ولد الشاعر محمود أبو الوفا سنة\ 1900 في قرية ( الديرس) قرب مدينة ( دمياط) بمصر. توفي والده وهو طفل صغير، وبعدها بسنوات كسرت ساقه وهو يلعب الكرة مع أقرانه،وبسبب الجهل المتفشي انذاك وعدم قدرة أمه المادية على الذهاب به إلى طبيب أو مستشفى مع عدم تقدير الموقف حق تقديره فقد وضعت على قدمه بعض العجائن المسماة في ريف مصر(لبخة) أملا في شفائها إلا أن ذلك أدى إلى حدوث مرض (الكركرينا ) في القدم مما ادى الى بترها، وهو في سن العاشرة،
و كانت الإصابة بقدمه وبترها سببا مباشرا في تأخر شهرته، بالرغم من جودة أعماله الشعرية،ففي عام\ 1927 شارك الشاعر في مسابقة أقيمت لتكريم أمير الشعراء أحمد شوقي منها :
وخالد الشعر سوف يبقى مرايا
تجتلى في صفائها الأشياء
يا أمير البيان إن بياني
فيك أعشت عبرته الأضواء
واختارت اللجنة التي كان من أعضائها شاعر النيل حافظ إبراهيم، وشاعر القطرين خليل مطران هذه القصيدة ليلقيها الشاعر في حفلة التكريم الرسمية إلا أن احمد شوقي رفضه بسببب جلبابه البلدي وعكازه وقدمه المبتور .
حفظ القرآن الكريم وتلقّى تعليمه الأولي في كُتّاب قريته، وكان صاحب كرامة وعزه نفس منذ سنواته الأولى، فلم يستطع أن يمشي في القرية بين أقرانه وقدمه مبتورة، فترك القرية دون أن يعلم أحد وهو في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره ونزح إلى ( دمياط ) وبالذات منطقة (رأس البر) واشتغل عاملا في المقاهي هناك فكان حاله مثار عطف وشفقة أصحاب المقاهي فكان يجلسونه لتحصيل الحساب. وفي (دمياط ) التحق بمعهدها الديني لكنه فُصل منه بعد ثلاث سنوات بسبب ما ينظمه من شعرحيث كانت له فلسفة خاصة به يقول :
.
تَحـيَّرَ يعْصـي دمعَه أم يُطـــــــــــــاوعُ؟
وأرَّقَه يـنسَى الهــــــــــــوى أم يُراجعُ؟
تَجـيش بـه الآمـال لـيس بقـــــــــــادرٍ
عـلـيـهـا، ولا عـنهـا هـوى القـلـب نـازع
أفـي الـحقّ أن الـحـبّ لـم يَغْدُ فـي الـوَرى
سـوى أنه خِبٌّ، وإلا مَطـــــــــــــــامع؟
وأن مـوَدّاتِ القـلـوب تحـوّلـــــــــــــت
فـمـا هــــــــــــي إلا للخداع، بَرَاقع؟
إذا صحَّ مـا قـالـوا ففـيـمَ طـيـورهـــــا
تُغنّي بـواديـهـا؟ وفـيـمـن تُســـــــاجع؟
لك الله يـا قـلـبـي تُرفْرف ســــــــاجعًا
وتخـفق غِرِّيـدًا، ومـالك ســـــــــــــامع
ثـوابُك عـندَ الله فـيـمــــــــــا صنعتَه
ومـا رُحْتَ تُزجـي للهـوى، وتُصــــــــــانع
ويشهد لـولا الصدقُ فـيك طبـــــــــــيعة
لـمـا جـاء مـثلـي للهـوى، وهـو تــــابع
هُمُ يَحْسبـون الـحـبّ ضعفًا، وإنمــــــــــا
هـمُ النـاس: مخدوعٌ وآخر خــــــــــــادع
يسـيرون فـي ركبٍ ضلـيلٍ، وربـمــــــــــا
غدا ركبُهـم هـذا، وحـاديـه ضـــــــــالع
وأحسبُ أن الـحـبّ للنـاس قــــــــــــدوةٌ
ولكـنْ شعـاعُ الضـوء للعـيـــــــــن رادع
وبعض عـيـون النـاس تقـــــــــــوى أشعة
عـلى بعضهـا، والنـاس شـتى طبــــــــائع
ثم ترك د(مياط ) ونزح إلى القاهرة وهو في العشرين من عمره، وشارك رجل قهواتي على مقهى في شارع (عبد الخالق ثروت)، فكان له نصف المقهى، وقد حوله إلى صالون أدبي وملتقى ثقافي. وكان قد قصد القاهرة لإتمام دراسته بالأزهرالشريف فدخله لكنه انشغل بأحواله المعيشية ولم يستطع انى يتم دراسته فيه .
كان يكسب معيشته بالتنقل بين عدة مهن صغيرة منها: بائع فول مدمس، وعامل في مقهى،و بائع سجائر،ووسيط أراض زراعية، وكذلك عمل متعهدًا لإقامة الحفلات لفترة من الزمن ، حتى استقرت أحواله بالانضمام إلى أسرة تحرير( مجلة المقطتف) ، حيث اتاح له رئيس تحريرمجلة المقتطف (دكتور فؤاد صروف) عام 1930، فرصة نشر قصيدته (الإيمان) ومنها هذه الابيات :
قوة لم ُتتح لقلب جبان تلك فى المرء قوةُ الإيمان
تتجلى على جميع قوى الكون شيوع الأرواح فى الأبدان
لكأنى أرى الحياة و إياها سميين ، أو هما توأمان
أول المؤمنين بالله حقا هو ، فى الأرض ، كان أول بان
يا ضياء الحياة بوركت فيها بل تباركت ، يا يد العمران
إن روحى فدا الجمال سواء فى المبانى أكان أم فى المعانى
بنت حواء إننا منك بتنا نرتجى ربح ذلك الميدان
حل فيك الخلود لحنا شهيا عبقرى التلحين و الألحان
لحنى ، لحنى على الأرض حتى تصبح الأرض جنة الرضوان
ليت شعرى ! ماذا أراد بنا الخالق إلا سيادة الأكوان ؟
رب فيم إبتعثت رُسلا ولو شئت لأغنت إرادة الإنسان
أفصح الحسنُ مستهلا فما حاجة هذا الجمال للترجمان
لا أرى آدما عصى الله لكن شاء أن يستقل بالسلطان
يكره الحر أن يعيش على الس جن ولو كان سجنه فى الجنان
وسرعان ما تناقلتها خمس مجلات واسعة الانتشارونشرت على صفحاتها قصيدته (الإيمان )، مما ُيعد نصرا صحفيا للمجلة ،لذلك دعا الدكتور فؤاد صروف أبا الوفا للإنضمام الى اسرة تحرير المجلة، حيث عُهد إليه بتحرير صفحة (مكتبة المقتطف).
واقامت (رابطة الأدب الجديد) حفلا تكريما لشاعرنا ابي الوفا، وجدها أمير الشعراء احمد شوقي فرصة سانحة ليرسل الى جريدة (الأهرام) قصيدة في تكريم الشاعر( ابي الوفا ) تكفيرا عما بدر منه سابقا ازاءه ، ويشيد ببراعته الشعرية وأنه رغم سيره على عكاز تقيد خطواته، فإنه صاحب خيال متحرر، يطوى البلاد وينتشر في جميع الأفاق، ويبدى إعجابه بجمال بيان الشاعر وهو بحالته هذه (مقيد الخُطا)، فكيف إذا أسترد ساقه وتمكن من التنقل بحرية أكثر؟ ويرى أن الأطباء لويفهمون ما في أشعاره من حلاوة، لصنعوا له بدلا من الساق المفقودة جناحا يطير به، ونشرت القصيدة كاملة في (الأهرام) في 21 فبراير عام 1932، و منها الأبيات التالية:
البلبل الغريد الذي هـز الربى
وشجى الغصون ...وحرك الأوراقا
خلف البهاء على القريض وكأسه
تسقى بعذب نسيبه العشاقا
في القيد ممتنع الخطا وخياله
يطوي البلاد وينشر الآفاقا
سباق غايات البيان جرى بلا
ساق فكيف إذا إسترد الساقا
لو يطعم الطب الصناع بيانهأ
ولو يسيغ – لما يقول – مذاقا
غالى بقيمته فلم يصنع له
إلا الجناح محلقا خفاقا
سافر إلى باريس في حزيران (يونيو) 1932 على نفقة الحكومة المصرية حيث بترت ساقة واستعاض عنها بساق صناعية ، وعاد م منها في بدلة إفرنجية وجهاز صناعى بدلا من جلبابه البلدي وعكازه الخشبي، وفي نفس العام وصدرت مجموعته الشعرية (أنفاس محترقة) فذاع صيته واشتهر ، وفتحت له المجلات والصحف لينشر فيه وتتسابق إلى نشر ما يقول، وغني له الموسيقار محمد عبد الوهاب قصيدة (عندما يأتي المساء) يقول فيها :
عـندمـا يأتـي الـمســــــــــــــــــاء
ونجـوم اللــــــــــــــــــــــيل تُنْشَرْ
اسألـوا لـي اللـيل عـن نَجْــــــــــــــ
ـمـي متى نجـمـيَ يظهــــــــــــــــــرْ؟
عـندمـا تبـدو النجـــــــــــــــــــومُ
فـي السّمـا مـثلَ اللآلـــــــــــــــــي
اسألـوا: هل مـن حـبــــــــــــــــــيبٍ
عـنده عـلـمٌ بحـالــــــــــــــــــــي؟
كلُّ نجـم راح فـي اللـيــــــــــــــــــ
ـل بنجـمٍ يـــــــــــــــــــــــــتَنَوَّر
غـيرَ قـلـبـي فهْوَ مـــــــــــــــــا زا
لَ عـلى الأفق مُحــــــــــــــــــــــيَّر
يـا حـبـيبـي لك روحـــــــــــــــــــي
لكَ مــــــــــــــــــــــــا شئتَ وأكثر
إن روحـي خـــــــــــــــــــــــيرُ أفْقٍ
فـيـه أنـواركَ تظهـــــــــــــــــــــر
وطلبت منه وزارة المعارف المصرية إستكمال ما كتبه أمير الشعراء من شعر للأطفال حيث توفاهالاجل فاستجاب أبو الوفا لهذا الطلب ونظم (مجموعة شعرية)، فقررت الوزارة تدريسها ما يقرب من ربع قرن، ضمن مجموعة دراسية سميت ( المحفوظات المختارة) .
ثم اشتغل مذيعًا بالإذاعة المصرية..
انظم الى بعض الأحزاب السياسية، والى عدة جماعات أدبية منها ( رابطة الأدب الجديد) التي أنشأها أحمد زكي أبو شادي عام 1911، و(جماعة أبوللو الشعرية) التي أنشئت عام 1932، حيث كان عضوًا في مجلس إدارتها وفي اللجنة التنظيمية لها. و نشط في العمل السياسي فشارك في( ثورة 1919) شاعرًا ومثقفًا. ومن قصيدة (ضحايا ) اقتطف هذه الابيات :
عهدُ الجهـالات أم عهد الـحضـــــــــاراتِ
لن يبرح النـاسُ عُبْدانًا وســـــــــــاداتِ
فـوارقٌ ستسـودُ الأرض مـا لـــــــــــبثت
تلك العـداوة بـيـن الـذئب والشـــــــاة
لن تَبـلغَ الـمـجــــــــدَ إلا إن صَعَدت له
عـلى سلالـمِ أشلاءٍ وهـامــــــــــــــات
هـذي الـديـانـات تـــــــنهَى أن يراقَ دَمٌ
والهَدْيُ بـالـدّم قُرْبـان الـديـانـــــــات
يـا لـيـت شعـري خِرافُ العـيـد هل عـلــمت
مـاذا يُكِنُّ لهـا عـيـد الضحـيـــــــــات؟
ولـيـت شعـــــــــريَ هل تلقَى الخراف غدًا
كبشًا يغار عـلى تلك الـذبـيحـــــــــات؟
هـيـهـاتَ هـيـهـات إن الـبـهْمَ مــــاخُلِقت
إلا مطـايـا لأغراض الزعـامـــــــــــات
عهْدُ الصراحة مـا بـالُ الصريحِ بـــــــــه
لا يـمـلكُ النطقَ إلا بـالكِنـايــــــــات
أحـب أضحك للـدنـيـا فـيـمـنعـنــــــــي
أن عـاقبتـنـي عـلى بعض ابتسـامـــــــات
هـاجَ الجَوادُ فعضَّتْه شَكـيــــــــــــــمتُه
شُلَّتْ أنـامـل صُنّاع الشكـيـمــــــــــــات
* قلده الرئيس جمال عبد الناصرعام 1967 (وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى،)
* منحه الرئيس محمد أنور السادات (جائزة الجدارة في الفنون)
* منحته محافظة القاهرة أمله في الحصول على شقة بها تليفون في الإسكان المتوسط المتميز فانتقل من حي العمري (باب الخلق) إلى مدينة( نصر )عام 1978واقام فيها اياما في اواخر عمره ،
* منحته اكاديمية الفنون الجميلة جائزة أكاديمية الفنون ،قيمتها ألف جنيه الا انه مات قبل أن يتسلم المبلغ
توفي الشاعر محمود ابو الوفا في مدينةالقاهرة في 26 يناير) 1979 )كانون الثاني
ودفن حيث تمنى في بلدته ( الديرس ) في مقام جده العارف بالله سيدي أبو الوفا الشريف
له عدة دواوين ومجموعات شعرية وثقافية مطبوعة منها:
الحرية، 1919،
جمال المرأة في القصيدة اليتيمة، 1922،
أنفاس محترقة - دار الهلال - القاهرة 1932،
أعشاب - مطبعة الإخاء - القاهرة 1933،
أشواق ، 1941،
عنوان النشيد ويضم مطولة في 351 بيتًا - القاهرة 1952،
شعري - دار المعارف - القاهرة 1962،
اشعاري في الحب ، 1981م، نشرت بعد وفاته
أناشيد دينية، القاهرة، 1937،
وأناشيد وطنية، القاهرة، 1939،
إنسان الفصل الخامس- مطبعة مصر - القاهرة 1957،
وحقّق الجزء الثاني من ديوان (الهذليين)
حقق الجزء الثالث من الشوقيات.
يعد محمود ابو الوفا من الشعراء المجددين والمؤثرين في الثقافة الحديثة
وقد انشد في اغلب الفنون الشعرية من مدح ورثاء وغزل ووصف وقضا يا نفسية وكل ما يخطر على باله وفكره فمن الرثاء فقد رثى اميرالشعراء احمد شوقي هذه الابيات:
رُوِّعَ الشِّعـرُ فـي أعزِّ حُمـــــــــــــــاتِهْ
ويحَ طلابـــــــــــــــــــه وويحَ رُواتهْ
نكبةٌ بـالـبـيـان حـلَّت فـمـالــــــــــتْ
بـالقـويِّ الـمتـيـن مـن شُرُفــــــــــاته
مـاتَ صنَّاجةُ الزّمـانِ فكـــــــــــــــادتْ
لُغَةٌ تـنطـوي غَداةَ ممـــــــــــــــــاته
وانطـوت صـفحةٌ مـن الـمـجـــــــــد أغلَى
مـا اقتـنـاه الزمـان مـن صَفَحــــــــاته
مـاتَ شـوقـي ولـم يَعُدْ ذكرُ شـوقـــــــــي
غـيرَ حُلْمٍ يُرَى عـلى ذكريــــــــــــــاته
أيـهـا الشـاعـر الـذي أنهض الشعــــــــ
ـرَ، فجـارَى الزمـانَ فـي نَهَضــــــــــاته
مـن لهـذا القـريض بعـدَكَ يحـمــــــــــي
مـن وهـاد الإسفـاف فـي رَغَبـــــــــاته؟
مـن لفـنِّ الغنـاء بعـدك يُعطـيـــــــــــ
ـهِ لقـاح الـتجـديـد فـي نَغَمــــــــاته؟
مـن لفـن الـتـمـثـيل بعـدك يَهْديــــــــ
ـهِ سَواءَ السبـيل فـــــــــــــي خُطُواته؟
وتتسم قصائده بنزعة إنسانية وميل إلى المناجاة والتأمل والتحليل النفسي ،تكتنفها نزعة فلسفية ووتغمرها نزعة دينية. اما لغته الشعرية فهي سلسة وسطية وفي خياله خصب و تجدد و فيه اثر من مظاهر الطبيعة وتخيم مسحة من الأسى والحزن على مجمل معانيه مردها الى حياته الاولىى وعيشته المعدمة وطفولته المتعبة
اختم هذا البحث بقصيدة رائعة من قصائد شاعرنا محمود ابو الوفا يقول:
رأى ما رأى حتى غدا اليومَ لا يرَى
سوى غيرِ شيءٍ أو يَرى الشيءَ مُبهَما
يرى الشيء شيئين، وحينًا إذا رأى
فهيهاتَ إلا ما رأى متوسِّما
رمَى مَنْ رمى عينيه فاستلَّ منهما
ضياءهما ما كان أقساه إذ رمى!
وقيل له: لا بأس تلك غشاوةٌ
تزول، ويا لله ماذا هو العمى؟
تباركتَ يا مُعطِي النهار ضياءه
ويا معطيَ الليل الظلام فأظلما
لأمر الذي لا أمرَ مِنْ فوقِ أمره
رضينا بما يرضَى، وإن كان مُؤلما
وقلت لنفسي كيف أنتِ؟ فلم تجب
فقلت: أتحتجِّين؟ قالت: تظلُّما
فقلت: ومِمَّن؟ ثم أصغيت فانثنت
كمن لم يجد قولاً لديه فتَمْتَما
هواجسُ لا آلو عليها تأسُّفًا
وإن كنت لا آلو عليها تندُّما
رويدكِ يا نفسي أما لك من نُهَى
يردّك للتقيا كما كنت دائما؟
لئن كنت منذ الأمسِ عندي كريمةً
فإنك منذ اليوم ما منك ألأما
فقالت: أتبغيني أرى النور ينطفي
بعيني، وتبغيني أرى البؤس أنعما؟
فقلت أنادي العقل، فالعقل رّبما
يكون لها مني أبرُّ وأرحما
فما راعني في العقل إلا رجوعُه
إلى كما لو كان سيفًا تَثلّما
أجبنيَ عمّا قد دهاك وما الذي
عراك فخلِّي المدْرَهَ اللَّسْنَ أبكما
وبعد اللتيّا عاود العقلَ سمتُهُ
وردَّ عليَّ، ليته ظلّ مُفحَما
أرى أن تلك النفسَ غيرُ ملومةٍ
ولم ترتكب حُوبًا، ولم تأت مأثما
وماذا على مَنْ نورُ عينيه ينطفي
إذا ظن في الأقدار ما ظن مُرْغَما
إلهيَ ذا عقلي ونفسي كلاهما
غويٌ، فكن لي يا إلهيَ منهما
هوى النفس يُصْبي العقل إن كليهما
مرايا أخيه يا لنا من كليهما
د فالح الكيلاني
و كانت الإصابة بقدمه وبترها سببا مباشرا في تأخر شهرته، بالرغم من جودة أعماله الشعرية،ففي عام\ 1927 شارك الشاعر في مسابقة أقيمت لتكريم أمير الشعراء أحمد شوقي منها :
وخالد الشعر سوف يبقى مرايا
تجتلى في صفائها الأشياء
يا أمير البيان إن بياني
فيك أعشت عبرته الأضواء
واختارت اللجنة التي كان من أعضائها شاعر النيل حافظ إبراهيم، وشاعر القطرين خليل مطران هذه القصيدة ليلقيها الشاعر في حفلة التكريم الرسمية إلا أن احمد شوقي رفضه بسببب جلبابه البلدي وعكازه وقدمه المبتور .
حفظ القرآن الكريم وتلقّى تعليمه الأولي في كُتّاب قريته، وكان صاحب كرامة وعزه نفس منذ سنواته الأولى، فلم يستطع أن يمشي في القرية بين أقرانه وقدمه مبتورة، فترك القرية دون أن يعلم أحد وهو في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره ونزح إلى ( دمياط ) وبالذات منطقة (رأس البر) واشتغل عاملا في المقاهي هناك فكان حاله مثار عطف وشفقة أصحاب المقاهي فكان يجلسونه لتحصيل الحساب. وفي (دمياط ) التحق بمعهدها الديني لكنه فُصل منه بعد ثلاث سنوات بسبب ما ينظمه من شعرحيث كانت له فلسفة خاصة به يقول :
.
تَحـيَّرَ يعْصـي دمعَه أم يُطـــــــــــــاوعُ؟
وأرَّقَه يـنسَى الهــــــــــــوى أم يُراجعُ؟
تَجـيش بـه الآمـال لـيس بقـــــــــــادرٍ
عـلـيـهـا، ولا عـنهـا هـوى القـلـب نـازع
أفـي الـحقّ أن الـحـبّ لـم يَغْدُ فـي الـوَرى
سـوى أنه خِبٌّ، وإلا مَطـــــــــــــــامع؟
وأن مـوَدّاتِ القـلـوب تحـوّلـــــــــــــت
فـمـا هــــــــــــي إلا للخداع، بَرَاقع؟
إذا صحَّ مـا قـالـوا ففـيـمَ طـيـورهـــــا
تُغنّي بـواديـهـا؟ وفـيـمـن تُســـــــاجع؟
لك الله يـا قـلـبـي تُرفْرف ســــــــاجعًا
وتخـفق غِرِّيـدًا، ومـالك ســـــــــــــامع
ثـوابُك عـندَ الله فـيـمــــــــــا صنعتَه
ومـا رُحْتَ تُزجـي للهـوى، وتُصــــــــــانع
ويشهد لـولا الصدقُ فـيك طبـــــــــــيعة
لـمـا جـاء مـثلـي للهـوى، وهـو تــــابع
هُمُ يَحْسبـون الـحـبّ ضعفًا، وإنمــــــــــا
هـمُ النـاس: مخدوعٌ وآخر خــــــــــــادع
يسـيرون فـي ركبٍ ضلـيلٍ، وربـمــــــــــا
غدا ركبُهـم هـذا، وحـاديـه ضـــــــــالع
وأحسبُ أن الـحـبّ للنـاس قــــــــــــدوةٌ
ولكـنْ شعـاعُ الضـوء للعـيـــــــــن رادع
وبعض عـيـون النـاس تقـــــــــــوى أشعة
عـلى بعضهـا، والنـاس شـتى طبــــــــائع
ثم ترك د(مياط ) ونزح إلى القاهرة وهو في العشرين من عمره، وشارك رجل قهواتي على مقهى في شارع (عبد الخالق ثروت)، فكان له نصف المقهى، وقد حوله إلى صالون أدبي وملتقى ثقافي. وكان قد قصد القاهرة لإتمام دراسته بالأزهرالشريف فدخله لكنه انشغل بأحواله المعيشية ولم يستطع انى يتم دراسته فيه .
كان يكسب معيشته بالتنقل بين عدة مهن صغيرة منها: بائع فول مدمس، وعامل في مقهى،و بائع سجائر،ووسيط أراض زراعية، وكذلك عمل متعهدًا لإقامة الحفلات لفترة من الزمن ، حتى استقرت أحواله بالانضمام إلى أسرة تحرير( مجلة المقطتف) ، حيث اتاح له رئيس تحريرمجلة المقتطف (دكتور فؤاد صروف) عام 1930، فرصة نشر قصيدته (الإيمان) ومنها هذه الابيات :
قوة لم ُتتح لقلب جبان تلك فى المرء قوةُ الإيمان
تتجلى على جميع قوى الكون شيوع الأرواح فى الأبدان
لكأنى أرى الحياة و إياها سميين ، أو هما توأمان
أول المؤمنين بالله حقا هو ، فى الأرض ، كان أول بان
يا ضياء الحياة بوركت فيها بل تباركت ، يا يد العمران
إن روحى فدا الجمال سواء فى المبانى أكان أم فى المعانى
بنت حواء إننا منك بتنا نرتجى ربح ذلك الميدان
حل فيك الخلود لحنا شهيا عبقرى التلحين و الألحان
لحنى ، لحنى على الأرض حتى تصبح الأرض جنة الرضوان
ليت شعرى ! ماذا أراد بنا الخالق إلا سيادة الأكوان ؟
رب فيم إبتعثت رُسلا ولو شئت لأغنت إرادة الإنسان
أفصح الحسنُ مستهلا فما حاجة هذا الجمال للترجمان
لا أرى آدما عصى الله لكن شاء أن يستقل بالسلطان
يكره الحر أن يعيش على الس جن ولو كان سجنه فى الجنان
وسرعان ما تناقلتها خمس مجلات واسعة الانتشارونشرت على صفحاتها قصيدته (الإيمان )، مما ُيعد نصرا صحفيا للمجلة ،لذلك دعا الدكتور فؤاد صروف أبا الوفا للإنضمام الى اسرة تحرير المجلة، حيث عُهد إليه بتحرير صفحة (مكتبة المقتطف).
واقامت (رابطة الأدب الجديد) حفلا تكريما لشاعرنا ابي الوفا، وجدها أمير الشعراء احمد شوقي فرصة سانحة ليرسل الى جريدة (الأهرام) قصيدة في تكريم الشاعر( ابي الوفا ) تكفيرا عما بدر منه سابقا ازاءه ، ويشيد ببراعته الشعرية وأنه رغم سيره على عكاز تقيد خطواته، فإنه صاحب خيال متحرر، يطوى البلاد وينتشر في جميع الأفاق، ويبدى إعجابه بجمال بيان الشاعر وهو بحالته هذه (مقيد الخُطا)، فكيف إذا أسترد ساقه وتمكن من التنقل بحرية أكثر؟ ويرى أن الأطباء لويفهمون ما في أشعاره من حلاوة، لصنعوا له بدلا من الساق المفقودة جناحا يطير به، ونشرت القصيدة كاملة في (الأهرام) في 21 فبراير عام 1932، و منها الأبيات التالية:
البلبل الغريد الذي هـز الربى
وشجى الغصون ...وحرك الأوراقا
خلف البهاء على القريض وكأسه
تسقى بعذب نسيبه العشاقا
في القيد ممتنع الخطا وخياله
يطوي البلاد وينشر الآفاقا
سباق غايات البيان جرى بلا
ساق فكيف إذا إسترد الساقا
لو يطعم الطب الصناع بيانهأ
ولو يسيغ – لما يقول – مذاقا
غالى بقيمته فلم يصنع له
إلا الجناح محلقا خفاقا
سافر إلى باريس في حزيران (يونيو) 1932 على نفقة الحكومة المصرية حيث بترت ساقة واستعاض عنها بساق صناعية ، وعاد م منها في بدلة إفرنجية وجهاز صناعى بدلا من جلبابه البلدي وعكازه الخشبي، وفي نفس العام وصدرت مجموعته الشعرية (أنفاس محترقة) فذاع صيته واشتهر ، وفتحت له المجلات والصحف لينشر فيه وتتسابق إلى نشر ما يقول، وغني له الموسيقار محمد عبد الوهاب قصيدة (عندما يأتي المساء) يقول فيها :
عـندمـا يأتـي الـمســــــــــــــــــاء
ونجـوم اللــــــــــــــــــــــيل تُنْشَرْ
اسألـوا لـي اللـيل عـن نَجْــــــــــــــ
ـمـي متى نجـمـيَ يظهــــــــــــــــــرْ؟
عـندمـا تبـدو النجـــــــــــــــــــومُ
فـي السّمـا مـثلَ اللآلـــــــــــــــــي
اسألـوا: هل مـن حـبــــــــــــــــــيبٍ
عـنده عـلـمٌ بحـالــــــــــــــــــــي؟
كلُّ نجـم راح فـي اللـيــــــــــــــــــ
ـل بنجـمٍ يـــــــــــــــــــــــــتَنَوَّر
غـيرَ قـلـبـي فهْوَ مـــــــــــــــــا زا
لَ عـلى الأفق مُحــــــــــــــــــــــيَّر
يـا حـبـيبـي لك روحـــــــــــــــــــي
لكَ مــــــــــــــــــــــــا شئتَ وأكثر
إن روحـي خـــــــــــــــــــــــيرُ أفْقٍ
فـيـه أنـواركَ تظهـــــــــــــــــــــر
وطلبت منه وزارة المعارف المصرية إستكمال ما كتبه أمير الشعراء من شعر للأطفال حيث توفاهالاجل فاستجاب أبو الوفا لهذا الطلب ونظم (مجموعة شعرية)، فقررت الوزارة تدريسها ما يقرب من ربع قرن، ضمن مجموعة دراسية سميت ( المحفوظات المختارة) .
ثم اشتغل مذيعًا بالإذاعة المصرية..
انظم الى بعض الأحزاب السياسية، والى عدة جماعات أدبية منها ( رابطة الأدب الجديد) التي أنشأها أحمد زكي أبو شادي عام 1911، و(جماعة أبوللو الشعرية) التي أنشئت عام 1932، حيث كان عضوًا في مجلس إدارتها وفي اللجنة التنظيمية لها. و نشط في العمل السياسي فشارك في( ثورة 1919) شاعرًا ومثقفًا. ومن قصيدة (ضحايا ) اقتطف هذه الابيات :
عهدُ الجهـالات أم عهد الـحضـــــــــاراتِ
لن يبرح النـاسُ عُبْدانًا وســـــــــــاداتِ
فـوارقٌ ستسـودُ الأرض مـا لـــــــــــبثت
تلك العـداوة بـيـن الـذئب والشـــــــاة
لن تَبـلغَ الـمـجــــــــدَ إلا إن صَعَدت له
عـلى سلالـمِ أشلاءٍ وهـامــــــــــــــات
هـذي الـديـانـات تـــــــنهَى أن يراقَ دَمٌ
والهَدْيُ بـالـدّم قُرْبـان الـديـانـــــــات
يـا لـيـت شعـري خِرافُ العـيـد هل عـلــمت
مـاذا يُكِنُّ لهـا عـيـد الضحـيـــــــــات؟
ولـيـت شعـــــــــريَ هل تلقَى الخراف غدًا
كبشًا يغار عـلى تلك الـذبـيحـــــــــات؟
هـيـهـاتَ هـيـهـات إن الـبـهْمَ مــــاخُلِقت
إلا مطـايـا لأغراض الزعـامـــــــــــات
عهْدُ الصراحة مـا بـالُ الصريحِ بـــــــــه
لا يـمـلكُ النطقَ إلا بـالكِنـايــــــــات
أحـب أضحك للـدنـيـا فـيـمـنعـنــــــــي
أن عـاقبتـنـي عـلى بعض ابتسـامـــــــات
هـاجَ الجَوادُ فعضَّتْه شَكـيــــــــــــــمتُه
شُلَّتْ أنـامـل صُنّاع الشكـيـمــــــــــــات
* قلده الرئيس جمال عبد الناصرعام 1967 (وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى،)
* منحه الرئيس محمد أنور السادات (جائزة الجدارة في الفنون)
* منحته محافظة القاهرة أمله في الحصول على شقة بها تليفون في الإسكان المتوسط المتميز فانتقل من حي العمري (باب الخلق) إلى مدينة( نصر )عام 1978واقام فيها اياما في اواخر عمره ،
* منحته اكاديمية الفنون الجميلة جائزة أكاديمية الفنون ،قيمتها ألف جنيه الا انه مات قبل أن يتسلم المبلغ
توفي الشاعر محمود ابو الوفا في مدينةالقاهرة في 26 يناير) 1979 )كانون الثاني
ودفن حيث تمنى في بلدته ( الديرس ) في مقام جده العارف بالله سيدي أبو الوفا الشريف
له عدة دواوين ومجموعات شعرية وثقافية مطبوعة منها:
الحرية، 1919،
جمال المرأة في القصيدة اليتيمة، 1922،
أنفاس محترقة - دار الهلال - القاهرة 1932،
أعشاب - مطبعة الإخاء - القاهرة 1933،
أشواق ، 1941،
عنوان النشيد ويضم مطولة في 351 بيتًا - القاهرة 1952،
شعري - دار المعارف - القاهرة 1962،
اشعاري في الحب ، 1981م، نشرت بعد وفاته
أناشيد دينية، القاهرة، 1937،
وأناشيد وطنية، القاهرة، 1939،
إنسان الفصل الخامس- مطبعة مصر - القاهرة 1957،
وحقّق الجزء الثاني من ديوان (الهذليين)
حقق الجزء الثالث من الشوقيات.
يعد محمود ابو الوفا من الشعراء المجددين والمؤثرين في الثقافة الحديثة
وقد انشد في اغلب الفنون الشعرية من مدح ورثاء وغزل ووصف وقضا يا نفسية وكل ما يخطر على باله وفكره فمن الرثاء فقد رثى اميرالشعراء احمد شوقي هذه الابيات:
رُوِّعَ الشِّعـرُ فـي أعزِّ حُمـــــــــــــــاتِهْ
ويحَ طلابـــــــــــــــــــه وويحَ رُواتهْ
نكبةٌ بـالـبـيـان حـلَّت فـمـالــــــــــتْ
بـالقـويِّ الـمتـيـن مـن شُرُفــــــــــاته
مـاتَ صنَّاجةُ الزّمـانِ فكـــــــــــــــادتْ
لُغَةٌ تـنطـوي غَداةَ ممـــــــــــــــــاته
وانطـوت صـفحةٌ مـن الـمـجـــــــــد أغلَى
مـا اقتـنـاه الزمـان مـن صَفَحــــــــاته
مـاتَ شـوقـي ولـم يَعُدْ ذكرُ شـوقـــــــــي
غـيرَ حُلْمٍ يُرَى عـلى ذكريــــــــــــــاته
أيـهـا الشـاعـر الـذي أنهض الشعــــــــ
ـرَ، فجـارَى الزمـانَ فـي نَهَضــــــــــاته
مـن لهـذا القـريض بعـدَكَ يحـمــــــــــي
مـن وهـاد الإسفـاف فـي رَغَبـــــــــاته؟
مـن لفـنِّ الغنـاء بعـدك يُعطـيـــــــــــ
ـهِ لقـاح الـتجـديـد فـي نَغَمــــــــاته؟
مـن لفـن الـتـمـثـيل بعـدك يَهْديــــــــ
ـهِ سَواءَ السبـيل فـــــــــــــي خُطُواته؟
وتتسم قصائده بنزعة إنسانية وميل إلى المناجاة والتأمل والتحليل النفسي ،تكتنفها نزعة فلسفية ووتغمرها نزعة دينية. اما لغته الشعرية فهي سلسة وسطية وفي خياله خصب و تجدد و فيه اثر من مظاهر الطبيعة وتخيم مسحة من الأسى والحزن على مجمل معانيه مردها الى حياته الاولىى وعيشته المعدمة وطفولته المتعبة
اختم هذا البحث بقصيدة رائعة من قصائد شاعرنا محمود ابو الوفا يقول:
رأى ما رأى حتى غدا اليومَ لا يرَى
سوى غيرِ شيءٍ أو يَرى الشيءَ مُبهَما
يرى الشيء شيئين، وحينًا إذا رأى
فهيهاتَ إلا ما رأى متوسِّما
رمَى مَنْ رمى عينيه فاستلَّ منهما
ضياءهما ما كان أقساه إذ رمى!
وقيل له: لا بأس تلك غشاوةٌ
تزول، ويا لله ماذا هو العمى؟
تباركتَ يا مُعطِي النهار ضياءه
ويا معطيَ الليل الظلام فأظلما
لأمر الذي لا أمرَ مِنْ فوقِ أمره
رضينا بما يرضَى، وإن كان مُؤلما
وقلت لنفسي كيف أنتِ؟ فلم تجب
فقلت: أتحتجِّين؟ قالت: تظلُّما
فقلت: ومِمَّن؟ ثم أصغيت فانثنت
كمن لم يجد قولاً لديه فتَمْتَما
هواجسُ لا آلو عليها تأسُّفًا
وإن كنت لا آلو عليها تندُّما
رويدكِ يا نفسي أما لك من نُهَى
يردّك للتقيا كما كنت دائما؟
لئن كنت منذ الأمسِ عندي كريمةً
فإنك منذ اليوم ما منك ألأما
فقالت: أتبغيني أرى النور ينطفي
بعيني، وتبغيني أرى البؤس أنعما؟
فقلت أنادي العقل، فالعقل رّبما
يكون لها مني أبرُّ وأرحما
فما راعني في العقل إلا رجوعُه
إلى كما لو كان سيفًا تَثلّما
أجبنيَ عمّا قد دهاك وما الذي
عراك فخلِّي المدْرَهَ اللَّسْنَ أبكما
وبعد اللتيّا عاود العقلَ سمتُهُ
وردَّ عليَّ، ليته ظلّ مُفحَما
أرى أن تلك النفسَ غيرُ ملومةٍ
ولم ترتكب حُوبًا، ولم تأت مأثما
وماذا على مَنْ نورُ عينيه ينطفي
إذا ظن في الأقدار ما ظن مُرْغَما
إلهيَ ذا عقلي ونفسي كلاهما
غويٌ، فكن لي يا إلهيَ منهما
هوى النفس يُصْبي العقل إن كليهما
مرايا أخيه يا لنا من كليهما
د فالح الكيلاني