سلمان رشيد محمد الهلالي - علي الوردي معلما في الشطرة

تفتخر مدينة الشطرة الظافرة بان عالم الاجتماع العراقي والمفكر التنويري الكبير الدكتور علي الوردي قد تعين عام 1937 معلما في مدارسها الابتدائية وهو بعمر (24) عاما , علما ان اغلبية من كان يتم تعينهم كمعلمين في ذلك الزمان هم بعمر (18) عاما . ويرجع سبب تاخر الدكتور الوردي بالتعيين كمعلم الى هذا العمر المتقدم نسبيا هو تاخره بالدراسة الحكومية والرسمية , فقد كان من عائلة فقيره وعمل في محل العطارية في الكاظمية فترة من الزمن , ورغم انه قد عاش في بيئة تقليدية وخضع لمؤثراتها الاجتماعية مثل تعلمه القراءة والكتابة في احد كتاتيب المساجد قرب منزل والده في محلة الانباريين في الكاظمية وارتدائه العمامة الخضراء (العمه) كدلالة على انه سيد يرجع للنسب العلوي , وهو غطاء الراس الذي كان يرتديه الحرفيين من السادة , الا انه كان من جانب اخر شغوفا بالقراءة والاطلاع والتعلم , فاراد التمرد على هذا النمط من خلال اكمال دراسته الابتدائية في المدارس الحكومية , ولكن الفقر والعوز جعل العائلة تخرجه من المدرسة وهو بالصف الاخير , وتجعله عاملا في محل للعطارية باجر شهري مقداره خمس روبيات (الروبية تساوي 75 فلس) , واستمر بهذا العمل خمس سنوات متتالية . وبالطبع لم ينسجم الوردي بهذا الواقع الجديد واعتبر هذه السنوات اسوء مراحل حياته , لانها لم تكن تتلائم وميوله بالقراءة والاطلاع . وطرد من هذا العمل بسبب كسله وتهاونه مع الزبائن , واستطاع افتتاح محله الخاص الذي زواج فيه بين القراءة والعمل الشخصي الحر , اخذ خلالها يراجع شارع المتنبي ويقتني المجلات والصحف العراقية والعربية مثل (الهلال والثقافة والرسالة والمقتطف) . واستمر على هذا المنوال حتى عام 1931 عندما عاد الى مقاعد الدراسة الحكومية من جديد بعد افتتاح مدرسة مسائية في الكاظمية , وترك الملابس التقليدية عام 1932 وارتدى زي الافندية الافرنجي (البنطلون والقميص والسدارة الفيصلية), ثم انتقل الى متوسطة الكرخ ونجح في جميع المراحل وخرج الاول على العراق في امتحان البكالوريا عام 1935 , ثم اكمل بعد ذلك الدراسة الثانوية وتخرج من الاعدادية المركزية عام 1937 ليتم تعينه كمعلم في مدينة الشطرة .
صدر اول امر اداري بتعيين علي الوردي في مدرسة الشطرة الابتدائية يوم السادس عشر من كانون الثاني عام 1937 , واستمر بها معلما حتى انفكاكه النهائي في الاول من تشرين الاول عام 1938 . في الواقع لانعرف ظروف واشكالات دوام المعلم علي الوردي في مدرسة الشطرة الابتدائية , فقد حصلت خلال هذه السنتين الدراسيتين ثلاث حالات من الانفصال الرسمي , والعودة مجددا , ناهيك عن الانفصال النهائي . فهل كان للوردي اشكالات مع مدير المدرسة الذي يذكر انقطاعه باستمرار ؟ ام ان ظروفا قاهرة انتابت الوردي خلال تلك السنتين جعلته ينقطع باستمرار عن الدوام ؟ الجواب منوط عند من كتب سيرة الوردي تربويا والمعاصرين له . فقد باشر الوردي بالدوام يوم (16/1/1937) وانفصل بتاريخ (1/11/1937) (اي انه استمر بالدوام مايقارب عشرة اشهر متواصلة دون انفصال) , الا انه عاد للدوام بعد اسبوعين يوم (14/11/1937) وانفصل بتاريخ (25/2/1938) . ثم عاد بعد ثلاث ايام بتاريخ (28/2/1938) وانفصل يوم (14/3/1938) . ثم عاد بعد ثلاث ايام بتاريخ (17/3/1938) لينفصل نهائيا يوم (1/10/1938) . واعتقد ان سبب الانقطاع الدائم عند الوردي هو رغبته الملحة بالنقل والعودة الى بغداد ومراجعة الوزارة لهذا الغرض , مما يؤدي الى انقطاعه عن الدوام الرسمي . وسبق ان ذكر الوردي امتعاضه من التعيين بمنطقة نائية مثل مدينة الشطرة في ذلك الزمن , بدعوى عدم امتلاكه الواسطة او الحظوة او القرابة من المسؤولين مثل البعض من المدللين . وقد ذكر ان العهد العثماني كان يتميز بانتشار الرشوة , فيما ان العهد الوطني يتميز بانتشار الواسطة , والتي لها صلة وثيقة بالقيم المحلية والبدوية . وضرب على ذلك مثالا عن نفسه بالقول (مازلت اتذكر عام 1937 عندما خرجت من المدرسة الثانوية وحاولت الحصول على وظيفة معلم في مدرسة ابتدائية في بلدتي - او قريبة منها - وكنت ارى الوسطاء من ذوي النفوذ ياتون الى وزارة المعارف ويخرجون منها , وقد استجيبت طلباتهم . اما انا وامثالي فكانت طلباتنا رهن القدر والمصادفات . وقد عينت اخيرا في بلدة بعيدة هى الشطرة , وبقيت فيها سنة دراسية واحدة , ولم انتقل عنها الا بواسطة رجل توسلت اليه بحق من الحقوق التي تتصل بالقيم القديمة) . علما ان الوردي بقى في الشطرة معلما مدة سنتين دراسيتين , وليس واحدة فقط . وقد ذكر المؤرخ والباحث الشطري غسان شلاش ان الوردي وخلال تعينه معلما في مدرسة الشطرة الابتدائية الواقعة على ضفة النهر الصغير كان يرتاد مقهى عبيد (كهوة عبيد) قرب الشاطىء ومكتبة حامد الشطري المعروفة في بيع الصحف والمجلات والكتب العراقية والعربية .


المصدر / علي طاهر تركي الحلي ورسالته الماجستير غير المنشورة المقدمة الى جامعة الكوفة (علي الوردي جهوده الفكرية وارائه الاصلاحية) 2006 .


سعدون هليل (جمع) وكتابه (علي الوردي في النفس والمجتمع العراقي) .
سلام الشماع (جمع وتعليق) وكتاب (علي الوردي من وحي الثمانين)



سلمان رشيد محمد الهلالي

الحوار المتمدن-العدد: 6257 - 2019 / 6 / 11
  • Like
التفاعلات: فائد البكري
أعلى