حسين مردان - مَنْ يفرك الصدأ

كان الصُبحُ يعدو الي المَغيب، ولم أكن فرحاً أو مهموماً. هناك قصيدة ومقال وقصة. وابتسمتُ، أسراب الموظفين والطلبة يركضون نحو بطن الحوت الأحمر. لقد ذهب العيد. وسرتُ علي حافة الشارع. سكّينٌ وحبلٌ رمادي. وفي الأفق الأبيض غيمةٌ سمراء علي شكل وعَل. لقد بدأت الغابةُ تتثاءب في أعماقي. وحوش ومحاربون وببغاء علي غصنٍ طويلٍ، والليلُ ينتظِرُ وراءَ قلبي، الليل ينتظرني.ليلي الخاص. ومرّت امرأةٌ من العهد القديم. والهلالُ الأسودُ فوق الحاجب...!
دكان تفاح وليمون، هذه المخلوقة الطيبة. انّها تهرولُ الي السوق. في زمن ما بعتُ سروالي لكي أسكر بثمنه. كان معي غائب طعمة فرمان وعبد المجيد الونداوي. هكذا شربنا البنطلون في كازينو بلقيس. ايه. والتف الحبلُ الرمادي علي قدمي. من أي مكان جئت؟ ان جبيني يلمسُ أرجُلَ الوعل. الوعل الموجود في الغيمة السوداء. انّي لعلي مجْد كبير! وأقبل عاملٌ صغيرٌ. انّه يلهث. لقد تأخر قليلاً. هو يحمل وجهَ شقيقي. حبي لك يا عباس. ومضيت أزحف بين أحلامي. بدلتي الرصاصية في استنبول وصورة وجهي داخل اطارٍ في موسكو وأنا هنا في حي البلديات ومعي نصف أوقية من الرز وعلبة سكاير. ها.. والصُبحُ يركض نحو المغيب. والقصيدة لم تكتمل بعد. لو أعرف من هذا الذي يمشي علي السكّين؟ الموجة تسيرُ والبحرُ في مكانه.. لو غسلت القميص لذهبتُ لرؤية أصدقائي في مؤسسة الصحافة ! ولكنها ملعونة تلك الطفلة المسؤولة عن نظافة ملابسي. وما فائدة العتاب.. ووصلتُ الي الرابية. كان عمود التلفون يغنّي.. أغنية بلا كلمات تسافر الي انسان مجهول. وفي الجانب الأيسر مسحاةٌ تنقل الترابَ الي مؤخرة سيارة. قال الفلاح إن أرض حديقتي منخفضة. ووقفتُ أنظرُ الي الشتاء في السماء. لقد تحوّل الوعل الي سفينة وبقايا قرية خالية. وتقلص ظلّي من الأعلي. أنا ذرّة رمل في قاع هاوية.. وبعد لحظة سيختفي المسرحُ والممثل. فالليل ينتظرني. والزمن يحملق بي ويطرحُ أسمالَه علي عينَي.. يا لي من أعمي يتحدثُ عن الألوان. بالأمس رأيتُ مؤلفات بلزاك في العربة! عربة الكتب البائرة! مهزلة عمرها عشرة آلاف سنة. وأنقلبَ الطريقُ الي كأسٍ من السّم. ليتني أستطيع أن أذبح التاريخ وكل اللغات. في القمر محطة وعند خط الاستواء هنديٌ يلاعب أفعي. وفي مجلس النوّاب التشيلي يجلس الشاعر بابلو نيرودا.. عندما ألتقيتُ به في الكرملين كان ساهمَ العينين. كلّنا في قافلة واحدة المرأة القديمة والعامل الصغير والقمر والمسحاة وأنا وبابلو والأفعي الهندية. واقتربتُ من البيت. من قبري المؤقت. التين والصبار وعلي السطح زقزقة عصفور. من يسحب الماء من البئر؟ ألف حنفية مقفلةٌ في صدري. فيا الهي متي تعود الكفُّ التي تفرك الصدأ... ودخلت... الطيفُ يملأ الكرسي والشذا علي الستائر. والخلاص فأرةٌ لا تعرفُ دربَ المصيدة. حفنة من السمّاق هي تسليتي. وتكومت بجانب
النافذة صرّةً من الهواء ترقص في الصالون.
(مجلة الفباء العراقية 14 كانون الثاني/يناير 1970)



* منقول عن:
أعلى