أحمد شوقي - نهج البردة.. شعر

ريـمٌ عـلى القـاعِ بيـن البـانِ والعلَمِ = أَحَـلّ سـفْكَ دمـي فـي الأَشهر الحُرُمِ
رمـى القضـاءُ بعيْنـي جُـؤذَر أَسدًا = يـا سـاكنَ القـاعِ، أَدرِكْ ساكن الأَجمِ
لمــا رَنــا حــدّثتني النفسُ قائلـةً = يـا وَيْـحَ جنبِكَ، بالسهم المُصيب رُمِي
جحدته، وكـتمت السـهمَ فـي كبدي = جُـرْحُ الأَحبـة عنـدي غـيرُ ذي أَلـمِ
رزقـتَ أَسـمح مـا في الناس من خُلق = إِذا رُزقـتَ التمـاس العـذْر فـي الشِّيَمِ
يـا لائـمي في هواه - والهوى قدَرٌ - = لـو شـفَّك الوجـدُ لـم تَعـذِل ولم تلُمِِ
لقــد أَنلْتُــك أُذْنًــا غـير واعيـةٍ = ورُبَّ منتصـتٍ والقلـبُ فـي صَمـمِ
يـا نـاعس الطَّرْفِ; لاذقْتَ الهوى أَبدًا = أَسـهرْتَ مُضنـاك في حفظِ الهوى، فنمِ
أَفْـديك إِلفًا ، ولا آلـو الخيـالَ فِـدًى = أَغـراك بـالبخلِ مَـن أَغـراه بـالكرمِ
سـرَى، فصـادف جُرحًـا داميً، فأَسَا = ورُبَّ فضــلٍ عـلى العشـاقِ للحُـلُمِ
مَــن المـوائسُ بانًـا بـالرُّبى وقَنًـا = اللاعبـاتُ برُوحـي، السـافحات دمِي؟
الســافِراتُ كأَمثـالِ البُـدُور ضُحًـى = يُغِـرْنَ شـمسَ الضُّحى بالحَلْي والعِصَمِ
القــاتلاتُ بأَجفــانٍ بهــا سَــقَمٌ = وللمنيــةِ أَســبابٌ مــن السّــقَمِ
العــاثراتُ بأَلبــابِ الرجـال، ومـا = أُقِلـنَ مـن عـثراتِ الـدَّلِّ في الرَّسمِ
المضرمـاتُ خُـدودًا، أسـفرت، وَجَلتْ = عــن فِتنـة، تُسـلِمُ الأَكبـادَ للضـرَمِ
الحــاملاتُ لــواءَ الحسـنِ مختلفًـا = أَشــكالُه، وهـو فـردٌ غـير منقسِـمِ
مـن كـلِّ بيضـاءَ أَو سـمراءَ زُيِّنتا = للعيـنِ، والحُسـنُ فـي الآرامِ كالعُصُمِ
يُـرَعْنَ للبصـرِ السـامي، ومن عجبٍ = إِذا أَشَــرن أَســرن الليـثَ بـالعَنمِ
وضعـتُ خـدِّي، وقسَّـمتُ الفؤادَ ربًى = يَـرتَعنَ فـي كُـنُسٍ منـه وفـي أَكـمِ
يـا بنـت ذي اللِّبَـدِ المحـميِّ جانِبُـه = أَلقـاكِ فـي الغاب، أَم أَلقاكِ في الأطُمِ؟
مـا كـنتُ أَعلـم حـتى عـنَّ مسـكنُه = أَن المُنــى والمنايـا مضـرِبُ الخِـيمِ
مَـنْ أَنبتَ الغصنَ مِنْ صَمصامةٍ ذكرٍ؟ = وأَخـرج الـريمَ مِـن ضِرغامـة قرِمِ؟
بينـي وبينـكِ مـن سُـمْرِ القَنا حُجُب = ومثلُهــا عِفَّــةٌ عُذرِيــةُ العِصَـمِ
لـم أَغش مغنـاكِ إِلا في غضونِ كَرًى = مَغنــاك أَبعــدُ للمشـتاقِ مـن إِرَمِ
يـا نفسُ، دنيـاكِ تُخْـفي كـلَّ مُبكيـةٍ = وإِن بــدا لـكِ منهـا حُسـنُ مُبتسَـمِ
فُضِّـي بتقـواكِ فاهًـا كلمـا ضَحكتْ = كمــا يُفـضُّ أَذَى الرقشـاءِ بـالثَّرَمِ
مخطوبـةٌ - منـذُ كان الناسُ - خاطبَةٌ = مـن أَولِ الدهـر لـم تُـرْمِل، ولم تَئمِ
يَفنـى الزّمـانُ، ويبقـى مـن إِساءَتِها = جــرْحٌ بـآدم يَبكـي منـه فـي الأَدمِ
لا تحــفلي بجناه، أَو جنايتهــا = المـوتُ بـالزَّهْر مثـلُ المـوت بالفَحَمِ
كـم نـائمٍ لا يَراه، وهـي سـاهرةٌ = لــولا الأَمـانيُّ والأَحـلامُ لـم ينـمِ
طــورًا تمـدّك فـي نُعْمـى وعافيـةٍ = وتـارةً فـي قـرَار البـؤس والـوَصَمِ
كـم ضلَّلتـكَ، وَمَـن تُحْجَـبْ بصيرتُه = إِن يلـقَ صابـا يَـرِد، أَو عَلْقمـا يَسُمِ
يــا ويلتـاهُ لنفسـي! راعَهـا ودَهـا = مُسْـوَدَّةُ الصُّحْـفِ فـي مُبْيَضَّـةِ اللّمَمِ
ركَضْتهـا فـي مَـرِيع المعصياتِ، وما = أَخـذتُ مـن حِمْيَـةِ الطاعـات للتُّخَـمِ
هــامت عـلى أَثَـرِ اللَّـذاتِ تطلبُهـا = والنفسُ إِن يَدْعُهـا داعـي الصِّبـا تَهمِ
صــلاحُ أَمـرِك للأَخـلاقِ مرجِعُـه = فقـــوِّم النفسَ بــالأَخلاقِ تســتقمِ
والنفسُ مـن خيرِهـا فـي خـيرِ عافيةٍ = والنفسُ مـن شـرها فـي مَـرْتَعٍ وَخِمِ
تطغـى إِذا مُكِّـنَتْ مـن لـذَّةٍ وهـوًى = طَغْـيَ الجيـادِ إِذا عَضَّـت على الشُّكُمِ
إِنْ جَـلَّ ذَنبـي عـن الغُفـران لي أَملٌ = فـي اللـهِ يجـعلني فـي خـيرِ مُعتصَمِ
أُلقـي رجـائي إِذا عـزَّ المُجـيرُ على = مُفـرِّج الكـرب فـي الـدارينِ والغمَمِ
إِذا خــفضتُ جَنــاحَ الـذُّلِّ أَسـأَله = عِـزَّ الشفاعةِ; لـم أَسـأَل سـوى أَمَمِ
وإِن تقـــدّم ذو تقــوى بصالحــةٍ = قــدّمتُ بيــن يديـه عَـبْرَةَ النـدَمِ
لـزِمتُ بـابَ أَمـير الأَنبيـاءِ، ومَـنْ = يُمْسِـكْ بمِفتــاح بـاب اللـه يغتنِـمِ
فكــلُّ فضـلٍ، وإِحسـانٍ، وعارفـةٍ = مــا بيــن مســتلمٍ منـه ومُلـتزمِ
علقـتُ مـن مدحـهِ حـبلاً أعـزُّ بـه = فـي يـوم لا عِـزَّ بالأَنسـابِ واللُّحَـمِ
يُـزرِي قَـرِيضِي زُهَـيْرًا حين أَمدحُه = ولا يقـاسُ إِلـى جـودي لـدَى هَـرِمِ
محــمدٌ صفـوةُ البـاري، ورحمتُـه = وبغيَـةُ اللـه مـن خَـلْقٍ ومـن نَسَـمِ
وصـاحبُ الحـوض يـومَ الرُّسْلُ سائلةٌ = متـى الـورودُ؟ وجـبريلُ الأَمين ظَمي
ســناؤه وســناهُ الشــمسُ طالعـةً = فـالجِرمُ فـي فلـكٍ، والضوءُ في عَلَمِ
قـد أَخطـأَ النجـمَ مـا نـالت أُبوَّتُـه = مـن سـؤددٍ بـاذخ فـي مظهَـرٍ سَنِم
نُمُـوا إِليـه، فـزادوا في الورَى شرَفًا = ورُبَّ أَصـلٍ لفـرع فـي الفخـارِ نُمي
حَــوَاه فـي سُـبُحاتِ الطُّهـرِ قبلهـم = نـوران قامـا مقـام الصُّلـبِ والرَّحِم
لمــا رآه بَحــيرا قــال: نعرِفُــه = بمـا حفظنـا مـن الأَسـماءِ والسِّـيمِ
سـائلْ حِراءَ، وروحَ القدس: هل عَلما = مَصـونَ سِـرٍّ عـن الإِدراكِ مُنْكَـتِمِ؟
كــم جيئـةٍ وذهـابٍ شُـرِّفتْ بهمـا = بَطحـاءُ مكـة فـي الإِصبـاح والغَسَمِ
ووحشةٍ لابــنِ عبـد اللـه بينهمـا = أَشـهى من الأُنس بالأَحبـاب والحشَمِ
يُسـامِر الوحـيَ فيهـا قبـل مهبِطـه = ومَـن يبشِّـرْ بسِـيمَى الخـير يَتَّسِـمِ
لمـا دعـا الصَّحْـبُ يستسقونَ من ظمإٍ = فاضتْ يـداه مـن التسـنيم بالسَّـنِمِ
وظلَّلَتــه، فصــارت تسـتظلُّ بـه = غمامــةٌ جذَبَتْهــا خِــيرةُ الــديَمِ
محبــةٌ لرســولِ اللــهِ أُشــرِبَها = قعـائدُ الدَّيْـرِ، والرُّهبـانُ فـي القِمـمِ
إِنّ الشــمائلَ إِن رَقَّــتْ يكـاد بهـا = يُغْـرَى الجَمـادُ، ويُغْـرَى كلُّ ذي نَسَمِ
ونـودِيَ: اقـرأْ. تعـالى اللـهُ قائلُهـا = لـم تتصـلْ قبـل مَـن قيلـتْ له بفمِ
هنــاك أَذَّنَ للرحــمنِ، فــامتلأَت = أَســماعُ مكَّــةَ مِـن قُدسـيّة النَّغـمِ
فـلا تسـلْ عـن قريش كيف حَيْرتُه؟ = وكـيف نُفْرتُهـا فـي السـهل والعَلمِ؟
تسـاءَلوا عـن عظيـمٍ قـد أَلـمَّ بهـم = رمَــى المشــايخَ والولـدانَ بـاللَّممِ
يـا جـاهلين عـلى الهـادي ودعوتِـه = هـل تجـهلون مكـانَ الصـادِقِ العَلمِ؟
لقَّبتمــوهُ أَميـنَ القـومِ فـي صِغـرٍ = ومــا الأَميــنُ عـلى قـوْلٍ بمتّهَـمِ
فـاق البـدورَ، وفـاق الأَنبيـاءَ، فكـمْ = بـالخُلْق والخَـلق مِـن حسْنٍ ومِن عِظمِ
جـاءَ النبيـون بالآيـاتِ، فـانصرمت = وجئتنــا بحــكيمٍ غــيرِ مُنصَـرمِ
آياتُــه كلّمــا طـالَ المـدَى جُـدُدٌ = يَــزِينُهنّ جــلالُ العِتــق والقِـدمِ
يكــاد فــي لفظــةٍ منـه مشـرَّفةٍ = يـوصِيك بـالحق، والتقـوى، وبالرحمِ
يـا أَفصـحَ النـاطقين الضـادَ قاطبـةً = حديثُك الشّـهدُ عنـد الـذائقِ الفهِـمِ
حَـلَّيتَ مـن عَطَـلٍ جِـيدَ البيـانِ به = فـي كـلِّ مُنتَـثِر فـي حسـن مُنتظِمِ
بكــلِّ قــولٍ كـريمٍ أَنـت قائلُـه = تُحْـيي القلـوبَ، وتُحْـيي ميِّـتَ الهِممِ
سَــرَتْ بشــائِرُ بالهـادي ومولِـده = في الشرق والغرب مَسْرى النور في الظلمِ
تخـطَّفتْ مُهَـجَ الطـاغين مـن عربٍ = وطــيَّرت أَنفُسَ البـاغين مـن عجـمِ
رِيعـت لهـا شُرَفُ الإِيوان، فانصدعت = مـن صدمـة الحق، لا من صدمة القُدمِ
أَتيـتَ والنـاسُ فَـوْضَى لا تمـرُّ بهم = إِلاّ عـلى صَنـم، قـد هـام فـي صنمِ
والأَرض مملــوءَةٌ جـورًا ، مُسَـخَّرَةٌ = لكــلّ طاغيـةٍ فـي الخَـلْق مُحـتكِمِ
مُسَـيْطِرُ الفـرْسِ يبغـى فـي رعيّتـهِ = وقيصـرُ الـروم مـن كِـبْرٍ أَصمُّ عَمِ
يُعذِّبــان عبــادَ اللــهِ فـي شُـبهٍ = ويذبَحــان كمــا ضحَّــيتَ بـالغَنَمِ
والخــلقُ يَفْتِــك أَقـواهم بـأَضعفِهم = كــاللَّيث بـالبَهْم، أَو كـالحوتِ بـالبَلَمِ
أَســرَى بـك اللـهُ ليـل، إِذ ملائكُـه = والرُّسْـلُ في المسجد الأَقصى على قدَمِ
لمــا خـطرتَ بـه التفُّـوا بسـيدِهم = كالشُّـهْبِ بـالبدرِ، أَو كـالجُند بـالعَلمِ
صـلى وراءَك منهـم كـلُّ ذي خـطرٍ = ومن يفُــز بحــبيبِ اللـه يـأْتممِ
جُـبْتَ السـمواتِ أَو مـا فـوقهن بهم = عـــلى منــوّرةٍ دُرِّيَّــةِ اللُّجُــمِ
رَكوبـة لـك مـن عـزٍّ ومـن شرفٍ = لا فـي الجيـادِ، ولا فـي الأَيْنُق الرسُمِ
مَشِــيئةُ الخـالق البـاري، وصَنعتُـه = وقدرةُ اللــه فـوق الشـك والتُّهَـمِ
حــتى بلغـتَ سـماءً لا يُطـارُ لهـا = عـلى جَنـاحٍ، ولا يُسْـعَى عـلى قَـدمِ
وقيــل: كــلُّ نبــيٍّ عنـد رتبتِـه = ويــا محـمدُ، هـذا العـرشُ فاسـتلمِ
خــطَطت للـدين والدنيـا علومَهمـا = يـا قـارئَ اللـوح، بـل يا لامِسَ القَلمِ
أَحــطْتَ بينهمـا بالسـرِّ، وانكشـفتْ = لـك الخـزائنُ مـن عِلْـم، ومـن حِكمِ
وضـاعَفَ القُـربُ مـاقُلِّدْتَ مـن مِنَنٍ = بـلا عِـدادٍ، ومـا طُـوِّقتَ مـن نِعـمِ
سـلْ عصبـةَ الشِّركِ حولَ الغارٍ سائمةً = لــولا مطـاردةُ المختـار لـم تُسـمِ
هـل أبصروا الأَثر الوضَّاءَ، أَم سمِعوا = همْسَ التسـابيحِ والقـرآن مـن أَمَـمِ؟
وهــل تمثّـل نسـجُ العنكبـوتِ لهـم = كالغـابِ، والحائمـاتُ الزُّغْبُ كالرخمِ؟
فــأَدبرو، ووجــوهُ الأَرضِ تلعنُهـم = كبــاطلٍ مـن جـلالِ الحـق منهـزِمِ
لـولا يـدُ اللـهِ بالجـارَيْنِ مـا سـلِما = وعينُـه حـولَ ركـنِ الـدين; لـم يقمِ
توارَيــا بجَنــاح اللــهِ، واسـتترَا = ومــن يضُـمُّ جنـاحُ اللـه لا يُضَـمِ
يـا أَحـمدَ الخـيْرِ، لـي جـاهٌ بتسْمِيَتي = وكـيف لا يتسـامى بالرسـولِ سمِي؟
المــادحون وأَربــابُ الهـوى تَبَـعٌ = لصـاحبِ الـبُرْدةِ الفيحـاءِ ذي القَـدَمِ
مديحُـه فيـك حـبٌّ خـالصٌ وهـوًى = وصـادقُ الحـبِّ يُمـلي صـادقَ الكلمِ
اللــه يشــهدُ أَنــي لا أُعارضُــه = مـن ذا يعارضُ صوبَ العارضِ العَرِمِ؟
وإِنَّمـا أَنـا بعـض الغـابطين، ومَـن = يغبِــطْ وليَّــك لا يُــذمَمْ، ولا يُلَـمِ
هــذا مقــامٌ مـن الرحـمنِ مُقتَبسٌ = تَــرمي مَهابتُــه سَــحْبانَ بـالبَكمِ
البـدرُ دونـكَ فـي حُسـنٍ وفي شَرفٍ = والبحـرُ دونـك فـي خـيرٍ وفي كرمِ
شُـمُّ الجبـالِ إِذا طاولتَهـا انخـفضت = والأَنجُـمُ الزُّهـرُ مـا واسـمتَها تسِـمِ
والليــثُ دونـك بأْسًـا عنـد وثبتِـه = إِذا مشـيتَ إِلـى شـاكي السـلاح كَمِي
تهفــو إِليـكَ - وإِن أَدميـتَ حبَّتَهـا = فـي الحـربِ - أَفئـدةُ الأَبطالِ والبُهَمِ
محبـــةُ اللــهِ أَلقاه، وهيبتُــه = عـلى ابـن آمنـةٍ فـي كـلِّ مُصطَدَمِ
كـأَن وجـهَك تحـت النَّقْـع بدرُ دُجًى = يضــيءُ مُلْتَثِمً، أَو غـيرَ مُلتثِـمِ
بــدرٌ تطلَّــعَ فــي بـدرٍ، فغُرَّتُـه = كغُـرَّةِ النصـر، تجـلو داجـيَ الظلَـمِ
ذُكِـرْت بـاليُتْم فـي القـرآن تكرمـةً = وقيمةُ اللؤلـؤ المكنـونِ فـي اليُتـمِ
اللــهُ قسّــمَ بيــن النـاسِ رزقَهُـمُ = وأَنـت خُـيِّرْتَ فـي الأَرزاق والقِسـمِ
إِن قلتَ في الأَمرِ:"لا"أَو قلتَ فيه: "نعم" = فخيرَةُ اللهِ في "لا" منـك أَو "نعمِ"
أَخـوك عيسـى دَعَـا ميْتً، فقـام لهُ = وأَنــت أَحـييتَ أَجيـالاً مِـن الـرِّممِ
والجـهْل مـوتٌ، فـإِن أُوتيـتَ مُعْجِزةً = فـابعثْ من الجهل، أَو فابعثْ من الرَّجَمِ
قـالوا: غَـزَوْتَ، ورسْـلُ اللهِ ما بُعثوا = لقتْــل نفس، ولا جـاءُوا لسـفكِ دمِ
جـهلٌ، وتضليـلُ أَحـلامٍ، وسفسـطةٌ = فتحـتَ بالسـيفِ بعـد الفتـح بـالقلمِ
لمـا أَتـى لـكَ عفـوًا كـلُّ ذي حَسَبٍ = تكفَّــلَ الســيفُ بالجهـالِ والعَمَـمِ
والشـرُّ إِن تَلْقَـهُ بـالخيرِ ضِقـتَ بـه = ذَرْعًا ، وإِن تَلْقَــهُ بالشـرِّ يَنحسِـمِ
سَـل المسـيحيّةَ الغـراءَ: كـم شرِبت = بالصّـاب مـن شَـهوات الظـالم الغَلِمِ
طريـدةُ الشـركِ، يؤذيه، ويوسـعُها = فـي كـلِّ حـينٍ قتـالاً سـاطعَ الحَدَمِ
لــولا حُمـاةٌ لهـا هبُّـوا لنصرَتِهـا = بالسـيف; مـا انتفعـتْ بالرفق والرُّحَمِ
لــولا مكـانٌ لعيسـى عنـد مُرسِـلهِ = وحُرمَـةٌ وجـبتْ للـروح فـي القِـدَمِ
لَسُـمِّرَ البـدَنُ الطُّهـرُ الشـريفُ على = لَوْحَـيْن، لـم يخـشَ مؤذيـه، ولم يَجمِِ
جـلَّ المسـيحُ، وذاقَ الصَّلـبَ شـانِئهُ = إِن العقــابَ بقـدرِ الـذنبِ والجُـرُمِ
أَخُـو النبـي، وروحُ اللـهِ فـي نُـزُل = فُـوقَ السـماءِ ودون العـرشِ مُحترَمِ
علَّمْتَهــم كـلَّ شـيءٍ يجـهلون بـه = حـتى القتـالَ ومـا فيـه مـن الـذِّمَمِ
دعــوتَهم لِجِهَــادٍ فيــه سـؤددُهُمْ = والحـربُ أُسُّ نظـامِ الكـونِ والأُمـمِ
لـولاه لـم نـر للـدولاتِ فـي زمـن = مـا طـالَ مـن عمـد، أَو قَرَّ من دُهُمِ
تلــك الشــواهِدُ تَـتْرَى كـلَّ آونـةٍ = في الأَعصُر الغُرِّ، لا في الأَعصُر الدُّهُمِ
بـالأَمس مـالت عروشٌ، واعتلت سُرُرٌ = لـولا القـذائفُ لـم تثْلَـمْ، ولـم تصمِ
أَشـياعُ عيسـى أَعَـدُّوا كـلَّ قاصمـةٍ = ولــم نُعِـدّ سِـوى حـالاتِ مُنقصِـمِ
مهمـا دُعِيـتَ إِلـى الهيْجَـاءِ قُمْتَ لها = تـرمي بأُسْـدٍ، ويـرمي اللـهُ بـالرُّجُمِ
عــلى لِــوَائِكَ منهـم كـلُّ مُنتقِـمٍ = لله، مُســتقتِلٍ فـي اللـهِ، مُعـتزِمِ
مُســبِّح للقــاءِ اللــهِ، مُضطـرِمٍ = شـوق، عـلى سـابحٍ كالبرْقِ مضطرِمِ
لـو صـادفَ الدَّهـرَ يَبغِي نقلةً، فرمى = بعزمِـهِ فـي رحـالِ الدهـرِ لـم يَرِمِ
بيـضٌ، مَفـاليلُ مـن فعلِ الحروبِ بهم = من أَسْـيُفِ اللـهِ، لا الهندِيـة الخُـذُمِ
كـم فـي الـترابِ إِذا فتَّشت عن رجلٍ = من مـاتَ بـالعهدِ، أَو من مات بالقسَمِ
لـولا مـواهبُ فـي بعـضِ الأَنام لما = تفـاوت النـاسُ فـي الأَقـدار والقِيَـمِ
شــريعةٌ لـك فجـرت العقـولَ بهـا = عـن زاخِـرٍ بصنـوفِ العلـم ملتطِـمِ
يلـوحُ حـولَ سـنا التوحـيدِ جوهرُها = كــالحلْي للسـيف أَو كالوشْـي للعَلـمِ
غـرّاءُ، حـامت عليهـا أَنفسٌ، ونُهًـى = ومـن يَجـدْ سَلسَـلاً مـن حكمـةٍ يَحُمِ
نـورُ السـبيل يسـاس العـالَمون بهـا = تكــفَّلتْ بشــباب الدهــرِ والهَـرَمِ
يجـري الزمّـانُ وأَحكـامُ الزمانِ على = حُـكم له، نـافِذٍ فـي الخلق، مُرْتَسِمِ
لـمَّـا اعْتلَـت دولـةُ الإِسلامِ واتسَعت = مشــتْ ممالِكُـهُ فـي نورِهـا التَّمـمِ
وعلَّمــتْ أُمــةً بــالقفر نازلــةً = رعْـيَ القيـاصرِ بعـد الشَّـاءِ والنَّعَمِ
كـم شَـيَّد المصلِحُـون العـاملون بها = فـي الشـرق والغرب مُلكًا باذِخَ العِظَمِ
للعِلـم، والعـدلِ، والتمـدينِ ما عزموا = مـن الأُمـور، ومـا شـدُّوا من الحُزُمِ
ســرعان مـا فتحـوا الدنيـا لِملَّتِهـم = وأَنهلوا الناسَ مـن سَلسـالها الشَّـبِمِ
سـاروا عليهـا هُـداةَ الناس، فَهْي بهم = إِلـى الفـلاحِ طـريقٌ واضـحُ العَظَـمِ
لا يهـدِمُ الدَّهـرُ رُكنًـا شـاد عـدلُهُمُ = وحــائط البغــي إِن تلمسْـهُ ينهـدِمِ
نـالوا السـعادةَ فـي الدَّارين، واجتمعوا = عـلى عميـم مـن الرضـوان مقتسـمِ
دعْ عنـك روم، وآثِين، ومـا حَوَتا = كــلُّ اليـواقيت فـي بغـدادَ والتُّـوَمِ
وخــلِّ كِسـرى، وإِيوانًـا يـدِلُّ بـه = هــوى عـلى أَثَـرِ النـيران والأيُـمِ
واتْـرُكْ رعمسـيسَ، إِن الملـكَ مَظهرهُ = فـي نهضـة العدل، لا في نهضة الهرَمِ
دارُ الشــرائع رومـا كلّمـا ذُكـرَتْ = دارُ الســلام لهـا أَلقـتْ يـدَ السَّـلَمِ
مــا ضارَعَتهـا بيانًـا عنـد مُلْتَـأَم = ولا حَكَتهــا قضـاءً عنـد مُخـتصَمِ
ولا احـتوت فـي طِـرازٍ مِن قياصِرها = عــلى رشـيدٍ، ومـأْمونٍ، ومُعتصِـمِ
مــن الــذين إِذا ســارت كتـائبُهم = تصرّفــوا بحــدود الأَرض والتخُـمِ
ويجلســونَ إِلــى علــمٍ ومَعرفـةٍ = فــلا يُدانَـوْن فـي عقـل ولا فَهَـمِ
يُطــأْطئُ العلمـاءُ الهـامَ إِن نَبَسُـوا = مـن هيبـةِ العلْـم، لا مـن هيبة الحُكُمِ
ويُمطِـرون، فمـا بـالأَرضِ من مَحَلٍ = ولا بمـن بـات فـوق الأَرضِ من عُدُمِ
خــلائفُ اللـه جـلُّوا عـن موازنـةٍ = فــلا تقيسـنّ أَمـلاكَ الـورى بهـمِ
مَـنْ فـي البريـة كالفـاروق مَعْدَلَةً؟ = وكـابن عبـد العزيـز الخاشعِ الحشمِ؟
وكالإِمــام إِذا مــا فَـضَّ مزدحمًـا = بمــدمع فـي مـآقي القـوم مزدحـمِ
الزاخـر العـذْب فـي علْـم وفي أَدبٍ = والنـاصر النَّـدْب في حرب وفي سلمِ؟
أَو كـابن عفّـانَ والقـرآنُ فـي يـدِهِ = يحـنو عليـه كمـا تحـنو عـلى الفُطُمِ
ويجـــمع الآي ترتيبًــا وينظمُهــا = عقـدًا بجـيد الليـالي غـير منفصِـمِ؟
جُرحـان فـي كبـدِ الإِسـلام ما التأَما = جُـرْحُ الشـهيد، وجـرحٌ بالكتاب دمي
ومــا بــلاءُ أَبــي بكـر بمتَّهـم = بعـد الجـلائل فـي الأَفعـال والخِـدمِ
بـالحزم والعـزم حـاطَ الدين في محنٍ = أَضلَّــت الحـلم مـن كهـلٍ ومحـتلمِ
وحِـدْنَ بالراشـد الفـاروق عـن رشدٍ = فـي المـوت، وهـو يقيـنٌ غير منبَهمِ
يجــادِلُ القــومَ مُسْــتَلاًّ مهنَّــدَه = فـي أَعظـم الرسْلِ قدرً، كيف لم يدمِ؟
لا تعذلــوه إِذا طــاف الذهـولُ بـه = مـات الحـبيبُ، فضلَّ الصَّبُّ عن رَغَمِ
يـا ربِّ صَـلِّ وسـلِّم مـا أَردتَ على = نـزيل عرشِـك خـيرِ الرسْـل كـلِّهمِ
مُحــيي الليـالي صـلاةً، لا يقطِّعُهـا = إِلاَّ بــدمع مــن الإِشـفاق مُنسـجمِ
مســبِّحًا لـك جُـنْحَ الليـل، محـتملاً = ضُـرًّا مـن السُّهد، أَو ضُرًّا من الورَمِ
رضيَّــة نفسُــه، لا تشـتكي سـأمًا = ومـا مـع الحـبِّ إِن أَخلصت مِن سَأَمِ
وصــلِّ ربِّـي عـلى آلٍ لـهُ نُخَـبٍ = جـعلتَ فيهـم لـواءَ البيـتِ والحـرمِ
بيـضُ الوجـوه، ووجهُ الدهر ذو حَلَكٍ = شُـمُّ الأُنـوف، وأَنـفُ الحادثات حمي
وأَهــد خـيرَ صـلاةٍ منـك أَربعـةً = فـي الصحـب، صُحبتُهم مَرْعيَّةُ الحُرَمِ
الــراكبين إِذا نــادى النبــيُّ بهـم = مـا هـال مـن جَـلَلٍ، واشتد من عَمَمِ
الصــابرين ونفسُ الأَرض واجفــةٌ = الضــاحكين إِلـى الأَخطـار والقُحَـمِ
يـا ربِّ، هبـتْ شـعوبٌ مـن منيّتهـا = واســتيقظت أُمَـمٌ مـن رقْـدة العـدمِ
سـعدٌ، ونحـسٌ، ومُلـكٌ أَنـت مالِكـه = تُــديلُ مِـنْ نِعَـم فيـه، ومِـنْ نِقَـمِ
رأَى قضــاؤك فينــا رأْيَ حكمتِـه = أَكـرِمْ بوجـهك مـن قـاضٍ ومنتقـمِ
فـالطُفْ لأَجـلِ رسـولِ العـالمين بنا = ولا تزدْ قومَــه خسـفً، ولا تُسـمِ
يـا ربِّ، أَحسـنت بَـدءَ المسـلمين به = فتمِّـم الفضـلَ، وامنـحْ حُسـنَ مُخْتَتَمِ



تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
البردة للإمام البوصيري ، ومعارضاتها
المشاهدات
1,336
آخر تحديث
أعلى