عبد العزيز أمزيان‎ - الرنين الغامر في ديوان "انكماش الظل" للشاعر الفلسطيني حسن خليل ركاد

" انكماش الظل" الديوان الشعري الثاني للشاعر حسن خليل ركاد، وقد جاء في حلة أنيقة، عن مطبعة بلال بفاس، سنة 2019 يقع في مائة وست وأربعين صفحة، من الحجم المتوسط. احتوى بين دفتيه ثماني وعشرين قصيدة، مصدرة بمقدمة لعبد ربه احتلت أربع صفحات من الديوان، تلتها كلمة قصيرة للشاعر حسن خليل ركاد عنونها بهمس الشاعر، تحدث فيها عن النص الشعري في علاقته بعالمه الداخلي، وما يمور فيه من أوجاع، وما يضطرب في فلكه من أفكار، بلغة المجاز، وبحبر الوجدان، المغموس بتراب الأرض، والممزوج بسماء الوطن.
تحتاج إلى كثير من السكون حولك، كي تلتقط هذا الرنين الغامر المنبعث من ثنايا " انكماش الظل" للشاعر حسن ركاد خليل، رنين أزلي أشبه بالحياة في انعطاف الشمس، في امتداد الظل على خرائط الأرض، ومنعرجات البحار، في الأكوان، تتزلزل الأرض، تشتعل الكينونة بأسئلة موجعة تحت رماد الجمر، وحبات المطر المنهمر، الذي تولد في رحمه هذه الأحداق، وتتناسل في أثره البذور، في جو ملحمي بديع، وطقس غارق في نسج الأماني، وعناق الأحلام، القريبة / البعيدة بسحر درامي، وجمال أخاذ ، تحت إيقاعات التاريخ المنكسر في القلب، وجراح الوطن المنكود، وتنهيدات يطلقها القلب، تحت زفير الحروف المشتعلة، ووقود الكلمات المحرقة...

في أوج انبعاثه من الهياكل
تلك رغبة جامحة
مقدوحة كالثقاب المشتعل
بنشوة
............
عن عاشق يتلهى
في حساب عدد حبات المطر
المنهمر عن الجباه

قصيدة: انكماش الظل. ص 18_ 19.

وهي قريبة من القلب ، بعيدة من العين، تطوقه، تداهمه، وهولا يغفو عنها، رمشة عين، مستيقظا أبدا، ومنتبها -دوما- إلى فصول الحكاية، في دمه اشتعال القصيدة، رعشة الحب الأول، الدم الناثر، الذي سال على أديم الروح، وفي غور الطين ، وفي أوصال المدى عبر الرصاص الطائش، وبنادق الحديد المنشور على مرمى ريش العصافير الموشى بنسيم الزعتر، ورقصة أغصان الزيتون المغتالة
كل ذلك، سيظل بؤرا لرسم خطى السنابل، أجيجا لقداسة البحر المشتعل في القامات، وفي رماح الأيادي، وأسنة الرايات الحمر، دم يفور في الرجال، نهر ينهار كحطام على وجه الريح، سكة تنزاح لتعلن تشوه الوقت، وانفلات المقصلة من قبضة الغاشم

غن أغنياتك كلها
قبل السراب
قبل أن يوقد
في النور الظلام
ردد حفيف السنابل
موالا للجياع
.............
الأرض تتسع لكل القلوب
لكل الحكايات المثيرة
لكل الدم النازف
النابض بالزعتر والزيتون
...............
آه فلسطين خليلتي
حملتك على الراح
وحملتك الرماح على الأسنة...

قصيدة: الوقت للموت والقيامة.ص 25_ 27.

يتلظى الشاعر بنار كاوية، ويحترق بجمر مشتعل، ولا يجد الرماد إلا في هذه الحروف، التي منها يكبر الإنسان، ولا يلفي دقاق الفحم سوى في هذه الكلمات التي تزرع الروح في صلصاله، الغمام المكابر، الوله الذي يعانق سرب الأقبية، و يضم الضوء والمنار إلى حوزة الوجود، تلك هي المعادلة القصوى للولادة تحت خيوط الشمس، وأشعة المروج، وبهرجة القمر الباهر

للكلمة جناحان يعزفان على وتر
لتنبت في الحنايا صهيل نبض حثيث

هيئ لروحك جنانها أو محارقها
.....................
أعدل حروفك كي تستقيم
قد نصب الأن الميزان
أبشر بوزن الكلمة الثقيل .....

قصيدة: الكلمة.ص 55_ 56.

الشاعر حسن خليل ركاد، شاعر يراقص المدى، يعانق الحلم بتوق، يحلق بأجنحة من غيم الأرض، إلى سماء يحملها في قلبه في امتداد لامنته، شامخ بأردية الفكر، زاخر بعباءات المجاز، مثخن برموز الاستعارات، مترع بأحرف الشمس، ورذاذ الحبر، وغربة الوطن.

فتحت خزائن حروفي
فوجدتها وقد تزركشت بلون هالتها
اصطفت الحروف
لتأخذ دورها في نسيج ثوب
يحاك من ترتيل نبضي. ص 127.

الشاعر حسن خليل ركاد مسكون بالحرف إلى آخر النبض، يرشف غيم الثرى من جوف الروح، يلتحف عباءة السماء بقلب مترع بالحلم ، وروح مثخنة بالأمل، رغم كل الانكسارات والخيبات التي ذاق مرارتها في صمت وأناة.

بين مقلتينا أيتها الأرض حساب
دم وزيتون وميراث
أنا فيك أحملك وتحمليني
أينا أثقل حملا
أنا ؟ أم أنت؟
على أطرافنا نمشي
نمسد خطانا على ثرانا ص 138.

هذه بعض ملامح الكتابة الإبداعية عند حسن خليل ركاد، حاولنا أن نشير إليها باقتضاب شديد، وبلغة تتماهى مع أجواء النصوص، تحاول استكناه بعض أغوارالديوان، وسبر بعض أعماقه. أرجو أن أكون وفقت قليلا في ملامسة بعض السمات الفنية التي تميز الديوان، وبعض الخصائص الجمالية التي تنفرد بها نصوصه.


بقلم عبد أمزيان


* Zum Anzeigen anmelden oder registrieren

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى