كتب – جعفر الديري
جون ياروود معماري بريطاني شهير، سكن مدينة المحرق في مملكة البحرين، في الربع الأخير من القرن الماضي، وسكنت المدينة في وجدانه، حيث تداخل حب الاكتشاف والتدوين لدى الغربيين بالارث المعماري الذي كانت تكتنزه هذه المدينة، التي جعلت ياروود في سباق مع معول الهدم وجعلت قلمه في حوار رائع مع المباني التراثية.
وتضيف رئيسة أمناء مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث الشيخة مي آل خليفة، خلال حفل تدشين كتاب "المحرق: العمارة التقليدية لمدينة بحرينية"، بحضور مؤلفه جون ياروود: على مدى عامين استطاعت العيون الراصدة لياروود أن تحفظ سجلا رائعا لفن العمارة التقليدية في هذه المدينة. فاستطعنا من خلال هذا التسجيل الدقيق أن نعود الى تلك المنازل القديمة ونستحضر حياة ساكنيها ومع عودتنا ننقل هذا الكم الرائع من الرصيد القيم الذي يعني كل المهتمين والباحثين المعاصرين في مجال التراث المعماري.
يتكون كتاب وود من ثلاثة أجزاء رئيسة، الجزء الأول منها يحتوي على أربعة فصول تقدم معلومات عامة عن النسيج العمراني والبنية السكنية والعناصر البنائية والحرفية، وتقنيات البناء ومواد الانشاء، وتطوير الأنماط المعمارية. أما الجزء الثاني فينقسم الى ثلاثة فصول تقدم تحليلا تفصيليا لمساكن المحرق المتميزة، ووصفا للسمات العامة المنقاة، وتحليلا للنسيج العمراني والبنائي لمنطقة سوق المدينة القديمة، في حين يضم الجزء الثالث فصلا واحدا يقدم من خلاله الكتاب طرحا موجزا للطراز العمراني التقليدي لمدينة المحرق بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويقدم هذا الفصل رؤية معاصرة تتضمن توجهات ومقترحات للحفاظ على تراث المحرق وأساليب للتعامل مع المناطق ذات القيمة، بينما نجد في ختام الكتاب مسردا شاملا بالعبارات المحلية المستخدمة في صناعة البناء التقليدي وعرضا للمصادر والمراجع البحثية التي اعتمد عليها المؤلف.
وجوهر كتاب ياروود يتعامل مع الرصيد العمراني التقليدي لمدينة المحرق باعتبارها مدينة تاريخية مهملة في مملكة البحرين، وقد تم اعداده ارتكازا على الدراسة التفصيلية التي قام بها ياروود للمدينة أثناء الفترة التي عمل فيها رئيسا لادارة التجديد العمراني في العام 1983 الى العام 1985. وقد ساعده في اعداد هذه الدراسة أنه كان يقيم بحالة أبو ماهر في مدينة المحرق خلال هذه الفترة ما أتاح له أن يتعرض بصورة يومية لما تضمنته هذه المدينة المتميزة من أبنية وشوارع وأزقة وعبق تاريخي وبنائي أصيل. واعتمدت الدراسة على عدة مصادر مختلفة منها الصور والرسومات القياسية والمقابلات التي أجريت مع الشخصيات الذين تتوافر لديهم المعلومات في هذا المجال الى جانب الرجوع الى عدد من الكتب والخرائط والمواد الارشيفية ذات الصلة بالموضوع.
ان الطراز المعماري لمدينة المحرق –كما يذكر ياروود- كان بمثابة نوع من الكيان العضوي المتداخل الذي تطور مع الزمن ليعكس التجانس مع المتطلبات الثقافية والطبيعية السائدة، اذ كانت المناطق المختلفة في المدينة ترتبط ببعضها عن طريق شبكة عضوية من الحارات والساحات التي تتنوع بين ما هو عام أو شبه عام أو خاص، كما كانت هذه الشبكة من الحارات تحدد مجموعة من المناطق لكل منها هويتها العائلية أو القبلية المميزة. ومن هذا المنطلق، فان المناطق كانت عبارة عن تعبير مادي من النسيج الاجتماعي بما يؤكد الهوية المحلية والاقليمية للمدينة. وتتيح الهوية العامة مجالا لابراز التميز الفردي في حدود المعايير والقيم الاجتماعية المقبولة. وبصفة عامة فان مدينة المحرق تتميز بدرجة عالية من الهدوء والاتزان والوحدة والنظام، ما يشكل لها شخصية مميزة ويجعلها تتمتع بسحر خاص في اطار مجموعة متنوعة من المباني والطرق تتراوح بين ماهو واسع وضيق، ومنخفض ومرتفع، وطبيعي وعمراني، فالمناطق القديمة في المحرق هي تعبير واضح عن القيم والطباع المشتركة، والنمط السائد لحياة الناس في البحرين في ذلك الوقت.
لقد كتب ياروود في العام 1988 "ان مدينة المحرق تندثر سريعا وستختفي معالمها التقلدية على الأرجح في غضون عشرين عاما". وفي نهايات العام 2005 مازالت تلك المشكلة مطروحة بذات القدر من الاهتمام، اذ تبدو هناك حاجة ملحة لانقاذ ما تبقى من التراث المعماري لمدينة المحرق والحفاظ عليه بصورة متواصلة ومستدامه للأجيال المقبلة كشهادة حية على ثراء الجوانب المادية للحضارة البحرينية.
صحيفة الوسط البحرينية
العدد : 1287 | الأربعاء 15 مارس 2006م الموافق 22 صفر 1441هـ
----------------------
جون ياروود
- خريج جامعة أدنبرة.
- حصل على درجة في التخطيط المدني من جامعة شيفيلد.
- عمل لمدة خمسة أعوام في دائرة التعمير الحضري.
- انتقل للعمل كاستشاري في تركيا وجامايكا والكويت ودبي والفلبين وسلوفاكيا وبولندا وألمانيا والبوسنة.
- قامت مطبعة جامعة ليفربول بطباعة بحوثه في العام 1999.
- أشرف في فترة لاحقة على إعادة إعمار سانت بطرسبورغ التاريخية.
- عمل في البنك الدولي للاشراف على تغيير الأراضي.
- حصل على وسام الامبراطورية في العام 1997.
جون ياروود معماري بريطاني شهير، سكن مدينة المحرق في مملكة البحرين، في الربع الأخير من القرن الماضي، وسكنت المدينة في وجدانه، حيث تداخل حب الاكتشاف والتدوين لدى الغربيين بالارث المعماري الذي كانت تكتنزه هذه المدينة، التي جعلت ياروود في سباق مع معول الهدم وجعلت قلمه في حوار رائع مع المباني التراثية.
وتضيف رئيسة أمناء مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث الشيخة مي آل خليفة، خلال حفل تدشين كتاب "المحرق: العمارة التقليدية لمدينة بحرينية"، بحضور مؤلفه جون ياروود: على مدى عامين استطاعت العيون الراصدة لياروود أن تحفظ سجلا رائعا لفن العمارة التقليدية في هذه المدينة. فاستطعنا من خلال هذا التسجيل الدقيق أن نعود الى تلك المنازل القديمة ونستحضر حياة ساكنيها ومع عودتنا ننقل هذا الكم الرائع من الرصيد القيم الذي يعني كل المهتمين والباحثين المعاصرين في مجال التراث المعماري.
يتكون كتاب وود من ثلاثة أجزاء رئيسة، الجزء الأول منها يحتوي على أربعة فصول تقدم معلومات عامة عن النسيج العمراني والبنية السكنية والعناصر البنائية والحرفية، وتقنيات البناء ومواد الانشاء، وتطوير الأنماط المعمارية. أما الجزء الثاني فينقسم الى ثلاثة فصول تقدم تحليلا تفصيليا لمساكن المحرق المتميزة، ووصفا للسمات العامة المنقاة، وتحليلا للنسيج العمراني والبنائي لمنطقة سوق المدينة القديمة، في حين يضم الجزء الثالث فصلا واحدا يقدم من خلاله الكتاب طرحا موجزا للطراز العمراني التقليدي لمدينة المحرق بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويقدم هذا الفصل رؤية معاصرة تتضمن توجهات ومقترحات للحفاظ على تراث المحرق وأساليب للتعامل مع المناطق ذات القيمة، بينما نجد في ختام الكتاب مسردا شاملا بالعبارات المحلية المستخدمة في صناعة البناء التقليدي وعرضا للمصادر والمراجع البحثية التي اعتمد عليها المؤلف.
وجوهر كتاب ياروود يتعامل مع الرصيد العمراني التقليدي لمدينة المحرق باعتبارها مدينة تاريخية مهملة في مملكة البحرين، وقد تم اعداده ارتكازا على الدراسة التفصيلية التي قام بها ياروود للمدينة أثناء الفترة التي عمل فيها رئيسا لادارة التجديد العمراني في العام 1983 الى العام 1985. وقد ساعده في اعداد هذه الدراسة أنه كان يقيم بحالة أبو ماهر في مدينة المحرق خلال هذه الفترة ما أتاح له أن يتعرض بصورة يومية لما تضمنته هذه المدينة المتميزة من أبنية وشوارع وأزقة وعبق تاريخي وبنائي أصيل. واعتمدت الدراسة على عدة مصادر مختلفة منها الصور والرسومات القياسية والمقابلات التي أجريت مع الشخصيات الذين تتوافر لديهم المعلومات في هذا المجال الى جانب الرجوع الى عدد من الكتب والخرائط والمواد الارشيفية ذات الصلة بالموضوع.
ان الطراز المعماري لمدينة المحرق –كما يذكر ياروود- كان بمثابة نوع من الكيان العضوي المتداخل الذي تطور مع الزمن ليعكس التجانس مع المتطلبات الثقافية والطبيعية السائدة، اذ كانت المناطق المختلفة في المدينة ترتبط ببعضها عن طريق شبكة عضوية من الحارات والساحات التي تتنوع بين ما هو عام أو شبه عام أو خاص، كما كانت هذه الشبكة من الحارات تحدد مجموعة من المناطق لكل منها هويتها العائلية أو القبلية المميزة. ومن هذا المنطلق، فان المناطق كانت عبارة عن تعبير مادي من النسيج الاجتماعي بما يؤكد الهوية المحلية والاقليمية للمدينة. وتتيح الهوية العامة مجالا لابراز التميز الفردي في حدود المعايير والقيم الاجتماعية المقبولة. وبصفة عامة فان مدينة المحرق تتميز بدرجة عالية من الهدوء والاتزان والوحدة والنظام، ما يشكل لها شخصية مميزة ويجعلها تتمتع بسحر خاص في اطار مجموعة متنوعة من المباني والطرق تتراوح بين ماهو واسع وضيق، ومنخفض ومرتفع، وطبيعي وعمراني، فالمناطق القديمة في المحرق هي تعبير واضح عن القيم والطباع المشتركة، والنمط السائد لحياة الناس في البحرين في ذلك الوقت.
لقد كتب ياروود في العام 1988 "ان مدينة المحرق تندثر سريعا وستختفي معالمها التقلدية على الأرجح في غضون عشرين عاما". وفي نهايات العام 2005 مازالت تلك المشكلة مطروحة بذات القدر من الاهتمام، اذ تبدو هناك حاجة ملحة لانقاذ ما تبقى من التراث المعماري لمدينة المحرق والحفاظ عليه بصورة متواصلة ومستدامه للأجيال المقبلة كشهادة حية على ثراء الجوانب المادية للحضارة البحرينية.
صحيفة الوسط البحرينية
العدد : 1287 | الأربعاء 15 مارس 2006م الموافق 22 صفر 1441هـ
----------------------
جون ياروود
- خريج جامعة أدنبرة.
- حصل على درجة في التخطيط المدني من جامعة شيفيلد.
- عمل لمدة خمسة أعوام في دائرة التعمير الحضري.
- انتقل للعمل كاستشاري في تركيا وجامايكا والكويت ودبي والفلبين وسلوفاكيا وبولندا وألمانيا والبوسنة.
- قامت مطبعة جامعة ليفربول بطباعة بحوثه في العام 1999.
- أشرف في فترة لاحقة على إعادة إعمار سانت بطرسبورغ التاريخية.
- عمل في البنك الدولي للاشراف على تغيير الأراضي.
- حصل على وسام الامبراطورية في العام 1997.