أعضاء الأكاديمية السويدية المبجلون، السيدات والسادة:
أتصور أن كل واحد هنا عبر الوسائط من تلفزيون وإنترنت يومئ برأسه معرفة بالبلدة البعيدة في الشمال الشرقي جاومي، ربما قد رأيتم والدي ذا التسعين عامًا بالإضافة إلى إخوتي وأختي وزوجتي وابنتي وحتى حفيدتي، هي الآن بعمر السنة والأربعة أشهر، ولكن الشخص الأكثر حضورًا في ذهني في هذه اللحظة هو أمي، الشخص الذي لن تروه قط، الكثير من الناس قد شاركوا في شرف الفوز بهذه الجائزة، كل واحد إلا هي.
وُلدت أمي في عام 1922، وتوفت في عام 1994، دفناها في حقل دراق شرق القرية، وأُجبرنا في العام الماضي على تحريك قبرها بعيدًا عن القرية لندع مساحة لخط القطار المزمع. رأينا عندما حفرنا أن الكفن تعفن بعيدًا وأن جسمها قد اندمج مع الأرض الرطبة حولها، ولذلك حفرنا جزءًا من هذه التربة في تصرف رمزي وأخذناه لمكان القبر الجديد، وكان ذلك عندما أدركتُ أن أمي أصبحت جزءًا من الأرض، وأني عندما أتكلم مع الأرض الأم أكون أتكلم مع أمي حقيقة.
أنا طفل أمي الأصغر، من ذكرياتي المبكرة ذكرى أنني كنت آخذ قنينتنا الوحيدة الفارغة للكانتين العام لماء الشرب، وبسبب وهن الجوع أسقطت القنينة وكسرتها، وكأحمق مرعوب اختبأت طول النهار في كومة قش، وقرب الليل سمعت أمي تنادي اسمي الطفولي فزحفت خارجًا من مخبأي متجهزًا لتلقي ضربة أو توبيخًا، ولكن لم تضربني أمي، ولم توبخني حتى، فقط مسحت على رأسي وأطلقت تنهيدة.
أكثر ذكرياتي ألمًا تشمل أني ذهبت مع أمي إلى حقل جمعية لجمع سنابل القمح، وتفرق الجامعون عندما أبصروا حارس الحقل لكن أمي كانت قدميها مقيدة [1] فلم تستطع الركض، فأُمسكت وصُفعت بشدة من الحارس ضخم الجثة وسقطت على الأرض، وصادر القمح الذي جمعناه ومشى مُصَفِرًا، وعندما جلست أمي على الأرض كانت شفتها تنزف، بدت أمي فاقدة للأمل وأنا لن أنسى ذلك، وبعد عدة سنوات قابلت الحارس صدفة في السوق، هو الآن عجوز رمادي الشعر، أوقفتني أمي عن الذهاب للثأر لها، قالت بهدوء “بُنَيّ، الرجل الذي ضربني وهذا الرجل ليسا الشخص نفسه”.
أصفى ذكرياتي ذكرى يوم “مهرجان القمر” وقت ظهيرة، واحدة من تلك المناسبات النادرة التي نأكل فيها الجياوتسي في المنزل -زبدية لكل واحد-، أتى متسول هَرِم إلى بابنا بينما كنا على المائدة، وعندما حاولنا إرساله بعيدًا بوعاء ممتلئ إلى نصفه بالبطاطا الحلوة الجافة رد بغضب: “أنا رجل عجوز، أنتم أيها الناس تأكلون الجياوتسي وتريدون أن تطعموني البطاطا الحلوة، كيف تستطيعون أن تكونوا عديمي القلب؟” فرددت بغضب “نحن محظوظون إذا أكلنا الجياوتسي مرتين في السنة، زبدية صغيرة لكل شخص بالكاد تكفي للتذوق؟! أنت يجب أن تكون ممتنا لأننا أعطيناك البطاطا الحلوة، وإذا كنت لا تريدها فبإمكانك أن تغادر من هنا.” وبعد توبيخي، سكبت أمي نصف زبديتها في زبدية العجوز.
أكثر ذكرياتي ندمًا تشمل مساعدتي لأمي في بيع الملفوف في السوق قبل توجهي إلى المدرسة، وإصراري على طلب ثمن أعلى بمقدار جياو واحد من قروي عجوز -بشكل مقصود أو لا، لا أذكر ذلك-، وعندما عدت من المدرسة إلى المنزل بعد الظهيرة رأيت أمي تبكي وهو شيء يندر أن تفعله، وعوضًا عن توبيخي قالت فقط برقة: “بني، لقد أحرجت أمك اليوم”.
أصابت والدتي عدوى رئوية خطيرة أثناء مراهقتي، جعل الجوع والمرض والعمل الكثير الحياة صعبة جدًا على عائلتنا، بدا الطريق أمامي بشكل خاص كئيبًا، وحملت شعورًا سيئًا تجاه المستقبل، قلقت أن أمي ربما تنتحر، فكان أول شيء أفعله بعد كل يوم وبعد يوم من العمل الشاق وأنا أعبر الباب أن أنادي عليها، كان سماع صوتها بمثابة منح قلبي عقدًا جديدًا للحياة، بينما يقذفني عدم سماعها إلى الذعر، وأذهب للبحث عنها في المبنى الجانبي والمطحنة، وفي أحد الأيام عندما لم أجدها جلست في الفناء وبكيت كالرضيع، وهكذا وجدتني عندما دخلت الفناء حاملة حزمة من الحطب على ظهرها، كانت غير سعيدة بي، ولم أستطع أن أخبرها أني كنت خائفًا، لكنها كانت تعرف على كل حال، فقالت لي “بني، لا تقلق، ربما لا متعة في حياتي، ولكنني لن أتركك حتى يناديني إله العالم السفلي.”
ولدت قبيحًا، كثيرًا ما ضحك القرويون على وجهي، وضربني بلطجية المدرسة أحيانًا بسببه، فأركض للمنزل باكيًا، حيث تقول أمي “أنت لست قبيحًا يا بني، لديك أنف وعينين ولا شيء خاطئ في يديك ورجليك، فكيف يمكن أن تكون قبيحًا؟ ومتى ما كان لك قلب خيّر وتفعل الشيء الصواب دائمًا، فإن ما يعتبر قبيحًا سيصبح جميلًا.” وعندما انتقلت إلى المدينة لاحقًا ضحك عليّ بعض الناس المتعلمين من ورائي وأحيانًا في وجهي، ولكن ما أن أستدعي ما قالته أمي حتى أقدم اعتذاراتي بهدوء.
تملك أمي الأمية احترامًا عاليًا للناس الذين يستطيعون القراءة، كنا فقراء جدًا، ولا نعرف من أين ستأتي وجبتنا القادمة، ومع ذلك لم ترفض أمي أبدًا طلبي أن أشتري كتابًا أو شيئًا لأكتب به، ولطبيعة العمل الشاقة لم يكن لديها استخدام للأطفال الكسالى، ومع ذلك كان يمكنني تخطي مهامي مادام أنفي في كتاب.
في فهمي يؤثّر كاتب في الآخر عندما يستمتعان بالقرابة الروحية العميقة.
في فهمي يؤثّر كاتب في الآخر عندما يستمتعان بالقرابة الروحية العميقة.
أتى حكواتي إلى سوقنا ذات مرة، فتنصلت للاستماع إليه، وكانت غير سعيدة بي لنسياني مهامي، ولكن في تلك الليلة وبينما تخيط ملابس مبطنة لنا تحت الضوء الضعيف للمبة كيروسين لم أستطع الامتناع عن اعادة قص ما سمعته ذلك اليوم، استمعت لي في البداية بقلة صبر حيث أن الحكواتيين المحترفين في نظرها رجال رقيقو الحكي في مهنة مشكوك فيها، فلا شيء جيد يأتي من أفواههم، ولكنها انجذبت ببطء لحكاياتي التي أعيد قصها، ومنذ ذلك اليوم لم تعطني أية مهام في يوم السوق؛ تصريح غير منطوق للذهاب إلى السوق والاستماع إلى حكايات جديدة، وكرد للجميل لطيبة أمي وكطريقة للبرهنة على مدى ذاكرتي أعدت سرد القصص بالتفاصيل لها.
ولم أحتج إلى وقت طويل حتى أجد أن إعادة سرد قصص أحدٍ آخر غير مرضٍ، فبدأت أزخرف سردي، وأقول ما أعرف أنه قد يعجب أمي، حتى أنني غيرت النهاية أحيانًا، ولم تكن هي العضو الوحيد في جمهوري الذي تضمن فيما بعد أخواتي الكبيرات وعماتي وخالاتي وحتى جدتي لأمي، و تسألني أمي بصوت محمل بالاهتمام كما لو كان لنفسها في بعض الأحيان –بعد أن تستمع لقصصي- “مثل ماذا ستكون عندما تكبر يا بني؟ ربما ستتحول يومًا ما إلى مثرثر من أجل أن تعيش؟”
أعلم لماذا قَلِقَت، فليست الفكرة العامة عن الأطفال الثرثارين في قريتنا بالجيدة لأنهم يجلبون المتاعب لأنفسهم ولأسرهم، ولقد كان هنالك جزء من الطفل الذي كنته في الفتى الثرثار الذي يتحمل مسؤولية تنازع القرويين في قصتي “الثيران”. تحذرني أمي باعتياد ألا أتحدث كثيرًا، تريدني أن أكون شابًا قليل الكلام ولطيفا ورصينًا، وعوضًا عن ذلك امتلكت المزيج الخطير: مهارات التحدث المميزة والرغبة القوية للمضي في ذلك. قدرتي على حكي الحكايات جلبت لها المتعة، ولكنها خلقت لها أزمة اشكالية.
تقول المقولة الشائعة “أن تغيير مسار نهر أسهل من تغيير طبيعة إنسان”، ورغم توجيه والديّ الذي لا يكل لم تذهب رغبتي في التحدث أبدًا، وهذا ما جعل اسمي مو يان -أي لا تتكلم- تعبيرًا تهكميًا ساخرًا من الذات.
وبعد أن تركت المدرسة الابتدائية كنت صغيرًا على الأعمال الشاقة، ولذلك أصبحت راعي غنم وبقر في الضفاف النهرية العشبية القريبة، وكانت تؤلمني دائمًا رؤية زملاء المدرسة السابقين يلعبون في ساحة المدرسة بينما أقود مواشيّ مارًا بالبوابة، وجعلني ذلك واعيًا كم هو صعب على أي أحد –حتى الطفل- أن يغادر المجموعة.
أُطلق المواشي بحرية في ضفة النهر لترعى تحت سماء زرقاء كالمحيط وأرض مُسَجَدَة بالعشب على امتداد البصر، ولا إنسان آخر يُرى أو يُسمع، لا شيء غير العصافير تنادي فوقي، كنت دائمًا مع نفسي والوحدة الرهيبة، وقلبي يشعر بالفراغ، كنت قد أستلقي على العشب في بعض الأحيان وأشاهد الغيوم تطفو بكسل مما يسمح بصعود جميع أشكال الصور الخيالية. يعرف ذلك الجزء من البلاد بحكاياته عن ثعالب في هيئة نساء شابة جميلة، فتخيلت فتاة جميلة -متحولة عن ثعلب- تأتي لترعى المواشي معي، ولكنها لم تأتِ أبدًا، ومرة على أية حال قفز ثعلب ناري الحمرة خارجًا من الأغصان أمامي مما أرعبني وأخرج رجليّ من تحتي وبقيت جالسًا مكاني أرتجف طويلًا بعد أن اختفى. في بعض الأوقات قد أنحني بجانب الأبقار وأحدق في عينيها شديدة الزرقة التي تلتقط انعكاسي، في أوقات قد أعقد محادثة مع طيور السماء محاكيًا بكاءهم، بينما في أوقات أخرى قد أبوح بآمالي ورغباتي لشجرة، ولكن الطيور تجاهلتني، وهكذا فعلت الأشجار، ولاحقًا بعد سنوات قد أصبحت روائيًا فكتبت بعض هذه الخيالات في قصصي وكتبي، وعادة ما يمطرني الناس بوابل من المجاملات عن مخيلتي الخصبة، ويسألني عشاق الأدب كثيرًا أن أبوح لهم بسر تنمية مخيلة ثرية، وردي الوحيد ابتسامة باهتة.
قالها معلمنا معلم الطاوية لاو تسو على أحسن وجه “يعتمد حسن الحظ على سوء الحظ، وسوء الحظ مخبأ في حسن الحظ”، فأنا تركت المدرسة طفلًا وجائعًا دومًا ووحيدًا باستمرار ولا كتب لدي للقراءة، ولكن حظيت لهذه الأسباب ببداية مبكرة لقراءة كتاب الحياة العظيم ككاتب الجيل الماضي شين كونجوين، وتجربة ذهابي للسوق للاستماع للحكواتي مجرد صفحة في هذا الكتاب.
رُميت بعد مغادرتي المدرسة بشكل غير مريح في عالم البالغين حيث شرعت في رحلة طويلة للتعلم بالاستماع، وقبل مئتي سنة عاش بالقرب من المكان الذي ترعرعت فيه واحد من أعظم الحكواتية عبر الزمن بو سونلين، والذي واصل الناس –بما فيهم أنا- على التقليد الذي أتقنه، أينما حدث أن كنت –سواء أعمل في الحقل مع الجمعية أو في فريق انتاج الحظائر والاسطبلات أو على الكانج –مدفئة- أجدادي أو حتى على عربة الثور التي تتأرجح وتتمايل هبوطًا عبر الطريق- فإن أذنيّ ممتلئة بحكايا الطبيعة الخارقة والرومانسيات التاريخية والقصص الغريبة والآسرة، وكلها مربوطة بالبيئة الطبيعية والتاريخ الجماعي، ويخلق كل ذلك واقعاُ جبار في عقلي.
حتى في أكثر أحلامي جموحًا لم أستطع تصور يوم سيكون فيه كل هذا مادة خام لأعمالي الخيالية، لقد كنت صبيًا يحب القصص ومفتونًا بحكايات الناس التي يحكونها حولي. لنعد إلى الوراء، لقد كنت دون شك مؤمنًا يؤمن أن كل المخلوقات مُنحت الأرواح، لقد كنت أقف وأبدي احترامي لشجرة شاهقة عجوزة، وإذا ما رأيت طيرًا، كنت متأكدًا أن بمقدوره أن يصبح إنسانًا أي وقت يريد، واشتبهت أن كل غريب أقابله وحش متحول، وفي ليلة رافقتني المخاوف الفظيعة في طريقي إلى المنزل بعد أن أُحصيت حصيلة عملي، لذلك غنيت من أعماق رئتي وأنا أركض لأصنع قليلًا من الشجاعة، صنع صوتي – والذي تغير مع الزمن- أغنية خشنة حادة أزعجت آذان أي قروي سمعني.
لقد قضيت أول واحد وعشرين سنة في تلك القرية، ولم أسافر بعيدًا عن مسقط رأسي أبدًا إلا إلى تشينج داو بالقطار حيث كنت شبه ضائع وسط أكوام الخشب العملاقة في المطحنة، وعندما سألتني أمي ماذا رأيت في كينجادو، أخبرتها بحزن أن ما رأيته هو أكوام الخشب، ولكن زرعت فيّ تلك الرحلة رغبة قوية في مغادرة قريتي ورؤية العالم.
عبر جميع الشخصيات التي يختلقها الكاتب توجد دائما شخصية تقف فوق جميع الآخرين
عبر جميع الشخصيات التي يختلقها الكاتب توجد دائما شخصية تقف فوق جميع الآخرين
في فبراير عام 1976 جُندت في الجيش، فسرت مغادرًا البلدة الشمالية الشرقية جاومي التي أحببتها وكرهتها في نفس الوقت، ودخلت مرحلة حاسمة في حياتي حاملًا في حقيبة ظهري الأجزاء الأربع لكتاب “موجز تاريخ الصين” والذي اشترته لي أمي ببيعها حلي زفافها، وهكذا بدأت أهم مرحلة في حياتي، ويجب أن أُقر أنه لولا الثلاثين سنة ونيف من التطورات الهائلة والتقدم في المجتمع الصيني وما تبعه من إصلاحات وطنية وفتح الأبواب على الخارج لما أصبحت كاتبًا اليوم.
وفي وسط الخَدَر الدماغي للحياة العسكرية رحبت بالتحرر الأيديولوجي والحماسة الأدبية لثمانينات القرن الماضي، وتطورت من الفتى الذي يستمع للقصص ويمررها إلى شخص ما بكلام الفم إلى شخص جرب كتابتها، لقد كان الطريق وعرًا في البداية حيث لم أكتشف بعد مدى ثراء المادة الأدبية للعقدين الذيّن قضيتهما في القرية، وكنت أعتقد أن الأدب عن أناس جيدين يفعلون أشياء جيدة وقصص عن المآثر البطولية والمواطنين المثاليين، ولذلك كان للأجزاء القليلة التي نُشرت لي قيمة أدبية ضئيلة.
قٌبلت في خريف 1984 في قسم الأدب في أكاديمية بي إل أيه للفنون حيث كتبت عدة قصص وروايات قصيرة تحت توجيه معلمي الموقر الكاتب الشهير شيو هوايجون شملت “فيضانات الخريف” و”النهر الجاف” و”الجزر الشفاف” و”الذرة الرفيعة الحمراء”، وصنعت البلدة الشمالية الشرقية جاومي ظهورها الأول في “فيضانات الخريف”، ومنذ تلك اللحظة كفلاح متجول وجد قطعة الأرض الخاصة به عثر هذا الأدب الشريد على مكان يمكنه أن يقول أنه له، ويجب أن أقول أنه في طريق خلق ميداني الأدبي – بلدة جاومي الشمالية الشرقية- ألهمني الروائيان الأمريكي ويليام فوكنير والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز كثيرًا، لم أقرأ لهما بشكل مكثف، ولكن تشجعت بجرأتهما وطريقتهما غير المقيدة في خلق مناطق جديدة في الكتابة، وتعلمت أنه يجب أن يكون للكاتب مكان ينتمي له وحده، التواضع والوسطية مثاليان في الحياة اليومية، ولكن في الصنعة الأدبية الثقة الشديدة بالنفس والحاجة لتتبع غرائزك الخاصة ضروريان، ولسنتين تتبعت خطا هذين المعلمين قبل أن أدرك أنه يجب عليّ الهروب من تأثيرهما، وهكذا شكلت هذا القرار في مقال: “إنهما زوج من الأفران المتوهجة وأنا قطعة ثلج، متى اقتربت منهما سأتلاشى إلى غيمة بخار.” في فهمي يؤثر كاتب في الآخر عندما يستمتعان بالقرابة الروحية العميقة، والتي يشار إليها غالبًا بمقولة “القلوب تنبض بانسجام”، ويُفسر ذلك لماذا بالرغم من أني قرأت القليل من أعمالهما إلا أن صفحات قليلة كانت كافية لي لأفهم ماذا يفعلان وكيف يفعلانه مما قادني لفهم ماذا عليّ أن أفعل وكيف ينبغي عليّ فعله.
ما ينبغي عليّ فعله هو البساطة بعينها “أن أكتب قصصي الخاصة بطريقتي الخاصة”، وطريقتي هي طريقة حكواتي السوق المألوفة لي، وطريقة جدي وجدتي والقرويين القدامى في قص الحكايات، وبكل صراحة هي طريقة لا يُلقي فيها بال للجمهور فعندما أقص قصصي ربما كان جمهوري مكونًا من أناس مثل أمي أو ربما أنا فقط.
قصصي المبكرة سرد لتجاربي الخاصة، الفتى الذي جُلد في “النهر الجاف” أو الفتى الذي لم يتكلم قط في “الجزر الشفاف” على سبيل المثال، حقيقة لقد فعلت شيئًا ما سيئًا لأُضرب بالسوط من قبل أبي، وحقيقة قد أقدمت على نفخ الكير لحداد في موقع جسر، والطبيعي ألا نستطيع نقل التجربة الشخصية إلى خيال كما وقعت بالضبط بغض النظر عن فرادة التجربة، الخيالي يجب أن يكون خياليًا، يجب أن يكون مجازيًا، وللكثير من أصدقائي “الجزر الشفاف” أفضل قصصي، ولا حكم لي بطريقة أو بأخرى، ولكن ما أستطيع قوله أن “الجزر الشفاف” أكثر رمزية وأكثر عمقًا في المعنى من أي قصة أخرى قد كتبتها، ذلك الفتى ذو الجلد الداكن والقدرة البشرية الخارقة لأن يعاني والدرجة البشرية الخارقة من الرهافة يمثل الروح لكل إنتاجي الخيالي، لم تكن شخصية من كل الشخصيات الخيالية التي صنعتها منذ ذلك الحين قريبة لروحي كما كان هو، أو صغتها بطريقة أخرى، عبر جميع الشخصيات التي يختلقها الكاتب توجد دائما شخصية تقف فوق جميع الآخرين، وذلك الفتى قليل الكلام هو تلك الشخصية بالنسبة لي، وعلى الرغم من أنه لم ينطق بشيء إلا أنه قاد الطريق لجميع الآخرين بكل تنوعهم مؤديًا بحرية على مسرح بلدة جاومي الشمالية الشرقية.
تجربة الإنسان الشخصية مهما كثرت فلها حد، ومتى ما أُرهقت من قصصك الخاصة يجب أن تحكي قصص الآخرين، وبالتالي ومن أعماق ذكرياتي تحضرني القصص الفائقة الحسن لأفراد الأسرة والرفاق القرويين والأجداد الغابرين مثل العساكر المصطفة منتظرة أن أقولها. لقد تعلمت من أفواه القدامى. ظهر في قصصي جدي وجدتي وأبي وأمي وإخوتي وأخواتي وعماتي وأعمامي وزوجتي وابنتي جميعهم، حتى لغير الأقارب من سكان بلدة جاومي ظهور صغير، وبالطبع تعرضوا لتعديل أدبي لتحويلهم إلى شخصيات خيالية أكبر من الحياة.
شكلت إحدى عماتي الشخصية الرئيسية في روايتي الأخيرة “الضفادع”، وأرسل إعلان جائزة نوبل حشود الصحافيين إلى منزلها مع دعاوي لإجراء مقابلات، تكيفت بصبر في البداية ولكن سرعان ما فرض عليها الهرب من اهتمامهم الفرار إلى منزل ابنها في عاصمة الإقليم. لا أنكر أنها كانت نموذجي في كتابة “الضفادع” ولكن الفروق بينها وبين العمة الخيالية واسعة المدى، فالعمة الخيالية متغطرسة ومستبدة وفعليًا في مواطن كفاح، بينما عمتي الحقيقية طيبة ولطيفة وزوجة كلاسيكية مهتمة وأم محبة، السنوات الذهبية لعمتي الحقيقية سعيدة ومرضية بينما عانت نظيرتها الخيالية من الأرق في سنواتها الأخيرة نتيجة لعذاب روحي والمشي في الليل مرتدية روب قاتم كشبح. أنا ممتن لعمتي الحقيقية لأنها لم تغضب عليّ لأنّي غيرتها في الرواية، وأحترم بشدة حكمتها في فهم العلاقة المعقدة بين الشخصيات الخيالية والناس الحقيقيين.
تجربة الإنسان الشخصية مهما كثرت فلها حد، ومتى ما أُرهقت من قصصك الخاصة يجب أن تحكي قصص الآخرين
تجربة الإنسان الشخصية مهما كثرت فلها حد، ومتى ما أُرهقت من قصصك الخاصة يجب أن تحكي قصص الآخرين
بعد أن ماتت أمي قررت في عمق عَطَلَة الحزن أن أكتب رواية لها، كانت “أثداء كبيرة وحوض واسع” تلك الرواية، ومتى ما أخذت خطتي شكلها احترقت بهكذا مشاعر حتى أني أكملت مسودة من نصف مليون كلمة في ثلاثة وثمانين يومًا فقط.
استخدمت في رواية “أثداء كبيرة وحوض واسع” دون إحساس بالذنب مواد مرتبطة بتجربة أمي الحقيقية، ولكن الحالة العاطفية للأم الخيالية إما مختلقة بالكامل أو مركبة من الكثير من أمهات بلدة جاومي الشمالية الشرقية، وعلى الرغم من أني كتبت في صفحة الاهداء “إلى روح أمي” فإن الرواية في الحقيقة كُتبت لكل الأمهات في كل مكان، وربما دليل على طموحي المغرور -وكما أتمنى- أن أجعل بلدة جاومي الشمالية الشرقية الصغيرة عالمًا مصغرًا عن الصين وحتى العالم كله.
عملية الابداع خاصة عند كل كاتب، تختلف كل رواية من رواياتي عن الأخرى على مستوى الحبكة والإلهام المُوَجِّه، فبعضها مثل “الجزر الشفاف” ولد في الحلم، بينما الأخريات لديهن جذور من أحداث حقيقية مثل “أغاني الثوم الشعبية”، وأيا كان مصدر العمل سواء الحلم أو الحياة الحقيقية فقط عندما يندمج مع التجربة الشخصية يمكن –للعمل- تشرب الفردية وأن يُسكن بقوالب شخصيات مصبوب فيها تفاصيل مفعمة بالحياة، ويستخدم لغة تذكيرية غنية، وينحت تركيبًا مشغولًا بعناية، وهنا ينبغي أن أشير إلى أنّي قدمت في “أغاني الثوم الشعبية” حكواتي ومغني حقيقي في واحد من أهم أدوار الرواية، تمنيت ألا أستخدم اسمه الحقيقي على الرغم من أن أقواله وأفعاله مختلقة، وهذه ظاهرة متكررة معي، أبدأ باستخدام الأسماء الحقيقية للشخصيات لكي أحقق الاحساس بالحميمية، وبعد انتهاء العمل يبدو الوقت متأخرًا على تغيير هذه الأسماء، وهذا دفع الأناس الذين ظهر اسمهم في رواياتي للذهاب إلى أبي للإعراب عن استيائهم، ودائمًا ما يعتذر أبي بالنيابة عني، ولكن بعد ذلك يحثهم على عدم أخذ أمر كهذا بجدية، فيقول: “أول جملة في “الذرة الرفيعة الحمراء”: “أبي سليل قطاع طرق” ولم تزعجني، ولذلك لماذا ينبغي عليكم أن تحزنوا؟”
أتت أعظم تحدياتي من كتابة الروايات التي تتعامل مع الحقائق الاجتماعية مثل “أغاني الثوم الشعبية”، ليس لأنني خائف من نقد الجوانب المظلمة من المجتمع علنًا ولكن لأن المشاعر الغاضبة والحنق تسمح للسياسة أن تقمع الأدب وتحول الرواية إلى تقرير عن حدث اجتماعي، والروائي كعضو في المجتمع مخول لتبني موقف – المجتمع- ورؤيته، ولكن عليه عندما يكتب أن يتبنى موقفا إنسانيًا ويكتب بناء عليه، فقط في ذلك الحين يمكن للأدب المستلهم من أحداث ما أن يسمو فوقها، وألا يظهر اهتمامًا بالسياسة فقط بل ما هو أعظم من السياسة.
ربما لأنني عشت الكثير من حياتي في ظروف صعبة فإني أعتقد أنني أملك فهمًا عميقًا للحياة، وأعرف ما الشجاعة الحقيقية وأفهم الشفقة الحقيقية، أعلم أن تلك المنطقة الضبابية موجودة في قلب كل شخص وعقله، وأنه لا يمكن وصفها بشكل كاف بمصطلحات الصواب والخطأ أو الجيد والسيء، وهي منطقة شاسعة حيث يمكن للكاتب إطلاق العنان لموهبته، ولذلك طالما يصف العمل هذه المنطقة الضبابية المتناقضة بشدة بشكل صحيح وحي فإنه حتمًا سيتجاوز السياسة ويُمنح التفوق الأدبي.
لابد أن الثرثرة عن عملي الخاص مزعجة، ولكن حياتي وأعمالي مترابطان بشكل لا ينفصل، ولذلك إذا لم أتحدث عن أعمالي فلا أعرف التكلم في أي شيء آخر، وأتمنى أن تكونوا في مزاج متسامح.
لقد كنت حكواتيًا عصريًا متخفيًا في خلفية أعماله المبكرة، ولكنني قفزت من الظلال مع رواية “موت شجرة الصندل”، فأعمالي الأولى تتميز بسلاسل من المونولوج – مناجاة الذات- دون أية قراء في عقلي، ولكن مع هذه الرواية بدأت في رؤية نفسي أقف مفعمًا بالحيوية في ميدان عام أقص حكاية على جمهور من المستمعين، وهذا التقليد ظاهرة عالمية في الأدب الخيالي وخاصة في الصين، كنت تلميذًا مجتهدًا للأدب الغربي الحديث في وقت ما، وجربت جميع أنواع وأساليب السرد، ولكن في النهاية عدت إلى تقاليدي، وللتأكيد لم تكن تلك العودة بدون تعديلات، فرواية “موت شجرة الصندل” وما تبعها وريثات تقاليد الرواية الصينية الكلاسيكية ولكنهن معززات بتقنيات كتابة غربية، وما عرف بأنه أدب مجدد في معظم أجزائه نتيجة لذلك المزيج لم يكن مقتصرًا على التقاليد المحلية مع الأساليب الأجنبية بل يمكن أن يشمل خليط الأدب مع مجالات الفن الأخرى، فعلى سبيل المثال تمزج “موت شجرة الصندل” الأدب بأوبرا محلية، بينما بعض أعمالي المبكرة رُعيت إلى حد ما بالفنون الجميلة والموسيقى وحتى الألعاب البهلوانية (الأكروباتيكس).
أخيرًا أسألكم تسامحكم لأتحدث عن روايتي “الحياة والموت يستنزفانني”، يأتي العنوان الصيني من الكتاب البوذي، وقد أُخْبِرت أن مترجميّ حاولوا عدة مرات نقله إلى لغاتهم، أنا بصورة خاصة لست متمكنًا جيدًا من النص البوذي وليس لدي إلا فهم سطحي للدين، واخترت هذا العنوان لإيماني أن المبادئ الأساسية للإيمان البوذي تمثل المعرفة الشاملة، وأن العديد من الخلافات البشرية الموجودة تبدو بلا معنى في العالم البوذي، وبهذه النظرة السامية إلى العالم سيبدو عالم الإنسان يُرثى له.
ليست روايتي دعاية دينية، لقد كتبت فيها مصير الإنسان والمشاعر البشرية وحدود الإنسان وكرمه وبحث الناس عن السعادة والمسافة التي سيقطعونها لدعم قناعاتهم والتضحيات التي سيبذلونها لذلك. يأخذ بطل الرواية لان ليان موقفًا معاديًا للتيارات الحديثة، وهو بنظري بطل. كان القالب لهذه الشخصية فلاح من قرية مجاورة رأيته مرارًا في شبابي يدفع عربة خشبية العجلات ولها صرير وحمار أعرج أمامها تقوده زوجته ذات الأقدام المربوطة، وبالنظر إلى الطبيعة الاشتراكية للمجتمع في ذلك الوقت أظهرت هذه المجموعة العاملة الغريبة منظرًا ناشزًا جعلهم خارج سلم الزمن، كانوا في عيوننا نحن الأطفال مهرجين يسيرون عكس اتجاه التاريخ مثيرين فينا الحنق حتى أننا قذفناهم بالحجارة أثناء مرروهم بنا في الشارع، وبعد أن بدأت الكتابة بعد سنوات ظهر طافيًا ذلك الفلاح والمشهد الذي رسمه على عقلي، فعرفت أنه يومًا ما قد أكتب رواية عنه، طال الزمان أو قصر سأحكي قصته للعالم، ولكن لم يحدث ذلك حتى سنة 2005 عندما رأيت الجدارية البوذية “المراحل الست لسمسارا” على جدار معبد فعلمت بالضبط كيف سأروي قصته.
أدى اعلان نيلي جائزة نوبل إلى جدال، اعتقدت في البداية أني موضع خلاف، ولكن مع الوقت أدركت أن الموضع الحقيقي هو شخص لا علاقة لي به، راقبت الأداء حولي كشخص يشاهد مسرحية في المسرح، رأيت الفائز يكلل بالورود ويحاصر بقاذفي الحجارة والطين على حد سواء، فخفت أنه قد يستسلم للاعتداء ولكنه رسم من أكاليل الورود والحجارة بسمة على وجهه، ومسح الطين والوسخ، ووقف بهدوء جانبًا وقال للجمهور:
أحسن طريقة للكاتب ليتكلم هي الكتابة، ستجدون كل شيء أحتاج أن أقوله في أعمالي، الحديث تتخطفه الريح، بينما لا يختفي الكلام المكتوب قط، أتمنى أن تجدوا الصبر لقراءة أعمالي، لا يمكنني إجباركم على ذلك وحتى لو فعلتم لا أتوقع أن رأيكم فيّ سيتغير، لم يظهر بعد – في أي مكان من العالم- ذلك الكاتب الذي يحبه كل قرائه، وهذا أكثر صحة في أوقات كهذه تحديدًا.
على الرغم من أني أفضل ألا أقول شيئًا ولكن هنالك شيء ما يجب أن أقوله في هذا الاحتفال، فدعوني أقله: أنا حكواتي، لذلك سأحكي لكم بعض الحكايات.
عندما كنت طالبا في الصف الثالث في ستينات القرن العشرين نظمت مدرستي رحلة إلى معرض للمعاناة، وبكينا دموعًا مريرة تحت توجيه أحد مدرسينا، لقد تركت دموعي على خديّ من أجل ثناء معلمنا، ورأيت بعض زملائي يبصقون في أيديهم ويمسحونها في وجوههم متظاهرين بالبكاء، ورأيت وسط كل هؤلاء الأطفال الناحبين – وبعضهم صادق وبعضهم كاذب- طالبًا واحدًا وجهه جاف وبقي صامتًا دون أن يغطي وجهه بيديه، كان ينظر إلينا فقط بعينين مفتوحتين على وسعهما تعبران عن المفاجأة والتشوش، وبعد الرحلة أبلغت عنه المعلم فأُعطي تحذيرًا صارمًا، وبعد سنوات أبديت ندمي على التبليغ عن الفتى، فقال المعلم أنه على الأقل عشرة طلاب فعلوا ما فعلت، الفتى نفسه قد مات قبل عقد أو أكثر من الآن، وضميري يتكدر من الأعماق عندما أفكر فيه، ولكنني تعلمت شيئًا مهما من تلك الحادثة، وهو: عندما يبكي الجميع حولك فإنك تستحق السماح لك بعدم البكاء، وعندما تكون الدموع كلها للاستعراض، فإن حقك ألا تبكي ما يزال أعظم.
تختلف كل رواية من رواياتي عن الأخرى على مستوى الحبكة والإلهام المُوَجِّه
تختلف كل رواية من رواياتي عن الأخرى على مستوى الحبكة والإلهام المُوَجِّه
هاكم قصة أخرى: عندما كنت في الجيش منذ أكثر من ثلاثين سنة كنت في مكتبي أقرأ في إحدى الليالي عندما فتح عليّ ضابط مسن الباب ودخل، نظر إلى الكرسي أمامي وتمتم “هممم، أين الجميع؟” فوقفت وقلت بصوت عالٍ “هل تقول أني لست أحدًا” فاحمرت أذنا الضابط المسن من الارتباك ومشى مغادرًا، وكنت فخورًا بما اعتبرته أداءً شجاعًا لوقت طويل بعده، وبعد سنوات تحول هذا الاعتزاز لتأنيب ضمير.
تحملوا معي أرجوكم لقصة واحدة أخيرة، أخبرني أحد أجدادي قبل سنوات عديدة أن: مجموعة من ثمانية بنائين التجأوا من عاصفة إلى معبد مهجور بعيدًا عن البلدة، يقعقع الرعد بالخارج مرسلًا كرات نار على طريقهم، حتى أنهم سمعوا ما بدا كصرخات تنين، كان الرجال مرعوبين ووجوههم شاحبة، فقال أحدهم ” بيننا نحن الثمانية شخص لا بد أنه أهان السماوات بفعل مشين، يجب على المذنب أن يتبرع للخروج متقبلا عقوبته ومجنبًا البريئين المعاناة” وبالطبع لم يتطوع أحد، ولذلك أتى أحدهم باقتراح “مادام أن أحدًا غير مستعد للخروج فدعونا نرمي قبعاتنا القشية نحو الباب، وأي كان من تخرج قبعته خارج باب المعبد فإنه هو الطرف المذنب، وسنسأله الخروج وقبول عقوبته” فرموا قبعاتهم ناحية الباب، عادت سبع قبعات مع الريح إلى الداخل، وواحدة خرجت من الباب، فضغطوا على الرجل الثامن أن يغادر ويقبل عقوبته، وعندما أحجم عن ذلك مسكوه وقذفوه عبر الباب، وأراهن أنكم جميعًا تعرفون كيف تنتهي القصة: فبمجرد أن قذفوه خارجًا عبر الباب تهاوى المعبد عليهم.
أنا حكواتي.
منحني قص الحكايات جائزة نوبل في الأدب.
حصلت لي العديد من الأشياء المثيرة على إثر الفوز بالجائزة، وأقنعتني بأن الصدق والعدالة ما زالا حيّين وبخير.
ولذلك سأستمر في قص حكاياتي في قادم الأيام.
شكرًا لكم جميعًا.
[1] عادة ربط الأقدام عادة انتشرت في الصين منذ القرن العاشر الميلادي وبقيت إلى وقت قريب حيث يتم ربط أقدام الفتيات الصغار لمنعها من النمو والمحافظة عليها صغيرة ودقيقة، وهو مما يعتبر معياراً من معايير الجمال عند الصينيين.
أتصور أن كل واحد هنا عبر الوسائط من تلفزيون وإنترنت يومئ برأسه معرفة بالبلدة البعيدة في الشمال الشرقي جاومي، ربما قد رأيتم والدي ذا التسعين عامًا بالإضافة إلى إخوتي وأختي وزوجتي وابنتي وحتى حفيدتي، هي الآن بعمر السنة والأربعة أشهر، ولكن الشخص الأكثر حضورًا في ذهني في هذه اللحظة هو أمي، الشخص الذي لن تروه قط، الكثير من الناس قد شاركوا في شرف الفوز بهذه الجائزة، كل واحد إلا هي.
وُلدت أمي في عام 1922، وتوفت في عام 1994، دفناها في حقل دراق شرق القرية، وأُجبرنا في العام الماضي على تحريك قبرها بعيدًا عن القرية لندع مساحة لخط القطار المزمع. رأينا عندما حفرنا أن الكفن تعفن بعيدًا وأن جسمها قد اندمج مع الأرض الرطبة حولها، ولذلك حفرنا جزءًا من هذه التربة في تصرف رمزي وأخذناه لمكان القبر الجديد، وكان ذلك عندما أدركتُ أن أمي أصبحت جزءًا من الأرض، وأني عندما أتكلم مع الأرض الأم أكون أتكلم مع أمي حقيقة.
أنا طفل أمي الأصغر، من ذكرياتي المبكرة ذكرى أنني كنت آخذ قنينتنا الوحيدة الفارغة للكانتين العام لماء الشرب، وبسبب وهن الجوع أسقطت القنينة وكسرتها، وكأحمق مرعوب اختبأت طول النهار في كومة قش، وقرب الليل سمعت أمي تنادي اسمي الطفولي فزحفت خارجًا من مخبأي متجهزًا لتلقي ضربة أو توبيخًا، ولكن لم تضربني أمي، ولم توبخني حتى، فقط مسحت على رأسي وأطلقت تنهيدة.
أكثر ذكرياتي ألمًا تشمل أني ذهبت مع أمي إلى حقل جمعية لجمع سنابل القمح، وتفرق الجامعون عندما أبصروا حارس الحقل لكن أمي كانت قدميها مقيدة [1] فلم تستطع الركض، فأُمسكت وصُفعت بشدة من الحارس ضخم الجثة وسقطت على الأرض، وصادر القمح الذي جمعناه ومشى مُصَفِرًا، وعندما جلست أمي على الأرض كانت شفتها تنزف، بدت أمي فاقدة للأمل وأنا لن أنسى ذلك، وبعد عدة سنوات قابلت الحارس صدفة في السوق، هو الآن عجوز رمادي الشعر، أوقفتني أمي عن الذهاب للثأر لها، قالت بهدوء “بُنَيّ، الرجل الذي ضربني وهذا الرجل ليسا الشخص نفسه”.
أصفى ذكرياتي ذكرى يوم “مهرجان القمر” وقت ظهيرة، واحدة من تلك المناسبات النادرة التي نأكل فيها الجياوتسي في المنزل -زبدية لكل واحد-، أتى متسول هَرِم إلى بابنا بينما كنا على المائدة، وعندما حاولنا إرساله بعيدًا بوعاء ممتلئ إلى نصفه بالبطاطا الحلوة الجافة رد بغضب: “أنا رجل عجوز، أنتم أيها الناس تأكلون الجياوتسي وتريدون أن تطعموني البطاطا الحلوة، كيف تستطيعون أن تكونوا عديمي القلب؟” فرددت بغضب “نحن محظوظون إذا أكلنا الجياوتسي مرتين في السنة، زبدية صغيرة لكل شخص بالكاد تكفي للتذوق؟! أنت يجب أن تكون ممتنا لأننا أعطيناك البطاطا الحلوة، وإذا كنت لا تريدها فبإمكانك أن تغادر من هنا.” وبعد توبيخي، سكبت أمي نصف زبديتها في زبدية العجوز.
أكثر ذكرياتي ندمًا تشمل مساعدتي لأمي في بيع الملفوف في السوق قبل توجهي إلى المدرسة، وإصراري على طلب ثمن أعلى بمقدار جياو واحد من قروي عجوز -بشكل مقصود أو لا، لا أذكر ذلك-، وعندما عدت من المدرسة إلى المنزل بعد الظهيرة رأيت أمي تبكي وهو شيء يندر أن تفعله، وعوضًا عن توبيخي قالت فقط برقة: “بني، لقد أحرجت أمك اليوم”.
أصابت والدتي عدوى رئوية خطيرة أثناء مراهقتي، جعل الجوع والمرض والعمل الكثير الحياة صعبة جدًا على عائلتنا، بدا الطريق أمامي بشكل خاص كئيبًا، وحملت شعورًا سيئًا تجاه المستقبل، قلقت أن أمي ربما تنتحر، فكان أول شيء أفعله بعد كل يوم وبعد يوم من العمل الشاق وأنا أعبر الباب أن أنادي عليها، كان سماع صوتها بمثابة منح قلبي عقدًا جديدًا للحياة، بينما يقذفني عدم سماعها إلى الذعر، وأذهب للبحث عنها في المبنى الجانبي والمطحنة، وفي أحد الأيام عندما لم أجدها جلست في الفناء وبكيت كالرضيع، وهكذا وجدتني عندما دخلت الفناء حاملة حزمة من الحطب على ظهرها، كانت غير سعيدة بي، ولم أستطع أن أخبرها أني كنت خائفًا، لكنها كانت تعرف على كل حال، فقالت لي “بني، لا تقلق، ربما لا متعة في حياتي، ولكنني لن أتركك حتى يناديني إله العالم السفلي.”
ولدت قبيحًا، كثيرًا ما ضحك القرويون على وجهي، وضربني بلطجية المدرسة أحيانًا بسببه، فأركض للمنزل باكيًا، حيث تقول أمي “أنت لست قبيحًا يا بني، لديك أنف وعينين ولا شيء خاطئ في يديك ورجليك، فكيف يمكن أن تكون قبيحًا؟ ومتى ما كان لك قلب خيّر وتفعل الشيء الصواب دائمًا، فإن ما يعتبر قبيحًا سيصبح جميلًا.” وعندما انتقلت إلى المدينة لاحقًا ضحك عليّ بعض الناس المتعلمين من ورائي وأحيانًا في وجهي، ولكن ما أن أستدعي ما قالته أمي حتى أقدم اعتذاراتي بهدوء.
تملك أمي الأمية احترامًا عاليًا للناس الذين يستطيعون القراءة، كنا فقراء جدًا، ولا نعرف من أين ستأتي وجبتنا القادمة، ومع ذلك لم ترفض أمي أبدًا طلبي أن أشتري كتابًا أو شيئًا لأكتب به، ولطبيعة العمل الشاقة لم يكن لديها استخدام للأطفال الكسالى، ومع ذلك كان يمكنني تخطي مهامي مادام أنفي في كتاب.
في فهمي يؤثّر كاتب في الآخر عندما يستمتعان بالقرابة الروحية العميقة.
في فهمي يؤثّر كاتب في الآخر عندما يستمتعان بالقرابة الروحية العميقة.
أتى حكواتي إلى سوقنا ذات مرة، فتنصلت للاستماع إليه، وكانت غير سعيدة بي لنسياني مهامي، ولكن في تلك الليلة وبينما تخيط ملابس مبطنة لنا تحت الضوء الضعيف للمبة كيروسين لم أستطع الامتناع عن اعادة قص ما سمعته ذلك اليوم، استمعت لي في البداية بقلة صبر حيث أن الحكواتيين المحترفين في نظرها رجال رقيقو الحكي في مهنة مشكوك فيها، فلا شيء جيد يأتي من أفواههم، ولكنها انجذبت ببطء لحكاياتي التي أعيد قصها، ومنذ ذلك اليوم لم تعطني أية مهام في يوم السوق؛ تصريح غير منطوق للذهاب إلى السوق والاستماع إلى حكايات جديدة، وكرد للجميل لطيبة أمي وكطريقة للبرهنة على مدى ذاكرتي أعدت سرد القصص بالتفاصيل لها.
ولم أحتج إلى وقت طويل حتى أجد أن إعادة سرد قصص أحدٍ آخر غير مرضٍ، فبدأت أزخرف سردي، وأقول ما أعرف أنه قد يعجب أمي، حتى أنني غيرت النهاية أحيانًا، ولم تكن هي العضو الوحيد في جمهوري الذي تضمن فيما بعد أخواتي الكبيرات وعماتي وخالاتي وحتى جدتي لأمي، و تسألني أمي بصوت محمل بالاهتمام كما لو كان لنفسها في بعض الأحيان –بعد أن تستمع لقصصي- “مثل ماذا ستكون عندما تكبر يا بني؟ ربما ستتحول يومًا ما إلى مثرثر من أجل أن تعيش؟”
أعلم لماذا قَلِقَت، فليست الفكرة العامة عن الأطفال الثرثارين في قريتنا بالجيدة لأنهم يجلبون المتاعب لأنفسهم ولأسرهم، ولقد كان هنالك جزء من الطفل الذي كنته في الفتى الثرثار الذي يتحمل مسؤولية تنازع القرويين في قصتي “الثيران”. تحذرني أمي باعتياد ألا أتحدث كثيرًا، تريدني أن أكون شابًا قليل الكلام ولطيفا ورصينًا، وعوضًا عن ذلك امتلكت المزيج الخطير: مهارات التحدث المميزة والرغبة القوية للمضي في ذلك. قدرتي على حكي الحكايات جلبت لها المتعة، ولكنها خلقت لها أزمة اشكالية.
تقول المقولة الشائعة “أن تغيير مسار نهر أسهل من تغيير طبيعة إنسان”، ورغم توجيه والديّ الذي لا يكل لم تذهب رغبتي في التحدث أبدًا، وهذا ما جعل اسمي مو يان -أي لا تتكلم- تعبيرًا تهكميًا ساخرًا من الذات.
وبعد أن تركت المدرسة الابتدائية كنت صغيرًا على الأعمال الشاقة، ولذلك أصبحت راعي غنم وبقر في الضفاف النهرية العشبية القريبة، وكانت تؤلمني دائمًا رؤية زملاء المدرسة السابقين يلعبون في ساحة المدرسة بينما أقود مواشيّ مارًا بالبوابة، وجعلني ذلك واعيًا كم هو صعب على أي أحد –حتى الطفل- أن يغادر المجموعة.
أُطلق المواشي بحرية في ضفة النهر لترعى تحت سماء زرقاء كالمحيط وأرض مُسَجَدَة بالعشب على امتداد البصر، ولا إنسان آخر يُرى أو يُسمع، لا شيء غير العصافير تنادي فوقي، كنت دائمًا مع نفسي والوحدة الرهيبة، وقلبي يشعر بالفراغ، كنت قد أستلقي على العشب في بعض الأحيان وأشاهد الغيوم تطفو بكسل مما يسمح بصعود جميع أشكال الصور الخيالية. يعرف ذلك الجزء من البلاد بحكاياته عن ثعالب في هيئة نساء شابة جميلة، فتخيلت فتاة جميلة -متحولة عن ثعلب- تأتي لترعى المواشي معي، ولكنها لم تأتِ أبدًا، ومرة على أية حال قفز ثعلب ناري الحمرة خارجًا من الأغصان أمامي مما أرعبني وأخرج رجليّ من تحتي وبقيت جالسًا مكاني أرتجف طويلًا بعد أن اختفى. في بعض الأوقات قد أنحني بجانب الأبقار وأحدق في عينيها شديدة الزرقة التي تلتقط انعكاسي، في أوقات قد أعقد محادثة مع طيور السماء محاكيًا بكاءهم، بينما في أوقات أخرى قد أبوح بآمالي ورغباتي لشجرة، ولكن الطيور تجاهلتني، وهكذا فعلت الأشجار، ولاحقًا بعد سنوات قد أصبحت روائيًا فكتبت بعض هذه الخيالات في قصصي وكتبي، وعادة ما يمطرني الناس بوابل من المجاملات عن مخيلتي الخصبة، ويسألني عشاق الأدب كثيرًا أن أبوح لهم بسر تنمية مخيلة ثرية، وردي الوحيد ابتسامة باهتة.
قالها معلمنا معلم الطاوية لاو تسو على أحسن وجه “يعتمد حسن الحظ على سوء الحظ، وسوء الحظ مخبأ في حسن الحظ”، فأنا تركت المدرسة طفلًا وجائعًا دومًا ووحيدًا باستمرار ولا كتب لدي للقراءة، ولكن حظيت لهذه الأسباب ببداية مبكرة لقراءة كتاب الحياة العظيم ككاتب الجيل الماضي شين كونجوين، وتجربة ذهابي للسوق للاستماع للحكواتي مجرد صفحة في هذا الكتاب.
رُميت بعد مغادرتي المدرسة بشكل غير مريح في عالم البالغين حيث شرعت في رحلة طويلة للتعلم بالاستماع، وقبل مئتي سنة عاش بالقرب من المكان الذي ترعرعت فيه واحد من أعظم الحكواتية عبر الزمن بو سونلين، والذي واصل الناس –بما فيهم أنا- على التقليد الذي أتقنه، أينما حدث أن كنت –سواء أعمل في الحقل مع الجمعية أو في فريق انتاج الحظائر والاسطبلات أو على الكانج –مدفئة- أجدادي أو حتى على عربة الثور التي تتأرجح وتتمايل هبوطًا عبر الطريق- فإن أذنيّ ممتلئة بحكايا الطبيعة الخارقة والرومانسيات التاريخية والقصص الغريبة والآسرة، وكلها مربوطة بالبيئة الطبيعية والتاريخ الجماعي، ويخلق كل ذلك واقعاُ جبار في عقلي.
حتى في أكثر أحلامي جموحًا لم أستطع تصور يوم سيكون فيه كل هذا مادة خام لأعمالي الخيالية، لقد كنت صبيًا يحب القصص ومفتونًا بحكايات الناس التي يحكونها حولي. لنعد إلى الوراء، لقد كنت دون شك مؤمنًا يؤمن أن كل المخلوقات مُنحت الأرواح، لقد كنت أقف وأبدي احترامي لشجرة شاهقة عجوزة، وإذا ما رأيت طيرًا، كنت متأكدًا أن بمقدوره أن يصبح إنسانًا أي وقت يريد، واشتبهت أن كل غريب أقابله وحش متحول، وفي ليلة رافقتني المخاوف الفظيعة في طريقي إلى المنزل بعد أن أُحصيت حصيلة عملي، لذلك غنيت من أعماق رئتي وأنا أركض لأصنع قليلًا من الشجاعة، صنع صوتي – والذي تغير مع الزمن- أغنية خشنة حادة أزعجت آذان أي قروي سمعني.
لقد قضيت أول واحد وعشرين سنة في تلك القرية، ولم أسافر بعيدًا عن مسقط رأسي أبدًا إلا إلى تشينج داو بالقطار حيث كنت شبه ضائع وسط أكوام الخشب العملاقة في المطحنة، وعندما سألتني أمي ماذا رأيت في كينجادو، أخبرتها بحزن أن ما رأيته هو أكوام الخشب، ولكن زرعت فيّ تلك الرحلة رغبة قوية في مغادرة قريتي ورؤية العالم.
عبر جميع الشخصيات التي يختلقها الكاتب توجد دائما شخصية تقف فوق جميع الآخرين
عبر جميع الشخصيات التي يختلقها الكاتب توجد دائما شخصية تقف فوق جميع الآخرين
في فبراير عام 1976 جُندت في الجيش، فسرت مغادرًا البلدة الشمالية الشرقية جاومي التي أحببتها وكرهتها في نفس الوقت، ودخلت مرحلة حاسمة في حياتي حاملًا في حقيبة ظهري الأجزاء الأربع لكتاب “موجز تاريخ الصين” والذي اشترته لي أمي ببيعها حلي زفافها، وهكذا بدأت أهم مرحلة في حياتي، ويجب أن أُقر أنه لولا الثلاثين سنة ونيف من التطورات الهائلة والتقدم في المجتمع الصيني وما تبعه من إصلاحات وطنية وفتح الأبواب على الخارج لما أصبحت كاتبًا اليوم.
وفي وسط الخَدَر الدماغي للحياة العسكرية رحبت بالتحرر الأيديولوجي والحماسة الأدبية لثمانينات القرن الماضي، وتطورت من الفتى الذي يستمع للقصص ويمررها إلى شخص ما بكلام الفم إلى شخص جرب كتابتها، لقد كان الطريق وعرًا في البداية حيث لم أكتشف بعد مدى ثراء المادة الأدبية للعقدين الذيّن قضيتهما في القرية، وكنت أعتقد أن الأدب عن أناس جيدين يفعلون أشياء جيدة وقصص عن المآثر البطولية والمواطنين المثاليين، ولذلك كان للأجزاء القليلة التي نُشرت لي قيمة أدبية ضئيلة.
قٌبلت في خريف 1984 في قسم الأدب في أكاديمية بي إل أيه للفنون حيث كتبت عدة قصص وروايات قصيرة تحت توجيه معلمي الموقر الكاتب الشهير شيو هوايجون شملت “فيضانات الخريف” و”النهر الجاف” و”الجزر الشفاف” و”الذرة الرفيعة الحمراء”، وصنعت البلدة الشمالية الشرقية جاومي ظهورها الأول في “فيضانات الخريف”، ومنذ تلك اللحظة كفلاح متجول وجد قطعة الأرض الخاصة به عثر هذا الأدب الشريد على مكان يمكنه أن يقول أنه له، ويجب أن أقول أنه في طريق خلق ميداني الأدبي – بلدة جاومي الشمالية الشرقية- ألهمني الروائيان الأمريكي ويليام فوكنير والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز كثيرًا، لم أقرأ لهما بشكل مكثف، ولكن تشجعت بجرأتهما وطريقتهما غير المقيدة في خلق مناطق جديدة في الكتابة، وتعلمت أنه يجب أن يكون للكاتب مكان ينتمي له وحده، التواضع والوسطية مثاليان في الحياة اليومية، ولكن في الصنعة الأدبية الثقة الشديدة بالنفس والحاجة لتتبع غرائزك الخاصة ضروريان، ولسنتين تتبعت خطا هذين المعلمين قبل أن أدرك أنه يجب عليّ الهروب من تأثيرهما، وهكذا شكلت هذا القرار في مقال: “إنهما زوج من الأفران المتوهجة وأنا قطعة ثلج، متى اقتربت منهما سأتلاشى إلى غيمة بخار.” في فهمي يؤثر كاتب في الآخر عندما يستمتعان بالقرابة الروحية العميقة، والتي يشار إليها غالبًا بمقولة “القلوب تنبض بانسجام”، ويُفسر ذلك لماذا بالرغم من أني قرأت القليل من أعمالهما إلا أن صفحات قليلة كانت كافية لي لأفهم ماذا يفعلان وكيف يفعلانه مما قادني لفهم ماذا عليّ أن أفعل وكيف ينبغي عليّ فعله.
ما ينبغي عليّ فعله هو البساطة بعينها “أن أكتب قصصي الخاصة بطريقتي الخاصة”، وطريقتي هي طريقة حكواتي السوق المألوفة لي، وطريقة جدي وجدتي والقرويين القدامى في قص الحكايات، وبكل صراحة هي طريقة لا يُلقي فيها بال للجمهور فعندما أقص قصصي ربما كان جمهوري مكونًا من أناس مثل أمي أو ربما أنا فقط.
قصصي المبكرة سرد لتجاربي الخاصة، الفتى الذي جُلد في “النهر الجاف” أو الفتى الذي لم يتكلم قط في “الجزر الشفاف” على سبيل المثال، حقيقة لقد فعلت شيئًا ما سيئًا لأُضرب بالسوط من قبل أبي، وحقيقة قد أقدمت على نفخ الكير لحداد في موقع جسر، والطبيعي ألا نستطيع نقل التجربة الشخصية إلى خيال كما وقعت بالضبط بغض النظر عن فرادة التجربة، الخيالي يجب أن يكون خياليًا، يجب أن يكون مجازيًا، وللكثير من أصدقائي “الجزر الشفاف” أفضل قصصي، ولا حكم لي بطريقة أو بأخرى، ولكن ما أستطيع قوله أن “الجزر الشفاف” أكثر رمزية وأكثر عمقًا في المعنى من أي قصة أخرى قد كتبتها، ذلك الفتى ذو الجلد الداكن والقدرة البشرية الخارقة لأن يعاني والدرجة البشرية الخارقة من الرهافة يمثل الروح لكل إنتاجي الخيالي، لم تكن شخصية من كل الشخصيات الخيالية التي صنعتها منذ ذلك الحين قريبة لروحي كما كان هو، أو صغتها بطريقة أخرى، عبر جميع الشخصيات التي يختلقها الكاتب توجد دائما شخصية تقف فوق جميع الآخرين، وذلك الفتى قليل الكلام هو تلك الشخصية بالنسبة لي، وعلى الرغم من أنه لم ينطق بشيء إلا أنه قاد الطريق لجميع الآخرين بكل تنوعهم مؤديًا بحرية على مسرح بلدة جاومي الشمالية الشرقية.
تجربة الإنسان الشخصية مهما كثرت فلها حد، ومتى ما أُرهقت من قصصك الخاصة يجب أن تحكي قصص الآخرين، وبالتالي ومن أعماق ذكرياتي تحضرني القصص الفائقة الحسن لأفراد الأسرة والرفاق القرويين والأجداد الغابرين مثل العساكر المصطفة منتظرة أن أقولها. لقد تعلمت من أفواه القدامى. ظهر في قصصي جدي وجدتي وأبي وأمي وإخوتي وأخواتي وعماتي وأعمامي وزوجتي وابنتي جميعهم، حتى لغير الأقارب من سكان بلدة جاومي ظهور صغير، وبالطبع تعرضوا لتعديل أدبي لتحويلهم إلى شخصيات خيالية أكبر من الحياة.
شكلت إحدى عماتي الشخصية الرئيسية في روايتي الأخيرة “الضفادع”، وأرسل إعلان جائزة نوبل حشود الصحافيين إلى منزلها مع دعاوي لإجراء مقابلات، تكيفت بصبر في البداية ولكن سرعان ما فرض عليها الهرب من اهتمامهم الفرار إلى منزل ابنها في عاصمة الإقليم. لا أنكر أنها كانت نموذجي في كتابة “الضفادع” ولكن الفروق بينها وبين العمة الخيالية واسعة المدى، فالعمة الخيالية متغطرسة ومستبدة وفعليًا في مواطن كفاح، بينما عمتي الحقيقية طيبة ولطيفة وزوجة كلاسيكية مهتمة وأم محبة، السنوات الذهبية لعمتي الحقيقية سعيدة ومرضية بينما عانت نظيرتها الخيالية من الأرق في سنواتها الأخيرة نتيجة لعذاب روحي والمشي في الليل مرتدية روب قاتم كشبح. أنا ممتن لعمتي الحقيقية لأنها لم تغضب عليّ لأنّي غيرتها في الرواية، وأحترم بشدة حكمتها في فهم العلاقة المعقدة بين الشخصيات الخيالية والناس الحقيقيين.
تجربة الإنسان الشخصية مهما كثرت فلها حد، ومتى ما أُرهقت من قصصك الخاصة يجب أن تحكي قصص الآخرين
تجربة الإنسان الشخصية مهما كثرت فلها حد، ومتى ما أُرهقت من قصصك الخاصة يجب أن تحكي قصص الآخرين
بعد أن ماتت أمي قررت في عمق عَطَلَة الحزن أن أكتب رواية لها، كانت “أثداء كبيرة وحوض واسع” تلك الرواية، ومتى ما أخذت خطتي شكلها احترقت بهكذا مشاعر حتى أني أكملت مسودة من نصف مليون كلمة في ثلاثة وثمانين يومًا فقط.
استخدمت في رواية “أثداء كبيرة وحوض واسع” دون إحساس بالذنب مواد مرتبطة بتجربة أمي الحقيقية، ولكن الحالة العاطفية للأم الخيالية إما مختلقة بالكامل أو مركبة من الكثير من أمهات بلدة جاومي الشمالية الشرقية، وعلى الرغم من أني كتبت في صفحة الاهداء “إلى روح أمي” فإن الرواية في الحقيقة كُتبت لكل الأمهات في كل مكان، وربما دليل على طموحي المغرور -وكما أتمنى- أن أجعل بلدة جاومي الشمالية الشرقية الصغيرة عالمًا مصغرًا عن الصين وحتى العالم كله.
عملية الابداع خاصة عند كل كاتب، تختلف كل رواية من رواياتي عن الأخرى على مستوى الحبكة والإلهام المُوَجِّه، فبعضها مثل “الجزر الشفاف” ولد في الحلم، بينما الأخريات لديهن جذور من أحداث حقيقية مثل “أغاني الثوم الشعبية”، وأيا كان مصدر العمل سواء الحلم أو الحياة الحقيقية فقط عندما يندمج مع التجربة الشخصية يمكن –للعمل- تشرب الفردية وأن يُسكن بقوالب شخصيات مصبوب فيها تفاصيل مفعمة بالحياة، ويستخدم لغة تذكيرية غنية، وينحت تركيبًا مشغولًا بعناية، وهنا ينبغي أن أشير إلى أنّي قدمت في “أغاني الثوم الشعبية” حكواتي ومغني حقيقي في واحد من أهم أدوار الرواية، تمنيت ألا أستخدم اسمه الحقيقي على الرغم من أن أقواله وأفعاله مختلقة، وهذه ظاهرة متكررة معي، أبدأ باستخدام الأسماء الحقيقية للشخصيات لكي أحقق الاحساس بالحميمية، وبعد انتهاء العمل يبدو الوقت متأخرًا على تغيير هذه الأسماء، وهذا دفع الأناس الذين ظهر اسمهم في رواياتي للذهاب إلى أبي للإعراب عن استيائهم، ودائمًا ما يعتذر أبي بالنيابة عني، ولكن بعد ذلك يحثهم على عدم أخذ أمر كهذا بجدية، فيقول: “أول جملة في “الذرة الرفيعة الحمراء”: “أبي سليل قطاع طرق” ولم تزعجني، ولذلك لماذا ينبغي عليكم أن تحزنوا؟”
أتت أعظم تحدياتي من كتابة الروايات التي تتعامل مع الحقائق الاجتماعية مثل “أغاني الثوم الشعبية”، ليس لأنني خائف من نقد الجوانب المظلمة من المجتمع علنًا ولكن لأن المشاعر الغاضبة والحنق تسمح للسياسة أن تقمع الأدب وتحول الرواية إلى تقرير عن حدث اجتماعي، والروائي كعضو في المجتمع مخول لتبني موقف – المجتمع- ورؤيته، ولكن عليه عندما يكتب أن يتبنى موقفا إنسانيًا ويكتب بناء عليه، فقط في ذلك الحين يمكن للأدب المستلهم من أحداث ما أن يسمو فوقها، وألا يظهر اهتمامًا بالسياسة فقط بل ما هو أعظم من السياسة.
ربما لأنني عشت الكثير من حياتي في ظروف صعبة فإني أعتقد أنني أملك فهمًا عميقًا للحياة، وأعرف ما الشجاعة الحقيقية وأفهم الشفقة الحقيقية، أعلم أن تلك المنطقة الضبابية موجودة في قلب كل شخص وعقله، وأنه لا يمكن وصفها بشكل كاف بمصطلحات الصواب والخطأ أو الجيد والسيء، وهي منطقة شاسعة حيث يمكن للكاتب إطلاق العنان لموهبته، ولذلك طالما يصف العمل هذه المنطقة الضبابية المتناقضة بشدة بشكل صحيح وحي فإنه حتمًا سيتجاوز السياسة ويُمنح التفوق الأدبي.
لابد أن الثرثرة عن عملي الخاص مزعجة، ولكن حياتي وأعمالي مترابطان بشكل لا ينفصل، ولذلك إذا لم أتحدث عن أعمالي فلا أعرف التكلم في أي شيء آخر، وأتمنى أن تكونوا في مزاج متسامح.
لقد كنت حكواتيًا عصريًا متخفيًا في خلفية أعماله المبكرة، ولكنني قفزت من الظلال مع رواية “موت شجرة الصندل”، فأعمالي الأولى تتميز بسلاسل من المونولوج – مناجاة الذات- دون أية قراء في عقلي، ولكن مع هذه الرواية بدأت في رؤية نفسي أقف مفعمًا بالحيوية في ميدان عام أقص حكاية على جمهور من المستمعين، وهذا التقليد ظاهرة عالمية في الأدب الخيالي وخاصة في الصين، كنت تلميذًا مجتهدًا للأدب الغربي الحديث في وقت ما، وجربت جميع أنواع وأساليب السرد، ولكن في النهاية عدت إلى تقاليدي، وللتأكيد لم تكن تلك العودة بدون تعديلات، فرواية “موت شجرة الصندل” وما تبعها وريثات تقاليد الرواية الصينية الكلاسيكية ولكنهن معززات بتقنيات كتابة غربية، وما عرف بأنه أدب مجدد في معظم أجزائه نتيجة لذلك المزيج لم يكن مقتصرًا على التقاليد المحلية مع الأساليب الأجنبية بل يمكن أن يشمل خليط الأدب مع مجالات الفن الأخرى، فعلى سبيل المثال تمزج “موت شجرة الصندل” الأدب بأوبرا محلية، بينما بعض أعمالي المبكرة رُعيت إلى حد ما بالفنون الجميلة والموسيقى وحتى الألعاب البهلوانية (الأكروباتيكس).
أخيرًا أسألكم تسامحكم لأتحدث عن روايتي “الحياة والموت يستنزفانني”، يأتي العنوان الصيني من الكتاب البوذي، وقد أُخْبِرت أن مترجميّ حاولوا عدة مرات نقله إلى لغاتهم، أنا بصورة خاصة لست متمكنًا جيدًا من النص البوذي وليس لدي إلا فهم سطحي للدين، واخترت هذا العنوان لإيماني أن المبادئ الأساسية للإيمان البوذي تمثل المعرفة الشاملة، وأن العديد من الخلافات البشرية الموجودة تبدو بلا معنى في العالم البوذي، وبهذه النظرة السامية إلى العالم سيبدو عالم الإنسان يُرثى له.
ليست روايتي دعاية دينية، لقد كتبت فيها مصير الإنسان والمشاعر البشرية وحدود الإنسان وكرمه وبحث الناس عن السعادة والمسافة التي سيقطعونها لدعم قناعاتهم والتضحيات التي سيبذلونها لذلك. يأخذ بطل الرواية لان ليان موقفًا معاديًا للتيارات الحديثة، وهو بنظري بطل. كان القالب لهذه الشخصية فلاح من قرية مجاورة رأيته مرارًا في شبابي يدفع عربة خشبية العجلات ولها صرير وحمار أعرج أمامها تقوده زوجته ذات الأقدام المربوطة، وبالنظر إلى الطبيعة الاشتراكية للمجتمع في ذلك الوقت أظهرت هذه المجموعة العاملة الغريبة منظرًا ناشزًا جعلهم خارج سلم الزمن، كانوا في عيوننا نحن الأطفال مهرجين يسيرون عكس اتجاه التاريخ مثيرين فينا الحنق حتى أننا قذفناهم بالحجارة أثناء مرروهم بنا في الشارع، وبعد أن بدأت الكتابة بعد سنوات ظهر طافيًا ذلك الفلاح والمشهد الذي رسمه على عقلي، فعرفت أنه يومًا ما قد أكتب رواية عنه، طال الزمان أو قصر سأحكي قصته للعالم، ولكن لم يحدث ذلك حتى سنة 2005 عندما رأيت الجدارية البوذية “المراحل الست لسمسارا” على جدار معبد فعلمت بالضبط كيف سأروي قصته.
أدى اعلان نيلي جائزة نوبل إلى جدال، اعتقدت في البداية أني موضع خلاف، ولكن مع الوقت أدركت أن الموضع الحقيقي هو شخص لا علاقة لي به، راقبت الأداء حولي كشخص يشاهد مسرحية في المسرح، رأيت الفائز يكلل بالورود ويحاصر بقاذفي الحجارة والطين على حد سواء، فخفت أنه قد يستسلم للاعتداء ولكنه رسم من أكاليل الورود والحجارة بسمة على وجهه، ومسح الطين والوسخ، ووقف بهدوء جانبًا وقال للجمهور:
أحسن طريقة للكاتب ليتكلم هي الكتابة، ستجدون كل شيء أحتاج أن أقوله في أعمالي، الحديث تتخطفه الريح، بينما لا يختفي الكلام المكتوب قط، أتمنى أن تجدوا الصبر لقراءة أعمالي، لا يمكنني إجباركم على ذلك وحتى لو فعلتم لا أتوقع أن رأيكم فيّ سيتغير، لم يظهر بعد – في أي مكان من العالم- ذلك الكاتب الذي يحبه كل قرائه، وهذا أكثر صحة في أوقات كهذه تحديدًا.
على الرغم من أني أفضل ألا أقول شيئًا ولكن هنالك شيء ما يجب أن أقوله في هذا الاحتفال، فدعوني أقله: أنا حكواتي، لذلك سأحكي لكم بعض الحكايات.
عندما كنت طالبا في الصف الثالث في ستينات القرن العشرين نظمت مدرستي رحلة إلى معرض للمعاناة، وبكينا دموعًا مريرة تحت توجيه أحد مدرسينا، لقد تركت دموعي على خديّ من أجل ثناء معلمنا، ورأيت بعض زملائي يبصقون في أيديهم ويمسحونها في وجوههم متظاهرين بالبكاء، ورأيت وسط كل هؤلاء الأطفال الناحبين – وبعضهم صادق وبعضهم كاذب- طالبًا واحدًا وجهه جاف وبقي صامتًا دون أن يغطي وجهه بيديه، كان ينظر إلينا فقط بعينين مفتوحتين على وسعهما تعبران عن المفاجأة والتشوش، وبعد الرحلة أبلغت عنه المعلم فأُعطي تحذيرًا صارمًا، وبعد سنوات أبديت ندمي على التبليغ عن الفتى، فقال المعلم أنه على الأقل عشرة طلاب فعلوا ما فعلت، الفتى نفسه قد مات قبل عقد أو أكثر من الآن، وضميري يتكدر من الأعماق عندما أفكر فيه، ولكنني تعلمت شيئًا مهما من تلك الحادثة، وهو: عندما يبكي الجميع حولك فإنك تستحق السماح لك بعدم البكاء، وعندما تكون الدموع كلها للاستعراض، فإن حقك ألا تبكي ما يزال أعظم.
تختلف كل رواية من رواياتي عن الأخرى على مستوى الحبكة والإلهام المُوَجِّه
تختلف كل رواية من رواياتي عن الأخرى على مستوى الحبكة والإلهام المُوَجِّه
هاكم قصة أخرى: عندما كنت في الجيش منذ أكثر من ثلاثين سنة كنت في مكتبي أقرأ في إحدى الليالي عندما فتح عليّ ضابط مسن الباب ودخل، نظر إلى الكرسي أمامي وتمتم “هممم، أين الجميع؟” فوقفت وقلت بصوت عالٍ “هل تقول أني لست أحدًا” فاحمرت أذنا الضابط المسن من الارتباك ومشى مغادرًا، وكنت فخورًا بما اعتبرته أداءً شجاعًا لوقت طويل بعده، وبعد سنوات تحول هذا الاعتزاز لتأنيب ضمير.
تحملوا معي أرجوكم لقصة واحدة أخيرة، أخبرني أحد أجدادي قبل سنوات عديدة أن: مجموعة من ثمانية بنائين التجأوا من عاصفة إلى معبد مهجور بعيدًا عن البلدة، يقعقع الرعد بالخارج مرسلًا كرات نار على طريقهم، حتى أنهم سمعوا ما بدا كصرخات تنين، كان الرجال مرعوبين ووجوههم شاحبة، فقال أحدهم ” بيننا نحن الثمانية شخص لا بد أنه أهان السماوات بفعل مشين، يجب على المذنب أن يتبرع للخروج متقبلا عقوبته ومجنبًا البريئين المعاناة” وبالطبع لم يتطوع أحد، ولذلك أتى أحدهم باقتراح “مادام أن أحدًا غير مستعد للخروج فدعونا نرمي قبعاتنا القشية نحو الباب، وأي كان من تخرج قبعته خارج باب المعبد فإنه هو الطرف المذنب، وسنسأله الخروج وقبول عقوبته” فرموا قبعاتهم ناحية الباب، عادت سبع قبعات مع الريح إلى الداخل، وواحدة خرجت من الباب، فضغطوا على الرجل الثامن أن يغادر ويقبل عقوبته، وعندما أحجم عن ذلك مسكوه وقذفوه عبر الباب، وأراهن أنكم جميعًا تعرفون كيف تنتهي القصة: فبمجرد أن قذفوه خارجًا عبر الباب تهاوى المعبد عليهم.
أنا حكواتي.
منحني قص الحكايات جائزة نوبل في الأدب.
حصلت لي العديد من الأشياء المثيرة على إثر الفوز بالجائزة، وأقنعتني بأن الصدق والعدالة ما زالا حيّين وبخير.
ولذلك سأستمر في قص حكاياتي في قادم الأيام.
شكرًا لكم جميعًا.
[1] عادة ربط الأقدام عادة انتشرت في الصين منذ القرن العاشر الميلادي وبقيت إلى وقت قريب حيث يتم ربط أقدام الفتيات الصغار لمنعها من النمو والمحافظة عليها صغيرة ودقيقة، وهو مما يعتبر معياراً من معايير الجمال عند الصينيين.