على المسلم أن يتحلى بروح نقدية لبلوغ أسمى مراتب التجديد و التطور " محمد إقبال"
ــــــــــــــ
يرى محمد إقبال أن الإنسان مطالب في هذا الوجود بأن يتعامل مع العالم، و يتكيف معه، و لا يقدر على ذلك إلا إذا غيّر ما بنفسه أولا، و الإسلام في نظر محمد إقبال ليس رهبنة بل "دستورا" كليٌّا يحدد للإنسان ما له و ما عليه، ويرى أنه في الوقت الذي لا يلقى الضعيف رحمة من أحد في العالم الدولي، و القويُّ وحده هو الذي ينال الإحترام، على شعوب الإسلام أن تتحرر و تستقل لتقيم دولة، و يعيب محمد إقبال على جمهور المسلمين المتمسكين بالقديم بأنهم لم يدرسوا الفقه دراسة نقدية لأن مثل هذه الدراسة تمس الناس جميعا
------
لم يخلق المسلم ليكون تابعا لغيره و يندفع مع التيار و يساير الركب البشري في مساره و اتجاهه، فهو خُلِقَ ليوجه العالم و المجتمع و المدنية و ليفرض إرادته و اختياراته عليها، لا يخضع، بل يقوم بالثورة فيصارع و يعارك، في حديث روحي ( مناجاة) مع الله يقول رجل الإصلاح محمد إقبال: سألني ربّي: هل ناسبك هذا العصر و انسجم مع عقيدتك و رسالتك؟ قلت: لا يا ربي، قال: فحطمه و لا تبال "، و لذا يؤكد محمد إقبال أن المسلم هو منبع التغيير و التجديد و الإصلاح في التاريخ، و هو مصدر سعادة البشرية و راحتها في العالم، و المسلم و المؤمن يختلف كل واحد منهما عن الآخر، فالمؤمن يختلف عن المسلم في أنه إذا نادى الآفاق بآذانه أشرق العالم و استيقظ الكون، و يهتز له العالم المظلم فيحوله إلى نور، لأنه صاحب رسالة كبرى و أمانة عظمى هي "الخلافة" التي خصّه بها الله تعالى.
يقول محمد إقبال: " المسلم الرّباني ليس شرقيًّا و لا غربيًّا ليس وطنيًّا دلهيا و لا أصفهانيا و لا سمرقنديا، إنما وطني العالم كله، و المسلم المؤمن عند محمد إقبال يحمل صفات الله و متخلق بأخلاق الله، و في ذلك يقول: "إن المؤمن هو الميزان العادل و القسطاس المستقيم، به يعرف الحسن من القبيح، و به يعلم رضى الله و سخطه، يشتد غضبه للحق، و تشتد ثورته على الباطل، و يشبه محمد إقبال المسلم بالشمس التي لا تغيب، فهي إن غابت في جهة طلعت في مكان آخر، و الإنسان الكامل عند محمد إقبال كائن اجتماعي مرتبط بالجماعة و لا يمكنه أن يكون خارجا، و يقول: "الموجة هي موجة داخل النهر و خارجه لا تكون شيئا"، La vague est vague a l’interieur de la riviere en dehors elle n’est rien، و لذا يرى محمد إقبال أن شخصية الإنسان الحقيقية ليست أشياء، بل سلسلة من الأفعال، و في ذلك يقول: " و حقيقتي بتمامها في منزع تدبيري"، ثم يخاطب الأخر ( أنتَ) فيقول له ( لكَ) فأنت لا تستطيع أن تدركني بوصفي شيئا في مكان أو في مجموعة في تجارب في نظام زماني، بل يجب أن تفسرني، و أن تفهمني و أن تقدرني في أحكامي و في منازعي الإرادية و في أهدافي و آمالي".
ففكر محمد إقبال هو فكر المسلم الرافض أن يكون المسلم المعاصر صورة الأوروبي المعاصر و رفض الإقتباس الأعمى من قبل المسلمين لفكر و علم و ثقافة الغرب الأوروبي الغازي، و التغير في العالم عنده لا يحصل بعيدا عن الإنسان، فهو الذي يحركه ( اي الإنسان) للتلاؤم بين ذاته و بين مقتضيات و مستلزمات هذا التغيّر و يحرك في الإنسان دائما قوة الدفع للتغلب على ما يواجهه من ظروف و معطيات جديدة، و في هذا فالإنسان مطالب في هذا الوجود بأن يتعامل مع العالم، و يتكيف معه، و لا يقدر على ذلك إلا إذا غيّر ما بنفسه أولا، يقدم محمد إقبال تركيا كنموذج، باعتبارها الأمة الإسلامية الوحيدة التي نفضت عن نفسها أسباب العقائد الجامدة و استيقظت من الرقاد الفكري، وهي وحدها التي نادت بحقها في الحركة العقلية، و هي وحدها التي انتقلت من العالم الثالث إلى العالم الواقعي، تلك النقلة التي تستتبع كفاحا مريرا في ميدان العقل و الأخلاق، أمّا باقي الشعوب الإسلامية فهي تعيش على التكرار ( الإجترار) و الآلية، فالتركي، الحياة عنده تتحرك و تتغير و تنمو و تلد رغبات جديدة، و هو يدعو إلى حرية الفكر في الإسلام، يحذر محمد إقبال في نفس الوقت من أن تكون هذه الحرية سبيلا إلى الإنحلال خاصة من فكرة القومية الجنسية السائدة في العصر الحديث، في سؤال طرحه إن كانت شريعة الإسلام قابلة للتطور أم لا؟ ، يستشهد محمد إقبال برأي المستشرق هورتن الذي يرى في ظهور الفرق الدينية دليلا على مرونة التفكير الإسلامي، و يؤكد هذا المستشرق أن روح الإسلام رحبة فسيحة بحيث أنها تكاد لا تعرف الحدود، و لذا يعيب محمد إقبال على جمهور المسلمين المتمسكين بالقديم بأنهم لم يدرسوا الفقه دراسة نقدية لأن مثل هذه الدراسة تمس الناس جميعا.
فماذا عن حرية النقد؟ و الجواب أن محمد إقبال يدعو إلى ممارسة النقد، و أن يتحلى المسلم بروح نقدية لبلوغ أسمى مراتب التجديد و التطور، و بدون نقد لا يمكن أن نبلغ هذه المراتب، فكلما فتحت مسالك جديدة للفكر، كلما أمكن الوصول إلى آراء أخرى، و يبين محمد إقبال قيمة النقد في تطوير المعرفة و بناء الحضارة و تحريك التاريخ، و لدا اهتم محمد إقبال بمشروع الإصلاح، وأراد بالإصلاح الفكر لا الدين من احل الإنتقال بحياة المسلم من حياة الركود و الإنحطاط إلى جو الحركة و التقدم و الإزدهار ، للإشارة أن محمد إقبال كما وصفه الدكتور جيلالي بوبكر في كتابه "الإصلاح و نظرية الحضارة في فلسفة محمد إقبال" يعدُّ واحد من قادة الفكر و التجديد في العالم الإسلامي الحديث، رسم لفلسفته الإصلاحية هدفا هو إخراج الفكر الإسلامي من عالم التخلف و الإنحطاط و السير به نحو النّماء و الإزدهار في معترك حضاري و صراع ثقافي بين عالم متخلف فكريا و حضاريا و العالم الإسلامي جزء منه، و عالم متقدم علميا و تكنولوجيا بيده حضارة متطورة هي الحضارة الغربية التي بسطت يدها و سلطانها على العالم أجمع بفكرها و ثقافتها المعارضة في العديد من الأمور، لم يكن مفكرا مصلحا فقط بل كان ناقدا و جنديا في معركة النهضة.
و محمد إقبال من مواليد البنجاب، عاش في مرحلة مليئة بالمتغيرات اثرت في حياته الفكرية ، تلقى تعليمه عند المستشرق الإنجليزي سير طوماس أرنولد sir tomas arnold الذي مكنه من الوصول إلى الثقافة الشرقية و الفكر الغربي على حد سواء، و هو الذي بعث به إلى أوروبا ليواصل دراسته، تنقل محمد إقبال بين إنجلترا و ألمانيا إلى أن حصل على شهادة الدكتوراه حخول تطور الفلسفة الميتافيزية في بلاد الفرس قبل ان يعود إلى بلادهع و يستقر في لاهور، اصدر كتبا كثيرة بمختلف اللغات، الفارسين الإنجليزية و الأوردية، توفي في 21 أفريل 1938 تاركا وراءه ذخيرة فكرية و ثقافية، و هو يحتضر ترك مقالة شهيرة : "لماذا أخشى أن يصغرني الموت، إذا كنت أُمِيتُ ( بضم الألف و كسر الميم) حيوانيتي من اجل أن أصيرا إنسانا" ، و قد لفظ أنفاسه الأخيرة وعلى شفتيه ابتسامة مرتسمة.
قراءة علجية عيش