تشكّلتْ أولى مكتباتي، في بدايات الطفولة، من كتب ثلاثة فيما أذكر. تلك الكتب كانت هي " دمعة وابتسامة" لجبران، و"النّحو الواضح" – لا أذكر مؤلّفه- وكتاب ثالث من تأليف أساتذة مصريّين، من بينهم أحمد أمين ( أعرف الآن أنّه الجزء الثاني من مؤلّف مدرسي ممتاز في أربعة أجزاء، عنوانه: المنتخب من أدب العرب). هذا الكتاب الثّالث كان أصفر الورق، لكنّه لم يكن من الكتب الصّفراء، وإنّما كان يضمّ بين دفّتيه مقطوعات طويلة من قصائد جميلة، حَضِيَتْ كلٌّ منها بتقديم مُحَبِّب، وشُرِحت كلماتها الصّعبة في أسفل الصّفحة. وعن طريق هذا الكتاب، ترسَّخَتْ في ذهني أسماء شعراء، مثل: عُمارة اليَمنيّ، الذي لم أقرأ له كثيراً منذ زمن الطّفولة ذاك، وكشاجم وصالح بن عبد القدّوس، وفيه قرأت للمتنبّي مقطوعة طويلة من قصيدته عن الحُمّى، وللمعرّي مقطوعات، إلخ.
المهمّ أنّ تلك الكتب وُضِعتْ في جانب من "الصّندوق الأخضر"، كما كنّا نُسَمّيه في بيتنا، وستضاف إليها كتب أخرى عديدة، من بينها أوّل ما قرأتُ بالفرنسيّة: "سفينة آدريان". وكنّا وقتها نقطن ببلدة لَمزيندة، وهي بلدة عُمّاليّة صغيرة... في الجانب الآخر من " الصّندوق الأخضر"، كانت دفاتري وكتبي المدرسيّة. وكان عندنا في البيت " صندوق" آخر له مكانته في حياتنا اليوميّة، هو " الصّندوق الأحمر". هذا الأخير كان يحتوي على الأوراق الهامّة للمرحوم والدي...
وكان عدد الكتب في الصّندوق الأخضر يتزايد، وكنتُ أرتّبها وأعيد ترتيبها بنشوة خَفِيّة، وكثيراً ما كنتُ أقضي ساعات في القراءة ( جورجي زيدان، ألكسندر دوماس، المنفلوطي، والتر سكوت...)، وبعدها، أمضي إلى الخارج، وحين لا يكون هنالك أطفال ألعب معهم كرة القدم أو ما شابه، كنتُ أمضي عبر أرضٍ خلاء حتّى أصِل إلى مشارف مقبرة البلدة، وهنالك أبدأ في تخيّل وجوه وحيوات المدفونين هنالك ( قبل موتهم ، وربّما حتّى بعده)... بعد زمن طويل، سأقرأ أنَّ " الكتابة سفر إلى عالم الأموات"، ويبدو لي الآن أنّ القراءة بِشَغف هي أيْضاً سفر من ذلك القبيل!
مبارك وساط
المهمّ أنّ تلك الكتب وُضِعتْ في جانب من "الصّندوق الأخضر"، كما كنّا نُسَمّيه في بيتنا، وستضاف إليها كتب أخرى عديدة، من بينها أوّل ما قرأتُ بالفرنسيّة: "سفينة آدريان". وكنّا وقتها نقطن ببلدة لَمزيندة، وهي بلدة عُمّاليّة صغيرة... في الجانب الآخر من " الصّندوق الأخضر"، كانت دفاتري وكتبي المدرسيّة. وكان عندنا في البيت " صندوق" آخر له مكانته في حياتنا اليوميّة، هو " الصّندوق الأحمر". هذا الأخير كان يحتوي على الأوراق الهامّة للمرحوم والدي...
وكان عدد الكتب في الصّندوق الأخضر يتزايد، وكنتُ أرتّبها وأعيد ترتيبها بنشوة خَفِيّة، وكثيراً ما كنتُ أقضي ساعات في القراءة ( جورجي زيدان، ألكسندر دوماس، المنفلوطي، والتر سكوت...)، وبعدها، أمضي إلى الخارج، وحين لا يكون هنالك أطفال ألعب معهم كرة القدم أو ما شابه، كنتُ أمضي عبر أرضٍ خلاء حتّى أصِل إلى مشارف مقبرة البلدة، وهنالك أبدأ في تخيّل وجوه وحيوات المدفونين هنالك ( قبل موتهم ، وربّما حتّى بعده)... بعد زمن طويل، سأقرأ أنَّ " الكتابة سفر إلى عالم الأموات"، ويبدو لي الآن أنّ القراءة بِشَغف هي أيْضاً سفر من ذلك القبيل!
مبارك وساط