هناك تناقض واضح بين مسألة الحياد والديموقراطية. فالعملية الديموقراطية تتطلب إنضواء المرشح تحت كتلة ما ؛ ففي الغالب ينهزم المستقلون نتيجة ضعف تسليط الإعلام عليهم حتى ولو كانوا عباقرة. كما أن المؤسسة الحزبية تمهد الطريق أمام المرشح عبر أعضائها الموزعين على أقاليم الدولة. وهكذا يستطيع المرشح الحزبي تبليغ صوته (جهدا ووقتا) بيسر أكبر مما لو كان مستقلا. مع ذلك يمكننا ملاحظة وجه آخر وهو انحسار هالة القداسة عن الأحزاب السياسية بل ربما أضحت الأحزاب مسخا مشوها في مخيلة المواطنين لأن الآيدولوجيا برمتها صارت ممقوتة إلى حد كبير. واتجه المواطن اليوم نحو الفعالية
.Effectiveness
وحيث أن الفعالية تتطلب أقصى حالات الحياد فهنا يكمن التناقض بين الديموقراطية التي هي دائما أو غالبا (مغالبة) وبين الحكم المحايد ، حيث يقف الحاكم في منتصف الدائرة كقاض إداري.
غير أن البروباغاندا التي صاحبت الدعاية الأمريكية خلال الحرب الباردة تجاه الديموقراطية أعمت الشعوب عن البحث عن أنظمة خارج سمت الطراز المصدر لها من الخارج. وهذا العمى أفضى إلى فشل هذه الشعوب في إدارة دولها ؛ فالديموقراطية (كما هي) هي في الواقع سبب إنهيار تلك الدول وتحولها لدول فاشلة.
الديموقراطية (كما هي) أقصت أهم ما يجب أن تتميز به السلطة الحاكمة وهو (الحياد) ، وهكذا صدقت مقولة الآباء الليبراليين القديمة التي تقول بأن الديموقراطية ليست أكثر من دكتاتورية الأغلبية.
فإذا كانت مقاييسنا الهشة للأغلبية هي النصف زائد واحد فإننا نستطيع أن نتحدث عن ديموكتاتورية. وهذا يذكرنا بمسخ المؤسسات الحزبية التي هي ذاتها تخضع (كأمر طبيعي) في الداخل لديموكتاتوريتها التي تفضي في واقع دولنا النامية إلى رفض المهزومين وتمردهم عبر انقسامات متواصلة من تلك المؤسسات.
(تتجاهل الديموقراطية مسلمات سيكولوجية خطيرة ومركزية مثل الأنانية والعجلة وحب السيطرة) ، ولذلك فهي في الواقع تعاني من الداخل أكثر من معاناتها من الخارج.
وكما قد أسلفت فشعوب الدول النامية خضعت لغسيل مخ مستمر طوال أكثر من نصف قرن بحيث لم تعد قادرة على موضعة الديموقراطية كوسيلة وليس كغاية. حصلت الديموقراطية (بوجهها الغربي) على القداسة ، والقداسة تحول دون تنمية النقد ، وانعدام النقد يعني الإحجام عن التطوير والتحديث وأهم من ذلك كله (المواءمة).
لذلك فالديموقراطيات لم تتكيف مع واقع تلك الدول ، وهنا تم طرح معززات خارجية ، ليس بغرض دعم (الحياد) بل بغرض الاستقطاب ، لتتحول الديموقراطية إلى كوة تقفز منها موجهات ودساتير الإعلام الغربي للشعوب بسيطة المكون المفاهيمي.
سنتباحث حول الدول الأربعة التي تعاقبت فيها الثورات الشعبية كتونس ومصر وليبيا والسودان وسنجد أنها لم تحمل في الواقع أي آلية للأحلام التي راودت الشعوب خلال فترات الدكتاتورية. لقد فوجئت الشعوب بأخطر ما يقوض أحلامها وهو (عدم الحياد) ، ولذلك ؛ فبدلا عن أن تكون الديموقراطية وسيلة لتحقيق تلك الأحلام تحولت لحديث مسف عن الشرعية وعدم الشرعية في ظل الإستقطاب والانقسام المتواصلين.
الشرعية هي نفسها تحولت لمسرحية كوميدية ، لأنها اعتمدت على هدم (الحياد) المطلوب في الحكومات المنتظرة وتحولت لكرة بينج بونج ولكن بلاعبين فقيري الدربة.
(أدبيات المنتج التفاعلي الدولي) هي بذاتها تدرعت بالقداسة العمياء ، فهي لم تناقش حتى الآن في ظل تعارضها (كأدبيات ترسخ للحياد) مع الديموقراطية التي تنزع (الحياد). النزاهة وعدم المحسوبية والمساواة أمام القانون والعلمانية والحرية ...الخ لم تصطدم بالدكتاتورية بقدر ما تصطدم -في الحقيقة- بالديموقراطية نفسها. وهذا الاصطدام تم تلبيسه برؤية ذات قناع بشري ، أي الإنسان اللا إنساني ، اللا عادل ، اللا حقوقي ، القمعي والدكتاتوري الأناني. وهذا غير صحيح في الواقع ، لأن الصحيح هو أن الديموقراطية هي التي عززت طرد الحياد ومن ثم عززت في المقابل قوة تلك الخصائل البشرية. وهكذا فأطراف اللاعبين في الديموقراطية هم دوما أشرار وعملاء في نظر بعضهم البعض. وهم بالفعل أشرار وعملاء لأنهم بغير ذلك لن يتمكنوا من الاستمرار في اللعب ، فهذه هي قوانين التداول الديموقراطي للسلطة. وإن كان الأمر كذلك ؛ وإن كان كل طرف شيطان في نظر الآخر فما المانع من أن يرتد الجميع إلى السلاح الأصلي وهو القوة؟ وحتى لو ضبطت كل الأطراف نفسها على أحسن ما يكون فإن تداول السلطة لا يعني الحرية وإنما نقل القيود من يد لأخرى. وهكذا ينتهي الحياد الذي كان من المفترض أن تبتغيه الشعوب الحكيمة من حكوماتها.
مع ذلك فلا يوجد بديل حتى الآن ؛ وليس السبب في ذلك ضعف القدرات العقلية للإنسان وإنما لأن تلك القدرات ممنوعة ومحجمة من العمل ضد تقويض المقدس. لذلك فالديموقراطية نفسها صارت كغيرها من الآيدولوجيات سببا للتبلد البشري.
.Effectiveness
وحيث أن الفعالية تتطلب أقصى حالات الحياد فهنا يكمن التناقض بين الديموقراطية التي هي دائما أو غالبا (مغالبة) وبين الحكم المحايد ، حيث يقف الحاكم في منتصف الدائرة كقاض إداري.
غير أن البروباغاندا التي صاحبت الدعاية الأمريكية خلال الحرب الباردة تجاه الديموقراطية أعمت الشعوب عن البحث عن أنظمة خارج سمت الطراز المصدر لها من الخارج. وهذا العمى أفضى إلى فشل هذه الشعوب في إدارة دولها ؛ فالديموقراطية (كما هي) هي في الواقع سبب إنهيار تلك الدول وتحولها لدول فاشلة.
الديموقراطية (كما هي) أقصت أهم ما يجب أن تتميز به السلطة الحاكمة وهو (الحياد) ، وهكذا صدقت مقولة الآباء الليبراليين القديمة التي تقول بأن الديموقراطية ليست أكثر من دكتاتورية الأغلبية.
فإذا كانت مقاييسنا الهشة للأغلبية هي النصف زائد واحد فإننا نستطيع أن نتحدث عن ديموكتاتورية. وهذا يذكرنا بمسخ المؤسسات الحزبية التي هي ذاتها تخضع (كأمر طبيعي) في الداخل لديموكتاتوريتها التي تفضي في واقع دولنا النامية إلى رفض المهزومين وتمردهم عبر انقسامات متواصلة من تلك المؤسسات.
(تتجاهل الديموقراطية مسلمات سيكولوجية خطيرة ومركزية مثل الأنانية والعجلة وحب السيطرة) ، ولذلك فهي في الواقع تعاني من الداخل أكثر من معاناتها من الخارج.
وكما قد أسلفت فشعوب الدول النامية خضعت لغسيل مخ مستمر طوال أكثر من نصف قرن بحيث لم تعد قادرة على موضعة الديموقراطية كوسيلة وليس كغاية. حصلت الديموقراطية (بوجهها الغربي) على القداسة ، والقداسة تحول دون تنمية النقد ، وانعدام النقد يعني الإحجام عن التطوير والتحديث وأهم من ذلك كله (المواءمة).
لذلك فالديموقراطيات لم تتكيف مع واقع تلك الدول ، وهنا تم طرح معززات خارجية ، ليس بغرض دعم (الحياد) بل بغرض الاستقطاب ، لتتحول الديموقراطية إلى كوة تقفز منها موجهات ودساتير الإعلام الغربي للشعوب بسيطة المكون المفاهيمي.
سنتباحث حول الدول الأربعة التي تعاقبت فيها الثورات الشعبية كتونس ومصر وليبيا والسودان وسنجد أنها لم تحمل في الواقع أي آلية للأحلام التي راودت الشعوب خلال فترات الدكتاتورية. لقد فوجئت الشعوب بأخطر ما يقوض أحلامها وهو (عدم الحياد) ، ولذلك ؛ فبدلا عن أن تكون الديموقراطية وسيلة لتحقيق تلك الأحلام تحولت لحديث مسف عن الشرعية وعدم الشرعية في ظل الإستقطاب والانقسام المتواصلين.
الشرعية هي نفسها تحولت لمسرحية كوميدية ، لأنها اعتمدت على هدم (الحياد) المطلوب في الحكومات المنتظرة وتحولت لكرة بينج بونج ولكن بلاعبين فقيري الدربة.
(أدبيات المنتج التفاعلي الدولي) هي بذاتها تدرعت بالقداسة العمياء ، فهي لم تناقش حتى الآن في ظل تعارضها (كأدبيات ترسخ للحياد) مع الديموقراطية التي تنزع (الحياد). النزاهة وعدم المحسوبية والمساواة أمام القانون والعلمانية والحرية ...الخ لم تصطدم بالدكتاتورية بقدر ما تصطدم -في الحقيقة- بالديموقراطية نفسها. وهذا الاصطدام تم تلبيسه برؤية ذات قناع بشري ، أي الإنسان اللا إنساني ، اللا عادل ، اللا حقوقي ، القمعي والدكتاتوري الأناني. وهذا غير صحيح في الواقع ، لأن الصحيح هو أن الديموقراطية هي التي عززت طرد الحياد ومن ثم عززت في المقابل قوة تلك الخصائل البشرية. وهكذا فأطراف اللاعبين في الديموقراطية هم دوما أشرار وعملاء في نظر بعضهم البعض. وهم بالفعل أشرار وعملاء لأنهم بغير ذلك لن يتمكنوا من الاستمرار في اللعب ، فهذه هي قوانين التداول الديموقراطي للسلطة. وإن كان الأمر كذلك ؛ وإن كان كل طرف شيطان في نظر الآخر فما المانع من أن يرتد الجميع إلى السلاح الأصلي وهو القوة؟ وحتى لو ضبطت كل الأطراف نفسها على أحسن ما يكون فإن تداول السلطة لا يعني الحرية وإنما نقل القيود من يد لأخرى. وهكذا ينتهي الحياد الذي كان من المفترض أن تبتغيه الشعوب الحكيمة من حكوماتها.
مع ذلك فلا يوجد بديل حتى الآن ؛ وليس السبب في ذلك ضعف القدرات العقلية للإنسان وإنما لأن تلك القدرات ممنوعة ومحجمة من العمل ضد تقويض المقدس. لذلك فالديموقراطية نفسها صارت كغيرها من الآيدولوجيات سببا للتبلد البشري.