"كنت تلميذا في مدرسة قروية نائية قبل أن تهاجر أسرتي إلى المدينة لأن أبي عجز عن وقف الحرب الدائرة بين أمي وحماتها، كانت طفولتي جميلة أو هكذا أتصورها الآن، كان أبي مياوما على نفس الأرض التي كان فيها جدي خماسا، كانت محفظتي مصنوعة من كيس السماد "فرتيما"، طوى أبي الكيس أربع مرات فصنع خمسة جيوب، جيب للكتب وثاني للوحة والطباشير وثالث لقنينة الشاي البارد ورابع للخبز المحشو بالزبدة وخامس للمِقْلاع...
كنت أقطع عدة كيلومترات كل صباح لأصل إلى المدرسة، أتسلى بقصف الكلاب التي تعترض طريقي، أقضي الوقت الفاصل بين الحصتين في اللعب مع أبناء الجيران، نصطاد العقارب ونطارد الخنافس، نرمي أكياس الدفاتر ونبدأ معارك الركل، نتعب فنجلس في ظل الأشجار... قبل أن يجف العرق نُخرج الشاي الأحمر القاني والخبز اليابس ونتغذى، كان غِذاؤنا موحدا، كان الأطفال الذين لا يُشبهوننا قليلين، يعودون إلى منازلهم للغذاء ويعاملهم المعلمون بتودد ويشترون الحلوى دائما، كانت سامية أفضلهم، لا تكلمنا لكننا نكلمها، تجلس في المقعد الأمامي، أجلس خلفها دائما، أسألها عن الساعة كل مرة، يعجبني صوتها...
كان ذلك في السنة الرابعة ابتدائي، كان معلمنا يضربنا كثيرا، يكلفنا كل أسبوع بعدد لا يحصى من التمارين والعقوبات، يقول لنا "أنسخ هذه الصفحة عشرين مرة!"، كنا نبدأ نسخ الأوراق في القسم... وقتها ظننت أنه اخترع هذه الطريقة للتخلص منا، غير أني أدركت لما كبرت أن النسخ هو أفضل طريقة للحِفْظ. لقد كان خوفي الدائم من العمل الشاق دافعا خطيرا للدراسة، لذا كنت أقضي الآحاد منبطحا على حصير الدوم أنسخ الصفحة المُعيّنة كي أنجو من العقاب، وهكذا أنجو أيضا من رعي البقر ومن جلب الماء من البئر... أنسخ الصفحات بسعادة، مادام نسخ صفحة أسهل من رعي عدة بقرات، لكن سامية لم تكن لديها نفس دوافعي، لأنها ابنة مدير ضيعة فلاحية كبيرة تدعى "سوجيطا". كان السائق يوصلها بالسيارة إلى باب المدرسة، تنزل... مطهرة ومعطرة، وديعة وجذابة، أنظف من في القسم، قدماها أنظف من وجوه جُل التلاميذ، كانت أنظف حتى من المعلم نفسه، كنت أشعر نحوها بعاطفة قوية، كانت دائما ترافق خيالي، يومها لم أكن أعرف الحب، عندما تلعب مع صديقتها الوحيدة ـ التي تشبهها قليلا ـ أنزوي وأرقبها في هدوء شديد كأني أخاف أن تخدشها نظراتي، عندما تضبطني أبتسم لها فيما يشبه الاستعطاف، تغضب وتشتمني وأظل أراقبها بلذة ومتعة، أعتبر شتائمها اهتماما خاصا بي!!
ذات صباح ممطر، جاءت سامية مقمطة في ملابس جميلة ودافئة، لكنها لم تحفظ سورة " تبارك الذي بيده الملك" حتى آية " أفمن يمشي مُكِبّا على وجهه أهدى أمّن يمشي سويا على صراط مستقيم"، ولم تنسخها عشرين مرة، كانت تعرف أنها ستتلقى عشر ضربات على أناملها، في تلك الأيام لم تكن تعاليم البيداغوجيا الحديثة قد وصلت إلى مدرستنا بعد، كان المعلم يضربُني بعصا فينفجر شلال الدم من رأسي، لكن سامية شيء آخر، لا يمكنها تحمل الضرب على أصابعها الرقيقة في هذا البرد القارص، لا تشبه أصابعها أصابعي التي خَشّبها الحبل والدلو، لقد خلقت أناملها لقطف الأزهار فقط، لذا فما أن ضربها المعلم ضربتين حتى امتلأ الفصل نواحا وامتلأ قلبي ألما:
ـ نعم آس نعم آس اضربني... اضربني أنا... أنا... قلت هذا دون أن أشعر!
ضج الفصل بالضحك بينما التفتتْ سامية نحوي باسمة، أحسست بالزهو، قال المعلم:
ـ مُدّ يَدَك!
مددت يدي وضربني ثماني ضربات على رؤوس أصابعي، شعرت بألم باذخ مضمخ بالغبطة، انتهت الحصة وخرجنا إلى الساحة، همس لي أحد التلاميذ:
ـ عصا لذيذة!
قال ثان:
ـ لو كنت مكانك لطلبت منه أن يضربني مائة!!
وفجأة ورطني ثالث:
ـ ولماذا ترغب في الضرب في هذا البرد؟... أنت بليد!!
قلت بانفعال:
ـ أريد أن أتزوجها، ألا تعرف؟
فورا تطوع نمام وأبلغ سامية، بينما تكفل آخرون بتأكيد حُلُمي، فقصدتني لتعاقبني على وقاحتي، أمسكتني من شعري الأشعث وبدأت تلطمني، لم أستطع الإفلات منها ولم أستطع الرد عليها مخافة أن يضرب والدها والدي، تلقيت ضربا مضاعفا ومؤلما، انصرفتْ وتركتْني، جلست تحت شجرة فلين كبيرة في ساحة المدرسة، أحاول أن أبكي كي أنفس غيظي، لكن الدموع استعصت علي، ما آلمني أكثر هو أني قد عرضت مشاعري لسخرية الآخرين، حتى أن زملائي قد تحلقوا من حولي وهم يرددون بشماتة "ولد غلبته بنت... ولد غلبته بنت!".
هــــيا احكوا قصص حبكم الأولى.
كنت أقطع عدة كيلومترات كل صباح لأصل إلى المدرسة، أتسلى بقصف الكلاب التي تعترض طريقي، أقضي الوقت الفاصل بين الحصتين في اللعب مع أبناء الجيران، نصطاد العقارب ونطارد الخنافس، نرمي أكياس الدفاتر ونبدأ معارك الركل، نتعب فنجلس في ظل الأشجار... قبل أن يجف العرق نُخرج الشاي الأحمر القاني والخبز اليابس ونتغذى، كان غِذاؤنا موحدا، كان الأطفال الذين لا يُشبهوننا قليلين، يعودون إلى منازلهم للغذاء ويعاملهم المعلمون بتودد ويشترون الحلوى دائما، كانت سامية أفضلهم، لا تكلمنا لكننا نكلمها، تجلس في المقعد الأمامي، أجلس خلفها دائما، أسألها عن الساعة كل مرة، يعجبني صوتها...
كان ذلك في السنة الرابعة ابتدائي، كان معلمنا يضربنا كثيرا، يكلفنا كل أسبوع بعدد لا يحصى من التمارين والعقوبات، يقول لنا "أنسخ هذه الصفحة عشرين مرة!"، كنا نبدأ نسخ الأوراق في القسم... وقتها ظننت أنه اخترع هذه الطريقة للتخلص منا، غير أني أدركت لما كبرت أن النسخ هو أفضل طريقة للحِفْظ. لقد كان خوفي الدائم من العمل الشاق دافعا خطيرا للدراسة، لذا كنت أقضي الآحاد منبطحا على حصير الدوم أنسخ الصفحة المُعيّنة كي أنجو من العقاب، وهكذا أنجو أيضا من رعي البقر ومن جلب الماء من البئر... أنسخ الصفحات بسعادة، مادام نسخ صفحة أسهل من رعي عدة بقرات، لكن سامية لم تكن لديها نفس دوافعي، لأنها ابنة مدير ضيعة فلاحية كبيرة تدعى "سوجيطا". كان السائق يوصلها بالسيارة إلى باب المدرسة، تنزل... مطهرة ومعطرة، وديعة وجذابة، أنظف من في القسم، قدماها أنظف من وجوه جُل التلاميذ، كانت أنظف حتى من المعلم نفسه، كنت أشعر نحوها بعاطفة قوية، كانت دائما ترافق خيالي، يومها لم أكن أعرف الحب، عندما تلعب مع صديقتها الوحيدة ـ التي تشبهها قليلا ـ أنزوي وأرقبها في هدوء شديد كأني أخاف أن تخدشها نظراتي، عندما تضبطني أبتسم لها فيما يشبه الاستعطاف، تغضب وتشتمني وأظل أراقبها بلذة ومتعة، أعتبر شتائمها اهتماما خاصا بي!!
ذات صباح ممطر، جاءت سامية مقمطة في ملابس جميلة ودافئة، لكنها لم تحفظ سورة " تبارك الذي بيده الملك" حتى آية " أفمن يمشي مُكِبّا على وجهه أهدى أمّن يمشي سويا على صراط مستقيم"، ولم تنسخها عشرين مرة، كانت تعرف أنها ستتلقى عشر ضربات على أناملها، في تلك الأيام لم تكن تعاليم البيداغوجيا الحديثة قد وصلت إلى مدرستنا بعد، كان المعلم يضربُني بعصا فينفجر شلال الدم من رأسي، لكن سامية شيء آخر، لا يمكنها تحمل الضرب على أصابعها الرقيقة في هذا البرد القارص، لا تشبه أصابعها أصابعي التي خَشّبها الحبل والدلو، لقد خلقت أناملها لقطف الأزهار فقط، لذا فما أن ضربها المعلم ضربتين حتى امتلأ الفصل نواحا وامتلأ قلبي ألما:
ـ نعم آس نعم آس اضربني... اضربني أنا... أنا... قلت هذا دون أن أشعر!
ضج الفصل بالضحك بينما التفتتْ سامية نحوي باسمة، أحسست بالزهو، قال المعلم:
ـ مُدّ يَدَك!
مددت يدي وضربني ثماني ضربات على رؤوس أصابعي، شعرت بألم باذخ مضمخ بالغبطة، انتهت الحصة وخرجنا إلى الساحة، همس لي أحد التلاميذ:
ـ عصا لذيذة!
قال ثان:
ـ لو كنت مكانك لطلبت منه أن يضربني مائة!!
وفجأة ورطني ثالث:
ـ ولماذا ترغب في الضرب في هذا البرد؟... أنت بليد!!
قلت بانفعال:
ـ أريد أن أتزوجها، ألا تعرف؟
فورا تطوع نمام وأبلغ سامية، بينما تكفل آخرون بتأكيد حُلُمي، فقصدتني لتعاقبني على وقاحتي، أمسكتني من شعري الأشعث وبدأت تلطمني، لم أستطع الإفلات منها ولم أستطع الرد عليها مخافة أن يضرب والدها والدي، تلقيت ضربا مضاعفا ومؤلما، انصرفتْ وتركتْني، جلست تحت شجرة فلين كبيرة في ساحة المدرسة، أحاول أن أبكي كي أنفس غيظي، لكن الدموع استعصت علي، ما آلمني أكثر هو أني قد عرضت مشاعري لسخرية الآخرين، حتى أن زملائي قد تحلقوا من حولي وهم يرددون بشماتة "ولد غلبته بنت... ولد غلبته بنت!".
هــــيا احكوا قصص حبكم الأولى.