بيت؟ ومجدنا هو القدرة علي تأكيد أن روح بوشكين ناولت القربان مع كل البشر. لو أن بوشكين كان قد عاش طويلا، ربما كان سيوضح لأوروبا كل ما نحاول إيضاحه، كان سيكشف نزوعنا تجاه إخوتنا الأوروبيين، الذين كانوا يتبصروننا بقليل من الربية. لو أن بوشكين لم يكن قد مات مبكرا، ما كانت هناك منازعات ولا سوء تفاهم بيننا. قرر الرب شيئا آخر، مات بوشكين في ذروة تفتح موهبته وحمل إلي قبره حل أعظم مشكلة. كل ما يسعنا أن نفعله هو محاولة حل ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محاضرة ديستويفسكي حول بوشكين
منقول عن جريدة اخبار الادب المصرية
8 يونيو 1880 أمام جمعية أصدقاء الأدب الروسي
* جريدة اخبار الادب 16-05-2015
الفعالية الفكرية لشاعرنا العظيم لها ثلاث مراحل. لا أتحدث، في هذه اللحظة، من خلال النقد الأدبي، لا أتحدث سوي عن نبوءاته لنا من خلال أعماله الأدبية. أعترف أن هذه المراحل الثلاث لم يكن بينها حدود فاصلة. فبداية رواية أونيجين تنتمي إلي الأولي ونهايتها تنتمي إلي المرحلة الثانية، بينما كان قد وجد نموذجه في أرض المنشأ. من المعتاد قول أن بوشكين، في بداياته حاكي الشعراء الأوروبيين: بارني، أندريه شينييه، وخاصًة بايرون. بلا شك كان لشعراء أوروبا عظيم التأثيرعلي تطورعبقريته، وهذا التأثير حافظ عليه حتي نهاية حياته. إلا أن أشعار بوشكين الأولي لم تكن مجرد محاكاة: لقد اخترقتها استقلالية عبقريته. أبدا، في أعمال مجرد محاكاة، لن نري مثل كثافة الألم هذه ولا الوعي العميق جدا بذاته. انظروا ، علي سبيل المثال، الغجر، القصيدة التي نظمها في المرحلة الأولي من فعاليته الإبداعية. لا أتحدث عن حماسته فحسب، التي ما كان لها أن تكون بمثل هذه القوة إن لم تقم إلا بالمحاكاة في مثل هذا النوع من الألكو، يكشف بالفعل بطل القصيدة عن فكرة قوية وعميقة، روسية بشكل بارز، وستظهر لاحقا مكتملة تماما في أونجين، حيث نظن أننا نري ألكو يظهر مجددا، ليس في شكل فانتازي، بل في شكل واقعي، ملموس، واضح. في هذا النوع من الألكو قد وجد وميز بوشكين بخاتم عبقريته شخصية المتسكع التعس، التائه في أرض المنشأ، هذا الشهيد الروسي، ولد قسرا من مجتمعنا المنفصل بقسوة عن الشعب. هذا ليس عن بايرون الذي قابله. هذا المتسكع الروسي بلا كوخ يلاحق اليوم طريدته ولن يختفي طويلا. إذا لم ينضم للغجر ليجد مثاله عن الحياة البرية الهائمة والسكينة في حضن الطبيعة، يلقي بنفسه في الاشتراكية التي لم تكن موجودة بعد في عصرالإلكو. يبحث دائما، ليس فقط عن رضا غرائزه الشخصية، بل كذلك عن السعادة الكونية. يحتاج المتسكع الروسي للسعادة الكونية حتي يهدأ.
الغالبية العظمي من الروس لا يطالبون بالكثير من ذلك. الكثير منهم يسعد بأن يخدم بسكينة البلد كموظف حكومي، كمستخدم في خزانة الدولة، في السكك الحديد، أو موظف بنك، ولا يقلقهم أن يتكسبوا عيشهم بطريقة أو بأخري. هذا كثير جدا لو أن بعضهم دفع بالليبرالية إلي "اشتراكية أوروبية" مبهمة، تخففها السذاجة الروسية، لكنها ليست إلا مسألة وقت. بغض النظر عن هذا الذي بمجرد أن يبدأ حتي يثير المتاعب، بينما ذلك يدق بالفعل جبهته في الباب! يكفي أن يُثار بعضهم حتي يقلق كل الآخرين. لا يعرف بعد ألكو التعبير بوضوح عن قلقه. كل ذلك في الحالة الغامضة، عنده، ليس سوي الحنين إلي الطبيعة، أحقاد ضد المجتمع الراقي،الميول، بعض الشيء، إلي الكوزموبوليتانية، دموع علي الحقيقة التي ضاعت منا، التي لن نستطيع إيجادها. يوجد بداخله بعض من جان جاك روسو. علي أي شيء تستند هذه الحقيقة؟ هذا ما لم يقله لنا، لكنه يعاني بصدق. هل الحقيقة في مكان آخر؟ في الأراضي الأوروبية التي لها شكل منظمة تاريخية، حياة اجتماعية محددة؟ لا يفهم أن الحقيقة بداخله؟ وكيف يدرك ذلك؟ إنه كغريب في وطنه. يشعر بذلك، يعاني منه، بلا شك ينتمي لطبقة النبلاء الوراثية، المالكة للأقنان علي الأرجح. عرض ببراعة فانتازيا الحياة مع أناس لا يعرفون قانونا، نزهة الدب الذي يظهر...الطبيعة الرحيمة، المرأة،" المرأة البرية"، حسب تعبير أحد الشعراء، تستطيع أن تعيد له الأمل في العافية، بلا روية يتوله بزيمفيرا" هو ذاك، قال، حيث تكون عافيتي وربما سعادتي، هنا، في قلب الطبيعة، بين بشر ليس لديهم حضارة ولا قوانين! "لكن في بداياته في الحياة البربرية، لا يحتمل التجربة وتلطخ يداه بالدم. يطرده الغجر، دون انتقام وبلا سخط، بصدق وروعة".
دعنا، أيها الرجل المتكبر، نحن برابرة، ليس لدينا قوانين. لا نمارس التعذيب ولا نعاقب. كل ذلك وبشكل طبيعي يحدث بشكل فانتازي تام، لكن وللمرة الأولي، نموذج "الإنسان المتكبر المتمدن"، بقدر ما هو متناقض مع الإنسان البربري، إلا أنه مفهوم بطريقة سليمة. لقد تم تنصيبه عندنا للمرة الأولي من قبل بوشكين. وهذه حقيقة لنتذكرها. مجرد أن الرجل المتكبر المتمدن سيري إهانة ما، سيضرب ويعاقب المسيئ، متذكرا أنه ينتمي لواحدة "من طبقات النبلاء الأربع عشر"، يطلق الصيحات العالية ويأسف علي القانون الذي كان يعاقب هؤلاء الذين يمكنهم مضايقته. ويمكن إن نقول أن هذه القصيدة الرائعة ليست سوي عمل محاك! قد يتعجلون هنا "الحل الروسي" للتساؤل اللعين.
"فلتتواضع، أيها الرجل المتكبر، يجب أن تهزم أولا عجرفتك. فلتتواضع، أيها الرجل المتبطل، فلتعمل بأرض منشأك!هذا هو الحل طبقا للشعب". الحقيقة ليست خارجك، إنها في ذاتك، فلتذعن ذاتك لذاتك، فلتستعد ذاتك أنت وستعرف الحقيقة. إنها ما توجد عبر مجهودك الخاص ضد المكتسبات الزائفة. إذا ما دحرت واستوليت ذات مرة علي ذاتك، ستصبح حرا بشكل ما كنت تتخيل أبدا أنه يمكن أن يكون كذلك، سوف تضطلع بعمل عظيم بتجاوز نظراءك، ستصبح سعيدا لأن حياتك سوف تمتلئ بالفعل وسوف تفهم أخيرا شعبك وحقيقته المقدسة. لن يكون التناغم العالمي عند الغجر ولا في أي مكان بالنسبة لك، إن لم تكن تستحقه،إن كنت شريرا ومتكبرا، إن أردت الحياة دون أن تدفع مجهود.
لقد طرحت المشكلة علي نحو رائع في قصيدة بوشكين. سوف تكون مبينة أيضا بشكل أوضح ما يكون في أوجين أونجوين، قصيدة لم يعد بها أي شيء فانتازي، لكن بها واقعية واضحة، قصيدة بها الحياة الروسية الحقيقية مستدعاة بهذه البراعة حيث لم يُكتب أي شيء بمثل هذه الحيوية قبل بوشكين، وربما ليس بعده.
تصل أونجوين من بطرسبرج وبالفعل يجب أن تصل من بطرسبرج حتي تحصل القصيدة علي مغزاها الكامل. إنه دائما إلي حد ما ألكو، ولاسيما عندما يكتب، داخل القلق:
لماذا، كالمعاون تولا
لا يقهرني العجز؟
ومع ذلك، في بداية القصيدة، يحافظ علي قليل من التعجرف، يظل محبا للحياة الاجتماعية ويعيش الكثير من الوقت حتي يزول وهمه عن الحياة.لكنه بالفعل يبدأ في مخالطة "الشيطان النبيل للضجر المختفي". في قلب وطنه نفسه يشعر بالنفي.لا يعرف ما العمل: يشعر"كأنه مدعوه الخاص".
وبعد ذلك، عندما يستولي عليه القلق، يجول عبر وطنه، ثم في الخارج، يؤمن في ذاته بإنسان مخلص، غريب عنه جدا في بلاد الغرباء. بخصوص مسقط رأسه، يحبه ، لكنه ليس لديه ثقة فيه. سمع الكلام عن المثال الروسي، لكنه لا يؤمن به. لا يؤمن إلا بالتعذر التام بتجربة أيا ما كان موجودا علي أرض بلاده، وهؤلاء الذين، هم أقل عددا كاليوم، يحافظون علي أملهم في الأرض الروسية، يستخف بهم بأسي. ببساطة قتل لينسكي بالكآبة، من يعرف؟ ربما بالحنين للمثال المحب للحياة الاجتماعية.
تاتيانا أخري: "إنها المرأة التي تستوعب بكل عواطفها أرض المنشأ. لديها نفس أكثر غورا من نفس أونجوين، تلح، بغريزة نبيلة، علي مكان الحقيقة، وتعبر عن فكرتها في هذا الموضوع في نهاية القصيدة. إنها نموذج إيجابي ، ليس سلبيا، إنها النموذج المجيد للمرأة الروسية، وأراد الشاعر أن تكون هي من يظهر الفكرة الكلية للقصيدة في المشهد الشهير الذي يلي مقابلة تاتيانا مع أونجوين. من الممكن أن نقول إننا لم نعد نجد نموذجا واحدا بمثل هذا الجمال للمرأة الروسية في كل أدبنا، إذا لم تكن ربما ليز في رواية عش النبيلاء لتورجينيف. تمر مجهولة، في حياة أونجوين، وهذا هو الجانب التراجيدي في رواياته.
آه! لو حضر في مقابلتهما الأولي الطفل هارولد أو لورد بايرون اللذان كانا قد أتيا من انجلترا، ليجعلا أونجوين يدرك سحر تاتيانا، دون شك لم يكن أونجوين في حالة غبطة أمامها، لأنه يوجد عند هؤلاء الرحالة الموجعين شيء من الروح الخانعة. لكن لم يأت بايرون، الباحث عن تناغم الحياة الاجتماعية، بعد أن تفوه لـ تاتينا بعظة ما، سيرحل بصدق بقلقه الاجتماعي. يستمر في ترحاله، وبكل قوته وصحته، يصرخ مجدفا.
أنا شاب، بداخلي الحياة هادرة،
وما لي أن أنتظر؟ الضجر، الضجر.
أدركت تاتيانا ذلك. في مقاطع خالدة، كان يعرضها الشاعر زائرة لمنزل هذا الرجل الغريب، الملغز أيضا بالنسبة لها. لا أتحدث عن الجمال الفريد لهذه المقاطع من وجهة نظر أدبية. ها هي في حجر عمل أونجوين ، تحاول أن تكشف اللغز، ثم تتوقف بابتسامة غريبة، تلح علي الحقيقة وتقول بصوت خفيض:
ليس سوي محاكي بارودي؟
نعم، كان يجب أن تظن ذلك وكشفته. فيما بعد، في بطرسبرج، عند اللقاء الجديد، ستعرفه كلية. في حينه، من أكد إذن أن حياة البلاط تستهدفها كسم وأن أفكارها الجديدة الخاصة بالحياة الاجتماعية كانت، حتي درجة ما، من قضت لها بتأنيب أونجوين... لا هذا خطأ! تاتانيا هي دائما تاتانيا، تانيا، القروية. ليست فاسدة علي الإطلاق. علي العكس، إنها تعاني من هذه الحياة البطرسبرجية شديدة التألق، تكره دوره كامرأة راقية، هؤلاء الذين يحكمون عليها بشكل آخر يقدرونها علي نحو خاطئ، ولم يفهموا فكرة بوشكين. تقول بصرامة لـ أونجوين: منحت نفسي لآخر. وسوف أظل مخلصة له للأبد. لقد عبرت عن العاطفة الحقيقية للمرأة الروسية. لن أتحدث عن آرائها الدينية،عن أفكارها حول الزواج. لن أتماس مع ذلك. لو أنها رفضت ملازمة أونجوين، علي الرغم من أنها قالت له:" أحبك" ليس كامرأة أوروبية، كأي فرنسية، لأنها تفتقد شجاعة أن تضحي بترفها، وثرائها...لا،المرأة الروسية شجاعة، إنها تلازم ذلك الذي تعتقد أنه يجب ملازمته. لكنها منحت نفسها لآخر وستظل مخلصة له للأبد".
... وماذا يمكن أن تكون السعادة التي قامت علي تعاسة آخر؟ تخيلوا أنكم قد تجدون السر الذي يجعل كل البشر سعداء، لكن من أجل ذلك يكاد أن يسقط فرد واحد شهيد، متقبلين أيضا أنه ليس سوي كائن مثير للسخرية إلي حد ما، دون أي شيء شكسبيري، عجوز، زوج، أسترضون لأنفسكم بأن تصنعوا ، بأي ثمن، سعادة الإنسانية؟
أتعتقدون، فضلا عن ذلك، أن هؤلاء الذين تودون إسعادهم بمعاناة كائن وحيد سيرضون أن يقبلوا مثل هذه السعادة؟ قولوا، تاتانيا، أيمكنها أن تأخذ قرارا آخر غير الذي ااتخذته، هي بروحها السامية بهذا القدر، هي التي تعرض قلبها لهذا الاختبار الصعب جدا؟ ستقرر روح روسية حقيقية مثلها: " أفضل أن أكون كائنا وحيدا محروما من السعادة علي أن أتسبب في تعاسة كائن بشري واحد، أود ألا يعرف أحد تضحيتي، لكني أرفض أي بهجة تحزن مخلوق آخر". إذن سيصبح أونجوين تعس؟ المسألة هنا مختلفة. أعتقد أن، حتي الأرملة تاتانيا، لم تكن لتتزوج أونجوين. كانت تعرف أن أونجوين وهو يري مرة أخري،في وسط متألق،المرأة التي كانت قد رفضت سابقا، قد يـتأثر بالترف يزينها ويحوطها. العالم يعشق هذه الصبية التي يحتقرها تقريبا.العالم، هذه السلطة الحاكمة بالنسبة لـ أونجوين!
"ها هو مثالي، يصيح، غايتي، نهاية كروبي وأنا خسرت كل هذا!والسعادة كانت قريبة جدا، ممكنة جدا! وكما فعل ألكو من قبل تجاه زامفيرا، ينطلق نحو تاتانيا، باحثا عبر الرض بهذه الفانتازيا الجديدة عن الحل لكل شكوكه. لكن ألم تكشفه تاتانيا منذ أمد بعيد؟ في الحقيقة تعرف أنه لا يحب المرأة التي تكونها في الواقع، لكن هذه التي تبدو متخيلة. هل هو قادر أيضا علي أن يحبها أيا ما كانت؟ لو تبعنه، سرعان ما سيصاب بخيبة أمل، وفي اليوم التالي سيسخر من حماسة الليلة السابقة. ليس لديه جوهر. إنه شفرة عشب تحملها الريح حيث تريد. تاتيانا ذات طبيعة مختلفة تماما. عندما تعي أن سعادة حياتها كلها ضاعت، تستند أيضا علي ذكريات طفولتها، حياتها الوديعة والقروية. ذكرياتها الماضية تكون بالنسبة لها الآن أغلي من أي شيئ، لم يبق لها سوي ذلك، بل ذلك ما ينقذها من اليأس الكامل. له، أونجوين، ماذا يتبقي له؟ لا تستطيع أن تتبعه إذن لمجرد الشفقة، لتعطيه ما ليس سوي مظهر للسعادة؟ لا هناك نفوس قوية يمكنها أن تخون حتي بسبب الشفقة. لا تستطيع تاتيان تتبع أونجوين.
في هذه القصيدة ظهر بوشكين كأعظم شاعر شعبي، أعظم من كل هؤلاء الذين سبقوه أو لحقوه. بإظهاره لنا هذا النموذج للمتسكع الروسي، كشف كنبي أهميته العظيمة لمصيرنا المستقبلي واستطاع أن يضع جانب هذا الأونجوين الشخصية الأجمل للمرأة الروسية في كل أدبنا. علاوة علي ذلك، هو أول من طرح علينا كل سلسلة النماذج الروسية الجميلة والحقيقية، التي اكتشفها في شعبنا. سأنبه مرة أخري أيضا إنني لا أتحدث في شكل نقد أدبي وإنه لذلك لم أترك نفسي لبحث أكثر اسهابا عن أعماله العبقرية. نستطيع أن نكتب كتابا كاملا فقط علي نموذج الراهب المؤرخ، من أجل توضيح أي مغزي من هذه الشخصية الروسية الجليلة والتي رسمها بوشكين علي نحو رائع، ليشعرنا بكل الجمال الروحي لهذه الشخصية. هذا النموذج موجود: ليس مجرد صورة عن النموذج الكامل للشاعر وروح الشاعر الذي أنجبه موجودة أيضا، والقوة الحيوية لهذه الروح هائلة الحجم. في كل أعمال بوشكين سوف تجد إيمانه بالنفس الروسية يتفجر.
" علي أمل المجد والخير أنظر أمامي دون خوف" وهذا ما قاله أيضا، ويمكن أن تطبق كل هذه الأقوال علي كل نشاطه الإبداعي القومي. لم يستطع أي كاتب روسي آخر أن يكتسب قليلا من مثل هذه الرابطة مع الشعب. بالتأكيد هناك مُقَدِرين رائعين لشعبنا من بين كتابنا، لكننا إذا ما قارناهم بـ بوشكين باستثناء واحد أو اثنين من خلفه الأكثر مناورة، فليس أبدا سوي " السادة " الذين يكتبون عن الشعب . بالنسبة لأولئك منهم من يمتلكون موهبة رفيعة، وأيضا بالنسبة للاثنين الذين تحدثت عنهم للتو، فجأة يخترق شيء ما من الغطرسة، نية أن يظهروا جيدا أنهم تواضعوا ليرفعوا الشعب لمستوي ذاتهم.عند بوشكين ثمة ألف حقيقة مع الشعب، نوعا من أرقة إزاءالشعب، صراحة وبساطة وواقعية. أتتذكرون أسطورة الدب والفلاح الذي قتل أنثي الدب؟ انظروا هذ الأبيات:
إيفان عرابنا،
وعندما نشرع في الشراب...
تدركون ما أود قوله.
كل هذه الكنوز الفنية كانت كبعر الخنزير البري بالنسبة لتعليم فناني المستقبل. يمكن أن نقول بشكل إيجابي أن، إذا لم يكن هناك بوشكين، ما كانت لتظهر المواهب التي تلته. علي الأقل، ما كانوا ليستطيعوا أن يظهروا بمثل هذه القوة والوضوح. والأمر لا يخص الشعر فقط. فبدونه إيماننا باستقلال العبقرية الروسية ما كانت لتجد شكلا لتعبر عن نفسها. نفهم بشكل خاص بوشكين عندما يتعمق المرء فيما سأطلق عليه الفترة الثالثة من نشاطه الفني .
أكرر ذلك مرة أخري، هذه المراحل ليست متعينة الحدود بشكل واضح تماما. بعض أعمال المرحلة الثالثة يمكن أن ترد في إنتاج المرحلة الأولي، لأن بوشكين كان دائما كائنا عضويا كاملا ، من البداية ، حمل بداخله بذور الموهبة. فالحياة الخارجية لم تقم إلا بإيقاظ في داخله ما كان موجودا بالفعل في أعماق كينونته. لكن هذا الكائن العضوي كان يتطور، ومن الصعب أن نفصل بالفعل إحدي مراحل تطوره. نستطيع، بشكل عام، أن ننسب للمرحلة الثالثة هذه السلسلة من الأعمال التي تخترق فيها نفسه بشكل خاص النفس البشرية العالمية. وبعض هذه الأعمال لم تظهر إلا بعد وفاته.
بوشكين ظاهرة استثنائية، وربما الظاهرة الفريدة للنفس الروسية، هكذا قال جوجول. وأضيف، من جانبي، أنه عبقرية نبوية. لقد ظهر بوشكين بالضبط في لحظة كان يبدو فيها أننا نستعد لإدراك أنفسنا، ومجيئه ساهم بقوة في إضاءة طريقنا.
الفعالية الفكرية لشاعرنا العظيم لها ثلاث مراحل. لا أتحدث، في هذه اللحظة، من خلال النقد الأدبي، لا أتحدث سوي عن نبوءاته لنا من خلال أعماله الأدبية. أعترف أن هذه المراحل الثلاث لم يكن بينها حدود فاصلة. فبداية رواية أونيجين تنتمي إلي الأولي ونهايتها تنتمي إلي المرحلة الثانية، بينما كان قد وجد نموذجه في أرض المنشأ. من المعتاد قول أن بوشكين، في بداياته حاكي الشعراء الأوروبيين: بارني، أندريه شينييه، وخاصًة بايرون. بلا شك كان لشعراء أوروبا عظيم التأثيرعلي تطورعبقريته، وهذا التأثير حافظ عليه حتي نهاية حياته. إلا أن أشعار بوشكين الأولي لم تكن مجرد محاكاة: لقد اخترقتها استقلالية عبقريته. أبدا، في أعمال مجرد محاكاة، لن نري مثل كثافة الألم هذه ولا الوعي العميق جدا بذاته. انظروا ، علي سبيل المثال، الغجر، القصيدة التي نظمها في المرحلة الأولي من فعاليته الإبداعية. لا أتحدث عن حماسته فحسب، التي ما كان لها أن تكون بمثل هذه القوة إن لم تقم إلا بالمحاكاة في مثل هذا النوع من الألكو، يكشف بالفعل بطل القصيدة عن فكرة قوية وعميقة، روسية بشكل بارز، وستظهر لاحقا مكتملة تماما في أونجين، حيث نظن أننا نري ألكو يظهر مجددا، ليس في شكل فانتازي، بل في شكل واقعي، ملموس، واضح. في هذا النوع من الألكو قد وجد وميز بوشكين بخاتم عبقريته شخصية المتسكع التعس، التائه في أرض المنشأ، هذا الشهيد الروسي، ولد قسرا من مجتمعنا المنفصل بقسوة عن الشعب. هذا ليس عن بايرون الذي قابله. هذا المتسكع الروسي بلا كوخ يلاحق اليوم طريدته ولن يختفي طويلا. إذا لم ينضم للغجر ليجد مثاله عن الحياة البرية الهائمة والسكينة في حضن الطبيعة، يلقي بنفسه في الاشتراكية التي لم تكن موجودة بعد في عصرالإلكو. يبحث دائما، ليس فقط عن رضا غرائزه الشخصية، بل كذلك عن السعادة الكونية. يحتاج المتسكع الروسي للسعادة الكونية حتي يهدأ.
الغالبية العظمي من الروس لا يطالبون بالكثير من ذلك. الكثير منهم يسعد بأن يخدم بسكينة البلد كموظف حكومي، كمستخدم في خزانة الدولة، في السكك الحديد، أو موظف بنك، ولا يقلقهم أن يتكسبوا عيشهم بطريقة أو بأخري. هذا كثير جدا لو أن بعضهم دفع بالليبرالية إلي "اشتراكية أوروبية" مبهمة، تخففها السذاجة الروسية، لكنها ليست إلا مسألة وقت. بغض النظر عن هذا الذي بمجرد أن يبدأ حتي يثير المتاعب، بينما ذلك يدق بالفعل جبهته في الباب! يكفي أن يُثار بعضهم حتي يقلق كل الآخرين. لا يعرف بعد ألكو التعبير بوضوح عن قلقه. كل ذلك في الحالة الغامضة، عنده، ليس سوي الحنين إلي الطبيعة، أحقاد ضد المجتمع الراقي،الميول، بعض الشيء، إلي الكوزموبوليتانية، دموع علي الحقيقة التي ضاعت منا، التي لن نستطيع إيجادها. يوجد بداخله بعض من جان جاك روسو. علي أي شيء تستند هذه الحقيقة؟ هذا ما لم يقله لنا، لكنه يعاني بصدق. هل الحقيقة في مكان آخر؟ في الأراضي الأوروبية التي لها شكل منظمة تاريخية، حياة اجتماعية محددة؟ لا يفهم أن الحقيقة بداخله؟ وكيف يدرك ذلك؟ إنه كغريب في وطنه. يشعر بذلك، يعاني منه، بلا شك ينتمي لطبقة النبلاء الوراثية، المالكة للأقنان علي الأرجح. عرض ببراعة فانتازيا الحياة مع أناس لا يعرفون قانونا، نزهة الدب الذي يظهر...الطبيعة الرحيمة، المرأة،" المرأة البرية"، حسب تعبير أحد الشعراء، تستطيع أن تعيد له الأمل في العافية، بلا روية يتوله بزيمفيرا" هو ذاك، قال، حيث تكون عافيتي وربما سعادتي، هنا، في قلب الطبيعة، بين بشر ليس لديهم حضارة ولا قوانين! "لكن في بداياته في الحياة البربرية، لا يحتمل التجربة وتلطخ يداه بالدم. يطرده الغجر، دون انتقام وبلا سخط، بصدق وروعة".
دعنا، أيها الرجل المتكبر، نحن برابرة، ليس لدينا قوانين. لا نمارس التعذيب ولا نعاقب. كل ذلك وبشكل طبيعي يحدث بشكل فانتازي تام، لكن وللمرة الأولي، نموذج "الإنسان المتكبر المتمدن"، بقدر ما هو متناقض مع الإنسان البربري، إلا أنه مفهوم بطريقة سليمة. لقد تم تنصيبه عندنا للمرة الأولي من قبل بوشكين. وهذه حقيقة لنتذكرها. مجرد أن الرجل المتكبر المتمدن سيري إهانة ما، سيضرب ويعاقب المسيئ، متذكرا أنه ينتمي لواحدة "من طبقات النبلاء الأربع عشر"، يطلق الصيحات العالية ويأسف علي القانون الذي كان يعاقب هؤلاء الذين يمكنهم مضايقته. ويمكن إن نقول أن هذه القصيدة الرائعة ليست سوي عمل محاك! قد يتعجلون هنا "الحل الروسي" للتساؤل اللعين.
"فلتتواضع، أيها الرجل المتكبر، يجب أن تهزم أولا عجرفتك. فلتتواضع، أيها الرجل المتبطل، فلتعمل بأرض منشأك!هذا هو الحل طبقا للشعب". الحقيقة ليست خارجك، إنها في ذاتك، فلتذعن ذاتك لذاتك، فلتستعد ذاتك أنت وستعرف الحقيقة. إنها ما توجد عبر مجهودك الخاص ضد المكتسبات الزائفة. إذا ما دحرت واستوليت ذات مرة علي ذاتك، ستصبح حرا بشكل ما كنت تتخيل أبدا أنه يمكن أن يكون كذلك، سوف تضطلع بعمل عظيم بتجاوز نظراءك، ستصبح سعيدا لأن حياتك سوف تمتلئ بالفعل وسوف تفهم أخيرا شعبك وحقيقته المقدسة. لن يكون التناغم العالمي عند الغجر ولا في أي مكان بالنسبة لك، إن لم تكن تستحقه،إن كنت شريرا ومتكبرا، إن أردت الحياة دون أن تدفع مجهود.
لقد طرحت المشكلة علي نحو رائع في قصيدة بوشكين. سوف تكون مبينة أيضا بشكل أوضح ما يكون في أوجين أونجوين، قصيدة لم يعد بها أي شيء فانتازي، لكن بها واقعية واضحة، قصيدة بها الحياة الروسية الحقيقية مستدعاة بهذه البراعة حيث لم يُكتب أي شيء بمثل هذه الحيوية قبل بوشكين، وربما ليس بعده.
تصل أونجوين من بطرسبرج وبالفعل يجب أن تصل من بطرسبرج حتي تحصل القصيدة علي مغزاها الكامل. إنه دائما إلي حد ما ألكو، ولاسيما عندما يكتب، داخل القلق:
لماذا، كالمعاون تولا
لا يقهرني العجز؟
ومع ذلك، في بداية القصيدة، يحافظ علي قليل من التعجرف، يظل محبا للحياة الاجتماعية ويعيش الكثير من الوقت حتي يزول وهمه عن الحياة.لكنه بالفعل يبدأ في مخالطة "الشيطان النبيل للضجر المختفي". في قلب وطنه نفسه يشعر بالنفي.لا يعرف ما العمل: يشعر"كأنه مدعوه الخاص".
وبعد ذلك، عندما يستولي عليه القلق، يجول عبر وطنه، ثم في الخارج، يؤمن في ذاته بإنسان مخلص، غريب عنه جدا في بلاد الغرباء. بخصوص مسقط رأسه، يحبه ، لكنه ليس لديه ثقة فيه. سمع الكلام عن المثال الروسي، لكنه لا يؤمن به. لا يؤمن إلا بالتعذر التام بتجربة أيا ما كان موجودا علي أرض بلاده، وهؤلاء الذين، هم أقل عددا كاليوم، يحافظون علي أملهم في الأرض الروسية، يستخف بهم بأسي. ببساطة قتل لينسكي بالكآبة، من يعرف؟ ربما بالحنين للمثال المحب للحياة الاجتماعية.
تاتيانا أخري: "إنها المرأة التي تستوعب بكل عواطفها أرض المنشأ. لديها نفس أكثر غورا من نفس أونجوين، تلح، بغريزة نبيلة، علي مكان الحقيقة، وتعبر عن فكرتها في هذا الموضوع في نهاية القصيدة. إنها نموذج إيجابي ، ليس سلبيا، إنها النموذج المجيد للمرأة الروسية، وأراد الشاعر أن تكون هي من يظهر الفكرة الكلية للقصيدة في المشهد الشهير الذي يلي مقابلة تاتيانا مع أونجوين. من الممكن أن نقول إننا لم نعد نجد نموذجا واحدا بمثل هذا الجمال للمرأة الروسية في كل أدبنا، إذا لم تكن ربما ليز في رواية عش النبيلاء لتورجينيف. تمر مجهولة، في حياة أونجوين، وهذا هو الجانب التراجيدي في رواياته.
آه! لو حضر في مقابلتهما الأولي الطفل هارولد أو لورد بايرون اللذان كانا قد أتيا من انجلترا، ليجعلا أونجوين يدرك سحر تاتيانا، دون شك لم يكن أونجوين في حالة غبطة أمامها، لأنه يوجد عند هؤلاء الرحالة الموجعين شيء من الروح الخانعة. لكن لم يأت بايرون، الباحث عن تناغم الحياة الاجتماعية، بعد أن تفوه لـ تاتينا بعظة ما، سيرحل بصدق بقلقه الاجتماعي. يستمر في ترحاله، وبكل قوته وصحته، يصرخ مجدفا.
أنا شاب، بداخلي الحياة هادرة،
وما لي أن أنتظر؟ الضجر، الضجر.
أدركت تاتيانا ذلك. في مقاطع خالدة، كان يعرضها الشاعر زائرة لمنزل هذا الرجل الغريب، الملغز أيضا بالنسبة لها. لا أتحدث عن الجمال الفريد لهذه المقاطع من وجهة نظر أدبية. ها هي في حجر عمل أونجوين ، تحاول أن تكشف اللغز، ثم تتوقف بابتسامة غريبة، تلح علي الحقيقة وتقول بصوت خفيض:
ليس سوي محاكي بارودي؟
نعم، كان يجب أن تظن ذلك وكشفته. فيما بعد، في بطرسبرج، عند اللقاء الجديد، ستعرفه كلية. في حينه، من أكد إذن أن حياة البلاط تستهدفها كسم وأن أفكارها الجديدة الخاصة بالحياة الاجتماعية كانت، حتي درجة ما، من قضت لها بتأنيب أونجوين... لا هذا خطأ! تاتانيا هي دائما تاتانيا، تانيا، القروية. ليست فاسدة علي الإطلاق. علي العكس، إنها تعاني من هذه الحياة البطرسبرجية شديدة التألق، تكره دوره كامرأة راقية، هؤلاء الذين يحكمون عليها بشكل آخر يقدرونها علي نحو خاطئ، ولم يفهموا فكرة بوشكين. تقول بصرامة لـ أونجوين: منحت نفسي لآخر. وسوف أظل مخلصة له للأبد. لقد عبرت عن العاطفة الحقيقية للمرأة الروسية. لن أتحدث عن آرائها الدينية،عن أفكارها حول الزواج. لن أتماس مع ذلك. لو أنها رفضت ملازمة أونجوين، علي الرغم من أنها قالت له:" أحبك" ليس كامرأة أوروبية، كأي فرنسية، لأنها تفتقد شجاعة أن تضحي بترفها، وثرائها...لا،المرأة الروسية شجاعة، إنها تلازم ذلك الذي تعتقد أنه يجب ملازمته. لكنها منحت نفسها لآخر وستظل مخلصة له للأبد".
... وماذا يمكن أن تكون السعادة التي قامت علي تعاسة آخر؟ تخيلوا أنكم قد تجدون السر الذي يجعل كل البشر سعداء، لكن من أجل ذلك يكاد أن يسقط فرد واحد شهيد، متقبلين أيضا أنه ليس سوي كائن مثير للسخرية إلي حد ما، دون أي شيء شكسبيري، عجوز، زوج، أسترضون لأنفسكم بأن تصنعوا ، بأي ثمن، سعادة الإنسانية؟
أتعتقدون، فضلا عن ذلك، أن هؤلاء الذين تودون إسعادهم بمعاناة كائن وحيد سيرضون أن يقبلوا مثل هذه السعادة؟ قولوا، تاتانيا، أيمكنها أن تأخذ قرارا آخر غير الذي ااتخذته، هي بروحها السامية بهذا القدر، هي التي تعرض قلبها لهذا الاختبار الصعب جدا؟ ستقرر روح روسية حقيقية مثلها: " أفضل أن أكون كائنا وحيدا محروما من السعادة علي أن أتسبب في تعاسة كائن بشري واحد، أود ألا يعرف أحد تضحيتي، لكني أرفض أي بهجة تحزن مخلوق آخر". إذن سيصبح أونجوين تعس؟ المسألة هنا مختلفة. أعتقد أن، حتي الأرملة تاتانيا، لم تكن لتتزوج أونجوين. كانت تعرف أن أونجوين وهو يري مرة أخري،في وسط متألق،المرأة التي كانت قد رفضت سابقا، قد يـتأثر بالترف يزينها ويحوطها. العالم يعشق هذه الصبية التي يحتقرها تقريبا.العالم، هذه السلطة الحاكمة بالنسبة لـ أونجوين!
"ها هو مثالي، يصيح، غايتي، نهاية كروبي وأنا خسرت كل هذا!والسعادة كانت قريبة جدا، ممكنة جدا! وكما فعل ألكو من قبل تجاه زامفيرا، ينطلق نحو تاتانيا، باحثا عبر الرض بهذه الفانتازيا الجديدة عن الحل لكل شكوكه. لكن ألم تكشفه تاتانيا منذ أمد بعيد؟ في الحقيقة تعرف أنه لا يحب المرأة التي تكونها في الواقع، لكن هذه التي تبدو متخيلة. هل هو قادر أيضا علي أن يحبها أيا ما كانت؟ لو تبعنه، سرعان ما سيصاب بخيبة أمل، وفي اليوم التالي سيسخر من حماسة الليلة السابقة. ليس لديه جوهر. إنه شفرة عشب تحملها الريح حيث تريد. تاتيانا ذات طبيعة مختلفة تماما. عندما تعي أن سعادة حياتها كلها ضاعت، تستند أيضا علي ذكريات طفولتها، حياتها الوديعة والقروية. ذكرياتها الماضية تكون بالنسبة لها الآن أغلي من أي شيئ، لم يبق لها سوي ذلك، بل ذلك ما ينقذها من اليأس الكامل. له، أونجوين، ماذا يتبقي له؟ لا تستطيع أن تتبعه إذن لمجرد الشفقة، لتعطيه ما ليس سوي مظهر للسعادة؟ لا هناك نفوس قوية يمكنها أن تخون حتي بسبب الشفقة. لا تستطيع تاتيان تتبع أونجوين.
في هذه القصيدة ظهر بوشكين كأعظم شاعر شعبي، أعظم من كل هؤلاء الذين سبقوه أو لحقوه. بإظهاره لنا هذا النموذج للمتسكع الروسي، كشف كنبي أهميته العظيمة لمصيرنا المستقبلي واستطاع أن يضع جانب هذا الأونجوين الشخصية الأجمل للمرأة الروسية في كل أدبنا. علاوة علي ذلك، هو أول من طرح علينا كل سلسلة النماذج الروسية الجميلة والحقيقية، التي اكتشفها في شعبنا. سأنبه مرة أخري أيضا إنني لا أتحدث في شكل نقد أدبي وإنه لذلك لم أترك نفسي لبحث أكثر اسهابا عن أعماله العبقرية. نستطيع أن نكتب كتابا كاملا فقط علي نموذج الراهب المؤرخ، من أجل توضيح أي مغزي من هذه الشخصية الروسية الجليلة والتي رسمها بوشكين علي نحو رائع، ليشعرنا بكل الجمال الروحي لهذه الشخصية. هذا النموذج موجود: ليس مجرد صورة عن النموذج الكامل للشاعر وروح الشاعر الذي أنجبه موجودة أيضا، والقوة الحيوية لهذه الروح هائلة الحجم. في كل أعمال بوشكين سوف تجد إيمانه بالنفس الروسية يتفجر.
" علي أمل المجد والخير أنظر أمامي دون خوف" وهذا ما قاله أيضا، ويمكن أن تطبق كل هذه الأقوال علي كل نشاطه الإبداعي القومي. لم يستطع أي كاتب روسي آخر أن يكتسب قليلا من مثل هذه الرابطة مع الشعب. بالتأكيد هناك مُقَدِرين رائعين لشعبنا من بين كتابنا، لكننا إذا ما قارناهم بـ بوشكين باستثناء واحد أو اثنين من خلفه الأكثر مناورة، فليس أبدا سوي " السادة " الذين يكتبون عن الشعب . بالنسبة لأولئك منهم من يمتلكون موهبة رفيعة، وأيضا بالنسبة للاثنين الذين تحدثت عنهم للتو، فجأة يخترق شيء ما من الغطرسة، نية أن يظهروا جيدا أنهم تواضعوا ليرفعوا الشعب لمستوي ذاتهم.عند بوشكين ثمة ألف حقيقة مع الشعب، نوعا من أرقة إزاءالشعب، صراحة وبساطة وواقعية. أتتذكرون أسطورة الدب والفلاح الذي قتل أنثي الدب؟ انظروا هذ الأبيات:
إيفان عرابنا،
وعندما نشرع في الشراب...
تدركون ما أود قوله.
كل هذه الكنوز الفنية كانت كبعر الخنزير البري بالنسبة لتعليم فناني المستقبل. يمكن أن نقول بشكل إيجابي أن، إذا لم يكن هناك بوشكين، ما كانت لتظهر المواهب التي تلته. علي الأقل، ما كانوا ليستطيعوا أن يظهروا بمثل هذه القوة والوضوح. والأمر لا يخص الشعر فقط. فبدونه إيماننا باستقلال العبقرية الروسية ما كانت لتجد شكلا لتعبر عن نفسها. نفهم بشكل خاص بوشكين عندما يتعمق المرء فيما سأطلق عليه الفترة الثالثة من نشاطه الفني .
أكرر ذلك مرة أخري، هذه المراحل ليست متعينة الحدود بشكل واضح تماما. بعض أعمال المرحلة الثالثة يمكن أن ترد في إنتاج المرحلة الأولي، لأن بوشكين كان دائما كائنا عضويا كاملا ، من البداية ، حمل بداخله بذور الموهبة. فالحياة الخارجية لم تقم إلا بإيقاظ في داخله ما كان موجودا بالفعل في أعماق كينونته. لكن هذا الكائن العضوي كان يتطور، ومن الصعب أن نفصل بالفعل إحدي مراحل تطوره. نستطيع، بشكل عام، أن ننسب للمرحلة الثالثة هذه السلسلة من الأعمال التي تخترق فيها نفسه بشكل خاص النفس البشرية العالمية. وبعض هذه الأعمال لم تظهر إلا بعد وفاته.
لقد وجد في الأدب الأوروبي شكسبير، ثيربانتس، شيلر. لكن أي من هذه العبقريات كانت لدية ملكة التعاطف العالمي التي لدي بوشكين؟ تلك الفطنة يتقاسمها تحديدا مع شعبنا، ومن هنا، وعلي وجه الخصوص، هو قومي. شعراء الدول الأوروبية الأخري، عندما كانوا يختارون أبطالهم خارج حدود أمتهم، كانوا يلبسونهم قناع أهل بلدهم، ويسيطرون عليهم بطريقتهم. فلنر أيضا شكسبير. فشخصياته الإيطالية هي شخصيات إنجليزية بشكل ساذج تماما. بوشكين من كل شعراء العالم، والوحيد الذي ولج نفس البشر من كل الجنسيات. اقرأوا دون جوان وسوف ترون أنه ، دون توقيع بوشكين كنت سوف تقسم أنك تري عملا لكاتب أسباني.
فلنتناول في موضع آخر شعرا أجنبيا يبدأ بهذا البيت:
ذات مرة، وأنا تائه في واد بري...
سوف تقول لي، هذا استنساخ تقريبا حرفي من ثلاث صفحات من كتاب غريب كُتب في شكل نثري متزمت ديني إنجليزي .لكن ليس سوي استنساخ؟ من خلال الموسيقي الحزينة والحماسية لهذه الأبيات تمر كل الروح ذات النزعة البروتستانتية الشمالية، في آن متبلدة، صوفية، كئيبة، وجموحة. مع بوشكين تشهد كل هذا التاريخ الإنساني، ليس فقط وكأن لديك سلسلة من اللوحات أمام عينيك، ولكن أيضا وبنفس الطريقة التي إذا شرعت الأحداث في الانبعاث من جديد، يبدو لك أنك مررت أمام صفوف من المتحمسين، وأنشدت معهم ترنيمتهم، بكيت معهم في جيشانتهم الصوفية، آمنت معهم بكل ما آمنوا به.
ثم يمنحنا بوشكين عدة مقاطع تحتوي علي كل الروح الشرسة للقرآن الكريم. من جهة أخري، العالم القديم يولد من جديد مع فجر التاريخ المصري القديم، الآلهة الأرضيين الذين يرشدون شعوبهم ومؤخرا، هُجروا ، فقدوا عقلهم نتيجة عزلتهم.
استطاع بوشكين بشكل بديع أن يتلبس روح كل الشعوب. إنها موهبة خاصة به، ذلك موجود فقط عنده، كذلك أيضا هذه الموهبة النبوية التي جعلته يكشف تطور جنسنا. مجرد أن أصبح شاعرا قوميا بشكل كامل، يدرك القوة التي بداخلنا ويستشعر أي المصائر الكبيرة التي تستطيع أن تخدم هذه القوة.. هنالك تكمن نبوته.
ماذا يعني لنا إصلاح بيير الأكبر؟ ألم يشتمل علي إدخال الملابس الأوروبية عندنا، العلم والإختراعات الأوروبية ؟ فلنفكر في ذلك. ربما لم يشرع بيير لو جران في ذلك، بداية، إلا من خلال هدف نفعي، بل مؤخرا خضع بكل تأكيد لعاطفة غامضة شدته لإعداد مستقبل عظيم لروسيا. الشعب الروسي نفسه لم ير في البداية سوي تقدم مادي ونفعي، لكنه لم يتأخر في فهم أن المجهود الذي كان يجعله ينجز يجب أن يقوده بعيدا وعاليا. سرعان ما ارتقينا إلي مستوي مفهوم التوحد الإنساني العالمي. نعم، مصير روسيا هو مصير عموم أوروبا والعالم. أن تصبح روسي حقا ربما لا يعني سوي أن تكون أخا لكل البشر، الإنسان العالمي، إذ أستطيع أن أعبر عن نفسي هكذا. هذا الخلاف بين النزعة المحبة للسلافية والنزعة الغربية ليست سوي نتيجة سوف تفاهم هائل. فالروسي الحقيقي يهتم بالمصائر الأوروبية، بمصائر كل الجنس الآري العظيم كما يهتم بالمصائر الروسية. إن أردتم التعمق في تاريخنا منذ إصلاح بطرس الأكبر، ستجدون أن ذلك ليس مجرد حلم شخصي لي، سوف تتحققون من رغبتنا في الاتحاد مع كل الأجناس الأوروبية من خلال طبيعة علاقتنا معهم، من خلال الطابع السياسي لدولتنا.ماذا فعلت روسيا خلال قرنين، إن لم تكن خدمت أوروبا أيضا أكثر منها نفسها؟ ولا يمكن أن يكون ذلك نتيجة جهل رجال سياستنا. فالشعوب الأوروبية لا تعرف إلي أي درجة هي غالية علينا. نعم، سوف يضع كل الروس مستقبليا في الاعتبار أن يظهروا روسيا الحقيقية وذلك بالسعي إلي أرض مصالحة حقيقية بخصوص كل التناقضات الأوروبية، وسوف توفر الروح الروسية ذلك، فالروح الروسية الموحدة عالميا هي القادرة علي أن تستوعب من خلال نفس المحبة كل الشعوب، إخوتنا، وتنطق في النهاية بالكلمات التي سيخرج منها اتحاد كل البشر، طبقا لإنجيل المسيح! لا أعرف هل الكثير من أقوالي يمكن أن تبدو نابعة من مبالغات وخيالات. فليكن، لكني غير نادم علي قولها. كان لابد أن تقال، خاصة في اللحظة التي نكرم فيها رجل العبقرية الروسية العظيم، ذلك الذي استطاع أن يخرج بأفضل ما يكون الأفكار التي أُلهم بها.نعم، سيمنحنا التلفظ بكلام جديد. هل سيقال من أجل المجد الاقتصادي أم مجد السيف ام مجد العلم؟ لا، سوف يقال فقط لتكريس أخوة كل البشر في النهاية. أجد دليلا لذلك في عبقرية بوشكين. أن تكون أرضنا فقيرة، هذا ممكن، لكن، " السيد المسيح مر عليها بهيئته المتواضعة مباركا إياها." ألم يولد السيد المسيح في بيت؟ ومجدنا هو القدرة علي تأكيد أن روح بوشكين ناولت القربان مع كل البشر. لو أن بوشكين كان قد عاش طويلا، ربما كان سيوضح لأوروبا كل ما نحاول إيضاحه، كان سيكشف نزوعنا تجاه إخوتنا الأوروبيين، الذين كانوا يتبصروننا بقليل من الربية. لو أن بوشكين لم يكن قد مات مبكرا، ما كانت هناك منازعات ولا سوء تفاهم بيننا. قرر الرب شيئا آخر، مات بوشكين في ذروة تفتح موهبته وحمل إلي قبره حل أعظم مشكلة. كل ما يسعنا أن نفعله هو محاولة حل ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محاضرة ديستويفسكي حول بوشكين
منقول عن جريدة اخبار الادب المصرية
8 يونيو 1880 أمام جمعية أصدقاء الأدب الروسي
* جريدة اخبار الادب 16-05-2015