ما تبقى منّي يشرب الآن نبيذاً رخيصاً مع ما تبقى من هذه البلاد.
أنتِ لا تذكرين يوم نكست باريس كلّ عطورها, حداداً على روح فرنسا التي أزهقها وليد أبو السل بهدفٍ واحد.
كم كان عمركِ يوم غربل مارادونا كلّ البشريّة, من أوّل الكوكب حتى آخره، ليسجل ذكرى؟.
هل كنتِ على الأرض عندما أدار مناف رمضان ظهره لها وكأنّها شيءٌ تافه، ليخترع دبل كيكاً لا ينسى؟.
معك حق أن تكرهي التدخين، فأنت لم تشاهدي سلوم حداد وهو يدخن في (الخشخاش).
أمكِ لم تنجبكِ بين حلقتين من (ليالي الحلمية)، أظن أنها أنجبتك أثناء (الجوارح) لـ تأنزرَ شراً.
كنت رضيعة عندما أخبرنا محمد فارس عبر الشاشة الشاحبة للتلفاز، بأنّه يشاهد سوريا من نافذة مركبته في الفضاء, وفي المدرسة أخبرنا مدرس التربيّة القوميّة أن محمد فارس شاهد أيضاً سد الفرات.
ما تبقى منّي يعزف ليرقص ما تبقى من هذه البلاد.
هل كنتِ تتذوقين الشعر عندما مات رياض الصالح الحسين في مشفى المواساة؟. طبعاً لا.. كيف تتذوقين الشعر آنذاك، ولم يكن لديك نهد بعد؟.
أنا أكبر منكِ بخطتين خمسيتين.
عندما كنتِ صغيرة كانت طفولتك تنساب على أصابع البيانو، وأنا في طفولتي كنت أعزف سيمفونيات رائعة، بأن أدحرج جرة الغاز برجلي على السلالم الموسيقيّة المرسومة فوق إسفلت شوارع حارتنا.
وقتها لم يكن لديك أحزان لتنسيها في باص الـ هوب هوب، فيلتقطها السائق ليعلّقها بين الزينة المزدحمة على سقف وجدران باصه، متحفٌ لأحزاننا كان باص الـ هوب هوب.
ما تبقى منّي يرفع مخموراً نصف أذانٍ كـ بشار بن برد، فيسجد ما تبقى من هذه البلاد نصف سجود.
في تلك الأمسيات لم يكن لدينا وروداً لنقطع أوراقها بلطف ونحن نهمس (تحبني. لا تحبني. تحبني. لا تحبني)، إنّما كنّا نزعق بغلاظة من فوق الأسطح والشرفات (صار. ما صار. صار. ما صار) ونحن نترجى ونتوسل (الأنتيل) أن يلتقط قناةً تركية، لنشاهد أغنية للحلوة سبيل كان، بعد أن تعبت أرواحنا من أغنية (يا معاملنا دوري دوري.. يا معاملنا غني ودوري).
هل سبق لكِ أن شاهدتِ من نافذة غرفتك النمر الوردي، وهو يجلس على غصن شجرةٍ متسلّحاً بموسيقى من اللامبالاة، لينشره بمللٍ من جهة الشجرة عن يساره بلا خوف؟، وعندما ينتهي الشجرة وكوكب الأرض المعلق بها يسقطان.
الفرقة الناجية بحسب خيالاتي، هي التي تجلس عن يمين النمر الوردي على ذات الغصن.
أعتذر يا حبيبتي.. لكن، لا أظن أن الله قد خطر بباله أن يخلقكِ آنذاك.
لقد كان مشغولاً مثلنا بمشاهدة مارادونا, وهو يغربل ما تيسر له من بشر.
نخبكِ.. فلم يتبقَّ من كلّي ولم يتبقَّ من كلّ هذه البلاد.. سوى أنتِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصطفى تاج الدين الموسى
كاتب قصصي ومسرحي سوري، درس في كلية الإعلام بجامعة دمشق، صدر له مجموعة قصصية واحدة بطبعتين (قبو رطب لثلاثة رسامين). حائز على عدة جوائز في مجال القصة القصيرة على الصعيد السوري والعربي.
أنتِ لا تذكرين يوم نكست باريس كلّ عطورها, حداداً على روح فرنسا التي أزهقها وليد أبو السل بهدفٍ واحد.
كم كان عمركِ يوم غربل مارادونا كلّ البشريّة, من أوّل الكوكب حتى آخره، ليسجل ذكرى؟.
هل كنتِ على الأرض عندما أدار مناف رمضان ظهره لها وكأنّها شيءٌ تافه، ليخترع دبل كيكاً لا ينسى؟.
معك حق أن تكرهي التدخين، فأنت لم تشاهدي سلوم حداد وهو يدخن في (الخشخاش).
أمكِ لم تنجبكِ بين حلقتين من (ليالي الحلمية)، أظن أنها أنجبتك أثناء (الجوارح) لـ تأنزرَ شراً.
كنت رضيعة عندما أخبرنا محمد فارس عبر الشاشة الشاحبة للتلفاز، بأنّه يشاهد سوريا من نافذة مركبته في الفضاء, وفي المدرسة أخبرنا مدرس التربيّة القوميّة أن محمد فارس شاهد أيضاً سد الفرات.
ما تبقى منّي يعزف ليرقص ما تبقى من هذه البلاد.
هل كنتِ تتذوقين الشعر عندما مات رياض الصالح الحسين في مشفى المواساة؟. طبعاً لا.. كيف تتذوقين الشعر آنذاك، ولم يكن لديك نهد بعد؟.
أنا أكبر منكِ بخطتين خمسيتين.
عندما كنتِ صغيرة كانت طفولتك تنساب على أصابع البيانو، وأنا في طفولتي كنت أعزف سيمفونيات رائعة، بأن أدحرج جرة الغاز برجلي على السلالم الموسيقيّة المرسومة فوق إسفلت شوارع حارتنا.
وقتها لم يكن لديك أحزان لتنسيها في باص الـ هوب هوب، فيلتقطها السائق ليعلّقها بين الزينة المزدحمة على سقف وجدران باصه، متحفٌ لأحزاننا كان باص الـ هوب هوب.
ما تبقى منّي يرفع مخموراً نصف أذانٍ كـ بشار بن برد، فيسجد ما تبقى من هذه البلاد نصف سجود.
في تلك الأمسيات لم يكن لدينا وروداً لنقطع أوراقها بلطف ونحن نهمس (تحبني. لا تحبني. تحبني. لا تحبني)، إنّما كنّا نزعق بغلاظة من فوق الأسطح والشرفات (صار. ما صار. صار. ما صار) ونحن نترجى ونتوسل (الأنتيل) أن يلتقط قناةً تركية، لنشاهد أغنية للحلوة سبيل كان، بعد أن تعبت أرواحنا من أغنية (يا معاملنا دوري دوري.. يا معاملنا غني ودوري).
هل سبق لكِ أن شاهدتِ من نافذة غرفتك النمر الوردي، وهو يجلس على غصن شجرةٍ متسلّحاً بموسيقى من اللامبالاة، لينشره بمللٍ من جهة الشجرة عن يساره بلا خوف؟، وعندما ينتهي الشجرة وكوكب الأرض المعلق بها يسقطان.
الفرقة الناجية بحسب خيالاتي، هي التي تجلس عن يمين النمر الوردي على ذات الغصن.
أعتذر يا حبيبتي.. لكن، لا أظن أن الله قد خطر بباله أن يخلقكِ آنذاك.
لقد كان مشغولاً مثلنا بمشاهدة مارادونا, وهو يغربل ما تيسر له من بشر.
نخبكِ.. فلم يتبقَّ من كلّي ولم يتبقَّ من كلّ هذه البلاد.. سوى أنتِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصطفى تاج الدين الموسى
كاتب قصصي ومسرحي سوري، درس في كلية الإعلام بجامعة دمشق، صدر له مجموعة قصصية واحدة بطبعتين (قبو رطب لثلاثة رسامين). حائز على عدة جوائز في مجال القصة القصيرة على الصعيد السوري والعربي.