( مقدمة قابلة للتجاوز )
بمثل هذا العنوان أعلاه الباحث عن الدكتور تيزيني ، أو قريباً منه ، كتبتُ مقالة نُشرت منذ أكثر من ثلاثين سنة ، اعترضتُ فيها على عقد ندوة في دمشق ، برعاية جريدة "الثورة" السورية ، تتناول كما هو مُفترض العلاقة الجدلية بين تراثنا وواقعنا ، ولم يُدْعَ إليها الدكتور طيب تيزيني الذي انْبَنَتْ شهرته آنذاك على اشتغاله الأكاديمي والفكري والمعرفي على مشروعه المعروف " التراث والمعاصرة" المتماهي مع عنوان الندوة . قلتُ يومذاك في مقالتي أن الندوة المزمع عقدها دون مشاركة الإختصاصي الأول بالتراث والمعاصرة في سورية الدكتور طيب تيزيني هي ندوة عرجاء !!
كان وَقع المقالة على مفكرنا السوري الكبير طيباً ، وكان وقعها توطئة لزيارته في بيته بمعية الشاعر الصديق علي كنعان ، وهو اللقاء اليتيم بين د. تيزيني وبيني ، لكنه بداية لاهتمام فكري بما يكتب لم ينقطع حتى اليوم . في ذلك اللقاء كنت أعد دراسة عن المفكر المصري عبد الرحمن بدوي ، وكان ينقصني كتابه "تاريخ الإلحاد في الإسلام" ، وسألت د. طيب عنه ، فوضع سلّما وصعد إلى سقيفة في بيته ليبحث ، واعتذر لي لأن الكتاب كان في عهدة أحد طلّابه ! أستاذ جامعي ، وباحث من الطراز الأول ، لا يتسع بيته لكتبه ، ويستعير السقيفة ملاذاً لتكديس مراجعه . أذكر هذه الواقعة للمرة الأولى أيضا ، كي تعرفوا عن أي رجل فكرٍ أتحدث ، وعن أي قامة سيعتز بها أي سوري لعشرات السنين .
( المتن والتوطئة )
منذ بداياته ، كان طيب تيزيني ( مع حفظ الألقاب ) مفكرا وأكاديميا سوريا بامتياز ، ظل يكتب بجريدة الثورة السورية المتواضعة ، لم تُغره مكافآت صحف البترودولار ، ولم تتناهبه شهوة التكسّب المادي في الجامعات الباذخة ، ولا عيب في ذلك ، لكنه شاء أن يكون في حياته العملانية متطابقا مع مشروعه النظري الباحث عن طريقِ خلاصٍ أمينٍ لوطنه وشعبه وأمته ، والذي بوساطته يمكن الإنطلاق من الركود الحضاري المميت ، إلى التقدم وإلى وضع مسار نحو الغايات المَرْجوّة لوطنه السوري .
منجزات طيب تيزيني الفكرية ومفكوراته وأطروحاته ورؤاه المعرفية والفلسفية أوسع بكثير من طموحي في إنصافه عبر هذه المقالة التي تسعى إلى تأكيد صوابية تحليلاته السياسية في العقد الاخير .
لأن تيزيني صاحب مشروع كبير للتغيير السياسي ، ولأن ثوابت مشروعه لا يحتمل مواصفات وممارسات وسلوكيات تركيبة سلطة حزب البعث منذ وصوله إلى السلطة في سورية ، فلذا أخذ تيزيني على عاتقه العمل على بلورة موقفٍ نقدي يساري معارض للسلطة ، يبدأ بالفكر ولايتجاوزه ، لأن الفكر السياسي عنده من الأسلحة الأمضى والأقدر على التغيير . وهو لم ييأس طوال فترة حكم الرئيس حافظ الاسد من المعارضة التي لم تترك أي صدى فاعل عند صاحب القرار . وبعد وصول بشار الأسد إلى سدّة الرئاسة ، داهم تيزيني الأمل في احتمال إقدام الوريث على إعادة النظر بالإستعصاءات السياسية المزمنة ، والنظر بمسألة ضرورات التغيير ، وفي رهان تيزيني على أن انتقال السلطة من الأب إلى الإبن قد يسمح بالعبور نحو سورية أخرى غير التي عهدناها في عهد الأول ، راح يكتب وبوتيرةٍ أدرك السوريون معها بأن طيب تيزيني بدأ يتلمس خطورة المرحلة ، وبدأ يشعر باحتمال انفجار الوضع في سورية ، وهذا ما سأعمل على إجلاء خطوطه العريضة في هذه المقالة .
( كتابان ومؤشراتهما للمفكر الماركسي طيب تيزيني )
صدر كتاب " من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني " عام 2001 ، وللتوثيق سأسمّيه المرجع ( 1 ) في مقالتي هذه ، وصدر كتاب " بيان في النهضة والتنوير العربي " عام 2005 ، وسأسمّيه المرجع ( 2 ) ، ويكفي أن يتأمل القارئ السوري هذين العنوانين بهدوء وعمق ، كي يدرك بغريزته الخطوط العريضة لهموم تيزيني السياسية ، ويضع يده على هواجسه الإجتماعية ، وكي يستقرئ أمانيه وآماله كمواطن ومفكر ، وعلى هذين الكتابين وحدهما من بين كتبه سأرصد صوته الواضح والصادق والصريح ، وقبل كل شيئ العاقل ، وأضعه بين أيديكم بلغة تيزيني نفسها ودون أي تحوير ، مع ذكر المرجع والصفحة في نهاية الإقتباس .
1ـ من أين لنا أن نبدأ ؟؟ نبدأ ، حيث نستطيع وبأية صيغة محتملة ، بحوار ديمقراطي عقلاني مفتوح بين الكل ومع الكل ممن يحمل هاجس هذا الوطن . (1) ص 15 .
2ـ هناك حركتان اثنتان في العالم ستتصارعان ، ولا يمكن أن تتعايشا ، كما أن معظم مصائر العالم ستحدد من خلال نتائج تصارعهما ، وهما الحركة العربية القومية والحركة اليهودية الصهيونية ! (1) ص 23 .
3ـ لم يعد هنالك في العالم المعاصر ، على الأقل من الناحية الأخلاقية القيمية ، من هو قادر على الإعلان بأنه يمتلك "الحكمة" كلها . (1) ص 34 .
4ـ الخيار الحاسم التالي : إما أن يتبرأ العرب من أحلامهم في التحرر والتقدم ويندمجوا اندماجاً وظيفياً في النظام (الرأسمالي) وفي جيبه الصهيوني (الإسرائيلي) محققين بذلك شرط استمرارهم ونمائهم ، وإما عليهم أن يتحولوا إلى حطام تاريخي عاجز مهشّم ومفتّت . (1) ص 68 .
5ـ التشديد على ضرورة إنجاز قراءة معاصرة ، عقلانية مستنيرة ، للإسلام الباكر كما للتاريخ الإسلامي،من شأنها أن تواجه القراءات الظلامية الراهنة للإسلام.(1)ص74.
6ـ هاهنا، تبرز سلسلة من المناحات والتأسّي والتشكّي ، التي تنعي الاخلاق والقيم ، وتعلن عن هزيمة ضمير المثقفين ، الذين ينظر إليهم على أنهم "ضمير الأمّة" . وإذا ما طرح السؤال حول سقوط هذا "الضمير" ، فسوف يُجاب بالإحالة إلى تيار الفساد وتنامي الجشع واللهاث وراء الإستهلاك ، وللسيولة المالية الهائلة التي برزت من عائدات النفط . (1) ص 80 .
7ـ تحولت الحياة السياسية إلى "سياسة" نخب سياسية ومالية وعسكرية تملي إرادتها على الجمهور الواسع .(1) ص 101 .
8ـ التيار الأصولي يحكم الآن قبضته على نسبة كبرى من سكان الوطن العربي .. فكر أصولي يريد للأموات أن يحكموا الأحياء . (1) ص 101ـ 103 .
9ـ ما نعنيه، تحوّلأ كوسوفو إلى نموذج يمكن أن ينسحب ‘لى أي بلد . وبإمكان النظام العولمي الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة أن يدخل أي بلد يخرج على القانون العولمي ألاميركي ، أما كيفية ذلك فتقوم على إشعال فتيل في البلد المعني .(1) ص115 .
10 ـ إن مجيءالدكتور بشار الأسد رئيسا للجمهورية فتح نصف أعين الناس تفاؤلا .ويبقى أن تتم عملية فتح الأعين كاملة ، حتى يتحول التفاؤل إلى حالة مشخّصة معيوشة من قبل الشعب . إن استحقاقات الرئاسة الجديدة كبيرة ، بقدر ما هي معقدة وصعبة ... إن الشعب الآن يتحدث الكثير عن التغيير ، الذي يعود بالخير عليه ، أي بالكفاية والحرية والكرامة . (1) ص 121 ـ 122 .
11 ـ يعلن الأصوليون ـ بشتى أنساقهم واتجاهاتهم ـ أن الحل الناجز لمشكلات الوطن العربي ومن ضمنه سوريا ، يقوم على العودة إلى الأصول ... وأصحاب هذا الرأي يرون في الماضي سيد الأحكام والأزمان : إن الأموات هم الذين يقودون الأحياء . ولعل سيد قطب المصري يمثل تعبيراً خاصاً عن هذا الرأي . (1) ص133 ـ 134
12 ـ لقد مرت بضعة عقود لم تتح فيها فرصة حقيقية وجادة لحوار عقلاني ديمقراطي بين المثقفين والسياسيين وأوساط أخرى من الشعب . فظل هؤلاء متباعدين لا يعرف بعضهم بعضاً ، مما خلق مناخاً خصباً من الآراء المنقوصة أو المغلوطة ، ومن التخمينات والإشاعات ، إضافة إلى أن ضموراً معرفياً وثقافياً أصاب الفكر والمؤسسات السياسية التي فرّخت فيها أجيال من المنتفعين الإنتهازيين وأدعياء الفكر والثقافة . (1) ص 135 .
13 ـ في هذا المنعطف ، نجد أنفسنا أمام ضرورة تاريخية .. تقوم على حماية اتجاه أو تيار التطوير والإصلاح والتحديث الوطني الديمقراطي .. باتجاه ما يجعل من سوريا سداً منيعاً في وجه محاولات التفكيك والتهشيم من الداخل والخارج . (1) ص 145 .
14 ـ ويبقى القول حاسماً ، وهو أن الإقدام على إنجاز المهمات التاريخية في الوقت المناسب ( يتحدث تيزيني هنا عن بناء الدولة السورية الوطنية القانونية المتينة ) قد يعطل ما لا يحصى من احتمالات نشوء فتيل ناري ما .
15 ـ المجتمع المدني ليس ضد الدولة من حيث هي ، بل هو ضد إمكانية هيمنتها الشاملة والشمولية .... إن الدولة نفسها مازالت مشروعاً اولياً ..(1) ص 158.
16 ـ وقد عبر أحد الباحثين ( وهو برهان غليون ) عن ذلك في مكتب السيد رياض سيف ، حين أعلن أنه " لا توجد حتميات في المجتمع البشري " . وجل ما يوجد فيه إنْ هو إلا " فعل ورد الفعل " ...... على هذا النحو ، يتحول التاريخ إلى فضاء داشر لا ضابط له ولا ناظم . (1) ص 172 ـ 173 .
17 ـ سقف الوطن يتسع للجميع (1) ص 180 .
..... وإذ يكتب د. طيب تيزيني عبر هذه الجذاذات التي لا تغني أبداً عن قراءة الكتاب ، أرى أنا بهذه الإشارات ما يُسْتَشمَّ منها الهلع والخوف والنار المحدقة بسوريا ، والحلول المفترضة لهذا الوضع المأساوي الشائك . كان ذلك عام 2001 ، في المرحلة التي أسماها د. تيزيني انتقالية ، وأنها مخاض ، ولكن الجهل ، جهل أهل السلطة قبل جهل المناهضين لها ، وجهل السوريين بمتطلبات الحراك الإجتماعي والمعرفي ، أوصلنا إلى ماوصلنا إليه . كنتَ يا طيب تيزيني مبصراً ورائياً ، فأين أنت اليوم لتساهم في حل التعقيدات التي وضعت قلمك في قلب إرهاصاتها . في مقالة أخرى ، سأنقل لكم جذاذات من كتاب تيزيني الثاني .
د. نزار العاني
المصدر: يا طالع الشجرة
Hanan Katrib
بمثل هذا العنوان أعلاه الباحث عن الدكتور تيزيني ، أو قريباً منه ، كتبتُ مقالة نُشرت منذ أكثر من ثلاثين سنة ، اعترضتُ فيها على عقد ندوة في دمشق ، برعاية جريدة "الثورة" السورية ، تتناول كما هو مُفترض العلاقة الجدلية بين تراثنا وواقعنا ، ولم يُدْعَ إليها الدكتور طيب تيزيني الذي انْبَنَتْ شهرته آنذاك على اشتغاله الأكاديمي والفكري والمعرفي على مشروعه المعروف " التراث والمعاصرة" المتماهي مع عنوان الندوة . قلتُ يومذاك في مقالتي أن الندوة المزمع عقدها دون مشاركة الإختصاصي الأول بالتراث والمعاصرة في سورية الدكتور طيب تيزيني هي ندوة عرجاء !!
كان وَقع المقالة على مفكرنا السوري الكبير طيباً ، وكان وقعها توطئة لزيارته في بيته بمعية الشاعر الصديق علي كنعان ، وهو اللقاء اليتيم بين د. تيزيني وبيني ، لكنه بداية لاهتمام فكري بما يكتب لم ينقطع حتى اليوم . في ذلك اللقاء كنت أعد دراسة عن المفكر المصري عبد الرحمن بدوي ، وكان ينقصني كتابه "تاريخ الإلحاد في الإسلام" ، وسألت د. طيب عنه ، فوضع سلّما وصعد إلى سقيفة في بيته ليبحث ، واعتذر لي لأن الكتاب كان في عهدة أحد طلّابه ! أستاذ جامعي ، وباحث من الطراز الأول ، لا يتسع بيته لكتبه ، ويستعير السقيفة ملاذاً لتكديس مراجعه . أذكر هذه الواقعة للمرة الأولى أيضا ، كي تعرفوا عن أي رجل فكرٍ أتحدث ، وعن أي قامة سيعتز بها أي سوري لعشرات السنين .
( المتن والتوطئة )
منذ بداياته ، كان طيب تيزيني ( مع حفظ الألقاب ) مفكرا وأكاديميا سوريا بامتياز ، ظل يكتب بجريدة الثورة السورية المتواضعة ، لم تُغره مكافآت صحف البترودولار ، ولم تتناهبه شهوة التكسّب المادي في الجامعات الباذخة ، ولا عيب في ذلك ، لكنه شاء أن يكون في حياته العملانية متطابقا مع مشروعه النظري الباحث عن طريقِ خلاصٍ أمينٍ لوطنه وشعبه وأمته ، والذي بوساطته يمكن الإنطلاق من الركود الحضاري المميت ، إلى التقدم وإلى وضع مسار نحو الغايات المَرْجوّة لوطنه السوري .
منجزات طيب تيزيني الفكرية ومفكوراته وأطروحاته ورؤاه المعرفية والفلسفية أوسع بكثير من طموحي في إنصافه عبر هذه المقالة التي تسعى إلى تأكيد صوابية تحليلاته السياسية في العقد الاخير .
لأن تيزيني صاحب مشروع كبير للتغيير السياسي ، ولأن ثوابت مشروعه لا يحتمل مواصفات وممارسات وسلوكيات تركيبة سلطة حزب البعث منذ وصوله إلى السلطة في سورية ، فلذا أخذ تيزيني على عاتقه العمل على بلورة موقفٍ نقدي يساري معارض للسلطة ، يبدأ بالفكر ولايتجاوزه ، لأن الفكر السياسي عنده من الأسلحة الأمضى والأقدر على التغيير . وهو لم ييأس طوال فترة حكم الرئيس حافظ الاسد من المعارضة التي لم تترك أي صدى فاعل عند صاحب القرار . وبعد وصول بشار الأسد إلى سدّة الرئاسة ، داهم تيزيني الأمل في احتمال إقدام الوريث على إعادة النظر بالإستعصاءات السياسية المزمنة ، والنظر بمسألة ضرورات التغيير ، وفي رهان تيزيني على أن انتقال السلطة من الأب إلى الإبن قد يسمح بالعبور نحو سورية أخرى غير التي عهدناها في عهد الأول ، راح يكتب وبوتيرةٍ أدرك السوريون معها بأن طيب تيزيني بدأ يتلمس خطورة المرحلة ، وبدأ يشعر باحتمال انفجار الوضع في سورية ، وهذا ما سأعمل على إجلاء خطوطه العريضة في هذه المقالة .
( كتابان ومؤشراتهما للمفكر الماركسي طيب تيزيني )
صدر كتاب " من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني " عام 2001 ، وللتوثيق سأسمّيه المرجع ( 1 ) في مقالتي هذه ، وصدر كتاب " بيان في النهضة والتنوير العربي " عام 2005 ، وسأسمّيه المرجع ( 2 ) ، ويكفي أن يتأمل القارئ السوري هذين العنوانين بهدوء وعمق ، كي يدرك بغريزته الخطوط العريضة لهموم تيزيني السياسية ، ويضع يده على هواجسه الإجتماعية ، وكي يستقرئ أمانيه وآماله كمواطن ومفكر ، وعلى هذين الكتابين وحدهما من بين كتبه سأرصد صوته الواضح والصادق والصريح ، وقبل كل شيئ العاقل ، وأضعه بين أيديكم بلغة تيزيني نفسها ودون أي تحوير ، مع ذكر المرجع والصفحة في نهاية الإقتباس .
1ـ من أين لنا أن نبدأ ؟؟ نبدأ ، حيث نستطيع وبأية صيغة محتملة ، بحوار ديمقراطي عقلاني مفتوح بين الكل ومع الكل ممن يحمل هاجس هذا الوطن . (1) ص 15 .
2ـ هناك حركتان اثنتان في العالم ستتصارعان ، ولا يمكن أن تتعايشا ، كما أن معظم مصائر العالم ستحدد من خلال نتائج تصارعهما ، وهما الحركة العربية القومية والحركة اليهودية الصهيونية ! (1) ص 23 .
3ـ لم يعد هنالك في العالم المعاصر ، على الأقل من الناحية الأخلاقية القيمية ، من هو قادر على الإعلان بأنه يمتلك "الحكمة" كلها . (1) ص 34 .
4ـ الخيار الحاسم التالي : إما أن يتبرأ العرب من أحلامهم في التحرر والتقدم ويندمجوا اندماجاً وظيفياً في النظام (الرأسمالي) وفي جيبه الصهيوني (الإسرائيلي) محققين بذلك شرط استمرارهم ونمائهم ، وإما عليهم أن يتحولوا إلى حطام تاريخي عاجز مهشّم ومفتّت . (1) ص 68 .
5ـ التشديد على ضرورة إنجاز قراءة معاصرة ، عقلانية مستنيرة ، للإسلام الباكر كما للتاريخ الإسلامي،من شأنها أن تواجه القراءات الظلامية الراهنة للإسلام.(1)ص74.
6ـ هاهنا، تبرز سلسلة من المناحات والتأسّي والتشكّي ، التي تنعي الاخلاق والقيم ، وتعلن عن هزيمة ضمير المثقفين ، الذين ينظر إليهم على أنهم "ضمير الأمّة" . وإذا ما طرح السؤال حول سقوط هذا "الضمير" ، فسوف يُجاب بالإحالة إلى تيار الفساد وتنامي الجشع واللهاث وراء الإستهلاك ، وللسيولة المالية الهائلة التي برزت من عائدات النفط . (1) ص 80 .
7ـ تحولت الحياة السياسية إلى "سياسة" نخب سياسية ومالية وعسكرية تملي إرادتها على الجمهور الواسع .(1) ص 101 .
8ـ التيار الأصولي يحكم الآن قبضته على نسبة كبرى من سكان الوطن العربي .. فكر أصولي يريد للأموات أن يحكموا الأحياء . (1) ص 101ـ 103 .
9ـ ما نعنيه، تحوّلأ كوسوفو إلى نموذج يمكن أن ينسحب ‘لى أي بلد . وبإمكان النظام العولمي الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة أن يدخل أي بلد يخرج على القانون العولمي ألاميركي ، أما كيفية ذلك فتقوم على إشعال فتيل في البلد المعني .(1) ص115 .
10 ـ إن مجيءالدكتور بشار الأسد رئيسا للجمهورية فتح نصف أعين الناس تفاؤلا .ويبقى أن تتم عملية فتح الأعين كاملة ، حتى يتحول التفاؤل إلى حالة مشخّصة معيوشة من قبل الشعب . إن استحقاقات الرئاسة الجديدة كبيرة ، بقدر ما هي معقدة وصعبة ... إن الشعب الآن يتحدث الكثير عن التغيير ، الذي يعود بالخير عليه ، أي بالكفاية والحرية والكرامة . (1) ص 121 ـ 122 .
11 ـ يعلن الأصوليون ـ بشتى أنساقهم واتجاهاتهم ـ أن الحل الناجز لمشكلات الوطن العربي ومن ضمنه سوريا ، يقوم على العودة إلى الأصول ... وأصحاب هذا الرأي يرون في الماضي سيد الأحكام والأزمان : إن الأموات هم الذين يقودون الأحياء . ولعل سيد قطب المصري يمثل تعبيراً خاصاً عن هذا الرأي . (1) ص133 ـ 134
12 ـ لقد مرت بضعة عقود لم تتح فيها فرصة حقيقية وجادة لحوار عقلاني ديمقراطي بين المثقفين والسياسيين وأوساط أخرى من الشعب . فظل هؤلاء متباعدين لا يعرف بعضهم بعضاً ، مما خلق مناخاً خصباً من الآراء المنقوصة أو المغلوطة ، ومن التخمينات والإشاعات ، إضافة إلى أن ضموراً معرفياً وثقافياً أصاب الفكر والمؤسسات السياسية التي فرّخت فيها أجيال من المنتفعين الإنتهازيين وأدعياء الفكر والثقافة . (1) ص 135 .
13 ـ في هذا المنعطف ، نجد أنفسنا أمام ضرورة تاريخية .. تقوم على حماية اتجاه أو تيار التطوير والإصلاح والتحديث الوطني الديمقراطي .. باتجاه ما يجعل من سوريا سداً منيعاً في وجه محاولات التفكيك والتهشيم من الداخل والخارج . (1) ص 145 .
14 ـ ويبقى القول حاسماً ، وهو أن الإقدام على إنجاز المهمات التاريخية في الوقت المناسب ( يتحدث تيزيني هنا عن بناء الدولة السورية الوطنية القانونية المتينة ) قد يعطل ما لا يحصى من احتمالات نشوء فتيل ناري ما .
15 ـ المجتمع المدني ليس ضد الدولة من حيث هي ، بل هو ضد إمكانية هيمنتها الشاملة والشمولية .... إن الدولة نفسها مازالت مشروعاً اولياً ..(1) ص 158.
16 ـ وقد عبر أحد الباحثين ( وهو برهان غليون ) عن ذلك في مكتب السيد رياض سيف ، حين أعلن أنه " لا توجد حتميات في المجتمع البشري " . وجل ما يوجد فيه إنْ هو إلا " فعل ورد الفعل " ...... على هذا النحو ، يتحول التاريخ إلى فضاء داشر لا ضابط له ولا ناظم . (1) ص 172 ـ 173 .
17 ـ سقف الوطن يتسع للجميع (1) ص 180 .
..... وإذ يكتب د. طيب تيزيني عبر هذه الجذاذات التي لا تغني أبداً عن قراءة الكتاب ، أرى أنا بهذه الإشارات ما يُسْتَشمَّ منها الهلع والخوف والنار المحدقة بسوريا ، والحلول المفترضة لهذا الوضع المأساوي الشائك . كان ذلك عام 2001 ، في المرحلة التي أسماها د. تيزيني انتقالية ، وأنها مخاض ، ولكن الجهل ، جهل أهل السلطة قبل جهل المناهضين لها ، وجهل السوريين بمتطلبات الحراك الإجتماعي والمعرفي ، أوصلنا إلى ماوصلنا إليه . كنتَ يا طيب تيزيني مبصراً ورائياً ، فأين أنت اليوم لتساهم في حل التعقيدات التي وضعت قلمك في قلب إرهاصاتها . في مقالة أخرى ، سأنقل لكم جذاذات من كتاب تيزيني الثاني .
د. نزار العاني
المصدر: يا طالع الشجرة
Hanan Katrib