ازدهرت الخلافة العباسية في ظِلّ الخليفة هارون الرشيد، ثمّ بدأت تتدهور حتى كادت أن تسقط وتنتهي أثناء فترة حكمه في القرن التّاسع الميلادي. ففي عام 869 الميلادي، قام أحد أعداء الخليفة، وكان اسمه “محمد بن علي”، من أهل فارس، بإيقاظ فتنة بين صفوف العبيد من عسكرِ وخَدَم القصر. كان هؤلاء العبيد ممّن تمّ إحضارهم من أفريقيا، وتحديدًا من “زنزيبار” بالإضافة إلى بعض البلاد الأفريقية الأخرى، حيث أصبحوا من الزنوج الأقوياء المجنَّدين في صفوف جيوش الدولة العباسية، وجرى تسميتهم بالزنج.
كان قد أسلم معظم هؤلاء الزنج وَفق المذهب السنّي، ومع ذلك، كانت معاملتهم كعبيد قاسية للغاية. فكان منهم حرس الحريم ممن تمّت إزالة رجولتهم، ورغم ذلك، كانوا يُعتبرون من المميزين في المعاملة، أما العبيد الآخرون، فكانوا يُقادون بالسِّياط في مختلَف أعمال بناء مرافق الدولة العباسية.
نجح محمد بن علي في زَرع الفتنة عن طريق دعوته لهم للانضمام للمذهب الشيعي، حتى يمكن عتقهم وإطلاق سراحهم والحصول على حريتهم، بما يسمح لهم بتولّي حُكْم بغداد من بعد الخليفة. ونظرًا لكثرة عددهم وتنظيم صفوفهم على يد العسكر المدرّبين منهم، كادت ثورة الزنوج هذه أن تنجح في إسقاط ومحو الدولة العباسية من الوجود.
وفي سبتمبر من عام 970 ميلادية، أعلنوا بالفعل قيام دولة الزنج في البصرة. ومنذ هذا التاريخ، بدأ تدهور الخلافة العباسية ودولة الخليفة في بغداد، رغم أنّ جنوده انتهَوا بالقضاء على تلك الثورة والقضاء على الفتنة الشيعية السنّية بعد عام كامل من القتال والحرب. وفق مختلف المؤرخّين، تمّ تقدير عدد ضحايا ثورة الزّنج برقم يتراوح بين نصف مليون ومليونين من القتلى، وهو رقم ضخم جدًّا لمثل تلك الفترة التاريخية. فأصبحت هذه الفتنة مثل فتنة معاوية مع الإمام علي بن أبي طالب، من أهمّ العوامل التي أسّست للكراهية بين السنة والشيعة…
وهكذا، استمرّ تاريخ البلاد الإسلامية الطويل مليئًا بدماء الفتن السياسية، حيث تمّ تسييس واستعمال الدّين ومذاهبه وقودًا لها، لصالح أفراد وجماعات طامعة في الحكم والسيطرة على الآخرين. واليوم، نجد الغرب، بُغيةً في الهيمنة السياسية والحفاظ على مصالِحِه الاقتصادية، يقود نفس حملات “محمد بن علي” لإيقاظ الفتنة الشيعية السنية، بدايةً من بغداد وحرب العراق، واستمرارًا في طهران واتفاقيات أوباما مع إيران، مرورًا بسوريا الجريحة والسعودية المتخبّطة، ليقضي على ما تبقّى من الحضارة العربية، وحلم الوحدة العربية.
أما العرب، فلا زالوا يتصرّفون مثل الزنج، تصوّروا نَيل حرياتهم.
لا يتعلّم العرب من تاريخهم ودموية السَّير في ركاب الفِتَن.
علي الحفناوي
8 فبراير 2018
علي الحفناوي يكتب: "دولة الزنج" كيف حاول الزنوج إسقاط الدولة العباسية - المحطة
كان قد أسلم معظم هؤلاء الزنج وَفق المذهب السنّي، ومع ذلك، كانت معاملتهم كعبيد قاسية للغاية. فكان منهم حرس الحريم ممن تمّت إزالة رجولتهم، ورغم ذلك، كانوا يُعتبرون من المميزين في المعاملة، أما العبيد الآخرون، فكانوا يُقادون بالسِّياط في مختلَف أعمال بناء مرافق الدولة العباسية.
نجح محمد بن علي في زَرع الفتنة عن طريق دعوته لهم للانضمام للمذهب الشيعي، حتى يمكن عتقهم وإطلاق سراحهم والحصول على حريتهم، بما يسمح لهم بتولّي حُكْم بغداد من بعد الخليفة. ونظرًا لكثرة عددهم وتنظيم صفوفهم على يد العسكر المدرّبين منهم، كادت ثورة الزنوج هذه أن تنجح في إسقاط ومحو الدولة العباسية من الوجود.
وفي سبتمبر من عام 970 ميلادية، أعلنوا بالفعل قيام دولة الزنج في البصرة. ومنذ هذا التاريخ، بدأ تدهور الخلافة العباسية ودولة الخليفة في بغداد، رغم أنّ جنوده انتهَوا بالقضاء على تلك الثورة والقضاء على الفتنة الشيعية السنّية بعد عام كامل من القتال والحرب. وفق مختلف المؤرخّين، تمّ تقدير عدد ضحايا ثورة الزّنج برقم يتراوح بين نصف مليون ومليونين من القتلى، وهو رقم ضخم جدًّا لمثل تلك الفترة التاريخية. فأصبحت هذه الفتنة مثل فتنة معاوية مع الإمام علي بن أبي طالب، من أهمّ العوامل التي أسّست للكراهية بين السنة والشيعة…
وهكذا، استمرّ تاريخ البلاد الإسلامية الطويل مليئًا بدماء الفتن السياسية، حيث تمّ تسييس واستعمال الدّين ومذاهبه وقودًا لها، لصالح أفراد وجماعات طامعة في الحكم والسيطرة على الآخرين. واليوم، نجد الغرب، بُغيةً في الهيمنة السياسية والحفاظ على مصالِحِه الاقتصادية، يقود نفس حملات “محمد بن علي” لإيقاظ الفتنة الشيعية السنية، بدايةً من بغداد وحرب العراق، واستمرارًا في طهران واتفاقيات أوباما مع إيران، مرورًا بسوريا الجريحة والسعودية المتخبّطة، ليقضي على ما تبقّى من الحضارة العربية، وحلم الوحدة العربية.
أما العرب، فلا زالوا يتصرّفون مثل الزنج، تصوّروا نَيل حرياتهم.
لا يتعلّم العرب من تاريخهم ودموية السَّير في ركاب الفِتَن.
علي الحفناوي
8 فبراير 2018
علي الحفناوي يكتب: "دولة الزنج" كيف حاول الزنوج إسقاط الدولة العباسية - المحطة