محرر فضاءات أدبية جعفر الديري
قدمت أسرة أدباء وكتاب البحرين، واجب العزاء لعائلة الشاعر والكاتب الإماراتي الراحل حبيب الصايغ، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، أمين عام الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
وأعرب وفد "الأسرة" إلى ابوظبي، والذي ضم كل من: نائب الرئيس للشئون المالية والإدارية الشاعر د.راشد نجم والأمين العام الناقد د.فهد حسين ورئيس النشاط الثقافي الشاعر كريم رضي، عن خالص تعازيها ومواساتها لعائلة الفقيد ولعموم الأدباء والمثقفين العرب، لوفاة الأديب الكبير والصحافي اللامع، الذي قضى عمره في مجالي الصحافة والثقافة.
من جهته قال رئيس أسرة الأدباء والكتاب الشاعر إبراهيم بو هندي: فقدنا برحيل الصايغ شاعرا وكاتبا مبدعا من أبرز الأدباء والمثقفين بالوطن العربي، فقدناه في قمة عطائه الأدبي الثقافي.
قامة إبداعية
كانت الأوساط الأدبية العربية، ودعت الثلاثاء 20 أغسطس الجاري، الشاعر والكاتب الإماراتي حبيب الصايغ.
وكتب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، في تغريدة عبر حسابه بموقع "تويتر": "فقدت الإمارات اليوم قامة أدبية وثقافية رفيعة. شكل عطاؤه رافدا إبداعيا مهما أثرى المشهدين الإماراتي والعربي بأعماله القيمة. رحم الله حبيب الصايغ صاحب القلم المبدع والمخلص لوطنه وأسكنه فسيح جناته. وخالص تعازينا ومواساتنا إلى أسرته".
فيما علق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عبر تغريدة على موقع "تويتر": "فقدت الإمارات اليوم أحد أعمدة الإعلام والصحافة والأدب. رحم الله حبيب الصايغ وأسكنه فسيح جنانه. وسيبقى عمله وشعره وكتاباته المحبة لوطنه خير إرث له. وستبقى الأوطان خير شاهد على أصحاب الأقلام. اللهم ألهم أهله وذويه الصبر والسلوان".
ووصف سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، في حسابه الرسمي على "تويتر"، الصايغ بأنه "قامة إماراتية وطنية عربية ترك أثرا كبيرا في تطور المشهد الإعلامي والأدبي الإماراتي، وخلف إرثا إبداعيا سيظل مصدر فخر واعتزاز ومدرسة للأجيال القادمة".
ونعى الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب أمينه العام حبيب الصايغ، في بيان جاء فيه: ببالغ الأسى والحزن، ينعي الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب؛ أمينه العام الشاعر والكاتب الصحفي الإماراتي الكبير حبيب الصايغ، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ومستشار دار الخليج ورئيس التحرير المسئول لجريدة الخليج الإماراتية، عن عمر يناهز الخامسة والستين.
وأكد بيان الاتحاد العام أن الرحيل المفاجئ للشاعر الكبير حبيب الصايغ يعد خسارة فادحة للعمل الثقافي العربي، الذي كان الراحل الكبير أهم وجوهه المشرفة، كونه شاعرا متميزا مثل الإمارات في العديد من المهرجانات العربية والدولية، وفاعلا ثقافيا شغل العديد من المناصب في الحقل الثقافي وترك بصمته في كل مكان تولاه، إضافة لكونه كاتبا صحفيا مهما، طالما سخر قلمه لخدمة القضايا القومية العربية، وعلى رأسها قضية فلسطين، القضية المركزية للعرب جميعا، وقد كان أحد أهم المناهضين للتطبيع مع العدو الصهيوني.
يتنفس شعرا
وعبر رؤساء اتحادات وروابط وأسر وجمعيات ومجالس الأدباء والكتاب العرب، الأعضاء في الاتحاد العام، عن فجيعتهم بفقد الشاعر الكبير حبيب الصايغ، الذي تولى الأمانة العامة منذ ديسمبر عام 2015، وشهد الاتحاد العام في عهده طفرة على المستويات جميعا، خاصة تجاه مناصرة القضية الفلسطينية، ومدينة القدس العربية، التي أقام الاتحاد العام مؤتمرا دوليا حول عروبتها في العام الماضي، شارك فيه حوالي مائة أديب ومثقف وباحث وأكاديمي ومسئول من مختلف الدول العربية.
وقال الشاعر الإماراتي محمد عبدالله نورالدين لـ "العين الإخبارية": ان حبيب الصايغ لم يقف عن الفعل الثقافي للحظة، فقد كان يتنفس شعرا ويؤمن برسالته ويحارب لأجلها بجرأة دون أي خوف أو تردد، فقد كان هاجسه الأكبر هو الثقافة العربية وكيف يستطيع نقلها إلى واجهة المشهد الثقافي الإنساني، وقد تمهد له أول الطريق مع تبوؤه منصب الأمين العام لاتحاد كتاب وأدباء العرب ليبدأ بتأسيس هذا الصرح بشكل مغاير من جديد.
واعتبرت الروائية الإماراتية تهاني الهاشمي، الصايغ أحد أهم رموز الصحافة والثقافة في الإمارات والوطن العربي الذين أعطوا للإبداع الإماراتي صيغة مؤسسية، فهو رجل وقف وراء تأسيس كيانات ومؤسسات وضعت على رأس همومها حاجات المبدع العربي وأولوياته.
وعلق الشاعر العماني سيف الرحبي بالقول: صدمني الخبر المفاجئ لرحيل الشاعر الصديق الحبيب الصايغ فلم أعرف أنه يعاني من مرض معين لأنني لم أره منذ زمن طويل. وكما يقول الشاعر زهير ابن أبي سلمى: رأَيت المنايا خبط عشواء من تصب/ تمته ومن تخطيء يعمر فيهرم. وكما يقول الكاتب البلجيكي جورج سيمنون: يموت الأصدقاء ويصيبني الدوار. عرفت الفقيد منذ فترة مبكرة، منذ تأسيس مجلة أوراق التي كنت أعمل معه فيها. تغمد الله الفقيد برحمته الواسعة، وعزائي لأخيه أحمد الصايغ، ولأولاده وعائلته وللشعر والثقافة.
رمز للحداثة
وأكد الناقد المصري د.صلاح فضل، أن الأدب الإماراتي فقد بموت الصايغ رمزا للحداثة الشعرية، فقد نجح في قطع شوط كبير للعبور نحو الحداثة، وقام بدور مهم في تعزير العلاقات الأدبية بين الإمارات ودول العالم عبر المؤسسات التي أدارها وعلى رأسها اتحاد الكتاب العرب.
ورأى الشاعر الفلسطيني مراد السوداني أن الصايغ يعد واحد من الأسماء ذات الثقل الإبداعي في المشهد الثقافي الإماراتي والعربي، قدم العديد من الاقتراحات الجمالية وأضاف لها رؤى وآفاقا تخصه فاستحق بجدارة أن يكون اسما دالا على حداثة الحركة الشعرية في الإمارات وفعلها الثقافي الناجز.
وقال الروائي اليمني علي المقري: ما إن يأتي إلى ذهني اسم حبيب الصايغ حتى أتذكر تجربته المهمة في الصحافة الثقافية، وبالذات مجلة (أوراق) المتميزة بإخراجها الأنيق خلال بداية ثمانينيات القرن الماضي، وما زلت أتذكر عناوين الأغلفة وأتساءل لماذا لم تستمر هذه المجلة رغم دورها الاستثنائي؟ إن الصايغ كان قريبا من الحياة الثقافية العربية وملما بشؤونها، ولهذا رحب كثيرون بعمله في أمانة اتحاد الكتاب العرب.
--------------
للفضاءات سياق
كان صائغا مبدعا بامتياز
رئيس أسرة الأدباء والكتاب إبراهيم بوهندي
رحل الصديق العزيز على قلوبنا حبيب الصائغ المبدع الإماراتي المستحق بكل ما توحيه الصفة من صفاء الروح في المحبة والجمال، رحل بعد أن غرس معنى اسمه في ذاكرة من عرفه على كل مستويات العلاقات الإنسانية بين الإنسان والآخر.
رحل حبيب الصائع بعد أن حقق لنا، نحن الأدباء في الخليج، شرف تمثيل جميع الأدباء العرب في العالم بعد أن تشرف بالفوز بمنصب "الأمين العام للأدباء والكتاب العرب " منذ عام 2015. رحل "أبوسعود" الشاعر حبيب الصائغ مخلفا وراءه ذلك الإرث الإبداعي الذي شغل به الكثير من النقاد والباحثين في الأدب على مستويات مختلفة وليس في الشعر وحده.
رحل حبيب مستقبلاً هدأة الروح وسكينتها في ملكوت محبة الخالق بعيدا عن كراهية المخلوقين وأحقادهم. رحل ذلك الصائغ الذي صاغ درر القول في مواقف عربية كثيرة، حيث لم يكن يمر عام في أيام ولايته كأمين عام للأدباء والكتاب العرب إلا وكان له فيه أكثر من مبادرة لتسجيل موقف عربي في سبيل القضايا العربية، وعلى وجه الخصوص منها، قضيتنا الكبرى "قضية فلسطين"، برعاية كريمة من دولة الإمارات العربية المتحدة في أبوظبي والشارقة على وجه الخصوص.
ولم تكن له تلك المواقف السياسية فقط، بل أذكر مواقفه الأدبية أيضا وعونه للكثير من الأدباء العرب على تحمل تكاليف نشر نتاجهم وترجمته، ضمن المشروع الثقافي الكبير لذلك المثقف العروبي الذي تبوأ منصب الحاكم فأضاف على الهيبة السياسية هيبة الكلمة ورهبتها في الأدب والثقافة بشكل عام، ذلك المثقف الحاكم الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الذي لم يكن يفوت مناسبة في لقاءات الأدباء والكتاب العرب عندما يكونون في رحاب دولة الإمارات العربية المتحدة إلا وأعطى المشاركين فيها فرصة الاجتماع به، في رحاب دارته التي تحتوى على الكثير من نتاج مشروعه الثقافي في إمارة الشارقة.
ومن المعروف أنه بعد سنين طويلة من الحضور الخليجي في عضوية الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، استطاع ذلك الأديب الكبير المرحوم بإذن الله تعالى الأستاذ حبيب الصائغ من أن يتحمل مسئولية الأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. وبتحمله تلك المسئولية بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة إمارة أبوظبي أثبت للآخرين بأن الخليج العربي يتميز بثروات إنسانية، لا تقل غنى عن ثرواته النفطية التي يلهث خلفها الكثيرون متناسين تلك الثروة الروحية التي أبدعها كثيرون من أدباء الخليج العربي.
نسأل الله سبحانه أن يتقبل حبيب الصائغ ويسكنه فسيح الجنان، فلقد كان رحمه الله صائغا مبدعا بامتياز في أدبه.
---------------
هل لي عدم التوديع؟!
الأمين العام لأسرة الأدباء والكتاب د.فهد حسين
حينما كنت في نشوة الكتابة والقراءة باغتني أحد الأصدقاء ناقلا لي خبر وفاة الصديق الشاعر حبيب الصايغ، لا شك كان الذهول لسماع الخبر جمد كل تفكيري ولم أعرف حتى الرد عليه. وبعد تواصل مع عدد من الأدباء والكتاب في الإمارات وتحقق الخبر لي كبرت المباغتة لتأخذني سيرا تاريخيا بمعرفة هذا المبدع العروبي الذي عرفته في ثمانينيات القرن الماضي عبر مقالات وموضوعات ونصوص شعرية كان ينشرها آنذاك في الصحافة الإماراتية، وتعمقت العلاقة الإنسانية والثقافية والأدبية بعد اختياره أمينا عاما للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب خلفا للكاتب محمد سلماوي.
ومنذ توليه المنصب المهم والحساس عربيا وعالميا خطط لبناء استراتيجية للاتحاد محيطة بسياج اجتماعي كبير، واستطاع في فترته الأولى، والسنة الأولى للفترة الثانية أن يجعل الاتحاد وأعضاءه في تواصل مستمر عبر كل الوسائل الإلكترونية من جهة، وأن تكون دولة الإمارات المحطة الأولى للقاءات أعضاء الاتحاد العام كلما تعذر عقد هذا اللقاء أو ذاك الاجتماع دون السؤال عن المصروفات والاحتياجات المادية، كما كان بما يحمله من صفات إنسانية جمة قادرا على احتواء أي تباين أو اختلاف يحدث بين الأعضاء في الاتحاد العام، بل يسعى دائما لتحقيق كل الرغبات والطموحات التي تطرح هنا أو هناك طالما يدعم مسيرة الاتحاد الذي حاول أن يطور من لوائحه الداخلية وأنظمته.
وكان آخر ما دار بيني وبينه من حوار هاتفي موافقته على تصور قدمته إليه يسهم في تعضيد مسيرة الاتحاد العام. لقد كان شاعرا عروبيا بامتياز، ورئيسا لاتحاد الأدباء والكتاب جامعا قدر الإمكان كل التباينات في الرؤى، وأمينا عاما صادقا في عمله مضحيا بوقته وصحته، كل هذا في سبيل الثقافة والعروبة والأدب عبر الاتحاد العام. ستبقى في ذاكرة الثقافة العربية شاعرا وأديبا وأخا فقدته مباغتة ولكن هذا أمر الله. نم في رحاب جنة الخلد يا أبا سعود.
--------------
دخل ديوانه وأغفى
رئيس النشاط الثقافي بأسرة الأدباء والكتاب كريم رضي
حين صدر ديوان (هنا بار بني عبس .. الدعوة عامة) في عام ١٩٨٠ كنت بدولة الإمارات العربية المتحدة عاملا بشركة بترول ابوظبي الوطنية أدنوك. وكان عمري وقتها ٢٠ عاما. وفي شبابي أخذت كثيرا بهذا الديوان الجميل وخاصة بانه يمثل مرافعة إذا صح التعبير ضد القبيلة. وكنت أكرر دائما جملته (أيا عبل لا بد من ليلة للخيانة .. والفجر ليس له موعد .. تعالي نكون .. تعالي نعيد السرير إلى مجده ونخون .. تعالي نخون .. تعالي نخون). وفيما بعد سأحرص على متابعة هذا الشاعر في إصداراته الأدبية وأيضا في مجلته الأدببة (أوراق) ثم في كتاباته الصحفية.
رحم الله هذا الشاعر الفذ فقد كان متعدد الاشتغالات كثيرا في واحد. ومنذ تجربته الاولى مثل حبيب الصايغ هذا النسق الخليجي الصاعد الجديد ممثلا بقاسم حداد والكوكبة التي رافقته بحرينيا وخليجيا من مواليد نهاية الأربعينيات فالنصف الأول من الخمسينيات وهي المجموعة التي حفرت طريقها بالأزاميل في ثقافة صلبة لتؤسس وعيا ليس شعريا فقط ولكن حضاريا أيضا في وقت لم يكن فيه الأدب ذا وظيفة أدبية فقط، بل كان تعبيرا عن تخلق صوت جديد منحاز بقوة للمستقبل أدبيا وفكريا وسياسيا.
وكنا نحن شباب فترة الثمانينيات من القرن الماضي نقرا هذه التجارب الممتدة من البحرين الى السعودية فالكويت فالإمارات فعمان وكأننا نقرا جدارية شعرية ثورية واحدة. وأسارع إلى التنويه هنا، ليست ثورية بالمعنى المبتذل على رغم صخبها تلك الفترة، لكن بالمعني الرمزي للمصطلح أي ليست ثقافة الثورة بل ثورة الثقافة.
ويتميز هذا الجيل عموما بميزات أخرى غير الإبداع الأدبي وهي انخراط هذا الجيل في تجارب ثقافية وإعلامية، فالشاعر الراحل انخرط في الصحافة وفي الأنشطة السياسية وفي الأنشطة الثقافية المختلفة محليا وعربيا وهو ما نفتقده الآن في أجيالنا إلى حد كبير، حيث يتكرس الشاعر الآن فقط على نصه دون اشتباك كمثقف بواقعه اجتماعيا وسياسيا وثقافيا.
لقد كان حبيب الصايغ شاعرا ومثقفا حقيقيا وصاحب مواقف يذكرها له الكثير من الأدباء العرب من خلال إدارته للاتحاد العام والأدباء والكتاب العرب سواء قبل أم بعد رئاسته للاتحاد كأمين عام، وحيث كان له الدور في معالجة الخلافات التي تحدث سواء على مستوى الاتحاد العام بين بلد وآخر أو حتى على مستوى المنظمات الأدبية نفسها محليا بين أطرافها، حيث لعب حبيب الصائغ دور حكيم الحركة الأدبية العربية وغالبا لم يجد الاتحاد العام أفضل منه لهذه المهمات. لقد فقدت الساحة الأدبية في الإمارات وفي العالم العربي أديبا ومثقفا لامعا.
منقول عن:
جريدة الوطن
قدمت أسرة أدباء وكتاب البحرين، واجب العزاء لعائلة الشاعر والكاتب الإماراتي الراحل حبيب الصايغ، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، أمين عام الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
وأعرب وفد "الأسرة" إلى ابوظبي، والذي ضم كل من: نائب الرئيس للشئون المالية والإدارية الشاعر د.راشد نجم والأمين العام الناقد د.فهد حسين ورئيس النشاط الثقافي الشاعر كريم رضي، عن خالص تعازيها ومواساتها لعائلة الفقيد ولعموم الأدباء والمثقفين العرب، لوفاة الأديب الكبير والصحافي اللامع، الذي قضى عمره في مجالي الصحافة والثقافة.
من جهته قال رئيس أسرة الأدباء والكتاب الشاعر إبراهيم بو هندي: فقدنا برحيل الصايغ شاعرا وكاتبا مبدعا من أبرز الأدباء والمثقفين بالوطن العربي، فقدناه في قمة عطائه الأدبي الثقافي.
قامة إبداعية
كانت الأوساط الأدبية العربية، ودعت الثلاثاء 20 أغسطس الجاري، الشاعر والكاتب الإماراتي حبيب الصايغ.
وكتب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، في تغريدة عبر حسابه بموقع "تويتر": "فقدت الإمارات اليوم قامة أدبية وثقافية رفيعة. شكل عطاؤه رافدا إبداعيا مهما أثرى المشهدين الإماراتي والعربي بأعماله القيمة. رحم الله حبيب الصايغ صاحب القلم المبدع والمخلص لوطنه وأسكنه فسيح جناته. وخالص تعازينا ومواساتنا إلى أسرته".
فيما علق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عبر تغريدة على موقع "تويتر": "فقدت الإمارات اليوم أحد أعمدة الإعلام والصحافة والأدب. رحم الله حبيب الصايغ وأسكنه فسيح جنانه. وسيبقى عمله وشعره وكتاباته المحبة لوطنه خير إرث له. وستبقى الأوطان خير شاهد على أصحاب الأقلام. اللهم ألهم أهله وذويه الصبر والسلوان".
ووصف سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، في حسابه الرسمي على "تويتر"، الصايغ بأنه "قامة إماراتية وطنية عربية ترك أثرا كبيرا في تطور المشهد الإعلامي والأدبي الإماراتي، وخلف إرثا إبداعيا سيظل مصدر فخر واعتزاز ومدرسة للأجيال القادمة".
ونعى الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب أمينه العام حبيب الصايغ، في بيان جاء فيه: ببالغ الأسى والحزن، ينعي الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب؛ أمينه العام الشاعر والكاتب الصحفي الإماراتي الكبير حبيب الصايغ، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ومستشار دار الخليج ورئيس التحرير المسئول لجريدة الخليج الإماراتية، عن عمر يناهز الخامسة والستين.
وأكد بيان الاتحاد العام أن الرحيل المفاجئ للشاعر الكبير حبيب الصايغ يعد خسارة فادحة للعمل الثقافي العربي، الذي كان الراحل الكبير أهم وجوهه المشرفة، كونه شاعرا متميزا مثل الإمارات في العديد من المهرجانات العربية والدولية، وفاعلا ثقافيا شغل العديد من المناصب في الحقل الثقافي وترك بصمته في كل مكان تولاه، إضافة لكونه كاتبا صحفيا مهما، طالما سخر قلمه لخدمة القضايا القومية العربية، وعلى رأسها قضية فلسطين، القضية المركزية للعرب جميعا، وقد كان أحد أهم المناهضين للتطبيع مع العدو الصهيوني.
يتنفس شعرا
وعبر رؤساء اتحادات وروابط وأسر وجمعيات ومجالس الأدباء والكتاب العرب، الأعضاء في الاتحاد العام، عن فجيعتهم بفقد الشاعر الكبير حبيب الصايغ، الذي تولى الأمانة العامة منذ ديسمبر عام 2015، وشهد الاتحاد العام في عهده طفرة على المستويات جميعا، خاصة تجاه مناصرة القضية الفلسطينية، ومدينة القدس العربية، التي أقام الاتحاد العام مؤتمرا دوليا حول عروبتها في العام الماضي، شارك فيه حوالي مائة أديب ومثقف وباحث وأكاديمي ومسئول من مختلف الدول العربية.
وقال الشاعر الإماراتي محمد عبدالله نورالدين لـ "العين الإخبارية": ان حبيب الصايغ لم يقف عن الفعل الثقافي للحظة، فقد كان يتنفس شعرا ويؤمن برسالته ويحارب لأجلها بجرأة دون أي خوف أو تردد، فقد كان هاجسه الأكبر هو الثقافة العربية وكيف يستطيع نقلها إلى واجهة المشهد الثقافي الإنساني، وقد تمهد له أول الطريق مع تبوؤه منصب الأمين العام لاتحاد كتاب وأدباء العرب ليبدأ بتأسيس هذا الصرح بشكل مغاير من جديد.
واعتبرت الروائية الإماراتية تهاني الهاشمي، الصايغ أحد أهم رموز الصحافة والثقافة في الإمارات والوطن العربي الذين أعطوا للإبداع الإماراتي صيغة مؤسسية، فهو رجل وقف وراء تأسيس كيانات ومؤسسات وضعت على رأس همومها حاجات المبدع العربي وأولوياته.
وعلق الشاعر العماني سيف الرحبي بالقول: صدمني الخبر المفاجئ لرحيل الشاعر الصديق الحبيب الصايغ فلم أعرف أنه يعاني من مرض معين لأنني لم أره منذ زمن طويل. وكما يقول الشاعر زهير ابن أبي سلمى: رأَيت المنايا خبط عشواء من تصب/ تمته ومن تخطيء يعمر فيهرم. وكما يقول الكاتب البلجيكي جورج سيمنون: يموت الأصدقاء ويصيبني الدوار. عرفت الفقيد منذ فترة مبكرة، منذ تأسيس مجلة أوراق التي كنت أعمل معه فيها. تغمد الله الفقيد برحمته الواسعة، وعزائي لأخيه أحمد الصايغ، ولأولاده وعائلته وللشعر والثقافة.
رمز للحداثة
وأكد الناقد المصري د.صلاح فضل، أن الأدب الإماراتي فقد بموت الصايغ رمزا للحداثة الشعرية، فقد نجح في قطع شوط كبير للعبور نحو الحداثة، وقام بدور مهم في تعزير العلاقات الأدبية بين الإمارات ودول العالم عبر المؤسسات التي أدارها وعلى رأسها اتحاد الكتاب العرب.
ورأى الشاعر الفلسطيني مراد السوداني أن الصايغ يعد واحد من الأسماء ذات الثقل الإبداعي في المشهد الثقافي الإماراتي والعربي، قدم العديد من الاقتراحات الجمالية وأضاف لها رؤى وآفاقا تخصه فاستحق بجدارة أن يكون اسما دالا على حداثة الحركة الشعرية في الإمارات وفعلها الثقافي الناجز.
وقال الروائي اليمني علي المقري: ما إن يأتي إلى ذهني اسم حبيب الصايغ حتى أتذكر تجربته المهمة في الصحافة الثقافية، وبالذات مجلة (أوراق) المتميزة بإخراجها الأنيق خلال بداية ثمانينيات القرن الماضي، وما زلت أتذكر عناوين الأغلفة وأتساءل لماذا لم تستمر هذه المجلة رغم دورها الاستثنائي؟ إن الصايغ كان قريبا من الحياة الثقافية العربية وملما بشؤونها، ولهذا رحب كثيرون بعمله في أمانة اتحاد الكتاب العرب.
--------------
للفضاءات سياق
كان صائغا مبدعا بامتياز
رئيس أسرة الأدباء والكتاب إبراهيم بوهندي
رحل الصديق العزيز على قلوبنا حبيب الصائغ المبدع الإماراتي المستحق بكل ما توحيه الصفة من صفاء الروح في المحبة والجمال، رحل بعد أن غرس معنى اسمه في ذاكرة من عرفه على كل مستويات العلاقات الإنسانية بين الإنسان والآخر.
رحل حبيب الصائع بعد أن حقق لنا، نحن الأدباء في الخليج، شرف تمثيل جميع الأدباء العرب في العالم بعد أن تشرف بالفوز بمنصب "الأمين العام للأدباء والكتاب العرب " منذ عام 2015. رحل "أبوسعود" الشاعر حبيب الصائغ مخلفا وراءه ذلك الإرث الإبداعي الذي شغل به الكثير من النقاد والباحثين في الأدب على مستويات مختلفة وليس في الشعر وحده.
رحل حبيب مستقبلاً هدأة الروح وسكينتها في ملكوت محبة الخالق بعيدا عن كراهية المخلوقين وأحقادهم. رحل ذلك الصائغ الذي صاغ درر القول في مواقف عربية كثيرة، حيث لم يكن يمر عام في أيام ولايته كأمين عام للأدباء والكتاب العرب إلا وكان له فيه أكثر من مبادرة لتسجيل موقف عربي في سبيل القضايا العربية، وعلى وجه الخصوص منها، قضيتنا الكبرى "قضية فلسطين"، برعاية كريمة من دولة الإمارات العربية المتحدة في أبوظبي والشارقة على وجه الخصوص.
ولم تكن له تلك المواقف السياسية فقط، بل أذكر مواقفه الأدبية أيضا وعونه للكثير من الأدباء العرب على تحمل تكاليف نشر نتاجهم وترجمته، ضمن المشروع الثقافي الكبير لذلك المثقف العروبي الذي تبوأ منصب الحاكم فأضاف على الهيبة السياسية هيبة الكلمة ورهبتها في الأدب والثقافة بشكل عام، ذلك المثقف الحاكم الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الذي لم يكن يفوت مناسبة في لقاءات الأدباء والكتاب العرب عندما يكونون في رحاب دولة الإمارات العربية المتحدة إلا وأعطى المشاركين فيها فرصة الاجتماع به، في رحاب دارته التي تحتوى على الكثير من نتاج مشروعه الثقافي في إمارة الشارقة.
ومن المعروف أنه بعد سنين طويلة من الحضور الخليجي في عضوية الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، استطاع ذلك الأديب الكبير المرحوم بإذن الله تعالى الأستاذ حبيب الصائغ من أن يتحمل مسئولية الأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. وبتحمله تلك المسئولية بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة إمارة أبوظبي أثبت للآخرين بأن الخليج العربي يتميز بثروات إنسانية، لا تقل غنى عن ثرواته النفطية التي يلهث خلفها الكثيرون متناسين تلك الثروة الروحية التي أبدعها كثيرون من أدباء الخليج العربي.
نسأل الله سبحانه أن يتقبل حبيب الصائغ ويسكنه فسيح الجنان، فلقد كان رحمه الله صائغا مبدعا بامتياز في أدبه.
---------------
هل لي عدم التوديع؟!
الأمين العام لأسرة الأدباء والكتاب د.فهد حسين
حينما كنت في نشوة الكتابة والقراءة باغتني أحد الأصدقاء ناقلا لي خبر وفاة الصديق الشاعر حبيب الصايغ، لا شك كان الذهول لسماع الخبر جمد كل تفكيري ولم أعرف حتى الرد عليه. وبعد تواصل مع عدد من الأدباء والكتاب في الإمارات وتحقق الخبر لي كبرت المباغتة لتأخذني سيرا تاريخيا بمعرفة هذا المبدع العروبي الذي عرفته في ثمانينيات القرن الماضي عبر مقالات وموضوعات ونصوص شعرية كان ينشرها آنذاك في الصحافة الإماراتية، وتعمقت العلاقة الإنسانية والثقافية والأدبية بعد اختياره أمينا عاما للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب خلفا للكاتب محمد سلماوي.
ومنذ توليه المنصب المهم والحساس عربيا وعالميا خطط لبناء استراتيجية للاتحاد محيطة بسياج اجتماعي كبير، واستطاع في فترته الأولى، والسنة الأولى للفترة الثانية أن يجعل الاتحاد وأعضاءه في تواصل مستمر عبر كل الوسائل الإلكترونية من جهة، وأن تكون دولة الإمارات المحطة الأولى للقاءات أعضاء الاتحاد العام كلما تعذر عقد هذا اللقاء أو ذاك الاجتماع دون السؤال عن المصروفات والاحتياجات المادية، كما كان بما يحمله من صفات إنسانية جمة قادرا على احتواء أي تباين أو اختلاف يحدث بين الأعضاء في الاتحاد العام، بل يسعى دائما لتحقيق كل الرغبات والطموحات التي تطرح هنا أو هناك طالما يدعم مسيرة الاتحاد الذي حاول أن يطور من لوائحه الداخلية وأنظمته.
وكان آخر ما دار بيني وبينه من حوار هاتفي موافقته على تصور قدمته إليه يسهم في تعضيد مسيرة الاتحاد العام. لقد كان شاعرا عروبيا بامتياز، ورئيسا لاتحاد الأدباء والكتاب جامعا قدر الإمكان كل التباينات في الرؤى، وأمينا عاما صادقا في عمله مضحيا بوقته وصحته، كل هذا في سبيل الثقافة والعروبة والأدب عبر الاتحاد العام. ستبقى في ذاكرة الثقافة العربية شاعرا وأديبا وأخا فقدته مباغتة ولكن هذا أمر الله. نم في رحاب جنة الخلد يا أبا سعود.
--------------
دخل ديوانه وأغفى
رئيس النشاط الثقافي بأسرة الأدباء والكتاب كريم رضي
حين صدر ديوان (هنا بار بني عبس .. الدعوة عامة) في عام ١٩٨٠ كنت بدولة الإمارات العربية المتحدة عاملا بشركة بترول ابوظبي الوطنية أدنوك. وكان عمري وقتها ٢٠ عاما. وفي شبابي أخذت كثيرا بهذا الديوان الجميل وخاصة بانه يمثل مرافعة إذا صح التعبير ضد القبيلة. وكنت أكرر دائما جملته (أيا عبل لا بد من ليلة للخيانة .. والفجر ليس له موعد .. تعالي نكون .. تعالي نعيد السرير إلى مجده ونخون .. تعالي نخون .. تعالي نخون). وفيما بعد سأحرص على متابعة هذا الشاعر في إصداراته الأدبية وأيضا في مجلته الأدببة (أوراق) ثم في كتاباته الصحفية.
رحم الله هذا الشاعر الفذ فقد كان متعدد الاشتغالات كثيرا في واحد. ومنذ تجربته الاولى مثل حبيب الصايغ هذا النسق الخليجي الصاعد الجديد ممثلا بقاسم حداد والكوكبة التي رافقته بحرينيا وخليجيا من مواليد نهاية الأربعينيات فالنصف الأول من الخمسينيات وهي المجموعة التي حفرت طريقها بالأزاميل في ثقافة صلبة لتؤسس وعيا ليس شعريا فقط ولكن حضاريا أيضا في وقت لم يكن فيه الأدب ذا وظيفة أدبية فقط، بل كان تعبيرا عن تخلق صوت جديد منحاز بقوة للمستقبل أدبيا وفكريا وسياسيا.
وكنا نحن شباب فترة الثمانينيات من القرن الماضي نقرا هذه التجارب الممتدة من البحرين الى السعودية فالكويت فالإمارات فعمان وكأننا نقرا جدارية شعرية ثورية واحدة. وأسارع إلى التنويه هنا، ليست ثورية بالمعنى المبتذل على رغم صخبها تلك الفترة، لكن بالمعني الرمزي للمصطلح أي ليست ثقافة الثورة بل ثورة الثقافة.
ويتميز هذا الجيل عموما بميزات أخرى غير الإبداع الأدبي وهي انخراط هذا الجيل في تجارب ثقافية وإعلامية، فالشاعر الراحل انخرط في الصحافة وفي الأنشطة السياسية وفي الأنشطة الثقافية المختلفة محليا وعربيا وهو ما نفتقده الآن في أجيالنا إلى حد كبير، حيث يتكرس الشاعر الآن فقط على نصه دون اشتباك كمثقف بواقعه اجتماعيا وسياسيا وثقافيا.
لقد كان حبيب الصايغ شاعرا ومثقفا حقيقيا وصاحب مواقف يذكرها له الكثير من الأدباء العرب من خلال إدارته للاتحاد العام والأدباء والكتاب العرب سواء قبل أم بعد رئاسته للاتحاد كأمين عام، وحيث كان له الدور في معالجة الخلافات التي تحدث سواء على مستوى الاتحاد العام بين بلد وآخر أو حتى على مستوى المنظمات الأدبية نفسها محليا بين أطرافها، حيث لعب حبيب الصائغ دور حكيم الحركة الأدبية العربية وغالبا لم يجد الاتحاد العام أفضل منه لهذه المهمات. لقد فقدت الساحة الأدبية في الإمارات وفي العالم العربي أديبا ومثقفا لامعا.
منقول عن:
جريدة الوطن