عن أزمة الكتاب والنشر والتوزيع :
بعد حديث دار بيني وبين أحد أصحاب الأكشاك المعروفة في قلب الدار البيضاء مؤخراً ، عبر فيه عن ركود بيع الكتب والمجلات ، ومنها حتى تلك الكتب الزهيدة الثمن المدعمة من لدن البلاد العربية التي تصدرها ، تذكرت تجربة عشتها بالملموس مع أزمة كساد الكتاب ومصاعب ترويجه وتوزيعه . وذكرني هذا الحديث بتدوينة كنت قد كتبتها حول الموضوع وددت أن أعيد نشرها هنا ، فالحال لم يزد إلا سوءاً للأسف رغم محاولات بعض الجمعيات والهيئات المدنية وجهودهم الملموسة في التشجيع على القراءة ونشر الوعي بأهمية الكتاب الورقي ، وغير ذلك من المحاولات الدائبة الصادقة ..
التدوينة :
عن تجربتي الخاصة مع أزمة الكتاب التي زادت تفاقماً في السنوات الأخيرة. يتعلق الأمر بأول تجربة لي في عالم النشر . وما سأرويه لكم بقدر ما هو ذاتي خاص ، فهو أيضا موضوعي عام لأنه يهم الكثيرين ممن ما زالوا يؤمنون بدور الكلمة الهادفة الباقية ما بقي الإنسان على وجه هذه البسيطة ، وأنا مهما كان الأمر منهم .
لقد طبعت سنة 2007 كتاباً حول الرواية العربية يضم مجموعة من الدراسات حول أعمال روائيين من عدة أقطار عربية بعنوان : " لعبة الخيال والواقع في الرواية العربية " . ولقلة تجربتي ، طبعت من الكتاب ألفي نسخة ( 2000) على نفقتي الخاصة ، تكلفت إحدى دور التوزيع بتوزيعه على معظم المدن المغربية مقابل نسبة مئوية معينة. وبعد أكثر من ستة أشهر لم يبع من نسخ الكتاب سوى حوالي أربعمائة نسخة ( 400 ) . وعندما توصلت بالمرجوعات ، ألفيت أغلبها أصابها التلف ، وحال لونها ، لأنها تباع بالأكشاك وليس بالمكتبات. فحاولت القيام بالتوزيع بنفسي ، مستعيناً ببعض الأقارب والأصدقاء المهتمين ، بل إنني عمدت إلى إهداء أعداد وفيرة من نسخ الكتاب إلى بعض الأصدقاء والمعارف هادفاً من وراء ذلك إلى أن يجد الكتاب طريقه إلى أكبر عدد من القراء. وأثناء عملية الإهداء وبعدها ، لجأت إلى توزيع نسخ أخرى على بعض المؤسسات التعليمية ، لعل وعسى أن ينتفع بها بعض التلاميذ الذين ما زالوا يعتبرون الكتاب وسيلة لا يستهان بها للمعرفة والإمتاع والمؤانسة. وقد خفف من معاناتي ، شعوري بأن الخزانة المدرسية ـ رغم علمي بعدم تفعيلها كما ينبغي ـ ربما يحظى فيها الكتاب بقراء مفترضين رغم قلتهم.
وهنا أدركت سبب عزوف بعض أساتذتنا المرموقين عن نشر كتبهم ، لأنهم ربما كانوا يخشون ـ وهم ذوو نفوس أبية ـ أن يقعوا في مثل هذه المواقف. فكانوا يكتفون بإلقاء محاضراتهم القيمة معرفياً ومنهجياً. والحقيقة أن ما كان يفوه به أولئك الأساتذة في تلك المحاضرات يشكل وحده ـ لو سجلوه ودونوه ـ كتباً ومجلدات. وأود أن أذكر هنا بكل احترام وتقدير وإكبار وتبجيل الأساتذة : أحمد اليبوري والدكتور أمجد الطرابلسي والدكتور أحمد الإدريسي والشاعر أحمد المجاطي ( المعداوي ). وما نشره بعض هؤلاء الأساتذة في السنوات الأخيرة ، كان تحت إلحاح شديد من لدن تلامذتهم أومن قبل بعض دور النشر المغربية التي حاولت أن تجرب التعامل مع الكتاب الثقافي إلى جانب الكتاب المدرسي. وقد أحسنت صنعاً ، وإلا لما حظينا ـ مثلاً ـ بالكتابات النقدية العميقة للأستاذ أحمد اليبوري منشورة في كتب. أما الأستاذ أحمد الإدريسي اللساني المشهود له بنبوغه مشرقاً ومغرباً في مجال اللغويات ، فقد ظلت رسالتاه الأكاديميتان: دبلوم الدراسات العليا والدكتوراه طي النسيان. وقد كان الرجل زاهداً في نشرهما ربما لأنه لم يرد الزج بنفسه في سوق كاسدة ، وهو يعي جيدًا الوضعية البئيسة التي يعرفها الكتاب والقراءة في بلادنا.
إنها حقاً ظاهرة مؤسفة ، وأمر يندى له الجبين. ولكن رغم دواعي اليأس والإحباط ، مازالت المطابع ودور النشر تفاجئنا بإصدارات جديدة في مختلف مجالات المعرفة والإبداع. فما زال القلم يقاوم رغم كل المعوقات والتحديات.
هذه تجربتي ، وإن كانت لا تخلو من دواعي الإحباط ، فعلى الأقل تمكنت ـ كما ذكرت أعلاه بعدة وسائل ـ أن أوصل الكتاب إلى عدد من القراء في مدن مغربية متعددة وإلى الأصدقاء والأقارب والطلبة والتلاميذ ، لربما يتم الانتفاع به ،على أساس أن العلم ينتفع منه إذا مات ابن آدم ، وهذا هو هدف الكاتب والمبدع ، وليس الربح والاغتناء.
د. عبدالجبار العلمي
بعد حديث دار بيني وبين أحد أصحاب الأكشاك المعروفة في قلب الدار البيضاء مؤخراً ، عبر فيه عن ركود بيع الكتب والمجلات ، ومنها حتى تلك الكتب الزهيدة الثمن المدعمة من لدن البلاد العربية التي تصدرها ، تذكرت تجربة عشتها بالملموس مع أزمة كساد الكتاب ومصاعب ترويجه وتوزيعه . وذكرني هذا الحديث بتدوينة كنت قد كتبتها حول الموضوع وددت أن أعيد نشرها هنا ، فالحال لم يزد إلا سوءاً للأسف رغم محاولات بعض الجمعيات والهيئات المدنية وجهودهم الملموسة في التشجيع على القراءة ونشر الوعي بأهمية الكتاب الورقي ، وغير ذلك من المحاولات الدائبة الصادقة ..
التدوينة :
عن تجربتي الخاصة مع أزمة الكتاب التي زادت تفاقماً في السنوات الأخيرة. يتعلق الأمر بأول تجربة لي في عالم النشر . وما سأرويه لكم بقدر ما هو ذاتي خاص ، فهو أيضا موضوعي عام لأنه يهم الكثيرين ممن ما زالوا يؤمنون بدور الكلمة الهادفة الباقية ما بقي الإنسان على وجه هذه البسيطة ، وأنا مهما كان الأمر منهم .
لقد طبعت سنة 2007 كتاباً حول الرواية العربية يضم مجموعة من الدراسات حول أعمال روائيين من عدة أقطار عربية بعنوان : " لعبة الخيال والواقع في الرواية العربية " . ولقلة تجربتي ، طبعت من الكتاب ألفي نسخة ( 2000) على نفقتي الخاصة ، تكلفت إحدى دور التوزيع بتوزيعه على معظم المدن المغربية مقابل نسبة مئوية معينة. وبعد أكثر من ستة أشهر لم يبع من نسخ الكتاب سوى حوالي أربعمائة نسخة ( 400 ) . وعندما توصلت بالمرجوعات ، ألفيت أغلبها أصابها التلف ، وحال لونها ، لأنها تباع بالأكشاك وليس بالمكتبات. فحاولت القيام بالتوزيع بنفسي ، مستعيناً ببعض الأقارب والأصدقاء المهتمين ، بل إنني عمدت إلى إهداء أعداد وفيرة من نسخ الكتاب إلى بعض الأصدقاء والمعارف هادفاً من وراء ذلك إلى أن يجد الكتاب طريقه إلى أكبر عدد من القراء. وأثناء عملية الإهداء وبعدها ، لجأت إلى توزيع نسخ أخرى على بعض المؤسسات التعليمية ، لعل وعسى أن ينتفع بها بعض التلاميذ الذين ما زالوا يعتبرون الكتاب وسيلة لا يستهان بها للمعرفة والإمتاع والمؤانسة. وقد خفف من معاناتي ، شعوري بأن الخزانة المدرسية ـ رغم علمي بعدم تفعيلها كما ينبغي ـ ربما يحظى فيها الكتاب بقراء مفترضين رغم قلتهم.
وهنا أدركت سبب عزوف بعض أساتذتنا المرموقين عن نشر كتبهم ، لأنهم ربما كانوا يخشون ـ وهم ذوو نفوس أبية ـ أن يقعوا في مثل هذه المواقف. فكانوا يكتفون بإلقاء محاضراتهم القيمة معرفياً ومنهجياً. والحقيقة أن ما كان يفوه به أولئك الأساتذة في تلك المحاضرات يشكل وحده ـ لو سجلوه ودونوه ـ كتباً ومجلدات. وأود أن أذكر هنا بكل احترام وتقدير وإكبار وتبجيل الأساتذة : أحمد اليبوري والدكتور أمجد الطرابلسي والدكتور أحمد الإدريسي والشاعر أحمد المجاطي ( المعداوي ). وما نشره بعض هؤلاء الأساتذة في السنوات الأخيرة ، كان تحت إلحاح شديد من لدن تلامذتهم أومن قبل بعض دور النشر المغربية التي حاولت أن تجرب التعامل مع الكتاب الثقافي إلى جانب الكتاب المدرسي. وقد أحسنت صنعاً ، وإلا لما حظينا ـ مثلاً ـ بالكتابات النقدية العميقة للأستاذ أحمد اليبوري منشورة في كتب. أما الأستاذ أحمد الإدريسي اللساني المشهود له بنبوغه مشرقاً ومغرباً في مجال اللغويات ، فقد ظلت رسالتاه الأكاديميتان: دبلوم الدراسات العليا والدكتوراه طي النسيان. وقد كان الرجل زاهداً في نشرهما ربما لأنه لم يرد الزج بنفسه في سوق كاسدة ، وهو يعي جيدًا الوضعية البئيسة التي يعرفها الكتاب والقراءة في بلادنا.
إنها حقاً ظاهرة مؤسفة ، وأمر يندى له الجبين. ولكن رغم دواعي اليأس والإحباط ، مازالت المطابع ودور النشر تفاجئنا بإصدارات جديدة في مختلف مجالات المعرفة والإبداع. فما زال القلم يقاوم رغم كل المعوقات والتحديات.
هذه تجربتي ، وإن كانت لا تخلو من دواعي الإحباط ، فعلى الأقل تمكنت ـ كما ذكرت أعلاه بعدة وسائل ـ أن أوصل الكتاب إلى عدد من القراء في مدن مغربية متعددة وإلى الأصدقاء والأقارب والطلبة والتلاميذ ، لربما يتم الانتفاع به ،على أساس أن العلم ينتفع منه إذا مات ابن آدم ، وهذا هو هدف الكاتب والمبدع ، وليس الربح والاغتناء.
د. عبدالجبار العلمي