حينما وددت اعتصار الذاكرة علها تسعفني ببعض كلمات تكون بدل تقديم لمتصفح الشاعر الرجيم "جان دمّو "، وقفت عاجزا متأملا بإزاء بياض الورق.. ذلك أن مغامرة الخوض في حياته تعد ابحارا في أرخبيلات المستحيل.. فهو حسب علمي وما قرأت له وعنه كان يعيش حياة بوهيمية بامتياز، لم تكن له حياة قارة بالمعنى المتعارف عليه.. وليس له قي الدنيا نصيب...
"ها أنذا في سبيلي إلى ممارسة إنسانيتي"
هكذا هو الشاعر الظاهرة الذي كان قيد حياته يكنى "دنخا" أو "يوخنا ممّو". يكتب الشعر، ويتخذه مهنة، بالرغم من انه لم يصدر ديوانا، ذلك انه يشمت في الدنيا.. ويخرأ عليها، ويعيش مستمتعا بفوضاه المطلقة ، متسكعا ضائعا في أرباضها الهامشية القصية، ناذرا شقاء عمره الباذخ لعفونة الحانات، وشاعريته الفذة والغريبة لبوهيميته المفرطة، ولعبثيته الحقيقية التي يمارسها بحرية مطلقة، من بدون أقنعة، ولا نفاق، عاريا الا من أسمال قشيبة. وبحياتين يحيا.. احداهما حياة الملوك، واخرى ينتظر فيها من يجود عليه بثمن قنينة.. او كتابة قصيدة مقابل وجبة يسد بها رمقه قبل ان يطوح به الوقت في آخر الليل الى النوم فوق السطوح متعتعا بالسكر والضياع.. والشعر.
هو كذلك الشاعر الظاهرة جان دمو فم بناب وحيد ولسان سليط، لا يتقن سوى لوك الشتائم البذيئة "اختصاراً للوقت، وتكثيفاً للدلالة"، ومعينا من مقدرة وموهبة لا تنضب ضيع شظاياها فوق كراسي المقاهي الشعبية والحانات القذرة.. مطمئنا احيانا الى عصابة من "أصدقائه الذين يمحضونه حُباً من نوع خاص لدرجة أن البعض منهم كانوا يحممونه كل أسبوعين مرة، ويحلقون له رأسه، ولحيته، وإبطيه، وشعر عانته، ويمارسون له العادة السرّية نزولاً عند طلبه، أو إمعاناً في السريالية، أو تأكيداً للحياة الغرائبية التي كان يحلو له أن يمارسها" بشغف كبير.
انه احد اهم صعاليك كركوك وواحد من كبار الشعراء العرب الحداثيين، الاكثر مشاكسة وتمردا وعنفا وشراسة ونقمة وعبثية وسوريالية، وممارسة لحريته، كان شتاما عبثيا ثملا أبدا، لم يكتب الشعر يوما من اجل الشهرة والظهور والحضور الاعلامي، فقد كان ساخطا على كل الرموز الثقافية ومتمردا على السلط والتابوهات والعادات، ولم يكن له سكن قار، مجردا من كل أعباء الحياة، مثل شعره مليء بالطرائف والطرافة، والمواقف الغريبة والسخرية، وقصائده المتوفرة كلها موزعة بين اصدقائه، منذ أولى قصائده المثيرة للجدل "الجندي الذي سافر في القطار ونسي أن يقول للبروفيسور نعم"، والتي لفتت الانظار الى موهبته الفذة، الى باقي قصائده التي لم يكن يحتفظ بها ابدا، وجمعت في ما بعد في ديوانه الوحيد "أسمال"،
كما يعتبر جان دمو من كوكبة صعاليك الشعر العربي العراقي سركون بولس، عقيل علي، عبد القادر الجنابي، عبد الامير الحصيري، حسين مردان: كزار حنتوش، عبد الرحمن طهمازي، وحسن النواب، ونصيف الناصري وغيرهم وقد عرفت ظاهرة صعلكة الشعراء في العراق خلال ستينات القرن الماضي كممارسة سلوكية وظاهرة شعرية، ونواة لبروز نسق سوريالي عظيم طبع الحياة الادبية بالعالم العربي.. وابطالها شعراء انتجتهم ظروف الفقر والحاجة والقهر والهروب من الخدمة العسكرية واشياء اخرى فاتخذوا من الشوارع والحانات والمقاهي مسرحا لحيوات اخرى مغايرة تماما.
نقوس المهدي - اليوسفية - المغرب
"ها أنذا في سبيلي إلى ممارسة إنسانيتي"
هكذا هو الشاعر الظاهرة الذي كان قيد حياته يكنى "دنخا" أو "يوخنا ممّو". يكتب الشعر، ويتخذه مهنة، بالرغم من انه لم يصدر ديوانا، ذلك انه يشمت في الدنيا.. ويخرأ عليها، ويعيش مستمتعا بفوضاه المطلقة ، متسكعا ضائعا في أرباضها الهامشية القصية، ناذرا شقاء عمره الباذخ لعفونة الحانات، وشاعريته الفذة والغريبة لبوهيميته المفرطة، ولعبثيته الحقيقية التي يمارسها بحرية مطلقة، من بدون أقنعة، ولا نفاق، عاريا الا من أسمال قشيبة. وبحياتين يحيا.. احداهما حياة الملوك، واخرى ينتظر فيها من يجود عليه بثمن قنينة.. او كتابة قصيدة مقابل وجبة يسد بها رمقه قبل ان يطوح به الوقت في آخر الليل الى النوم فوق السطوح متعتعا بالسكر والضياع.. والشعر.
هو كذلك الشاعر الظاهرة جان دمو فم بناب وحيد ولسان سليط، لا يتقن سوى لوك الشتائم البذيئة "اختصاراً للوقت، وتكثيفاً للدلالة"، ومعينا من مقدرة وموهبة لا تنضب ضيع شظاياها فوق كراسي المقاهي الشعبية والحانات القذرة.. مطمئنا احيانا الى عصابة من "أصدقائه الذين يمحضونه حُباً من نوع خاص لدرجة أن البعض منهم كانوا يحممونه كل أسبوعين مرة، ويحلقون له رأسه، ولحيته، وإبطيه، وشعر عانته، ويمارسون له العادة السرّية نزولاً عند طلبه، أو إمعاناً في السريالية، أو تأكيداً للحياة الغرائبية التي كان يحلو له أن يمارسها" بشغف كبير.
انه احد اهم صعاليك كركوك وواحد من كبار الشعراء العرب الحداثيين، الاكثر مشاكسة وتمردا وعنفا وشراسة ونقمة وعبثية وسوريالية، وممارسة لحريته، كان شتاما عبثيا ثملا أبدا، لم يكتب الشعر يوما من اجل الشهرة والظهور والحضور الاعلامي، فقد كان ساخطا على كل الرموز الثقافية ومتمردا على السلط والتابوهات والعادات، ولم يكن له سكن قار، مجردا من كل أعباء الحياة، مثل شعره مليء بالطرائف والطرافة، والمواقف الغريبة والسخرية، وقصائده المتوفرة كلها موزعة بين اصدقائه، منذ أولى قصائده المثيرة للجدل "الجندي الذي سافر في القطار ونسي أن يقول للبروفيسور نعم"، والتي لفتت الانظار الى موهبته الفذة، الى باقي قصائده التي لم يكن يحتفظ بها ابدا، وجمعت في ما بعد في ديوانه الوحيد "أسمال"،
كما يعتبر جان دمو من كوكبة صعاليك الشعر العربي العراقي سركون بولس، عقيل علي، عبد القادر الجنابي، عبد الامير الحصيري، حسين مردان: كزار حنتوش، عبد الرحمن طهمازي، وحسن النواب، ونصيف الناصري وغيرهم وقد عرفت ظاهرة صعلكة الشعراء في العراق خلال ستينات القرن الماضي كممارسة سلوكية وظاهرة شعرية، ونواة لبروز نسق سوريالي عظيم طبع الحياة الادبية بالعالم العربي.. وابطالها شعراء انتجتهم ظروف الفقر والحاجة والقهر والهروب من الخدمة العسكرية واشياء اخرى فاتخذوا من الشوارع والحانات والمقاهي مسرحا لحيوات اخرى مغايرة تماما.
نقوس المهدي - اليوسفية - المغرب