هي الأرض توأم الوجع عبر الأزمنة الغابرة وعبر العصور لتاريخ البشرية وفضيحة الذّاتية لعالم ضاعت فيه قيم الأخلاق ، يكتبهُ حدود طلقة الرصاص حيث تسبّح خانات الدّم في ثُنائيات لتنهار أنفاس الهواء بين البشرية .
غالباً ما تكون الصرخة الأولى دهشة غير إرادية ولغة تعبر وتعلن فكّ ارتباطها مع مشيمة الداخل والإستسلام مع قضايا الخارج بعيون محجبة ، نشأة الطفولة ترسم ربيعها بصفحة بيضاء لتكون أكثر نصاعة من بقية سلالة العمر وفصوله بفضائه الكلّي النّاصع .
كم من الوقت ستستغرق معامل المكياج لإنتاج المساحيق الكافية و اللازمة لتجميل سهاد الكرة الأرضية وتنظيفها من البغال والزعران و كم من زمن يلزمنا لنلونها بعيون الفرح من جديد ؟
وكيف للفرح أن يغمر عيون طفل ، طفل إسمه لم يسجل في خانة تليق به في سجلات النفوس في عامودا، إسم حافي مهمل تحت أقبيّة الزمن المقهور، لايكترث كثيرا بمساحة الحياة ليعيش ولا بتفاصيل المحيطات و الأنهار و البحار و الأدغال و السهول و الجبال والبراكين والكواكب ليكتشف ، بل يقرأ بعمق صرختها ويتفاعل مع دخان الأرض .
هكذا نلمس ذائقة الإستفهام في بنية شخصية ديوار .
هذا الآخير يستيقظ ليلاً دون التلذذ والإشباع من الأحلام ، أحلامه غير كاملة لاتنتهي عند حدود الفجر بل متقطعة كجسده النحيل يحاول أن يغمض عينيه لربط تلك الأحداث و نسجها في صورة مضاءة و هو يسير مع صديقه النحيف نحو الذهاب إلى سوق الخضرة الكبير، فجأة يستلقي على الأرض لينام برهة لعله يسترجع الجزء المخفي من حلمه وذلك قرب صناديق البندورة وأكياس الفليفلة وباقات الريحان ورائحة النعاع لحين وصول قافلات الخضرة للفلاحين إلى السوق.
من أهم الجوانب الخفية في شخصية ديوار أنه غير مبالي بالعالم الخارجي وقضايا الساعة ، بينما متابع للأشياء التي تهم وجوده ، بسيط جداً يقضي نهاره دون تعقيد و في المساء غامض أفكاره تميل الى التفرد والتوحد مع الذات والكثير من الإستفهام .
طفولته لم تكن مهيضة الجناح بالكامل، بل كانت تميل نحو السقوط في ضفة غامضة وتتفوق على ذاتها بمحطات ضوئية وببعض الأحلام المنيرة وهو يقول :
- لا أحد يستطيع مبارزة الهواء ومطاردته ، و لا أحد يستطيع مبارزتي في الطيران و في الأحلام أيضاً ، أحلامي أسردها لحظة الإسترخاء و التّوحد مع الذات التي يقاسمها بدّقة ظلي.
فالدهشة الكبرى حين أحلق فوق أرض المدينة ،وقتها الغبار يصارع الأمكنة والمارة ترتجف وتتجنب لتسير نحو صوب آخر.
حياته غنية شفيفة مليئة بالحكايات المثيرة بنيته صلبة ، لاوقت لديه للمطالعة ولا للثقافة، ثقافته هي أكتشاف الحياة ملامستها بعمق التجربة، التجربة تولّد بداخله خزان من المعرفة والمعرفة بوصلة له لسنا الأفق، فيركض ولايتوقف على الأطلال و التغني بالماضي ، يركض ويركض نحوالأشجاريسقط ثم ينهض ويتسلق شجرة التوت في حوش الجيران ليقضي بضعة من الوقت لاُستنشاق هواء نقي .
لا شيئ يشغله أمام مواهبه المثيرة ، هو ديوار الذي يركض فوق الشوك ويغني أغنيته الكردية المفضلة. يعشق الدّراجة النارية أكثر من ركوب الحمير، حقق حلمه باُقتناء واحدة كانت ترافقه في كافة مشاويره تسحره رشاقتها .
للأسف لم تدوم دراجة السمسم عنده لسنوات بل فككها ولم يبقى الاّهيكلها الخارجي لأنها تتجاوب مع شقاوته.
بمقدوره اُنشاء ورشة للحب والبوح بخباياه، يجسد ويتقمص دور العاشق ويجيده في مشهد مثير حيث يغازل الأنثى أثناء الإقتراب منها فينتشي ، هكذا المصادقة تبدأ عنده بالإعجاب والإعجاب لديه غير عاقل والخجل ليس له محل في وجدانه، إنه المتمرد ديوار يتوازن بتمرده على ذاته وعلى ثنائيات مجتمعه يرفض بشكل كلّ القوالب الجاهزة و شعار الأحزاب الموالية التي لاتشبه إلاّ دكاكينها في سوق الخضرة، يكره إسمه لأنه ولد دون إرداته و سمي بإسم لم يختره ولم يعجبه في يوم ما، ولهذا اُلتجأ إلى التدخين في سن مبكر للتعمق بقضايا الوجود وقفز عن طفولته ليرافق أصدقاء تكبره سناً .
سألته بمن تأثرت يا ديوار
- نظر اليّ وأردف قائلاً
سؤالك قصير لكن جوابه عميق ، على كلٍ اُنتهيت بأخر نفس من هذه السيجارة والنفس الأخير معناه جواب لدخان عمره طويل
غاب ديوار عن الأنظار ولم يأتي كعادته في الوقت المحدد، بل جاء متأخراً ووجهه شاحب ،دون سؤال و بجواب قال : لقطته هذا العاشق العجوز
-ماذا تقول يا ديوار عن مَنْ تحكي !
-اليوم هو يوم تاريخي في عالم العشق المخفي، كنتُ أشك فيه منذ سنوات ،لكنه دحرج هذه السنوات ووضع لها عنوان مثير، كان يلتقي بها ووسيلة التواصل هي الإشارات قبل الوصول الى بابها بثواني وعند سماعها صوته تفتح الباب الخارجي للحوش و تبدأ لغة العيون ترسم و تحدد موعد اللّقاء العاطفي مابين العاشقين ، فمرحى لهما في رحاب الدّفئ العاطفي .
الطفولة تنتعش في عالم بريئ بعيدة عن الإلتزام بقضايا العائلة ، قساوة الظروف تجعل الذات قاسية مما يحمله قادم الأيام من أزمات ، حيث يغادر وينشطر و ينفصل لحظة البلوغ عن المحيط ليستقر في سفح يصنعه خياله الضيق.
عدنان شيخموس
غالباً ما تكون الصرخة الأولى دهشة غير إرادية ولغة تعبر وتعلن فكّ ارتباطها مع مشيمة الداخل والإستسلام مع قضايا الخارج بعيون محجبة ، نشأة الطفولة ترسم ربيعها بصفحة بيضاء لتكون أكثر نصاعة من بقية سلالة العمر وفصوله بفضائه الكلّي النّاصع .
كم من الوقت ستستغرق معامل المكياج لإنتاج المساحيق الكافية و اللازمة لتجميل سهاد الكرة الأرضية وتنظيفها من البغال والزعران و كم من زمن يلزمنا لنلونها بعيون الفرح من جديد ؟
وكيف للفرح أن يغمر عيون طفل ، طفل إسمه لم يسجل في خانة تليق به في سجلات النفوس في عامودا، إسم حافي مهمل تحت أقبيّة الزمن المقهور، لايكترث كثيرا بمساحة الحياة ليعيش ولا بتفاصيل المحيطات و الأنهار و البحار و الأدغال و السهول و الجبال والبراكين والكواكب ليكتشف ، بل يقرأ بعمق صرختها ويتفاعل مع دخان الأرض .
هكذا نلمس ذائقة الإستفهام في بنية شخصية ديوار .
هذا الآخير يستيقظ ليلاً دون التلذذ والإشباع من الأحلام ، أحلامه غير كاملة لاتنتهي عند حدود الفجر بل متقطعة كجسده النحيل يحاول أن يغمض عينيه لربط تلك الأحداث و نسجها في صورة مضاءة و هو يسير مع صديقه النحيف نحو الذهاب إلى سوق الخضرة الكبير، فجأة يستلقي على الأرض لينام برهة لعله يسترجع الجزء المخفي من حلمه وذلك قرب صناديق البندورة وأكياس الفليفلة وباقات الريحان ورائحة النعاع لحين وصول قافلات الخضرة للفلاحين إلى السوق.
من أهم الجوانب الخفية في شخصية ديوار أنه غير مبالي بالعالم الخارجي وقضايا الساعة ، بينما متابع للأشياء التي تهم وجوده ، بسيط جداً يقضي نهاره دون تعقيد و في المساء غامض أفكاره تميل الى التفرد والتوحد مع الذات والكثير من الإستفهام .
طفولته لم تكن مهيضة الجناح بالكامل، بل كانت تميل نحو السقوط في ضفة غامضة وتتفوق على ذاتها بمحطات ضوئية وببعض الأحلام المنيرة وهو يقول :
- لا أحد يستطيع مبارزة الهواء ومطاردته ، و لا أحد يستطيع مبارزتي في الطيران و في الأحلام أيضاً ، أحلامي أسردها لحظة الإسترخاء و التّوحد مع الذات التي يقاسمها بدّقة ظلي.
فالدهشة الكبرى حين أحلق فوق أرض المدينة ،وقتها الغبار يصارع الأمكنة والمارة ترتجف وتتجنب لتسير نحو صوب آخر.
حياته غنية شفيفة مليئة بالحكايات المثيرة بنيته صلبة ، لاوقت لديه للمطالعة ولا للثقافة، ثقافته هي أكتشاف الحياة ملامستها بعمق التجربة، التجربة تولّد بداخله خزان من المعرفة والمعرفة بوصلة له لسنا الأفق، فيركض ولايتوقف على الأطلال و التغني بالماضي ، يركض ويركض نحوالأشجاريسقط ثم ينهض ويتسلق شجرة التوت في حوش الجيران ليقضي بضعة من الوقت لاُستنشاق هواء نقي .
لا شيئ يشغله أمام مواهبه المثيرة ، هو ديوار الذي يركض فوق الشوك ويغني أغنيته الكردية المفضلة. يعشق الدّراجة النارية أكثر من ركوب الحمير، حقق حلمه باُقتناء واحدة كانت ترافقه في كافة مشاويره تسحره رشاقتها .
للأسف لم تدوم دراجة السمسم عنده لسنوات بل فككها ولم يبقى الاّهيكلها الخارجي لأنها تتجاوب مع شقاوته.
بمقدوره اُنشاء ورشة للحب والبوح بخباياه، يجسد ويتقمص دور العاشق ويجيده في مشهد مثير حيث يغازل الأنثى أثناء الإقتراب منها فينتشي ، هكذا المصادقة تبدأ عنده بالإعجاب والإعجاب لديه غير عاقل والخجل ليس له محل في وجدانه، إنه المتمرد ديوار يتوازن بتمرده على ذاته وعلى ثنائيات مجتمعه يرفض بشكل كلّ القوالب الجاهزة و شعار الأحزاب الموالية التي لاتشبه إلاّ دكاكينها في سوق الخضرة، يكره إسمه لأنه ولد دون إرداته و سمي بإسم لم يختره ولم يعجبه في يوم ما، ولهذا اُلتجأ إلى التدخين في سن مبكر للتعمق بقضايا الوجود وقفز عن طفولته ليرافق أصدقاء تكبره سناً .
سألته بمن تأثرت يا ديوار
- نظر اليّ وأردف قائلاً
سؤالك قصير لكن جوابه عميق ، على كلٍ اُنتهيت بأخر نفس من هذه السيجارة والنفس الأخير معناه جواب لدخان عمره طويل
غاب ديوار عن الأنظار ولم يأتي كعادته في الوقت المحدد، بل جاء متأخراً ووجهه شاحب ،دون سؤال و بجواب قال : لقطته هذا العاشق العجوز
-ماذا تقول يا ديوار عن مَنْ تحكي !
-اليوم هو يوم تاريخي في عالم العشق المخفي، كنتُ أشك فيه منذ سنوات ،لكنه دحرج هذه السنوات ووضع لها عنوان مثير، كان يلتقي بها ووسيلة التواصل هي الإشارات قبل الوصول الى بابها بثواني وعند سماعها صوته تفتح الباب الخارجي للحوش و تبدأ لغة العيون ترسم و تحدد موعد اللّقاء العاطفي مابين العاشقين ، فمرحى لهما في رحاب الدّفئ العاطفي .
الطفولة تنتعش في عالم بريئ بعيدة عن الإلتزام بقضايا العائلة ، قساوة الظروف تجعل الذات قاسية مما يحمله قادم الأيام من أزمات ، حيث يغادر وينشطر و ينفصل لحظة البلوغ عن المحيط ليستقر في سفح يصنعه خياله الضيق.
عدنان شيخموس