والآن هناك غياب فادح لنموذج مناسب يصلح لمواصلة النضال من أجل مجتمع اشتراكي بعد سقوط واقع ونظرية المنظومة الاشتراكية, أما بقاياها التي لاتزال قائمة فقد تحول بعضها نحو حلول تعتمد علي السوق اقتصاديا, ويعاني بعضها الآخر من فشل وانعزال وليس أملا لأحد. ويسلم أصدقاء الاشتراكية مع أعدائها بأنها في قلب أزمة.
ويواجه اليسار اليوم عالما تحكمه الرأسمالية حكما طويل الأمد لم تتحقق فيه أي وعود اشتراكية. إن جنازة اليسار وحراسة قبره والسخرية من ميراثه تحولت إلي مشروع تجاري ضخم لغسيل مخ العاملين والوطنيين في جميع بلاد العالم لتكييفهم علي السيطرة الشمولية للشركات عابرة القوميات. وكان نمط حياة اليسار دائما هو الأزمة, أي أن الصراع الفكري ينشأ غالبا عن التناقض بين نظرياته العامة وأفكاره بعد أن تصبح قوة مادية حينما تعتنقها جماهير محددة في زمن محدد. وستظل الأزمة مستمرة, فهي كثيرا ما كانت أزمة نضج ونمو.
ويبدو الوضع الراهن للأمور عند كثيرين غير قابل للتغير من ناحية الجوهر وكأنه لا يوجد بديل للرأسمالية. فهي نظام يصفه مفكروه بأنه طبيعي متفق مع الطبيعة البشرية صالح إلي الأبد يستحيل تغييره, وقد كانت بوادره وأشكاله التجارية المبكرة موجودة في الماضي. فأزلية الرأسمالية وأبديتها هما الإطار العقلاني المزعوم للعالم الواقعي الذي لا يمكن تغييره ناشئ عن الطبيعة البشرية وطبيعة الاقتصاد الاجتماعي والعقلانية. فالرأسمالية صالحة لكل زمان ومكان وكأنها مسجلة في اللوح المحفوظ أو مشروع اقتصادي دعت له الأديان بعد قليل من الإصلاح بالأعمال الخيرية وأعمال البر والإحسان. والآن لا يوجد في أذهان الجماهير أي مثال منجز بديل للرأسمالية أي إشارة حية إلي مرجع قائم للاشتراكية مثلا يجعل لدعوات اليسار إلي بديل للرأسمالية مصداقية التطبيق العملي. فالاتحاد السوفييتي ومنظومته الآفلة سابقا والصين وكوريا الشمالية وفيتنام وكوبا حاليا لا يصلح أي منها نموذجا موحدا مقبولا لاشتراكية يسعي إليها اليسار وتكافح حركة الطبقة العاملة في البلاد الرأسمالية المتقدمة مثلا من أجل أن تحتذيه.
وقد انفصلت الأنظمة المسماة اشتراكية زمنأ طويلا عن الديمقراطية وتفاقمت طرقها الأوامرية البيروقراطية في الإدارة وتغريب الشعب العامل عن السلطة ونبذ المعايير السليمة داخل الحزب السلطوي والممارسة القسرية للطاعة وكبت المبادرات الشعبية وانعدام الرقابة, والفساد والرشوة والخروج علي ما يعتقد أنه جوهر اشتراكية كافح من أجلها اليساريون في الحركة العمالية والجماهيرية وتشويه هذا الجوهر في الأشكال المحدودة تاريخيا لادعاء تحقيقها. ويذهب يساريون إلي أن هذه الأنظمة لم تكن اشتراكية بل رأسمالية دولة أو ذات سلطة عمالية متدهورة بيروقراطيا تحكمها طبقة جديدة, أي نخبة نشأت ورسخت نفسها.
وفي مصر شارك عمال القطاعين الخاص والعام في الحركات الاحتجاجية قبل وبعد25 يناير وقاد النقابيون اليساريون إضرابات موظفي الضرائب العقارية التي أحدثت تغييرا في الحركة العمالية بانتزاعها أول نقابة مستقلة. وقد أعقبتها نقابة أصحاب المعاشات ثم نقابة الفنيين الصحيين قبل25 يناير. وكان عمال مصر قوة أساسية في الثورة وكذلك قام الفلاحون بما يبلغ91 اعتصاما و75 مظاهرة في عام.2010 ولكن كما يقول إلهامي الميرغني- لم يوجد تنظيم سياسي ثوري قادر علي دعم الاحتجاجات وتضفيرها في تيار اجتماعي عام ضد الاستغلال الرأسمالي في المجالات كلها, كما أن جوهر الأزمة كان في غياب النقابات العمالية والمهنية المستقلة وتبعيتها للأجهزة الأمنية وتأييدها للخصخصة وغياب الاتحادات الطلابية المستقلة والجمعيات الأهلية وتصفية الحركة التعاونية لصالح حرية السوق وصعود الاحتكارات المدعمة برءوس الأموال الخليجية وغزو الشركات الدولية للتقاوي والأسمدة والمبيدات, فالأزمة ماثلة في غياب نقابات وأحزاب ثورية توجه موازين القوي الواقعية لمصلحة الشعب وعدم اكتمال بناء التنظيمات المستقلة للعمال والفلاحين والطبقات الشعبية, وافتقاد الأحزاب الديمقراطية واليسارية الجديدة للقاعدة الجماهيرية فهي حديثة عهد.
ويواصل اليسار المطالبة بألا تقل الحقوق في الدستور القادم عن نصوص الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها مصر في الحقوق السياسية والمدنية وفي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بدءا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وحتي اتفاقية حقوق الطفل والمرأة وحقوق المعاقين ومطالبة الإسلام السياسي بالتزام نصوص هذه الاتفاقيات وألا يقتصر الالتزام علي اتفاقية السلام مع إسرائيل. كما أن الفكرة المنتشرة عن التوافق لا تجد ترحيبا لدي قوي اليسار فهي تستبعد أيه صراعات جادة بين المصالح الشعبية والشرائح الوسطي من جهة وبين مصالح المليونيرات من جهة أخري, كما أن هذه الفكرة لا تعتبر الثورة مرحلة انتقال طويلة تحسم بالصراع السياسي بين القوي القديمة المتراجعة والجديدة التي في طريقها للانتصار دون الوقوف عند الأهداف التي تتميز بتوافق عام لأنها أقل من الحد الأدني. وبديل الرأسمالية عند اليسار نمط اشتراكي للسيطرة الاقتصادية خلال الإدارة الذاتية للمنتجين المتشاركين, منتجي اليد والذهن وسلطة شعبية سياسية.
وقد تم الإعلان عن تكوين أربعة أحزاب اشتراكية في مصر: الحزب الاشتراكي المصري والحزب الشيوعي المصري ووحزب العمال الديمقراطي وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي الذي وافقت لجنة الأحزاب علي تأسيسه. أما الثلاثة الباقية فهي في طريقها لاستكمال إجراءات التأسيس. ومشاريع البرامج الأربعة ذات أساس مشترك ضخم, أما الخلافات بينها فهي من النوع الذي يمكن أن يوجد داخل حزب واحد. فهل هذا تشرذم مأزوم أم يكفي لحله اتفاق علي العمل المشترك والتنسيق النضالي؟
إن اليسار قد عاش عبر الأزمة زمنأ طويلا وكان نمط حياته هو الأزمة التي سبق القول إنها كثيرا ما كانت أزمة نضج ونمو وصراع فكري بين أجنحته. ونشهد الآن حركة جماهيرية مطلبية متعاظمة لليسار ونضالا ضد العولمة والأمركة والتغول الاستغلالي لما لا يزيد علي قلة ضئيلة العدد من الأثرياء. ولا يبحث اليسار عن نظام اقتصادي وسياسي يقوم علي أسس فكرية يقينية قطعية جاهزة تصلح لكل زمان ومكان, بل عن أداة لاكتشاف الواقع الراهن وتفسيره من أجل تغييره بواسطة الجماهير الشعبية.
ويواجه اليسار اليوم عالما تحكمه الرأسمالية حكما طويل الأمد لم تتحقق فيه أي وعود اشتراكية. إن جنازة اليسار وحراسة قبره والسخرية من ميراثه تحولت إلي مشروع تجاري ضخم لغسيل مخ العاملين والوطنيين في جميع بلاد العالم لتكييفهم علي السيطرة الشمولية للشركات عابرة القوميات. وكان نمط حياة اليسار دائما هو الأزمة, أي أن الصراع الفكري ينشأ غالبا عن التناقض بين نظرياته العامة وأفكاره بعد أن تصبح قوة مادية حينما تعتنقها جماهير محددة في زمن محدد. وستظل الأزمة مستمرة, فهي كثيرا ما كانت أزمة نضج ونمو.
ويبدو الوضع الراهن للأمور عند كثيرين غير قابل للتغير من ناحية الجوهر وكأنه لا يوجد بديل للرأسمالية. فهي نظام يصفه مفكروه بأنه طبيعي متفق مع الطبيعة البشرية صالح إلي الأبد يستحيل تغييره, وقد كانت بوادره وأشكاله التجارية المبكرة موجودة في الماضي. فأزلية الرأسمالية وأبديتها هما الإطار العقلاني المزعوم للعالم الواقعي الذي لا يمكن تغييره ناشئ عن الطبيعة البشرية وطبيعة الاقتصاد الاجتماعي والعقلانية. فالرأسمالية صالحة لكل زمان ومكان وكأنها مسجلة في اللوح المحفوظ أو مشروع اقتصادي دعت له الأديان بعد قليل من الإصلاح بالأعمال الخيرية وأعمال البر والإحسان. والآن لا يوجد في أذهان الجماهير أي مثال منجز بديل للرأسمالية أي إشارة حية إلي مرجع قائم للاشتراكية مثلا يجعل لدعوات اليسار إلي بديل للرأسمالية مصداقية التطبيق العملي. فالاتحاد السوفييتي ومنظومته الآفلة سابقا والصين وكوريا الشمالية وفيتنام وكوبا حاليا لا يصلح أي منها نموذجا موحدا مقبولا لاشتراكية يسعي إليها اليسار وتكافح حركة الطبقة العاملة في البلاد الرأسمالية المتقدمة مثلا من أجل أن تحتذيه.
وقد انفصلت الأنظمة المسماة اشتراكية زمنأ طويلا عن الديمقراطية وتفاقمت طرقها الأوامرية البيروقراطية في الإدارة وتغريب الشعب العامل عن السلطة ونبذ المعايير السليمة داخل الحزب السلطوي والممارسة القسرية للطاعة وكبت المبادرات الشعبية وانعدام الرقابة, والفساد والرشوة والخروج علي ما يعتقد أنه جوهر اشتراكية كافح من أجلها اليساريون في الحركة العمالية والجماهيرية وتشويه هذا الجوهر في الأشكال المحدودة تاريخيا لادعاء تحقيقها. ويذهب يساريون إلي أن هذه الأنظمة لم تكن اشتراكية بل رأسمالية دولة أو ذات سلطة عمالية متدهورة بيروقراطيا تحكمها طبقة جديدة, أي نخبة نشأت ورسخت نفسها.
وفي مصر شارك عمال القطاعين الخاص والعام في الحركات الاحتجاجية قبل وبعد25 يناير وقاد النقابيون اليساريون إضرابات موظفي الضرائب العقارية التي أحدثت تغييرا في الحركة العمالية بانتزاعها أول نقابة مستقلة. وقد أعقبتها نقابة أصحاب المعاشات ثم نقابة الفنيين الصحيين قبل25 يناير. وكان عمال مصر قوة أساسية في الثورة وكذلك قام الفلاحون بما يبلغ91 اعتصاما و75 مظاهرة في عام.2010 ولكن كما يقول إلهامي الميرغني- لم يوجد تنظيم سياسي ثوري قادر علي دعم الاحتجاجات وتضفيرها في تيار اجتماعي عام ضد الاستغلال الرأسمالي في المجالات كلها, كما أن جوهر الأزمة كان في غياب النقابات العمالية والمهنية المستقلة وتبعيتها للأجهزة الأمنية وتأييدها للخصخصة وغياب الاتحادات الطلابية المستقلة والجمعيات الأهلية وتصفية الحركة التعاونية لصالح حرية السوق وصعود الاحتكارات المدعمة برءوس الأموال الخليجية وغزو الشركات الدولية للتقاوي والأسمدة والمبيدات, فالأزمة ماثلة في غياب نقابات وأحزاب ثورية توجه موازين القوي الواقعية لمصلحة الشعب وعدم اكتمال بناء التنظيمات المستقلة للعمال والفلاحين والطبقات الشعبية, وافتقاد الأحزاب الديمقراطية واليسارية الجديدة للقاعدة الجماهيرية فهي حديثة عهد.
ويواصل اليسار المطالبة بألا تقل الحقوق في الدستور القادم عن نصوص الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها مصر في الحقوق السياسية والمدنية وفي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بدءا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وحتي اتفاقية حقوق الطفل والمرأة وحقوق المعاقين ومطالبة الإسلام السياسي بالتزام نصوص هذه الاتفاقيات وألا يقتصر الالتزام علي اتفاقية السلام مع إسرائيل. كما أن الفكرة المنتشرة عن التوافق لا تجد ترحيبا لدي قوي اليسار فهي تستبعد أيه صراعات جادة بين المصالح الشعبية والشرائح الوسطي من جهة وبين مصالح المليونيرات من جهة أخري, كما أن هذه الفكرة لا تعتبر الثورة مرحلة انتقال طويلة تحسم بالصراع السياسي بين القوي القديمة المتراجعة والجديدة التي في طريقها للانتصار دون الوقوف عند الأهداف التي تتميز بتوافق عام لأنها أقل من الحد الأدني. وبديل الرأسمالية عند اليسار نمط اشتراكي للسيطرة الاقتصادية خلال الإدارة الذاتية للمنتجين المتشاركين, منتجي اليد والذهن وسلطة شعبية سياسية.
وقد تم الإعلان عن تكوين أربعة أحزاب اشتراكية في مصر: الحزب الاشتراكي المصري والحزب الشيوعي المصري ووحزب العمال الديمقراطي وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي الذي وافقت لجنة الأحزاب علي تأسيسه. أما الثلاثة الباقية فهي في طريقها لاستكمال إجراءات التأسيس. ومشاريع البرامج الأربعة ذات أساس مشترك ضخم, أما الخلافات بينها فهي من النوع الذي يمكن أن يوجد داخل حزب واحد. فهل هذا تشرذم مأزوم أم يكفي لحله اتفاق علي العمل المشترك والتنسيق النضالي؟
إن اليسار قد عاش عبر الأزمة زمنأ طويلا وكان نمط حياته هو الأزمة التي سبق القول إنها كثيرا ما كانت أزمة نضج ونمو وصراع فكري بين أجنحته. ونشهد الآن حركة جماهيرية مطلبية متعاظمة لليسار ونضالا ضد العولمة والأمركة والتغول الاستغلالي لما لا يزيد علي قلة ضئيلة العدد من الأثرياء. ولا يبحث اليسار عن نظام اقتصادي وسياسي يقوم علي أسس فكرية يقينية قطعية جاهزة تصلح لكل زمان ومكان, بل عن أداة لاكتشاف الواقع الراهن وتفسيره من أجل تغييره بواسطة الجماهير الشعبية.