مقدمة
تعرف السيرة الذاتية في الاصطلاح الأدبي بكونها سردا قصصيا يتناول فيه الكاتب كشف حياته الخاصة، محاولا أن يعرض حكاية لما يستحق أن يشاركه مع المتلقي من أحداث و وقائع مهمة تفردت بها حياته.
وإذا كانت الرواية مرتبطة بالتخييل فإن السيرة الذاتية تتطلب واقعية في سرد الأحداث بعيدا عن المخيلة التي ينتفي بها شرط المطابقة الواقعية، وهي ما سماها فيليب لوجون "ميثاق السيرة الذاتية".
أصدرت الكاتبة الزهرة رميج سيرتها الذاتية عن دار فضاءات للنشر بالأردن عام2016 ،ولعل أول إشارة معنوية يلتقطها قارئ العنوان قبل أن يتصفح المتن،البعد الاسترجاعي الذي يوحي به التركيب الوصفي "الذاكرة المنسية"،إذ يؤشر على عودة الكاتبة إلى الماضي لتنفض عن ذاكرتها غبار النسيان مستلهمة منها مواقف و أحداثا طبعت حياتها .وهذا ما تؤكده توطئتها حيث صرحت بأن الذاكرة المنسية أبدعت استجابة لطلب مخرج سينمائي أراد أن يصور شريطا عن حياتها.
اعتمدت الكاتبة في سردها منطق الاسترجاع و الاستحضار متوسلة بما ترسب في حافظتها من أحداث وذكريات، حاولت أن تبعثها من رمادها،لتسرد فصولا منها ،دارت بين أماكن مختلفة بدء بالبادية حيث بيت الأسرة و المدرسة الأولى،مرورا بالمدينة والمدرسة الثانوية ثم الجامعة حيث أتمت دراستها.
لا شك في أن قارئ هذه السيرة الذاتية بعد سبر أغوارها و تأمل أحداثها و تيماتها،سيتساءل:
هل كانت الكاتبة موضوعية في الكشف عن حياتها؟
ألم تتدخل ذاتها المتخيلة في سرد أحداث اختزنتها ذاكرة معرضة للنسيان؟
الذاكرة المنسية استجابة طلب:
إن جمالية أي عمل إبداعي تكمن في تلقائيته وعفويته النابعة من قريحة المبدع التي تتقد استجابة للحظات شعورية مختلفة،لكن اللافت للانتباه في سيرة الزهرة الرميج اعترافها بأن الذاكرة المنسية عمل تحت الطلب،مما يجعل احتمال الانتقائية في سرد الأحداث واردا بقوة،إما بالاقتصار على كل ما هو إيجابي في شخصية المبدع و إما بالمبالغة في الزهو بالذات و تلميعها.
فما ملامح هذا الزهو بالذات في الذاكرة المنسية؟
الذات الرومانسية الوالهة بالبادية والطبيعة.
أولت الكاتبة للمكان أهمية بالغة في سردها،وحجة إسهابُها في وصف أماكن ،ارتبطت بها ارتباطا عاطفيا،ويمكن القول إن البادية "البيت" شكلت الحيز الأكبر في مقاطع وصفية مزجت فيه ذاتها بمكونات الطبيعة،وكـأني بها ترسم لنفسها صورة الرومانسي المتبرم من المدينة الواله بالقرية و دعتها.
تقول في ص 22:
"لم يكن حنيني يقتصر على بيتنا فقط ،وإنما يشمل أيضا،تلك الفضاءات الواسعة المحيطة به،كنت أحن إلى خضرة الطبيعة ،و إلى الأشجار الباسقة التي تزين ساحة المدرسة..."
وتقول أيضا في ص 29:
وأنا أتأمل ذلك المكان ، أدركت لماذا تغمرني السعادة دوما ، كلما وجدت نفسي أمام منظر طبيعي ، يكون الماء أحد عناصر تشكيله ، ذلك أني أحمل بداخلي إحساسا رائعا بالماء".
لقد تكررت مثل هذه المقاطع كثيرا في سرد الكاتبة، رغبة في تبطيء السرد بتوظيفها تقنية الاستراحة من الأحداث عبر الوصف،لكنها بالغت في إقحام ذاتها ضمن الطبيعة، متسربلة بقشيب المبدع الهائم بين خلجات الجنان الفيحاء.
إن هذا التماهي بين ذات الكاتبة و القرية ، أملته المخيلة على قريحتها،وحسبنا دليلا على ذلك اعترافها في ص: 29:
"ورغم أن ميلادي كان هناك إلا أن ذاكرتي لا تحتفظ بأي ذكريات تتعلق به. لكني أعتقد أن لا وعيي ظل يحتفظ بتلك الصورة الأولى التي يفتح المولود عينيه عليها أول مرة"
إن هذا الإقرار بتدخل التخييل في سرد الأحداث ،يؤكد فرضية انتفاء الواقعية عن كثير من المواقف و الوقائع،فالكاتبة انصاعت للمخيلة، لتبلغ في البوح بميولها الطبعي القروي مبلغا أوقعها في شرك التناقض بينما تصف به نفسها وبين ما قالته في توطئتها ص 9:
" لقد وقفت أمام بيتنا القديم ، ومدرستي الأولى،وفضاءات لعبي بالبادية،وكذلك أمام بيتنا بوادي زم الذي لم أره منذ وفاة أمي قبل اثني عشرة سنة،وأمام المدرسة الابتدائية والمؤسسة الإعدادية اللتين درست بهما ،و لم أرهما مند منتصف الستينات من القرن الماضي."
بالنظر لما قالته الكاتبة جاز التساؤل بالإنكار: كيف لمرهف الحس وله بمكان شغفه حبا، ألا يزوره سنين و عقودا؟ أليست سلطة الحب أقوى من كل ظرف؟
3الأب منزه عن أخطاء الرجال
حظي الأب في الذاكرة المنسية بقسط غير يسير ضمن الأحداث ،إذ لا يكاد موقف من المواقف التي عاشتها الكاتبة يخلو من ذكر أبيها،إلا أن اللافت للانتباه في هذا الحضور صورة الرجل النموذج التي حاولت الكاتب أن تبدعها عند كل وصف .
تقول:
"لحسن حظي و حظ إخوتي،كان أبي مختلفا عن أبناء جيله.كانت العادة تقتضي تقبيل أيدي الآباء،و الرجال الكبار،إلا أن أبي لم يكن يمد لنا يده لنقبلها،" ص 41
وتقول في ص 47":
"كان أبي معروفا بكرمه الحاتمي،وحبه لاستقبال الضيوف.."
وفي ص 50 تصف أباها قائلة:لقد كان أبي سابقا لعصره،مؤمنا بالعلم ، وبحق في التعليم،وبمساوتها في ذلك،مع الرجل...."
هكذا جعلت الكاتبة أباها فريد عصره،يتصف بكل مكرمة، فهو الكريم الحر المناضل الحنون،المتفتح السابق عصره بأفكاره التقدمية،نائية به عما كان يتسم به أترابه من الرجال الذين استبدت بهم جنة الذكورة و التخبط في معتقدات القبيلة.
إن تغني الكاتبة بوالدها يكرس المقولة الشهيرة " كل فتاة بأبيها معجبة"،لكن إعجاب الزهرة الرميج فاق حدود المنطق،إذ يقف القارئ مندهشها أمام هذا الأب السابق عصره،وهو الأمر الذي حدث مع رشيد مرافق الكاتبة حين استفسرها عن سبب هذا التفرد الذي ميز أباها لتجيبه:
"إذ لست أدري إن كان السبب علاقته التجارية بالفرنسيين و انفتاحه على نمط عيشهم أم تكوينه النفسي الذي ساهمت فيه أمه...."ص 42
لقد كان جوابها غير كاف،حتى يقتنع المتلقي بنموذجية هذا الأب،فالاحتكاك بالفرنسيين ليس شرطا أساسا في أن يتأثر رجل أمي بأفكار سابقة لعصره،وإن حاولت تبرير وصفها المزعوم بحرص الأب على العلم حين أتى بفقيه يعلمه القراءة والكتابة،فصفة الفقيه و رمزيته الثقافية لا تشفع لوالدها أن يكون سيد زمانه بفكره المتقدم الذي لم يمنعه من جر شعر زوجته لحظة الغضب،وهو الأمر الذي صرحت به وهي تصف جمال أمها في ص 46
تقول: " ...ومع ذلك لم يجعلها هذا الشعر تعيش حياة هادئة و مريحة،بل كان عاملا من عوامل تعاستها لما يثيره من غيرة،أو عندما يمسكه والدي ويلفه على ذراعه كي لا تنفلت منه ساعة الغضب".
4 المراهقة المتمردة،المتفوقة،المثقفة.
إن أهم ما ميز سرد الكاتبة لأحداث مرحلة الدراسة الثانوية والجامعية،اقتصارها على الجانب المضيء في شخصها،دون أن تسفر اللثام عن الجانب الآخر،فهي المتفوقة في الدراسة الابتدائية،الحاصلة على جائزة التميز،المتفردة ضمن بنات القرية في إتمام الدراسة،المتمردة على العادات والخرافات،التقدمية المناضلة،المثقفة الشغوف بالكتاب.
لا يختلف اثنان في كون الزهرة رميج مبدعة متألقة ومثقفة بارزة،لهذا لا ينكر القارئ واقعية ما سردته حول ولعها بالقراءة و ارتياد المكتبات وهي تستعرض مقروءها،لكن ما يزرى عليها تكتمها عن كل ما تعلق بنزق الشباب،مما يضفي على سردها طابع الانتقائية،و كأنها لم تعش تجربة عاطفية وهي الرومانسية التي لجأت إلى الشعر حين اجتاحها الحب أول مرة تقول :
"وأعتقد أن حضوري طقوس الإبداع الشعري التي كان يعيشها هو ما حفزني على كتابة الشعر،و جعلني ألجأ إليه عندما اجتاحتني مشاعر الحب لأول مرة"
وأمام هذا الاعتراف نتساءل:
لم اكتفت الشاعرة بإشارة عابرة عن حبها الأول دون الإفصاح عنه؟
أ هي سلطة الآخر "الزوج"، صفدت أنا الكاتبة في تحري الواقعية التامة؟
أليست الكاتبة نفسها تلك الجسور التي أبدعت مقاطع جريئة في روايات أخرى؟
خاتمة
ختاما لما ذكر،يمكن القول :
- إن الزهرة رميج روائية مغربية اعتلت أسباب الألق بإبداعاتها القيمة التي نالت استحسان كبار النقاد.
- الذاكرة المنسية سيرة ذاتية روائية مزج فيها التخييل بالواقع، تدخلت فيه ذات الكاتب الانتقائية.
- إن التزام الواقعية و الصدق التام في السيرة الذاتية شرط يصعب أن يلتزم به الكاتب،وفي هذا الصدد نستحضر ما قالته القاصة لطيفة لبصير في ندوتها بكلية الآداب "تطوان" ،حين أجابت متدخلا سألها عن السبب في عدم كتابة سيرتها الذاتية:
"لأني إذا كتب سيرة ذاتية سأكذب"
تعرف السيرة الذاتية في الاصطلاح الأدبي بكونها سردا قصصيا يتناول فيه الكاتب كشف حياته الخاصة، محاولا أن يعرض حكاية لما يستحق أن يشاركه مع المتلقي من أحداث و وقائع مهمة تفردت بها حياته.
وإذا كانت الرواية مرتبطة بالتخييل فإن السيرة الذاتية تتطلب واقعية في سرد الأحداث بعيدا عن المخيلة التي ينتفي بها شرط المطابقة الواقعية، وهي ما سماها فيليب لوجون "ميثاق السيرة الذاتية".
أصدرت الكاتبة الزهرة رميج سيرتها الذاتية عن دار فضاءات للنشر بالأردن عام2016 ،ولعل أول إشارة معنوية يلتقطها قارئ العنوان قبل أن يتصفح المتن،البعد الاسترجاعي الذي يوحي به التركيب الوصفي "الذاكرة المنسية"،إذ يؤشر على عودة الكاتبة إلى الماضي لتنفض عن ذاكرتها غبار النسيان مستلهمة منها مواقف و أحداثا طبعت حياتها .وهذا ما تؤكده توطئتها حيث صرحت بأن الذاكرة المنسية أبدعت استجابة لطلب مخرج سينمائي أراد أن يصور شريطا عن حياتها.
اعتمدت الكاتبة في سردها منطق الاسترجاع و الاستحضار متوسلة بما ترسب في حافظتها من أحداث وذكريات، حاولت أن تبعثها من رمادها،لتسرد فصولا منها ،دارت بين أماكن مختلفة بدء بالبادية حيث بيت الأسرة و المدرسة الأولى،مرورا بالمدينة والمدرسة الثانوية ثم الجامعة حيث أتمت دراستها.
لا شك في أن قارئ هذه السيرة الذاتية بعد سبر أغوارها و تأمل أحداثها و تيماتها،سيتساءل:
هل كانت الكاتبة موضوعية في الكشف عن حياتها؟
ألم تتدخل ذاتها المتخيلة في سرد أحداث اختزنتها ذاكرة معرضة للنسيان؟
الذاكرة المنسية استجابة طلب:
إن جمالية أي عمل إبداعي تكمن في تلقائيته وعفويته النابعة من قريحة المبدع التي تتقد استجابة للحظات شعورية مختلفة،لكن اللافت للانتباه في سيرة الزهرة الرميج اعترافها بأن الذاكرة المنسية عمل تحت الطلب،مما يجعل احتمال الانتقائية في سرد الأحداث واردا بقوة،إما بالاقتصار على كل ما هو إيجابي في شخصية المبدع و إما بالمبالغة في الزهو بالذات و تلميعها.
فما ملامح هذا الزهو بالذات في الذاكرة المنسية؟
الذات الرومانسية الوالهة بالبادية والطبيعة.
أولت الكاتبة للمكان أهمية بالغة في سردها،وحجة إسهابُها في وصف أماكن ،ارتبطت بها ارتباطا عاطفيا،ويمكن القول إن البادية "البيت" شكلت الحيز الأكبر في مقاطع وصفية مزجت فيه ذاتها بمكونات الطبيعة،وكـأني بها ترسم لنفسها صورة الرومانسي المتبرم من المدينة الواله بالقرية و دعتها.
تقول في ص 22:
"لم يكن حنيني يقتصر على بيتنا فقط ،وإنما يشمل أيضا،تلك الفضاءات الواسعة المحيطة به،كنت أحن إلى خضرة الطبيعة ،و إلى الأشجار الباسقة التي تزين ساحة المدرسة..."
وتقول أيضا في ص 29:
وأنا أتأمل ذلك المكان ، أدركت لماذا تغمرني السعادة دوما ، كلما وجدت نفسي أمام منظر طبيعي ، يكون الماء أحد عناصر تشكيله ، ذلك أني أحمل بداخلي إحساسا رائعا بالماء".
لقد تكررت مثل هذه المقاطع كثيرا في سرد الكاتبة، رغبة في تبطيء السرد بتوظيفها تقنية الاستراحة من الأحداث عبر الوصف،لكنها بالغت في إقحام ذاتها ضمن الطبيعة، متسربلة بقشيب المبدع الهائم بين خلجات الجنان الفيحاء.
إن هذا التماهي بين ذات الكاتبة و القرية ، أملته المخيلة على قريحتها،وحسبنا دليلا على ذلك اعترافها في ص: 29:
"ورغم أن ميلادي كان هناك إلا أن ذاكرتي لا تحتفظ بأي ذكريات تتعلق به. لكني أعتقد أن لا وعيي ظل يحتفظ بتلك الصورة الأولى التي يفتح المولود عينيه عليها أول مرة"
إن هذا الإقرار بتدخل التخييل في سرد الأحداث ،يؤكد فرضية انتفاء الواقعية عن كثير من المواقف و الوقائع،فالكاتبة انصاعت للمخيلة، لتبلغ في البوح بميولها الطبعي القروي مبلغا أوقعها في شرك التناقض بينما تصف به نفسها وبين ما قالته في توطئتها ص 9:
" لقد وقفت أمام بيتنا القديم ، ومدرستي الأولى،وفضاءات لعبي بالبادية،وكذلك أمام بيتنا بوادي زم الذي لم أره منذ وفاة أمي قبل اثني عشرة سنة،وأمام المدرسة الابتدائية والمؤسسة الإعدادية اللتين درست بهما ،و لم أرهما مند منتصف الستينات من القرن الماضي."
بالنظر لما قالته الكاتبة جاز التساؤل بالإنكار: كيف لمرهف الحس وله بمكان شغفه حبا، ألا يزوره سنين و عقودا؟ أليست سلطة الحب أقوى من كل ظرف؟
3الأب منزه عن أخطاء الرجال
حظي الأب في الذاكرة المنسية بقسط غير يسير ضمن الأحداث ،إذ لا يكاد موقف من المواقف التي عاشتها الكاتبة يخلو من ذكر أبيها،إلا أن اللافت للانتباه في هذا الحضور صورة الرجل النموذج التي حاولت الكاتب أن تبدعها عند كل وصف .
تقول:
"لحسن حظي و حظ إخوتي،كان أبي مختلفا عن أبناء جيله.كانت العادة تقتضي تقبيل أيدي الآباء،و الرجال الكبار،إلا أن أبي لم يكن يمد لنا يده لنقبلها،" ص 41
وتقول في ص 47":
"كان أبي معروفا بكرمه الحاتمي،وحبه لاستقبال الضيوف.."
وفي ص 50 تصف أباها قائلة:لقد كان أبي سابقا لعصره،مؤمنا بالعلم ، وبحق في التعليم،وبمساوتها في ذلك،مع الرجل...."
هكذا جعلت الكاتبة أباها فريد عصره،يتصف بكل مكرمة، فهو الكريم الحر المناضل الحنون،المتفتح السابق عصره بأفكاره التقدمية،نائية به عما كان يتسم به أترابه من الرجال الذين استبدت بهم جنة الذكورة و التخبط في معتقدات القبيلة.
إن تغني الكاتبة بوالدها يكرس المقولة الشهيرة " كل فتاة بأبيها معجبة"،لكن إعجاب الزهرة الرميج فاق حدود المنطق،إذ يقف القارئ مندهشها أمام هذا الأب السابق عصره،وهو الأمر الذي حدث مع رشيد مرافق الكاتبة حين استفسرها عن سبب هذا التفرد الذي ميز أباها لتجيبه:
"إذ لست أدري إن كان السبب علاقته التجارية بالفرنسيين و انفتاحه على نمط عيشهم أم تكوينه النفسي الذي ساهمت فيه أمه...."ص 42
لقد كان جوابها غير كاف،حتى يقتنع المتلقي بنموذجية هذا الأب،فالاحتكاك بالفرنسيين ليس شرطا أساسا في أن يتأثر رجل أمي بأفكار سابقة لعصره،وإن حاولت تبرير وصفها المزعوم بحرص الأب على العلم حين أتى بفقيه يعلمه القراءة والكتابة،فصفة الفقيه و رمزيته الثقافية لا تشفع لوالدها أن يكون سيد زمانه بفكره المتقدم الذي لم يمنعه من جر شعر زوجته لحظة الغضب،وهو الأمر الذي صرحت به وهي تصف جمال أمها في ص 46
تقول: " ...ومع ذلك لم يجعلها هذا الشعر تعيش حياة هادئة و مريحة،بل كان عاملا من عوامل تعاستها لما يثيره من غيرة،أو عندما يمسكه والدي ويلفه على ذراعه كي لا تنفلت منه ساعة الغضب".
4 المراهقة المتمردة،المتفوقة،المثقفة.
إن أهم ما ميز سرد الكاتبة لأحداث مرحلة الدراسة الثانوية والجامعية،اقتصارها على الجانب المضيء في شخصها،دون أن تسفر اللثام عن الجانب الآخر،فهي المتفوقة في الدراسة الابتدائية،الحاصلة على جائزة التميز،المتفردة ضمن بنات القرية في إتمام الدراسة،المتمردة على العادات والخرافات،التقدمية المناضلة،المثقفة الشغوف بالكتاب.
لا يختلف اثنان في كون الزهرة رميج مبدعة متألقة ومثقفة بارزة،لهذا لا ينكر القارئ واقعية ما سردته حول ولعها بالقراءة و ارتياد المكتبات وهي تستعرض مقروءها،لكن ما يزرى عليها تكتمها عن كل ما تعلق بنزق الشباب،مما يضفي على سردها طابع الانتقائية،و كأنها لم تعش تجربة عاطفية وهي الرومانسية التي لجأت إلى الشعر حين اجتاحها الحب أول مرة تقول :
"وأعتقد أن حضوري طقوس الإبداع الشعري التي كان يعيشها هو ما حفزني على كتابة الشعر،و جعلني ألجأ إليه عندما اجتاحتني مشاعر الحب لأول مرة"
وأمام هذا الاعتراف نتساءل:
لم اكتفت الشاعرة بإشارة عابرة عن حبها الأول دون الإفصاح عنه؟
أ هي سلطة الآخر "الزوج"، صفدت أنا الكاتبة في تحري الواقعية التامة؟
أليست الكاتبة نفسها تلك الجسور التي أبدعت مقاطع جريئة في روايات أخرى؟
خاتمة
ختاما لما ذكر،يمكن القول :
- إن الزهرة رميج روائية مغربية اعتلت أسباب الألق بإبداعاتها القيمة التي نالت استحسان كبار النقاد.
- الذاكرة المنسية سيرة ذاتية روائية مزج فيها التخييل بالواقع، تدخلت فيه ذات الكاتب الانتقائية.
- إن التزام الواقعية و الصدق التام في السيرة الذاتية شرط يصعب أن يلتزم به الكاتب،وفي هذا الصدد نستحضر ما قالته القاصة لطيفة لبصير في ندوتها بكلية الآداب "تطوان" ،حين أجابت متدخلا سألها عن السبب في عدم كتابة سيرتها الذاتية:
"لأني إذا كتب سيرة ذاتية سأكذب"