1-
حسن هموش كاتب متورط في قضايا فكرية كثيرة، يهمه الانسان في كل كتاباته، عرفته رجل مسرح، ألف مجموعة من النصوص التي شخصت في مناسبات عدة، كما اشتغل في السنما بانتاج مجموعة من الاعمال الوثائقية، اهتم بالموسيقى ، رجل جمعوي ينشط في كل ما له صلة بقضايا تهم الانسان الصويري، يحترم نفسه بتواضع تجاوز الحدود، في صمت يتكلم إلى حدود أنه لا يتجاوز ألفاظا قليلة وهو يحدثك عن أعماله، اشتغل في الحقل الأنثروبولوجي من خلال اهتمامه بمجالات تهم الشأن الأمازيغي، كناوي بكل المواصفات، إنساني تجده في كل مكان يعنى بالشأن الانساني بدرجات متفاوتة، وجدته في مدينة الصويرة مختبئا في ظل لم يفارقه وهو يعمل بدون ان يراه الاخرون. لذلك كنت مضطرا أن أكتب عنه لأنني وجدته نموذجا حقيقيا للرجل المفكر المتواضع الذي لا تعني له الشهرة شيئا في حياته، إلى درجة أنني قمت بدراسة حول مؤلفه ولم يتجرأ يوما بطلب بنشره ، لأن الرجل متيقن بأنه يكتب حبا في الكتابة ولا شيء غير الكتابة عكس البعض الذي يقيم الدنيا ويقعدها بمجرد تأليف مطبوع فيعتقد نفسه أن العالم برمته يتكلم عنه.
تحية احترام وإجلال لهرم إحترم نفسه أكثر ما احترمه الآخرون.
يقول مهدي عامل : ( الكتابة بدون قضية تمرين في الإنشاء) ، مع حسن هموش فهمنا الدرس الحقيقي من إنتاجات ذات صلة بقضايا مهمة في الموضوع الإنساني الذي يعني لنا وله أننا في المجتمع الخطأ يحب أن نصحح أنفسنا ونضبط مسعانا ونخترق المحرمات ونكتب لكي نقنع العالم أننا هنا ، خلقنا، لكي لا نكون مثل ما أراده الماكرون أننا في مجتمع البهائم ، ولدنا لنتناكح ، نتغوط، نتكلم في المقهى ، في أمكنة تنخر المؤخرات ونخرج تائهين ، منبطحين بصوت يقول :
إننا نرفض عندما نصحح، في حين أعماقنا لا تنتج سوى الخطابات الجوفاء التي لا تغير شيئا سوى أنها تنفض غبار وأوساخ حناحرننا المملوءة بالسم والوقاحة المتعبة.
سنلتقي مع حسن هموش لنفهم بحق معنى الانسان، وسمات تحققه كأسلوب فاعل في مجتمع مريض وسائب.
2-
يحيلنا الإشتغال على المعنى في كتابة حسن هموش ( حديث الدمعة)، على آلية التمظهر كمعطى بنائي دال، لأن البحث في هذه الخصائص ستفيدنا في استيعاب أفقها المبني بصيغة تحترم تمفصلات عوالم شاء لها صاحبها أن تنولد في بنيات أساسها تحولات عبر عدة مستويات وظيفية تفيد الانتقال من البنية السطحية أى العميقة، في أفق تأسيس إحالات تنمو عبر ازدواجيات مهمة تطور كل خطوات التطور في نص مركب بشكل توالدي عميق.
إن الغاية من كتابة تحترم خطوات تطورها هي سعي صاحبها في البحث عن التفرد والاختلاف أن يكتب خطابا بمساعي تهمه ، ولعل أول إشكالية تطرح في هذا الباب هي اختيار حسن هموش لعنوان بمعجم مغترب، ركز على الدمعة من خلال موضوع حديثها، فأنسنها وأخرجها من مجال ضيق لتصبح وظيفية في مجال آخر، كما ألصقها بحكاية لأن أساسها حديث، وبما أنها دمعة تتحدث بلغة الإحساس/ الدمعة، فهي مادة متحركة تحيل على مشاعر وعلى حالة ذات بعد سيكولوجي مثير، نفهم من لغة الدموع في ثقافتنا الشعبية أن العين تقذف ماء عندما تعني ألما، وجعا ما، كل من وجد نفسه في وضع سيكولوجي خارج المعنى بجد دموعه مخرجا نفسيا دالا كتعبير عن حالة في وضعية ما، كما نفهم من لغة الدموع ، وهي تتربص بنا ، بحكي بفيد الفرح ، ان الموضوع تحرك مفتوحا، كما نقول بكيت من كثرة الفرح، فتصبح دلالة الدمعة تفيد على مستوى الظاهر، إطارا محركا للنص ككل، نبكي عندما نتألم ، كما نرسل دموعا عندما نجد أنفسنا في وضع يستدعي البكاء كلغة ذات بعد نفسي محدد.
نفهم مما سبق، أن أية دلالة يريد الرجل في حديث دمعته، أن يحولنا عبر مسارات اشتغاله بلغة رافضة تتطلب أن نخرج من الأضيق نحو الأوسع، هنا ستجعلنا حكايته أمام الإختيار الأقرب إلى الدلالة الغرائبية.
سنضطر في المعطى أن نتحول في إطار الدلالات التي تجاوزت الشرط المطلوب، وهو موضوع ، حاول صاحبه أن يجعلنا الأقرب إلى صياغة مجاري معناه، أي تحديد كل العلاقات التي أخرجت الكاتب من أفقية مجاري المعنى ، إلى سيولة تأسيس دلالات بلغة قوية تنتج التوالد والبناء المتطور ، وهي عملية جعلت العين ، حسب العنوان ، أن تقذف المها بلغة الدموع. أي اشارة مشفرة تستدعي وقفة بسيطة أمام صناعة معمار الكنابة وفهم مستوى دورها في الإنتقال من حالة إلى اخرها.
-3-
يمكننا اعتبار عنوان الكتاب عند حسن هموش عتبة مهمة يجب الوقوف عندها، منها تظهر التجليات حسب الصياغة التي شاءها لرؤيته الخفية. لأنه جعل من العين أساسا بشريا وإبحاء إنسانيا جارحا أساسه مؤشرات مشفرة بخفاء ناضج، أما عندما تلفظ بمصطلح ( حديث)، فتلك إشارة قوية إلى أن ما سيأتي سيكون حكاية، بوح سردي، سماه في الأول قصة، ثم عاد ليقول موضوعا فكريا بعمق التعايش في بقعة من جغرافية العالم/ الصويرة موكادور، بشكل عام إن حكاية هموش التي في الأصل حديث وفي العمق قصة وفي الرؤية تصور أنثروبولوجي لظاهرة إنسانية تعني أقواما وأجناسا في حياة الصويرة ، هي رؤية للعالم وشكل من أشكال تأويل حكاية كثيرا ما تكلمنا عنها بظاهر باهت وبعمق خادع ، بما أن القصة أو الرواية أو الحديث هي منطوق سردي ، فهناك في الأصل سرد ، أي زمن، أحداث، أمكنة ثم أشخاص ، كلهم عناصر بنائية ظهروا لينجزون أفعالا على المستوى السوسيوثقافي، أي سنصبح أمام سرد من زاوية نظر علم السرد، لهذا ، من هذا الركن سنكون مطالبين بالبحث في كل العناصر التي تسهم في إنتاج الدلالة . بناء على هذا المعطى ، ومن زاوية نظر دقيقة ، إنها تشكل سردا أو حكاية ، إن شئنا حديثا ، فهي قابلة أن تدرس اعتمادا على أسس منهجية لفهم كيفية اشتغال الخطاب، وتحديد شكل الدلالة ، مما سيجعلنا سنتحول إلى موضوع الشعرية التي ارتكزت على الخطاب موضوعا في أبحاثها، عند كل من جيرار جنيت وتزفيطان تودوروف، أو البحث في عمق الدلالة من خلال موضوع تحقق شكلها، هنا سنصبح مطالبين بالوقوع عند سيميوطيقا السرد مع رائدها الجيرداس جوليان غريماس. إختيارنا لهذا أو ذاك مشروط بطبيعة السرد ، وبخاصية القيمة المهيمنة dominante
عودة الى موضوعنا الأول، قال حديث إذن نحن في حضرة السرد، أضاف كلمة دمعة كخاصية فاعلة في محتوى العنوان ، لتحيلنا الكلمة إلى مسار آخر بهم المشاعر والأحاسيس والشعور المقلق، وقد يحيلنا على فرح مغشوش مرشوش في متاهة رحلة معمقة عند رجل انطلق باهتا في تحديد مضامين كتابته، لذلك فتعدد المعاني التي تجرنا إليها هذه الكلمة ستجعلنا أمام أجزاء معنوية صغرى تثير أثرا ووقعا يدفع بنا الى البحث في السياق لتحديد المراد والوقوف عند المقصود. هي أجزاء صغيرة تقذف بقوة في إيحاء استهل به موضوعه ، مجموعة مشتتة لن يكشف عن متاهتها ويعري عن مسكنها سوى السياق الذي تتمظهر فيه المعنى في عمق بناه المؤلف برؤية دقيقة قاصدا بذلك مكرا ابداعيا خاصا به. سميناها أجزاء المعنى effets de sens لأنها مكونات قائمة الذات تظهر وتختفي، لتعمق لعبة الكتابة وتطور شكل تجليها وتخرجها من إطار عادي إلى مجال إبداعي عميق، وهي ما سماها تودوروف بادبية النص الأدبي، شكلت كلية متجاتسة مركبة من فونيمات متجانسة تؤثث الدمعة وتسكنها في حديث خارج الإثارة المكثف بسياقات طويلة تخفي العمق وتقوي المكشوف. تلازم الحديث بالدمعة يفيد إشارات مازالت لم تتحدد بعد معالمها ، بل ما سنفهم من تراكبها أنها جاءت تركيبيا مصاغة بارتباط محدد بين موضوع أساسه دمعة تسيل بصمتها التي ستخفي ضجيجا ما. تزداد الغرابة بظهور كلمة سبت وجمعة ، هما معا إحالة على مراجع انسانية أخرى غير متجانسة، فتزداد قيمة هذا التلازم في الزمن وفي الحدث التاريخي ، بما أن الأمر له صلة بحديث وبدمعة، فيصبح العنوان مثيرا عندما يكشف عن دوامة الغبار الذي يقذفه البوح بدرجة عالية من الغموض. فالسبت دال على قيمة أنسانية تعني اليهود ، والجمعة إشارة إلى يوم مقدس في حياة المسلمين، هما يومان مثيران في حياة طائفتين جمع بينهما الدم والحديد، لذلك كان حديثه دمعة دامعة ، لأنهما معا جمع بينهما الدين وفرقتهما السياسة. فالله عندهما موضوع مقدس لأنه رب الجميع، والأرض مقال مدنس في تيه إنسان يبحث لنفسه عن حياة وهوية في مكان متلف ومرعب. لهذا كان حديثا دامعا جارفا كالمطر الجارح في نفسية طائفتين مختلفـتين ، الأولى بسبتها والثانية بجمعتها ، أسستا شقا لصراع طويل ، عمق الجرح وقوى الفراق. هنا سنجد أنفسنا أمام سؤال جوهري ومفيد يقول: ما طببعة هذا الحديث وما عنوان هذه الدمعة في سبت جارح وجمعة شارخة في عمق طائفتين اختلفتا كثيرا في مسار التاريخ البشري منذ القدم؟.
ذلك ماسنراه في الحلقة المقبلة.
-4-
حديث الدمعة هو تأمل تأويلي لمفهوم الزمن في تيه طائفتين جمع بينهما الدين وفرقت بينهما السياسة ، فأصبح الفكر حسب كاتب جريح يعيد النظر في متاهة حديث حزين وقلق أساسه دمعة تتكلم ألما ليسقط كالمطر الجارف في دوامة تاريخ قلق ومضطرب، حول العالم برمته إلى أقصوصة صغيرة عنوانها دم ينزف باستمرار لعنة واحتقارا ، إن أساس هذه الإختلافات هو موضوع إنسان يبحث لنفسه عن موقع وهوية ، حارب من أجلها قرونا عدة، فجاء الحديث سبتا يسعى أصحابه العابرين إبجاد استقرار في أرض الميعاد، وجمعة بقومها يبحثون عن سلام غير تام في تاريخ يحترم القوي ويدوس الضعيف ، فغاب السلام في جغرافية بلا سلم ولا أمان ، ضاع التعايش وانبزغ الحقد والكراهية، كما تاهت الأخوة ليحل محلها الحقارة و العديان، اختفت المودة ليزداد الإرهاب وتقهر النفوس والأبدان ، ليصبح السؤال المحوري ضروريا ، بصفته أساس الكتابة عند رجل يكتب في موقع خفي ، منه يرى العالم ، وفيه تتحرك مرجعيات بنائه، ليطل علينا بسلام وتعايش مغشوش ملعون مضطرب، لأن أساس القضية هنا عمقها دم يسقط حديثا في دمعة تنزف مرارة ، ليثار الجدل كموضوع يهم شأنا إنسانيا عالميا وتاريخيا ، محوره أرض وعمقه دين ووجدانه إيديولوجيات تتناحر لتكتب التاريخ بدم يقوي الطرح ويعمق الألم، بما أن العلاقة بين العنوان والنص علاقة كهربائية، كل جزء يتحقق لصيقا بجزء آخر ليبني كلية منسجمة، متماسكة ومرتبطة.، فإننا سنجد ما تبقى من كتابة هموش هي رسالة مسترسلة تحدد خصائص معنى مشتتة وخطاب يحترم أدبية الكتابة ليبني موضوعات متمفصلة، تبحث عن الإثارة والدهشة ، وتبحث في العمق السائب، أي علاقة بنائية ترشدنا لنخرح من متاهة سؤال إشكالي وعام ، يعني الوجود برمته، بصفته موضوع الضياع والإنكسار ، من حيث النظرة/ التأمل، ومن حيث الموضوع/ المنطلق أساس الكتابة عند حسن هموش/ التعايش كفكرة وجدانية في مرحلة حرجة من الزمن الصويري خاصة والعالمي / التجلي. أي علاقة متلازمة ، متداخلة توليدية ستفيدنا في تأجيل الجواب لتنجاوز الإسقاطات ونسقط في العموميات غير المبررة والمموهة / المضللة..
-5-
يستهل الكاتب خطابه بنص لأنس شوشان بخاطب فيه الإنسان عامة ، مهما اختلفت مذاهبه وتصوراته ، سواء كان بهوديا أو مسيحيا ، مسلما أو شيعيا ، يطالب فيه ضرورة تجاوز الأصوات المضللة المغرضة ، لأن الإنسان في عمق كيانه هو خليفة الله فوق الأرض، وهي إشارة تحيلنا على طرح هيجل الذي يميز بين العقل الكلي والعقل الجزئي، فالأرض ملك للجميع، لا يحق لأحد أن يكون وصيا على الآخرين، لهذا يمكننا اعتبار نص أنس شوشان يشكل الإشارة المفتاح لمرجعية عميقة في التصور عند حسن هموش، الكاتب الذي ببحث عن الإنسان في العمق البشري الذي كسرته تصورات متناقضة ، تشتغل بأهداف نرجيسية ، هدفها خلق العداوة والحروب والصراعات التي أخرجت الإنسان من إنسانيته لتجعل منه حيوانا مغترسا، اي عندما يصبح الإنسان عدوا لأخيه الإنسان تضيع الحقيقة ويختفي السلم وتضيع الكرامة ويعم الشقاء والدمار. اعتبرنا نص شوشان الإشارة المنطلق بصفتها معطى مهما لأنه سبشكل بوابة منها يرى الكاتب العالم، وبها يفتتح مجرى كتابته بأهداف واضحة. فحسب توماشوفسكي، الكاتب الروسي ، إذا رأيت مسمارا ما معلقا على حائط أدبي ما فاعلم أن صاحبه يريد به شنق إحدى شخصياته، لهذا فالنص ، في نظري جاء لأهداف تهم صاحب كتاب حديث الدمعة، لذلك لن ننظر إلى النص بنظرة جد ضيقة على اساس أن الكاتب يريد أن يضفي فكرة عابرة على موضوع شائك باستحضار نص وظيفي، بعدها نمر عليه دون أن نضفي عليه مصداقية قوة تواجده في البداية، بل سنجعل منه بؤرة دلالية جد هامة ، يحدد النافذة الأساس التي منها يشم المؤلف رائحة الوجود . لهذا يمكننا النظر إلى نص أنس شوشان على أساس أنه تقدبم الفكرة المشروع في العمل ككل، من زاوية تحترم مقولة لويس ألتوسير التي تقول بعدم إغفال الفكرة المحورية التي تشكل المرجعية الأيديولوجية في كتابة مشوشة، إذن نص شوشان يعري عن الأساس الذي يشكل الخلفية الهامة التي منها يرى هموش العالم، وبها يحكم عليه ليلعنه بصيغته. لعل مايثبت ذلك هو ماجاء في الصفحة الخامسة التي حدد فيه برنامج كتابته عندما قال: ( قصة حديث الدمعة لمابين السبت والجمعة وصايا احياء لاحياء عن لسان راويها حسن عايش الذي عايشها وأخرجها من ذاته ، كي تخاطب الإنسانية جمعاء في عمقها الذي يحدد الهوية ، هوية الإنسان كإنسان...)، إلى أن يصل إلى ( خلال حقبة تاريخية من ماضي مدبنة عجيبة ناضلت من أجل كل القيم الإنسانية : الصويرة موكادور العريقة.). ثم يعود في الصفحة السادسة ليقول: ( اتسمت علاقات قاطنها بالوفاق سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات ، هنا وجدوا كل حقوقهم الدينية والمدنية ، وكان سلاطين المغرب يصدرون ظهائر التوقير والإحترام لهم، كذاك الذي أصدره السلطان سيدي محمد ابن عبدالله سنة 1764 ، والذي ينص على معاملة اليهود المغاربة طبقا للعدل، فهم متساوون أمام المحاكم ، وبذلك كونوا علاقات ود مع السكان والحكام على حد السواء...)، ثم يعود في نفس الصفحة ليقول: ( يعود بنا حسن عايش مسترجعا أنفاسه في أزقة المدينة التي مازالت تبحث من بين أحفادها عمقا ينظر إليها بعين الرحمة الدامعة ، ويحن عليها بالقلب الخافق المجروح على أساس انسنة الحياة بها من جديد وفتح أبواب التعايش المنغلقة بها منذ مدة ، حتى يعم الإخاء والرخاء ويستمر تلاقح الثقافات بداخلها مرة أخرى عبر بوابة العشق والحب كأداة تعبير نبيل يردنا إلى منابع النضج الإنساني الكوني كي لا تنطفئ بها شمعة الحياة.).
نفهم مما سبق ، كإشارات نصية هامة، مايلي:
إولا: إن الراوي الأصلي في حديث الدمعة هو حسن عايش.
ثانيا: حسن الراوي ، المحور الثاني في حديث هموش، هو راو يروي ماروي له من طرف حسن عايش، لذلك سننظر إليه بصفته الراوي الحقيقي الذي يروي ما روي له، لذلك اعتبرناه الراوي المروي له.
ثالثا: الغاية أو موضوع حديث الدمعة هو الدفاع عن القيم الإنسانية الكونية من خلال استحضار الصويرة موكادور وأساس وجود يعني التعايش
رابعا: موضوع الحكاية يحيل على الصويرة كمجال أو فضاء تاريخي مميز بتيمة التسامح والتعايش بين أجناس مختلفة.
خامسا: يشهد تاريخ المغرب على التعايش واحترام فكرة الإختلاف وعلى رأسها التعايش مع البهود.
سادسا: حسن عايش يدعو إلى أنسنة مدينة الصويرة التي تحترم الإختلاف.
كلها معطيات ستفيدنا في فهم طبيعة تمفصل المعنى وتحقق مسار الخطاب بآليات جد متداخلة ومتوالدة تعمق خاصية البناء بشكل تركيبي عميق، أي سنصبح أمام مؤشرات تجعلنا نعي بشكل أساسي شكل تأويل المحيط الذي فيه تتحرك المدينة ، وتتمظهر الحكاية لتؤسس خطابا سرديا مميزا يمارس لعبة الدهاء، بإقناعنا أنه يحكي قصة حقيقية .
ذلك ماسنراه في الجزء القادم. . / يتبع.
-6
ملاحظات بنيوية ستجعلنا ندخل غمار كتابة هموش من زوايا تخفي عمق دلالتها لأنها تحتوي مواضيع مهمة يبغي صاحبها ممارسة دهائه الفكري بطربقة تزيد من قيمة الكتابة، هو يعى بما يكتب ، لأنه يسعى لإنتاج خطاب قال عنه : يصبح وصايا أحياء لأحياء، مما يجعلنا أمام مدخل فكري حداثي جد متمظهر بإيحاءات قوية تلزمنا فك خيوطها. من هنا سنركز على الخطاب من خلال تفكيك شفراته المتداخلة، لأننا نجد أنفسنا أمام خطاب يتحكم في بنيته راوي يؤدي دوربن مزدوجين، من جهة هو راو ومرة جهة هو مروي له، لأنه هو الذي يروي هذا الحديث الذي رواه له حسن عايش، لنفهم أن حسن هموش ليس هو رواي الحكاية ، ما يجعلنا نواجه بنية سردية ، تجعلنا نقف عندها عبر الأشكال التالي:
أولا: حسن هموش ازداد في 27/ 12/ 1959.
الثاني: حسن الراوي ازداد في 28 رمضان 1960
ثالثا: حسن عايش هو الذي روى لحسن الثاني حكاية موكادور المجروحة في زمن الخمسينات.
ما نفهم من هذه التوالدات، :
عندما يتكلم حسن عايش يحضر الزمن في موضوعين:
أولا: موضوع زمن الحكي/ الخمسينات ( مرحلة الطفولة والدراسة).
ثانيا: موضوع أحداث السرد: علاقات متداخلة بين أسر إسلامية ويهودية، ثم حكايات غرامية، وقصص تعايشية مثيرة.
إن الزمن في حديث الدمعة تحكمه عدة عوامل مختلفة، نحدد بعضا منها في الترتيبات التالية:
زمن الحكي : لم يتعد ثلاث سنوات لأنه مقرون بإشارات مهمة، منها تواجد طالب اجتاز امتحان التعاقد في التعليم، وهي إحالة على سياسة جديدة في التعليم المغربي، مما يجعلنا أمام إشارة قوية بنائيا تفيد زمن حكاية حديث الدمعة.
زمن الأحداث: مرحلة الخمسينيات، مقرونة بحدث الإستعمار، وبزمن قبل مهاجرة اليهود الصويرة ، أي ما قبل حدث السفر إلى أرض الميعاد، وهي اشارة مرتبطة براو إسمه حسن عايش عندما انحصر دوره في مهمة راوي.
إن لعبة البناء السردي في حديث الدمعة تتوالد بتوالد لعبة عناصر التطور السردي ، بمعنى كلما ظهر عامل ما إلا وغير معه مجرى جميع أشكال الخطاب في السرد ككل، الأحداث والأمكنة والزمن والرواة، بمعنى ظهور حسن عايش يرجع بنا في الزمن إلى مرحلة الاستعمار، وهو زمن تحضر فيه شخصية صول ويوسف والحاج أحمد، كما تحضر أمكنة مرتبطة بهم جميعا، كالمدرسة وغيرها، أما عندما يصبح حسن راويا، يقطع سرد حسن عايش ، أما عن طريق التذكر أو التعقيب أو الإستفسار أو غير ذلك ، فتظهر أمكنة جديدة و شخصيات جديدة وزمن جديد. هذا دون أن ننسى أن حسن عايش يلعب أدوارا أخرى ، من جهة راوي يحكي الحكاية ، وفي نفس الوقت يصبح شخصية كفاعل يلعب أدوارا في الأحداث التي يتكلم عنها، أحيانا اخرى يتحول ليصبح مروي له؛ أي يؤدي أدوارا مختلفة في الحكاية، ليغني بذلك دينامية أقطاب الخطاب بدرجات متفاوتة، هو راوي ثم شخصية وأحيانا مروي له وذلك يقول في الصفحة 17 : ( سمعت من صديقي الأستاذ الرزازي يوما...) ، وهكذا تبنى الحكاية متمفصلة بدرجة عالية من التمويهات، جعلت مجموعة من الباحثين يشتغلون على خطاب حسن هموش بأنه كتابة تعني شان التعايش في الزمن الصويري، في مراحل مختلفة من الوعي الذي يعني تاريخا حاضرا بقوة في ذاكرة مدينة لها قيمة لا تبلى في هذا المجال ، في حين العمق الذي خفي عنهم انها شكلت كتابة بدرجات عالية من الجودة في مجال اللعب ببنيات السرد ، جعلت من كتابته تحترم اللعبة السردية بنفس القيمة التي اشتغل فيها في حياة التعايش .
-7
بوعي أو بلا وعي، عندما يتوقف سرد أحداث زمن وصول إلياس والحاج أحمد وعلاقات عائلات مسلمة بأخرى بهودية، يعود حسن الراوي ليوضح بعض الجزئيات التي غابت عن حسن عايش، أما شارحا أو منبها أو منتقدا، وأحيانا معقبا، هو تدخل يزيد من دينامية تفاعل عناصر السرد وإغناء مستويات ديناميتها بحركية خفية جدا، قلت هذا لأن أي تحول في كل عناصر الكتابة ترفقها تحولات عميقة على كافة المستويات، مثلا الزمن في حكاية حسن عايش هو ممتد وطويل قد يتجاوز أربعين سنة أما مع حسن الراوي هو أني وقريب لم يتعد اربع سنوات، في حين حسن المؤلف استطاع جمع كل الازمة بخيط دقيق لايفيد أي ارتباك أو تفكك ،على مستوى الترابطات، وهي قيمة تحسب له، لأنه استطاع احترام اللذة والشوق ، إلى جانب خلق الدهشة على كافة المستويات. مع حسن عايش يحضر الماضي بمكانه وشخصياته وزمنه وأحداثه، إلى جانب الفاعل القوي فيه هو حركية مشاعرية قوية بين أسر عريقة في الزمن الصويري، أما مع حسن الراوي الصويرة تبكي والإنسان يضيع والحياة تذبل ، فيصبح كل شيء قابل أن يعاد فيه النظر نتيجة تمزق في العلاقات وقيم التاخي . أما حسن الكاتب ، ترك التأويل مفتوحا لتقرأ الحياة من كل الزوايا باعتبار أن الأرض في النظرة الاسلامية هي ملك للجميع وأرض الميعاد هي حقيقة في الخرافة اليهودية ، من هنا تصبح الحقيقة متاهة في حلم كاذب ، غالبا ماتغنى عنه الغافلون، وتوجع له الساذجون ، وحزن عنه الضائعون، أما المتمسكين بزمام الفكر طرحوا الموضوع مفتوحا ليقرأ من نوافذ عدة ، كل حسب قدرته على إدراك أسرار تطور الحياة في عالم غير سوي . معطيات جمة خلقت كلية متماسكة ومنسجة ، رغم كل التناقضات التي تخفي سر هشاشة إنسان عربي فج لا يملك المناعة لإخراج الماكر في عمقه ، الذي يحركه نحو المجهول، أو عدم استطاعته على فهم أسرار فنائه وفق صيرورة تاريخية مزيفة. هي دينامية فنية أهلت العمل أن يرتقي إلى مستويات فنية راقية تهدف إخراج الكتابة من الأفقية لتدخلها في مسار توليدي ، عمق الزمن وجر معه المكان ليصبح خاضعا لدوامته الجد مميزة، كما عمقت أسلوب الكتابة لتقوي ديناميتها بأشكال راقية من الوعي في الكتابة عند رجل يتفنن فيما يكتب؛ بشكل أدق، مع هموش تكلمت الصويرة وأصبحت مثلنا تتوجع وتتكلم وتحكي عن ضياعها ، لتصبح شخصية محورية شأنها شأن عباد الله الذين يتغيرون وفق شروط تطور الارض وصراعاتها مع نواميس تتحكم في حركية ثباثها وتحولها .
كلها معطيات استطاعت أن تجعل من كتابة هموش تنبني وتتأسس على قواعد مهمة أنتجت برامج سردية غنية بتفاعلها ، سواء على مستوى التماسك أو الإنفصال ، فتجعلنا نتيه في بنيات سردية متداخلة أسست برامج سردية متنوعة. programmes narratifs حسب سيميوطيقا السرد أو نظرية باريس
- 8 - تفاعل البرامج السردية في حديث الدمعة عند حسن هموش
إن الحديث في مجال البرنامج السردي يستدعي تجاوز مفهوم الشخصية وتعويضه بالعامل، لأن هذا الأخير أكثر إجرائية من الأول ، من زاوية أن العامل قد يتضمن مجموعة من الشخصيات، إلى جانب أن العامل يؤدي دورين مزدوجين في نفس الوقت، من جهة هو عامل له موضوع قيمة يسعى إلى إنجازه، ومن جهة أخرى هو ممثل له دور تيماتيكي يريد أن يقوم به على مستوى السوسيوثقافي. لهذا سنركز على العامل لنتخطى مفهوم الشخصية لتقليديتها في مجال علم السرد الحديث.
إن الحديث في حديث الدمعة يقودنا إلى وجود مجموعة من البرامج السردية التي تتفاعل فيما بينها لإنتاج خطاب سردي راقي في مجال بناء بنيات سردية تتوالد و تتطور بحركيات غير عادية، ذلك ما سنقف عنده بتحديد هذه البرامج ، مع الكشف عن بعض أسرار تمفصلها بفنية عالية من الجودة.
إن المثير في حكايات هموش، منها المتداخل ومنها المتباعد، تتأسس بنية المعاني بنسقية قوية عمقها تداخل ازدواجيات متنافرة، بها يتقوى السرد، وفيها تبنى كل تجليات الوحدات السردية بتداخل خفي، يصعب على القارئ العادي إدراك خيوط تشكيل نسيجه. سنكتفي ببعض البرامج، لأن الكتاب يحتوي على مجموعة كبيرة من البرامج يصعب التكلم فيها جميعا، لهذا سنعتمد على بعضها الفاعل بقوة في حديث حسن هموش، اعني هنا سأركز على برنامج العامل يوسف، وعلى برنامج الأب الحاج أحمد، بصفتهما فإعلان بقوة في مرحلة الخمسينيات ، زمن حكي حسن عايش ، ثم أخيرا على برنامج الصويرة السردي ، رغم أنها تشكل مكانا ، فهي الأخرى بدورها لها مرامي تسعى تحقيقها.
عندما نقول برنامج سردي من منظور سيميوطيقا السرد، فإننا سنتحول مباشرة إلى عامل ذات الذي يريد أن يتحول من الحالة الأولية، مرحلة الشعور بالنقص، لينتقل إلى المرحلة النهائية، مرحلة تجاوز الشعور بالنقص، فيصبح العامل في وضعية تشكل هدفا في كل مراحل بحثه على مستوى المسار السردي ككل. بناء على هذا المعطى ، نجد عامل الذات متجندا بمجموعة من القيم الجيهية، هي في عمقها أربعة، نجد العامل مميزا بعامل المعرفة، أي يعرف ما يريد تحقيقه، كما نجده متسلحا برغبة قويه، تؤهله في عملية سعيه لإنجاز برنامجه، كما نجده مسلحا بعنصر الواجب، لأنه يرى في عمليه سعيه للإنتقال يكون مطالب بهذه الخاصية، طبعا دون أن تغيب خاصية القدرة لأنها عامل ملزم للقيام بالتحول من الحالة الأولية الى الأخرى النهائية. وفق هذا المعطى سنبحث في البرنامج السردي عند عامل ذات يوسف. قبل ذلك سنحلل الدو التيماتيكي الذي ينجزه يوسف . سنجد أن كل من الإبن ( يوسف) ، والأب الحاج أحمد ، معا يشكلان ممثلان لهما تيمة مشتركة يلتقيان عندها. سنحدد اللعبة التيماتيكية على الشكل التالي :
يوسف ____تيمة الاسرة ( الابن).
الحاج احمد ___ تيمة الاسرة( الابوة).
بذلك تصبح العلاقة بين الممثلين تجمعهما تيمة الأسرة، لذلك يؤديان دورا تيماتيكيا مشتركا تحكمه الترابط الذي يجمع بينهما ، أما إذا ما نظرنا إليهما من حيث الدور العاملي ، سنجد أنهما منفصلين ببرنامجين عاملين مفترقين، من تلك الزاوية يصبحان متباعدان على مستوى القيمة الوجودية في مسار انتاجات يحققها السرد من منظور التوالد والتباعد. من هنا سنجد الدور العاملي عند يوسف جاء على الشكل التالي :
.يوسف___ عامل ذات. صول ___ عامل قيمة (الحبيبة التي يسعى الزواج بها) الهجرة إلى أرض الميعاد +
رغبة الأب في أن يصبح إمام المسجد____ عامل معاكس.
العلاقة العائلية_________ عامل مساعد.
تتحقق بنية إنتاج البرنامج السردي في حديث الدمعة، من زاوية أن يوسف كعامل ذات يسعى طامحا الزواج من صول ، ذات الأصل اليهودي، الفتاة التي حبها إلى الجنون ، بذلك ستشكل موضوع-قيمته، هي عملية شابتها مجموعة من العوائق، كما حضرت فيها عوامل أخرى مساعدة، سنجد علاقات القرب على مستوى العائلي كانت عاملا سهلت تقارب يوسف وصول ، لكن رغبة الأب في أن يرى ابنه إمام مسجد يصلي بالناس شكلت اعتراضا قويا من طرف الأب ، إلا أنه اعتراض لم يكن كاف في إيقاف هذا الحب وقلته، لكن الهجرة إلى إسرائيل كانت سببا قويا في إيقاف هذا الجسر العاطفي وقتل حياة ترابط روحي ، أدى إلى انهيار يوسف وتدميره. من هنا يمكن اعتبار عدم توفر القيم الجيهية كاملة كانت سببا في انهيار تواصل روحي عرى عن انهيار يوسف روحيا ووجوديا ونفسيا ، بمعنى إذا كان شرط الرغبة حاضرا إلى جانب عنصر الواجب، ثم المعرفة على أساس أنه يدرك جيدا خيوط علاقته بحبيبته ، فإن عنصر القدرة غاب لأنه لم يكن قادرا على منع صول من السفر إلى أرض الميعاد ، باعتبار أن هذه الأخيرة كانت ترى في شرط سفرها أقوى من بقائها الى جانب حبيبها ، هنا يعري عن هشاشة الكائن المسلم ويكشف عن قوة اليهود في احترام مواضيع تعني المبدأ على حساب العاطفة ، ربما كان ذلك من أسرار نجاحهم وتفوقهم عن الجنس العربي المنخور عاطفيا ونفسيا. النتيجة النهائية هي فشل البرنامج السردي عند يوسف، ولم يستطع بذلك التحول من الحالة الاولية إلى الحالة النهائية ، بمعنى بقي برنامج الشعور بالنقص هو الحاضر في حياة يوسف داخل حكاية حديث الدمعة. أما عندما نتحول عند الحاج أحمد بصفته عامل ذات ثاني في حديث حسن هموش ، سنجد لعبة إنتاجه للمعنى على مستوى البرنامج السردي جاء على الشكل التالي:
يوسف الفقيهّ+ الامام_____ موضوع _قيمة للحاج أحمد الذي شكل عامل ذات.
العامل المساعد _____ التقارب العائلي.
العامل المعاكس ____ صول الحبيبة .
هكذا تتحول صول من موضوع قيمة في برنامج يوسف إلى عامل معاكس في برنامج الحاج أحمد ، فتصبح العوامل تتحرك وتتطور لتبني خطابا سرديا متوالدا بشكل تركيبي بنائي. نفس الشيء سيقال عن الحاج أحمد الذي سيفشل هو الأخر في برنامجه السردي ، لأنه غابت فيه قيمة القدرة كقيمة جيهية مهمة في لعبة القيم الجيهية المفروض حضورها في عامل ذات لإنجاح البرنامج السردي في حديث غرائبي البناء و الإنسجام، مما سيطور عناصره ، رغم تميزها بخاصية البناء على معطى مهم أساسه الإزدواجيات المتناقضة في البنية العامة المحركة للفعل السردي في حكاية هموش المثيرة للجدل. هدفنا من الكشف عن هذه الشبكة المحركة للأفعال السردية ككل هو تحديد شكل حركية السرد، وكيفية بناء الأحداث وتداخلها القوي ، وقوة تداخل وتباعد الرواة ، وتحول الأمكنة والاحدات، دون أن ننسى علاقة ما سبق بحساسية الزمن السردي المتمظهر ، كلها معطيات أسهمت في خلق كلية منسجمة ، مميزة ببعد جمالي واضح .
بعد كل ما سبق يمككنا الحديث عن برنامج سردي ثالث مميز بكونه لا علاقة له بالإنسان ، يعني ستصبح الصويرة موكادور كمكان لها القدرة أن تكون عامل قيمة ، لها أيضا أهداف يريد تحقيقها ، لذلك سنحدد برنامجها السردي على الشكل التالي :
الصويرة موكادور -------------------------- عامل ذات .
الخروج من الضيق والإختناق ----------- موضوع- قيمة.
ناسها وسكانها ---------------------- عامل مساعد.
الكراهية وغياب التعايش ----------- عامل معاكس.
النتيجة : مدينة تعيش الألم ، لأنها مجروحة ، دامعة ، تحترق في صمت رهيب ، بسبب غياب التعايش وهجرة طرف له معنى قوي في مشاعرها.
بعد طرحنا لمستويات تطور الحكي في حديث الدمعة عند حسن هموش ، نلاحظ أن مدينة الصويرة الآن ، كزمن وصويرة صول والحاج أحمد في مرحلة الخمسينيات / زمن الحب والتآخي ، هما معا يشكلان مكانين متباعدين متفارقين على كافة المستويات ، هي كلها إيحاءات تدل على أن المسافة تعمق الجرح وتقوي مسافة النوستالجيا التي أنتجت مدينة ممزقة تعيش الإضطراب والألم .
أخيرا ، يمكننا أن نختم هذه الدراسة بطرح الملاحظات التالية :
يمكننا اعتبار حديث دمعة هموش أنها شكلت بنيات سردية أنتجت معانيها بتوالدات قوية ، قوت تمفصلات الدلالة وإغناء تشابك إنتاجها بدرجات عالية من المتعة ، وزعت خصائص السرد بخصائص فنية جد منزاحة عن الخطابات العادية ، فأنتجت تمظهرات عميقة على كافة مستويات الخطاب ، شكلت قيمة مضافة أساسها لعبة متماسكة جعلت من المكان والزمان وأفعال العوامل بنيات فنية جميلة ، دون أن ننسى دينامية أقطاب الخطاب / الرواة ، الذين انولدوا بتعاقبات تستحضر التناوب لتغير من مجريات الإيقاعات ككل ، مرة تتباعد ومرة أخرى تتقاطع ، لتنتج كلية تركيبية أنتجت لنا حديثا سرديا في مسوى عالي ومتميز ، لتسهم كلها في بناء نسيج إبداعي منسجم : متداخل ، عمق الكتابة وقوى من مسارات تحققها الفني والإبداعي.
سعيد فرحاوي - المغرب.
حسن هموش كاتب متورط في قضايا فكرية كثيرة، يهمه الانسان في كل كتاباته، عرفته رجل مسرح، ألف مجموعة من النصوص التي شخصت في مناسبات عدة، كما اشتغل في السنما بانتاج مجموعة من الاعمال الوثائقية، اهتم بالموسيقى ، رجل جمعوي ينشط في كل ما له صلة بقضايا تهم الانسان الصويري، يحترم نفسه بتواضع تجاوز الحدود، في صمت يتكلم إلى حدود أنه لا يتجاوز ألفاظا قليلة وهو يحدثك عن أعماله، اشتغل في الحقل الأنثروبولوجي من خلال اهتمامه بمجالات تهم الشأن الأمازيغي، كناوي بكل المواصفات، إنساني تجده في كل مكان يعنى بالشأن الانساني بدرجات متفاوتة، وجدته في مدينة الصويرة مختبئا في ظل لم يفارقه وهو يعمل بدون ان يراه الاخرون. لذلك كنت مضطرا أن أكتب عنه لأنني وجدته نموذجا حقيقيا للرجل المفكر المتواضع الذي لا تعني له الشهرة شيئا في حياته، إلى درجة أنني قمت بدراسة حول مؤلفه ولم يتجرأ يوما بطلب بنشره ، لأن الرجل متيقن بأنه يكتب حبا في الكتابة ولا شيء غير الكتابة عكس البعض الذي يقيم الدنيا ويقعدها بمجرد تأليف مطبوع فيعتقد نفسه أن العالم برمته يتكلم عنه.
تحية احترام وإجلال لهرم إحترم نفسه أكثر ما احترمه الآخرون.
يقول مهدي عامل : ( الكتابة بدون قضية تمرين في الإنشاء) ، مع حسن هموش فهمنا الدرس الحقيقي من إنتاجات ذات صلة بقضايا مهمة في الموضوع الإنساني الذي يعني لنا وله أننا في المجتمع الخطأ يحب أن نصحح أنفسنا ونضبط مسعانا ونخترق المحرمات ونكتب لكي نقنع العالم أننا هنا ، خلقنا، لكي لا نكون مثل ما أراده الماكرون أننا في مجتمع البهائم ، ولدنا لنتناكح ، نتغوط، نتكلم في المقهى ، في أمكنة تنخر المؤخرات ونخرج تائهين ، منبطحين بصوت يقول :
إننا نرفض عندما نصحح، في حين أعماقنا لا تنتج سوى الخطابات الجوفاء التي لا تغير شيئا سوى أنها تنفض غبار وأوساخ حناحرننا المملوءة بالسم والوقاحة المتعبة.
سنلتقي مع حسن هموش لنفهم بحق معنى الانسان، وسمات تحققه كأسلوب فاعل في مجتمع مريض وسائب.
2-
يحيلنا الإشتغال على المعنى في كتابة حسن هموش ( حديث الدمعة)، على آلية التمظهر كمعطى بنائي دال، لأن البحث في هذه الخصائص ستفيدنا في استيعاب أفقها المبني بصيغة تحترم تمفصلات عوالم شاء لها صاحبها أن تنولد في بنيات أساسها تحولات عبر عدة مستويات وظيفية تفيد الانتقال من البنية السطحية أى العميقة، في أفق تأسيس إحالات تنمو عبر ازدواجيات مهمة تطور كل خطوات التطور في نص مركب بشكل توالدي عميق.
إن الغاية من كتابة تحترم خطوات تطورها هي سعي صاحبها في البحث عن التفرد والاختلاف أن يكتب خطابا بمساعي تهمه ، ولعل أول إشكالية تطرح في هذا الباب هي اختيار حسن هموش لعنوان بمعجم مغترب، ركز على الدمعة من خلال موضوع حديثها، فأنسنها وأخرجها من مجال ضيق لتصبح وظيفية في مجال آخر، كما ألصقها بحكاية لأن أساسها حديث، وبما أنها دمعة تتحدث بلغة الإحساس/ الدمعة، فهي مادة متحركة تحيل على مشاعر وعلى حالة ذات بعد سيكولوجي مثير، نفهم من لغة الدموع في ثقافتنا الشعبية أن العين تقذف ماء عندما تعني ألما، وجعا ما، كل من وجد نفسه في وضع سيكولوجي خارج المعنى بجد دموعه مخرجا نفسيا دالا كتعبير عن حالة في وضعية ما، كما نفهم من لغة الدموع ، وهي تتربص بنا ، بحكي بفيد الفرح ، ان الموضوع تحرك مفتوحا، كما نقول بكيت من كثرة الفرح، فتصبح دلالة الدمعة تفيد على مستوى الظاهر، إطارا محركا للنص ككل، نبكي عندما نتألم ، كما نرسل دموعا عندما نجد أنفسنا في وضع يستدعي البكاء كلغة ذات بعد نفسي محدد.
نفهم مما سبق، أن أية دلالة يريد الرجل في حديث دمعته، أن يحولنا عبر مسارات اشتغاله بلغة رافضة تتطلب أن نخرج من الأضيق نحو الأوسع، هنا ستجعلنا حكايته أمام الإختيار الأقرب إلى الدلالة الغرائبية.
سنضطر في المعطى أن نتحول في إطار الدلالات التي تجاوزت الشرط المطلوب، وهو موضوع ، حاول صاحبه أن يجعلنا الأقرب إلى صياغة مجاري معناه، أي تحديد كل العلاقات التي أخرجت الكاتب من أفقية مجاري المعنى ، إلى سيولة تأسيس دلالات بلغة قوية تنتج التوالد والبناء المتطور ، وهي عملية جعلت العين ، حسب العنوان ، أن تقذف المها بلغة الدموع. أي اشارة مشفرة تستدعي وقفة بسيطة أمام صناعة معمار الكنابة وفهم مستوى دورها في الإنتقال من حالة إلى اخرها.
-3-
يمكننا اعتبار عنوان الكتاب عند حسن هموش عتبة مهمة يجب الوقوف عندها، منها تظهر التجليات حسب الصياغة التي شاءها لرؤيته الخفية. لأنه جعل من العين أساسا بشريا وإبحاء إنسانيا جارحا أساسه مؤشرات مشفرة بخفاء ناضج، أما عندما تلفظ بمصطلح ( حديث)، فتلك إشارة قوية إلى أن ما سيأتي سيكون حكاية، بوح سردي، سماه في الأول قصة، ثم عاد ليقول موضوعا فكريا بعمق التعايش في بقعة من جغرافية العالم/ الصويرة موكادور، بشكل عام إن حكاية هموش التي في الأصل حديث وفي العمق قصة وفي الرؤية تصور أنثروبولوجي لظاهرة إنسانية تعني أقواما وأجناسا في حياة الصويرة ، هي رؤية للعالم وشكل من أشكال تأويل حكاية كثيرا ما تكلمنا عنها بظاهر باهت وبعمق خادع ، بما أن القصة أو الرواية أو الحديث هي منطوق سردي ، فهناك في الأصل سرد ، أي زمن، أحداث، أمكنة ثم أشخاص ، كلهم عناصر بنائية ظهروا لينجزون أفعالا على المستوى السوسيوثقافي، أي سنصبح أمام سرد من زاوية نظر علم السرد، لهذا ، من هذا الركن سنكون مطالبين بالبحث في كل العناصر التي تسهم في إنتاج الدلالة . بناء على هذا المعطى ، ومن زاوية نظر دقيقة ، إنها تشكل سردا أو حكاية ، إن شئنا حديثا ، فهي قابلة أن تدرس اعتمادا على أسس منهجية لفهم كيفية اشتغال الخطاب، وتحديد شكل الدلالة ، مما سيجعلنا سنتحول إلى موضوع الشعرية التي ارتكزت على الخطاب موضوعا في أبحاثها، عند كل من جيرار جنيت وتزفيطان تودوروف، أو البحث في عمق الدلالة من خلال موضوع تحقق شكلها، هنا سنصبح مطالبين بالوقوع عند سيميوطيقا السرد مع رائدها الجيرداس جوليان غريماس. إختيارنا لهذا أو ذاك مشروط بطبيعة السرد ، وبخاصية القيمة المهيمنة dominante
عودة الى موضوعنا الأول، قال حديث إذن نحن في حضرة السرد، أضاف كلمة دمعة كخاصية فاعلة في محتوى العنوان ، لتحيلنا الكلمة إلى مسار آخر بهم المشاعر والأحاسيس والشعور المقلق، وقد يحيلنا على فرح مغشوش مرشوش في متاهة رحلة معمقة عند رجل انطلق باهتا في تحديد مضامين كتابته، لذلك فتعدد المعاني التي تجرنا إليها هذه الكلمة ستجعلنا أمام أجزاء معنوية صغرى تثير أثرا ووقعا يدفع بنا الى البحث في السياق لتحديد المراد والوقوف عند المقصود. هي أجزاء صغيرة تقذف بقوة في إيحاء استهل به موضوعه ، مجموعة مشتتة لن يكشف عن متاهتها ويعري عن مسكنها سوى السياق الذي تتمظهر فيه المعنى في عمق بناه المؤلف برؤية دقيقة قاصدا بذلك مكرا ابداعيا خاصا به. سميناها أجزاء المعنى effets de sens لأنها مكونات قائمة الذات تظهر وتختفي، لتعمق لعبة الكتابة وتطور شكل تجليها وتخرجها من إطار عادي إلى مجال إبداعي عميق، وهي ما سماها تودوروف بادبية النص الأدبي، شكلت كلية متجاتسة مركبة من فونيمات متجانسة تؤثث الدمعة وتسكنها في حديث خارج الإثارة المكثف بسياقات طويلة تخفي العمق وتقوي المكشوف. تلازم الحديث بالدمعة يفيد إشارات مازالت لم تتحدد بعد معالمها ، بل ما سنفهم من تراكبها أنها جاءت تركيبيا مصاغة بارتباط محدد بين موضوع أساسه دمعة تسيل بصمتها التي ستخفي ضجيجا ما. تزداد الغرابة بظهور كلمة سبت وجمعة ، هما معا إحالة على مراجع انسانية أخرى غير متجانسة، فتزداد قيمة هذا التلازم في الزمن وفي الحدث التاريخي ، بما أن الأمر له صلة بحديث وبدمعة، فيصبح العنوان مثيرا عندما يكشف عن دوامة الغبار الذي يقذفه البوح بدرجة عالية من الغموض. فالسبت دال على قيمة أنسانية تعني اليهود ، والجمعة إشارة إلى يوم مقدس في حياة المسلمين، هما يومان مثيران في حياة طائفتين جمع بينهما الدم والحديد، لذلك كان حديثه دمعة دامعة ، لأنهما معا جمع بينهما الدين وفرقتهما السياسة. فالله عندهما موضوع مقدس لأنه رب الجميع، والأرض مقال مدنس في تيه إنسان يبحث لنفسه عن حياة وهوية في مكان متلف ومرعب. لهذا كان حديثا دامعا جارفا كالمطر الجارح في نفسية طائفتين مختلفـتين ، الأولى بسبتها والثانية بجمعتها ، أسستا شقا لصراع طويل ، عمق الجرح وقوى الفراق. هنا سنجد أنفسنا أمام سؤال جوهري ومفيد يقول: ما طببعة هذا الحديث وما عنوان هذه الدمعة في سبت جارح وجمعة شارخة في عمق طائفتين اختلفتا كثيرا في مسار التاريخ البشري منذ القدم؟.
ذلك ماسنراه في الحلقة المقبلة.
-4-
حديث الدمعة هو تأمل تأويلي لمفهوم الزمن في تيه طائفتين جمع بينهما الدين وفرقت بينهما السياسة ، فأصبح الفكر حسب كاتب جريح يعيد النظر في متاهة حديث حزين وقلق أساسه دمعة تتكلم ألما ليسقط كالمطر الجارف في دوامة تاريخ قلق ومضطرب، حول العالم برمته إلى أقصوصة صغيرة عنوانها دم ينزف باستمرار لعنة واحتقارا ، إن أساس هذه الإختلافات هو موضوع إنسان يبحث لنفسه عن موقع وهوية ، حارب من أجلها قرونا عدة، فجاء الحديث سبتا يسعى أصحابه العابرين إبجاد استقرار في أرض الميعاد، وجمعة بقومها يبحثون عن سلام غير تام في تاريخ يحترم القوي ويدوس الضعيف ، فغاب السلام في جغرافية بلا سلم ولا أمان ، ضاع التعايش وانبزغ الحقد والكراهية، كما تاهت الأخوة ليحل محلها الحقارة و العديان، اختفت المودة ليزداد الإرهاب وتقهر النفوس والأبدان ، ليصبح السؤال المحوري ضروريا ، بصفته أساس الكتابة عند رجل يكتب في موقع خفي ، منه يرى العالم ، وفيه تتحرك مرجعيات بنائه، ليطل علينا بسلام وتعايش مغشوش ملعون مضطرب، لأن أساس القضية هنا عمقها دم يسقط حديثا في دمعة تنزف مرارة ، ليثار الجدل كموضوع يهم شأنا إنسانيا عالميا وتاريخيا ، محوره أرض وعمقه دين ووجدانه إيديولوجيات تتناحر لتكتب التاريخ بدم يقوي الطرح ويعمق الألم، بما أن العلاقة بين العنوان والنص علاقة كهربائية، كل جزء يتحقق لصيقا بجزء آخر ليبني كلية منسجمة، متماسكة ومرتبطة.، فإننا سنجد ما تبقى من كتابة هموش هي رسالة مسترسلة تحدد خصائص معنى مشتتة وخطاب يحترم أدبية الكتابة ليبني موضوعات متمفصلة، تبحث عن الإثارة والدهشة ، وتبحث في العمق السائب، أي علاقة بنائية ترشدنا لنخرح من متاهة سؤال إشكالي وعام ، يعني الوجود برمته، بصفته موضوع الضياع والإنكسار ، من حيث النظرة/ التأمل، ومن حيث الموضوع/ المنطلق أساس الكتابة عند حسن هموش/ التعايش كفكرة وجدانية في مرحلة حرجة من الزمن الصويري خاصة والعالمي / التجلي. أي علاقة متلازمة ، متداخلة توليدية ستفيدنا في تأجيل الجواب لتنجاوز الإسقاطات ونسقط في العموميات غير المبررة والمموهة / المضللة..
-5-
يستهل الكاتب خطابه بنص لأنس شوشان بخاطب فيه الإنسان عامة ، مهما اختلفت مذاهبه وتصوراته ، سواء كان بهوديا أو مسيحيا ، مسلما أو شيعيا ، يطالب فيه ضرورة تجاوز الأصوات المضللة المغرضة ، لأن الإنسان في عمق كيانه هو خليفة الله فوق الأرض، وهي إشارة تحيلنا على طرح هيجل الذي يميز بين العقل الكلي والعقل الجزئي، فالأرض ملك للجميع، لا يحق لأحد أن يكون وصيا على الآخرين، لهذا يمكننا اعتبار نص أنس شوشان يشكل الإشارة المفتاح لمرجعية عميقة في التصور عند حسن هموش، الكاتب الذي ببحث عن الإنسان في العمق البشري الذي كسرته تصورات متناقضة ، تشتغل بأهداف نرجيسية ، هدفها خلق العداوة والحروب والصراعات التي أخرجت الإنسان من إنسانيته لتجعل منه حيوانا مغترسا، اي عندما يصبح الإنسان عدوا لأخيه الإنسان تضيع الحقيقة ويختفي السلم وتضيع الكرامة ويعم الشقاء والدمار. اعتبرنا نص شوشان الإشارة المنطلق بصفتها معطى مهما لأنه سبشكل بوابة منها يرى الكاتب العالم، وبها يفتتح مجرى كتابته بأهداف واضحة. فحسب توماشوفسكي، الكاتب الروسي ، إذا رأيت مسمارا ما معلقا على حائط أدبي ما فاعلم أن صاحبه يريد به شنق إحدى شخصياته، لهذا فالنص ، في نظري جاء لأهداف تهم صاحب كتاب حديث الدمعة، لذلك لن ننظر إلى النص بنظرة جد ضيقة على اساس أن الكاتب يريد أن يضفي فكرة عابرة على موضوع شائك باستحضار نص وظيفي، بعدها نمر عليه دون أن نضفي عليه مصداقية قوة تواجده في البداية، بل سنجعل منه بؤرة دلالية جد هامة ، يحدد النافذة الأساس التي منها يشم المؤلف رائحة الوجود . لهذا يمكننا النظر إلى نص أنس شوشان على أساس أنه تقدبم الفكرة المشروع في العمل ككل، من زاوية تحترم مقولة لويس ألتوسير التي تقول بعدم إغفال الفكرة المحورية التي تشكل المرجعية الأيديولوجية في كتابة مشوشة، إذن نص شوشان يعري عن الأساس الذي يشكل الخلفية الهامة التي منها يرى هموش العالم، وبها يحكم عليه ليلعنه بصيغته. لعل مايثبت ذلك هو ماجاء في الصفحة الخامسة التي حدد فيه برنامج كتابته عندما قال: ( قصة حديث الدمعة لمابين السبت والجمعة وصايا احياء لاحياء عن لسان راويها حسن عايش الذي عايشها وأخرجها من ذاته ، كي تخاطب الإنسانية جمعاء في عمقها الذي يحدد الهوية ، هوية الإنسان كإنسان...)، إلى أن يصل إلى ( خلال حقبة تاريخية من ماضي مدبنة عجيبة ناضلت من أجل كل القيم الإنسانية : الصويرة موكادور العريقة.). ثم يعود في الصفحة السادسة ليقول: ( اتسمت علاقات قاطنها بالوفاق سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات ، هنا وجدوا كل حقوقهم الدينية والمدنية ، وكان سلاطين المغرب يصدرون ظهائر التوقير والإحترام لهم، كذاك الذي أصدره السلطان سيدي محمد ابن عبدالله سنة 1764 ، والذي ينص على معاملة اليهود المغاربة طبقا للعدل، فهم متساوون أمام المحاكم ، وبذلك كونوا علاقات ود مع السكان والحكام على حد السواء...)، ثم يعود في نفس الصفحة ليقول: ( يعود بنا حسن عايش مسترجعا أنفاسه في أزقة المدينة التي مازالت تبحث من بين أحفادها عمقا ينظر إليها بعين الرحمة الدامعة ، ويحن عليها بالقلب الخافق المجروح على أساس انسنة الحياة بها من جديد وفتح أبواب التعايش المنغلقة بها منذ مدة ، حتى يعم الإخاء والرخاء ويستمر تلاقح الثقافات بداخلها مرة أخرى عبر بوابة العشق والحب كأداة تعبير نبيل يردنا إلى منابع النضج الإنساني الكوني كي لا تنطفئ بها شمعة الحياة.).
نفهم مما سبق ، كإشارات نصية هامة، مايلي:
إولا: إن الراوي الأصلي في حديث الدمعة هو حسن عايش.
ثانيا: حسن الراوي ، المحور الثاني في حديث هموش، هو راو يروي ماروي له من طرف حسن عايش، لذلك سننظر إليه بصفته الراوي الحقيقي الذي يروي ما روي له، لذلك اعتبرناه الراوي المروي له.
ثالثا: الغاية أو موضوع حديث الدمعة هو الدفاع عن القيم الإنسانية الكونية من خلال استحضار الصويرة موكادور وأساس وجود يعني التعايش
رابعا: موضوع الحكاية يحيل على الصويرة كمجال أو فضاء تاريخي مميز بتيمة التسامح والتعايش بين أجناس مختلفة.
خامسا: يشهد تاريخ المغرب على التعايش واحترام فكرة الإختلاف وعلى رأسها التعايش مع البهود.
سادسا: حسن عايش يدعو إلى أنسنة مدينة الصويرة التي تحترم الإختلاف.
كلها معطيات ستفيدنا في فهم طبيعة تمفصل المعنى وتحقق مسار الخطاب بآليات جد متداخلة ومتوالدة تعمق خاصية البناء بشكل تركيبي عميق، أي سنصبح أمام مؤشرات تجعلنا نعي بشكل أساسي شكل تأويل المحيط الذي فيه تتحرك المدينة ، وتتمظهر الحكاية لتؤسس خطابا سرديا مميزا يمارس لعبة الدهاء، بإقناعنا أنه يحكي قصة حقيقية .
ذلك ماسنراه في الجزء القادم. . / يتبع.
-6
ملاحظات بنيوية ستجعلنا ندخل غمار كتابة هموش من زوايا تخفي عمق دلالتها لأنها تحتوي مواضيع مهمة يبغي صاحبها ممارسة دهائه الفكري بطربقة تزيد من قيمة الكتابة، هو يعى بما يكتب ، لأنه يسعى لإنتاج خطاب قال عنه : يصبح وصايا أحياء لأحياء، مما يجعلنا أمام مدخل فكري حداثي جد متمظهر بإيحاءات قوية تلزمنا فك خيوطها. من هنا سنركز على الخطاب من خلال تفكيك شفراته المتداخلة، لأننا نجد أنفسنا أمام خطاب يتحكم في بنيته راوي يؤدي دوربن مزدوجين، من جهة هو راو ومرة جهة هو مروي له، لأنه هو الذي يروي هذا الحديث الذي رواه له حسن عايش، لنفهم أن حسن هموش ليس هو رواي الحكاية ، ما يجعلنا نواجه بنية سردية ، تجعلنا نقف عندها عبر الأشكال التالي:
أولا: حسن هموش ازداد في 27/ 12/ 1959.
الثاني: حسن الراوي ازداد في 28 رمضان 1960
ثالثا: حسن عايش هو الذي روى لحسن الثاني حكاية موكادور المجروحة في زمن الخمسينات.
ما نفهم من هذه التوالدات، :
عندما يتكلم حسن عايش يحضر الزمن في موضوعين:
أولا: موضوع زمن الحكي/ الخمسينات ( مرحلة الطفولة والدراسة).
ثانيا: موضوع أحداث السرد: علاقات متداخلة بين أسر إسلامية ويهودية، ثم حكايات غرامية، وقصص تعايشية مثيرة.
إن الزمن في حديث الدمعة تحكمه عدة عوامل مختلفة، نحدد بعضا منها في الترتيبات التالية:
زمن الحكي : لم يتعد ثلاث سنوات لأنه مقرون بإشارات مهمة، منها تواجد طالب اجتاز امتحان التعاقد في التعليم، وهي إحالة على سياسة جديدة في التعليم المغربي، مما يجعلنا أمام إشارة قوية بنائيا تفيد زمن حكاية حديث الدمعة.
زمن الأحداث: مرحلة الخمسينيات، مقرونة بحدث الإستعمار، وبزمن قبل مهاجرة اليهود الصويرة ، أي ما قبل حدث السفر إلى أرض الميعاد، وهي اشارة مرتبطة براو إسمه حسن عايش عندما انحصر دوره في مهمة راوي.
إن لعبة البناء السردي في حديث الدمعة تتوالد بتوالد لعبة عناصر التطور السردي ، بمعنى كلما ظهر عامل ما إلا وغير معه مجرى جميع أشكال الخطاب في السرد ككل، الأحداث والأمكنة والزمن والرواة، بمعنى ظهور حسن عايش يرجع بنا في الزمن إلى مرحلة الاستعمار، وهو زمن تحضر فيه شخصية صول ويوسف والحاج أحمد، كما تحضر أمكنة مرتبطة بهم جميعا، كالمدرسة وغيرها، أما عندما يصبح حسن راويا، يقطع سرد حسن عايش ، أما عن طريق التذكر أو التعقيب أو الإستفسار أو غير ذلك ، فتظهر أمكنة جديدة و شخصيات جديدة وزمن جديد. هذا دون أن ننسى أن حسن عايش يلعب أدوارا أخرى ، من جهة راوي يحكي الحكاية ، وفي نفس الوقت يصبح شخصية كفاعل يلعب أدوارا في الأحداث التي يتكلم عنها، أحيانا اخرى يتحول ليصبح مروي له؛ أي يؤدي أدوارا مختلفة في الحكاية، ليغني بذلك دينامية أقطاب الخطاب بدرجات متفاوتة، هو راوي ثم شخصية وأحيانا مروي له وذلك يقول في الصفحة 17 : ( سمعت من صديقي الأستاذ الرزازي يوما...) ، وهكذا تبنى الحكاية متمفصلة بدرجة عالية من التمويهات، جعلت مجموعة من الباحثين يشتغلون على خطاب حسن هموش بأنه كتابة تعني شان التعايش في الزمن الصويري، في مراحل مختلفة من الوعي الذي يعني تاريخا حاضرا بقوة في ذاكرة مدينة لها قيمة لا تبلى في هذا المجال ، في حين العمق الذي خفي عنهم انها شكلت كتابة بدرجات عالية من الجودة في مجال اللعب ببنيات السرد ، جعلت من كتابته تحترم اللعبة السردية بنفس القيمة التي اشتغل فيها في حياة التعايش .
-7
بوعي أو بلا وعي، عندما يتوقف سرد أحداث زمن وصول إلياس والحاج أحمد وعلاقات عائلات مسلمة بأخرى بهودية، يعود حسن الراوي ليوضح بعض الجزئيات التي غابت عن حسن عايش، أما شارحا أو منبها أو منتقدا، وأحيانا معقبا، هو تدخل يزيد من دينامية تفاعل عناصر السرد وإغناء مستويات ديناميتها بحركية خفية جدا، قلت هذا لأن أي تحول في كل عناصر الكتابة ترفقها تحولات عميقة على كافة المستويات، مثلا الزمن في حكاية حسن عايش هو ممتد وطويل قد يتجاوز أربعين سنة أما مع حسن الراوي هو أني وقريب لم يتعد اربع سنوات، في حين حسن المؤلف استطاع جمع كل الازمة بخيط دقيق لايفيد أي ارتباك أو تفكك ،على مستوى الترابطات، وهي قيمة تحسب له، لأنه استطاع احترام اللذة والشوق ، إلى جانب خلق الدهشة على كافة المستويات. مع حسن عايش يحضر الماضي بمكانه وشخصياته وزمنه وأحداثه، إلى جانب الفاعل القوي فيه هو حركية مشاعرية قوية بين أسر عريقة في الزمن الصويري، أما مع حسن الراوي الصويرة تبكي والإنسان يضيع والحياة تذبل ، فيصبح كل شيء قابل أن يعاد فيه النظر نتيجة تمزق في العلاقات وقيم التاخي . أما حسن الكاتب ، ترك التأويل مفتوحا لتقرأ الحياة من كل الزوايا باعتبار أن الأرض في النظرة الاسلامية هي ملك للجميع وأرض الميعاد هي حقيقة في الخرافة اليهودية ، من هنا تصبح الحقيقة متاهة في حلم كاذب ، غالبا ماتغنى عنه الغافلون، وتوجع له الساذجون ، وحزن عنه الضائعون، أما المتمسكين بزمام الفكر طرحوا الموضوع مفتوحا ليقرأ من نوافذ عدة ، كل حسب قدرته على إدراك أسرار تطور الحياة في عالم غير سوي . معطيات جمة خلقت كلية متماسكة ومنسجة ، رغم كل التناقضات التي تخفي سر هشاشة إنسان عربي فج لا يملك المناعة لإخراج الماكر في عمقه ، الذي يحركه نحو المجهول، أو عدم استطاعته على فهم أسرار فنائه وفق صيرورة تاريخية مزيفة. هي دينامية فنية أهلت العمل أن يرتقي إلى مستويات فنية راقية تهدف إخراج الكتابة من الأفقية لتدخلها في مسار توليدي ، عمق الزمن وجر معه المكان ليصبح خاضعا لدوامته الجد مميزة، كما عمقت أسلوب الكتابة لتقوي ديناميتها بأشكال راقية من الوعي في الكتابة عند رجل يتفنن فيما يكتب؛ بشكل أدق، مع هموش تكلمت الصويرة وأصبحت مثلنا تتوجع وتتكلم وتحكي عن ضياعها ، لتصبح شخصية محورية شأنها شأن عباد الله الذين يتغيرون وفق شروط تطور الارض وصراعاتها مع نواميس تتحكم في حركية ثباثها وتحولها .
كلها معطيات استطاعت أن تجعل من كتابة هموش تنبني وتتأسس على قواعد مهمة أنتجت برامج سردية غنية بتفاعلها ، سواء على مستوى التماسك أو الإنفصال ، فتجعلنا نتيه في بنيات سردية متداخلة أسست برامج سردية متنوعة. programmes narratifs حسب سيميوطيقا السرد أو نظرية باريس
- 8 - تفاعل البرامج السردية في حديث الدمعة عند حسن هموش
إن الحديث في مجال البرنامج السردي يستدعي تجاوز مفهوم الشخصية وتعويضه بالعامل، لأن هذا الأخير أكثر إجرائية من الأول ، من زاوية أن العامل قد يتضمن مجموعة من الشخصيات، إلى جانب أن العامل يؤدي دورين مزدوجين في نفس الوقت، من جهة هو عامل له موضوع قيمة يسعى إلى إنجازه، ومن جهة أخرى هو ممثل له دور تيماتيكي يريد أن يقوم به على مستوى السوسيوثقافي. لهذا سنركز على العامل لنتخطى مفهوم الشخصية لتقليديتها في مجال علم السرد الحديث.
إن الحديث في حديث الدمعة يقودنا إلى وجود مجموعة من البرامج السردية التي تتفاعل فيما بينها لإنتاج خطاب سردي راقي في مجال بناء بنيات سردية تتوالد و تتطور بحركيات غير عادية، ذلك ما سنقف عنده بتحديد هذه البرامج ، مع الكشف عن بعض أسرار تمفصلها بفنية عالية من الجودة.
إن المثير في حكايات هموش، منها المتداخل ومنها المتباعد، تتأسس بنية المعاني بنسقية قوية عمقها تداخل ازدواجيات متنافرة، بها يتقوى السرد، وفيها تبنى كل تجليات الوحدات السردية بتداخل خفي، يصعب على القارئ العادي إدراك خيوط تشكيل نسيجه. سنكتفي ببعض البرامج، لأن الكتاب يحتوي على مجموعة كبيرة من البرامج يصعب التكلم فيها جميعا، لهذا سنعتمد على بعضها الفاعل بقوة في حديث حسن هموش، اعني هنا سأركز على برنامج العامل يوسف، وعلى برنامج الأب الحاج أحمد، بصفتهما فإعلان بقوة في مرحلة الخمسينيات ، زمن حكي حسن عايش ، ثم أخيرا على برنامج الصويرة السردي ، رغم أنها تشكل مكانا ، فهي الأخرى بدورها لها مرامي تسعى تحقيقها.
عندما نقول برنامج سردي من منظور سيميوطيقا السرد، فإننا سنتحول مباشرة إلى عامل ذات الذي يريد أن يتحول من الحالة الأولية، مرحلة الشعور بالنقص، لينتقل إلى المرحلة النهائية، مرحلة تجاوز الشعور بالنقص، فيصبح العامل في وضعية تشكل هدفا في كل مراحل بحثه على مستوى المسار السردي ككل. بناء على هذا المعطى ، نجد عامل الذات متجندا بمجموعة من القيم الجيهية، هي في عمقها أربعة، نجد العامل مميزا بعامل المعرفة، أي يعرف ما يريد تحقيقه، كما نجده متسلحا برغبة قويه، تؤهله في عملية سعيه لإنجاز برنامجه، كما نجده مسلحا بعنصر الواجب، لأنه يرى في عمليه سعيه للإنتقال يكون مطالب بهذه الخاصية، طبعا دون أن تغيب خاصية القدرة لأنها عامل ملزم للقيام بالتحول من الحالة الأولية الى الأخرى النهائية. وفق هذا المعطى سنبحث في البرنامج السردي عند عامل ذات يوسف. قبل ذلك سنحلل الدو التيماتيكي الذي ينجزه يوسف . سنجد أن كل من الإبن ( يوسف) ، والأب الحاج أحمد ، معا يشكلان ممثلان لهما تيمة مشتركة يلتقيان عندها. سنحدد اللعبة التيماتيكية على الشكل التالي :
يوسف ____تيمة الاسرة ( الابن).
الحاج احمد ___ تيمة الاسرة( الابوة).
بذلك تصبح العلاقة بين الممثلين تجمعهما تيمة الأسرة، لذلك يؤديان دورا تيماتيكيا مشتركا تحكمه الترابط الذي يجمع بينهما ، أما إذا ما نظرنا إليهما من حيث الدور العاملي ، سنجد أنهما منفصلين ببرنامجين عاملين مفترقين، من تلك الزاوية يصبحان متباعدان على مستوى القيمة الوجودية في مسار انتاجات يحققها السرد من منظور التوالد والتباعد. من هنا سنجد الدور العاملي عند يوسف جاء على الشكل التالي :
.يوسف___ عامل ذات. صول ___ عامل قيمة (الحبيبة التي يسعى الزواج بها) الهجرة إلى أرض الميعاد +
رغبة الأب في أن يصبح إمام المسجد____ عامل معاكس.
العلاقة العائلية_________ عامل مساعد.
تتحقق بنية إنتاج البرنامج السردي في حديث الدمعة، من زاوية أن يوسف كعامل ذات يسعى طامحا الزواج من صول ، ذات الأصل اليهودي، الفتاة التي حبها إلى الجنون ، بذلك ستشكل موضوع-قيمته، هي عملية شابتها مجموعة من العوائق، كما حضرت فيها عوامل أخرى مساعدة، سنجد علاقات القرب على مستوى العائلي كانت عاملا سهلت تقارب يوسف وصول ، لكن رغبة الأب في أن يرى ابنه إمام مسجد يصلي بالناس شكلت اعتراضا قويا من طرف الأب ، إلا أنه اعتراض لم يكن كاف في إيقاف هذا الحب وقلته، لكن الهجرة إلى إسرائيل كانت سببا قويا في إيقاف هذا الجسر العاطفي وقتل حياة ترابط روحي ، أدى إلى انهيار يوسف وتدميره. من هنا يمكن اعتبار عدم توفر القيم الجيهية كاملة كانت سببا في انهيار تواصل روحي عرى عن انهيار يوسف روحيا ووجوديا ونفسيا ، بمعنى إذا كان شرط الرغبة حاضرا إلى جانب عنصر الواجب، ثم المعرفة على أساس أنه يدرك جيدا خيوط علاقته بحبيبته ، فإن عنصر القدرة غاب لأنه لم يكن قادرا على منع صول من السفر إلى أرض الميعاد ، باعتبار أن هذه الأخيرة كانت ترى في شرط سفرها أقوى من بقائها الى جانب حبيبها ، هنا يعري عن هشاشة الكائن المسلم ويكشف عن قوة اليهود في احترام مواضيع تعني المبدأ على حساب العاطفة ، ربما كان ذلك من أسرار نجاحهم وتفوقهم عن الجنس العربي المنخور عاطفيا ونفسيا. النتيجة النهائية هي فشل البرنامج السردي عند يوسف، ولم يستطع بذلك التحول من الحالة الاولية إلى الحالة النهائية ، بمعنى بقي برنامج الشعور بالنقص هو الحاضر في حياة يوسف داخل حكاية حديث الدمعة. أما عندما نتحول عند الحاج أحمد بصفته عامل ذات ثاني في حديث حسن هموش ، سنجد لعبة إنتاجه للمعنى على مستوى البرنامج السردي جاء على الشكل التالي:
يوسف الفقيهّ+ الامام_____ موضوع _قيمة للحاج أحمد الذي شكل عامل ذات.
العامل المساعد _____ التقارب العائلي.
العامل المعاكس ____ صول الحبيبة .
هكذا تتحول صول من موضوع قيمة في برنامج يوسف إلى عامل معاكس في برنامج الحاج أحمد ، فتصبح العوامل تتحرك وتتطور لتبني خطابا سرديا متوالدا بشكل تركيبي بنائي. نفس الشيء سيقال عن الحاج أحمد الذي سيفشل هو الأخر في برنامجه السردي ، لأنه غابت فيه قيمة القدرة كقيمة جيهية مهمة في لعبة القيم الجيهية المفروض حضورها في عامل ذات لإنجاح البرنامج السردي في حديث غرائبي البناء و الإنسجام، مما سيطور عناصره ، رغم تميزها بخاصية البناء على معطى مهم أساسه الإزدواجيات المتناقضة في البنية العامة المحركة للفعل السردي في حكاية هموش المثيرة للجدل. هدفنا من الكشف عن هذه الشبكة المحركة للأفعال السردية ككل هو تحديد شكل حركية السرد، وكيفية بناء الأحداث وتداخلها القوي ، وقوة تداخل وتباعد الرواة ، وتحول الأمكنة والاحدات، دون أن ننسى علاقة ما سبق بحساسية الزمن السردي المتمظهر ، كلها معطيات أسهمت في خلق كلية منسجمة ، مميزة ببعد جمالي واضح .
بعد كل ما سبق يمككنا الحديث عن برنامج سردي ثالث مميز بكونه لا علاقة له بالإنسان ، يعني ستصبح الصويرة موكادور كمكان لها القدرة أن تكون عامل قيمة ، لها أيضا أهداف يريد تحقيقها ، لذلك سنحدد برنامجها السردي على الشكل التالي :
الصويرة موكادور -------------------------- عامل ذات .
الخروج من الضيق والإختناق ----------- موضوع- قيمة.
ناسها وسكانها ---------------------- عامل مساعد.
الكراهية وغياب التعايش ----------- عامل معاكس.
النتيجة : مدينة تعيش الألم ، لأنها مجروحة ، دامعة ، تحترق في صمت رهيب ، بسبب غياب التعايش وهجرة طرف له معنى قوي في مشاعرها.
بعد طرحنا لمستويات تطور الحكي في حديث الدمعة عند حسن هموش ، نلاحظ أن مدينة الصويرة الآن ، كزمن وصويرة صول والحاج أحمد في مرحلة الخمسينيات / زمن الحب والتآخي ، هما معا يشكلان مكانين متباعدين متفارقين على كافة المستويات ، هي كلها إيحاءات تدل على أن المسافة تعمق الجرح وتقوي مسافة النوستالجيا التي أنتجت مدينة ممزقة تعيش الإضطراب والألم .
أخيرا ، يمكننا أن نختم هذه الدراسة بطرح الملاحظات التالية :
يمكننا اعتبار حديث دمعة هموش أنها شكلت بنيات سردية أنتجت معانيها بتوالدات قوية ، قوت تمفصلات الدلالة وإغناء تشابك إنتاجها بدرجات عالية من المتعة ، وزعت خصائص السرد بخصائص فنية جد منزاحة عن الخطابات العادية ، فأنتجت تمظهرات عميقة على كافة مستويات الخطاب ، شكلت قيمة مضافة أساسها لعبة متماسكة جعلت من المكان والزمان وأفعال العوامل بنيات فنية جميلة ، دون أن ننسى دينامية أقطاب الخطاب / الرواة ، الذين انولدوا بتعاقبات تستحضر التناوب لتغير من مجريات الإيقاعات ككل ، مرة تتباعد ومرة أخرى تتقاطع ، لتنتج كلية تركيبية أنتجت لنا حديثا سرديا في مسوى عالي ومتميز ، لتسهم كلها في بناء نسيج إبداعي منسجم : متداخل ، عمق الكتابة وقوى من مسارات تحققها الفني والإبداعي.
سعيد فرحاوي - المغرب.