حوار – جعفر الديري
لا تخلو الصورة من تشوهات عدة ومن زوايا معتمة لم تصلها إضاءة ما على امتداد أفقها المسرحي الطويل. وكأن هذا المسرح قدر له أن يرجع الى أولى خطواته ليعيد الحفر وشق الآبار للخروج الى ضوء النهار.
وليس أدل على ذلك من تلك الهموم والوساوس التي سيطرت من قبل على المسرحيين وها هي اليوم تقلق الجيل الجديد منهم وتقض مضاجعهم. لأن بصيصاً من الضوء لم يلح بعد ولأنهم أي المسرحيين ملوا وقوفهم أمام أبواب الجهات الرسمية وشمس الظهيرة - تكاليف الحياة وصعوبتها - تلفحهم بنارها. إذا ليس بالغريب أن تكون اجاباتهم معبرة عن كل هذا الألم وعن الرغبة العارمة في الانطلاق من هذا الأسر وانقاذ ما يمكن انقاذه. ولقاء مع الفنان والمسرحي البحريني محمد الصفار قادر على القسوة عليك بناره وشجونه لأنه لا يعبر فقط عن مسرحي شاب أصبح الفن مناط حياته وانما هو حديث عن جيل بأكمله لا يزال يطرق الأبواب بحثا عن بصيص ضوء... نفرد هنا اللقاء:
* ما رأيك بمن يصف البحث عن نص جيد بالتنقيب عن قطعة أثرية؟
- أتفق تماماً مع تعبير التنقيب عن قطعة أثرية، في الواقع هناك قلة في النصوص المسرحية البحرينية، وقلة أكبر في التعرض لها والكشف عن مكامن الابداع فيها. إن الحديث عن نص متميز، أو نص قابل للعمل - بحسب الظروف والشروط والمعطيات هو المشكلة الأكبر. أي أننا لو تحدثنا عن نص لشكسبير مثلاً، ونصوصه متوافرة بكثرة، فحسب واقع العمل المسرحي في البحرين لن نستطيع العمل عليه. في حقيقة الأمر، المشكلة ليست في النص، بل في واقع الحركة المسرحية، وفي أثر هذا الواقع، حدث انحسار وتوقف من كتاب النصوص البحرينيين.
جماعة محدودة
* وهل تشعر أن جيلك من الفنانين الشباب قادر على أن يصبح قطعة في جسد الابداع المسرحي؟
- التعامل ظاهري عادة إلا فيمن رحم ربي، وهم قلة، فالتعامل الجاد والتشريحي للنص لا يخرج عن جماعة قليلة ربما لا تفوق أصابع اليد. وهناك أسباب كثيرة تجعلهم غير قادرين على العناية بالنص أو العناية بالشخصية وابتكارها.
فراغ هائل
* والناس، ألا تشعر أن هناك فجوة تحجز المسرح عنهم، ألا تشعر أن المسرح أصبح بمثابة فراغ هائل؟
- المسرح البحريني ذو اتجاهات مختلفة، فهناك التقليدي، وهناك الجماهيري - وهو تقليدي في منهجه - وهناك التجريبي، وهناك التجاري. ولكل مسرح جمهوره الخاص به، وكل مسرح يطرح الهم الإنساني بطريقته. ليست المسألة في ما يطرح، ولكن أين وبأي إمكان يمكنه أن يطرح. ربما نريد أن نتحدث عن الفقر والبطالة، فهل يمكن التطرق بسهولة ووضع الإصبع على نقطة الانطلاق؟ تلفزيونياً مثلاً، كم مرة أرجعت بعض الانحرافات في المسلسلات إلى الفقر، لكن لم يطرح أبداً سبب الفقر. لم يتحدث أحد عن أزمة الاسكان، عن غلاء المعيشة، عن عن عن ... لا تلفزيونياً ولا مسرحياً. ليس المسرح من يبتعد عن الجمهور، ولا يجوز أن ندعي ذلك، فالمسرح أساس انطلاقه هو الجمهور والتجربة الإنسانية.
عراقيل جمة
* هناك مقولة لـ «تشيكوف» تصف النقد بالرجل الذي يطعن فرساً اختبارا لقوته من دون أن يعنى بجراحه، فهل هذا النقد مؤلم لفرس الابداع المسرحي - ان صح التعبير- في البحرين؟
- هذا النقد لا يؤلم المسرح بقدر ما يكون سندا له في دفاعه عن حقوقه، فلو أننا أردنا تقديم مسرحية بأسلوب مسرح الشارع، فلسوف تكون هناك جملة من العراقيل. لو أننا أردنا أن نعرض مسرحية في عين أم السجور مثلاً، لك أن تتخيل حجم الأسئلة، لذلك كله فإن أي قصور في المسرح البحريني هو بسبب سوء التعامل مع الفنان البحريني في جانبه الثقافي والتوعوي والفني.
الفنان محمد الصفار
عضو مسرح الصواري منذ العام 1993، شارك في الكثير من المسرحيات المحلية والخارجية: مسرحية المهموم .. مهرجان الجامعات العالمي، الظلمة .. مهرجان الفرق المستقلة، القربان .. مهرجان القاهرة التجريبي، الطفل البريء، الليلة العلمية، ضوء - ظل، إيفا، يوم نموذجي، عذاري. حاصل على الكثير من الجوائز: جائزة التمثيل، دور الأب، مسرحية يوم نموذجي، مسابقة إدارة الثقافة.أفضل ممثل، دور الزوج، مسرحية طال الأمر، مسابقة إدارة الثقافة.
صحيفة الوسط البحرينية
العدد : 802 | الثلثاء 16 نوفمبر 2004م الموافق 25 ذي الحجة 1438هـ
لا تخلو الصورة من تشوهات عدة ومن زوايا معتمة لم تصلها إضاءة ما على امتداد أفقها المسرحي الطويل. وكأن هذا المسرح قدر له أن يرجع الى أولى خطواته ليعيد الحفر وشق الآبار للخروج الى ضوء النهار.
وليس أدل على ذلك من تلك الهموم والوساوس التي سيطرت من قبل على المسرحيين وها هي اليوم تقلق الجيل الجديد منهم وتقض مضاجعهم. لأن بصيصاً من الضوء لم يلح بعد ولأنهم أي المسرحيين ملوا وقوفهم أمام أبواب الجهات الرسمية وشمس الظهيرة - تكاليف الحياة وصعوبتها - تلفحهم بنارها. إذا ليس بالغريب أن تكون اجاباتهم معبرة عن كل هذا الألم وعن الرغبة العارمة في الانطلاق من هذا الأسر وانقاذ ما يمكن انقاذه. ولقاء مع الفنان والمسرحي البحريني محمد الصفار قادر على القسوة عليك بناره وشجونه لأنه لا يعبر فقط عن مسرحي شاب أصبح الفن مناط حياته وانما هو حديث عن جيل بأكمله لا يزال يطرق الأبواب بحثا عن بصيص ضوء... نفرد هنا اللقاء:
* ما رأيك بمن يصف البحث عن نص جيد بالتنقيب عن قطعة أثرية؟
- أتفق تماماً مع تعبير التنقيب عن قطعة أثرية، في الواقع هناك قلة في النصوص المسرحية البحرينية، وقلة أكبر في التعرض لها والكشف عن مكامن الابداع فيها. إن الحديث عن نص متميز، أو نص قابل للعمل - بحسب الظروف والشروط والمعطيات هو المشكلة الأكبر. أي أننا لو تحدثنا عن نص لشكسبير مثلاً، ونصوصه متوافرة بكثرة، فحسب واقع العمل المسرحي في البحرين لن نستطيع العمل عليه. في حقيقة الأمر، المشكلة ليست في النص، بل في واقع الحركة المسرحية، وفي أثر هذا الواقع، حدث انحسار وتوقف من كتاب النصوص البحرينيين.
جماعة محدودة
* وهل تشعر أن جيلك من الفنانين الشباب قادر على أن يصبح قطعة في جسد الابداع المسرحي؟
- التعامل ظاهري عادة إلا فيمن رحم ربي، وهم قلة، فالتعامل الجاد والتشريحي للنص لا يخرج عن جماعة قليلة ربما لا تفوق أصابع اليد. وهناك أسباب كثيرة تجعلهم غير قادرين على العناية بالنص أو العناية بالشخصية وابتكارها.
فراغ هائل
* والناس، ألا تشعر أن هناك فجوة تحجز المسرح عنهم، ألا تشعر أن المسرح أصبح بمثابة فراغ هائل؟
- المسرح البحريني ذو اتجاهات مختلفة، فهناك التقليدي، وهناك الجماهيري - وهو تقليدي في منهجه - وهناك التجريبي، وهناك التجاري. ولكل مسرح جمهوره الخاص به، وكل مسرح يطرح الهم الإنساني بطريقته. ليست المسألة في ما يطرح، ولكن أين وبأي إمكان يمكنه أن يطرح. ربما نريد أن نتحدث عن الفقر والبطالة، فهل يمكن التطرق بسهولة ووضع الإصبع على نقطة الانطلاق؟ تلفزيونياً مثلاً، كم مرة أرجعت بعض الانحرافات في المسلسلات إلى الفقر، لكن لم يطرح أبداً سبب الفقر. لم يتحدث أحد عن أزمة الاسكان، عن غلاء المعيشة، عن عن عن ... لا تلفزيونياً ولا مسرحياً. ليس المسرح من يبتعد عن الجمهور، ولا يجوز أن ندعي ذلك، فالمسرح أساس انطلاقه هو الجمهور والتجربة الإنسانية.
عراقيل جمة
* هناك مقولة لـ «تشيكوف» تصف النقد بالرجل الذي يطعن فرساً اختبارا لقوته من دون أن يعنى بجراحه، فهل هذا النقد مؤلم لفرس الابداع المسرحي - ان صح التعبير- في البحرين؟
- هذا النقد لا يؤلم المسرح بقدر ما يكون سندا له في دفاعه عن حقوقه، فلو أننا أردنا تقديم مسرحية بأسلوب مسرح الشارع، فلسوف تكون هناك جملة من العراقيل. لو أننا أردنا أن نعرض مسرحية في عين أم السجور مثلاً، لك أن تتخيل حجم الأسئلة، لذلك كله فإن أي قصور في المسرح البحريني هو بسبب سوء التعامل مع الفنان البحريني في جانبه الثقافي والتوعوي والفني.
الفنان محمد الصفار
عضو مسرح الصواري منذ العام 1993، شارك في الكثير من المسرحيات المحلية والخارجية: مسرحية المهموم .. مهرجان الجامعات العالمي، الظلمة .. مهرجان الفرق المستقلة، القربان .. مهرجان القاهرة التجريبي، الطفل البريء، الليلة العلمية، ضوء - ظل، إيفا، يوم نموذجي، عذاري. حاصل على الكثير من الجوائز: جائزة التمثيل، دور الأب، مسرحية يوم نموذجي، مسابقة إدارة الثقافة.أفضل ممثل، دور الزوج، مسرحية طال الأمر، مسابقة إدارة الثقافة.
صحيفة الوسط البحرينية
العدد : 802 | الثلثاء 16 نوفمبر 2004م الموافق 25 ذي الحجة 1438هـ