قبل اثني عشر عاماً تقريباً كتبتُ مقالة عنوانها "شيطاني الأنثى"، وقد أخذت العبارة من بيت الشعر المعروف:
إني وكل شاعر من البشر شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
وفضلت أن يكون شيطاني أنثى لا ذكراً، ربما لأنني رزقت بطفلتين، وربما لأنني عرفت إناثاً بعضهن كن شيطانات، أقول بعضهن فأنا لا أعمم لأن هناك نساءً نساء، حور عين، عاقلات يذكرن المرء بقول الشاعر:
وكم رجل يعد بألف رجل وكم ألف تمر بلا حساب
وربما وجب هنا أن نستبدل كلمة امرأة بكلمة رجل. وربما وجب أيضاً تذكر مقولات وأمثال مثل: فلانة أخت الرجال، وهناك نساء وهناك..... وربما تذكر المرء ما كتبته عائشة عودة في كتابها أحلام بالحرية عن هذا، وربما تذكر المرء ليلى خالد وسيرتها، وربما.
وأجزم أنني حين كتبت مقالي ذاك كنت ساخراً، على الرغم من أنني جاد غالباً فيما أكتب، وبعض ما أكتبه لا يخلو من سخرية. نعم أكون أحياناً ساخراً بل ومتهكماً، لا لأنني بطبيعتي كذلك، فقد أكون جبلت من طينة أخرى، من طينة الجدية والصرامة. وقد أكون غدوت ساخراً ومتهكماً لأن شر البلية ما يضحك، ولأن الواقع مأساوي. ولأنك لا تملك سلاحاً موازياً لسلاح الآخر تواجهه به، فإن أمامك، على رأي إميل حبيبي، سلاح السخرية والضحك. وربما غدا إميل ساخراً للتجارب التي مر بها وأهلنا في الأرض المحتلة.
لقد غدوت أحياناً ساخراً ومتهكماً لأنني عشت تجربة (سيزيفية) بكل معنى الكلمة، تجربة مرت عليها أعوام، ومنذ بدايتها تتكرر يومياً دونما ضرورة للتكرار. ولا أدري إن كنت أنا المسؤول عنها، بسبب مقالتي أو لسبب آخر يعود إلى تعلمي الألمانية كبيراً، وإلى ضرورة أن أنجز بها أبحاثاً ودراسات، في فترة زمنية قصيرة، وهذا، كما يعرف الكثيرون ممن تعلموا اللغات وهم في سن كبيرة، غير ممكن، وبالتالي كان لا بدّ من أنثى تساعدني، كما كنت أساعد الأساتذة الألمان، حين يكتبون بالعربية علماً بأنني نقلت من الألمانية إلى العربية كتاباً ومجموعة دراسات، دونما حاجة لمساعدة من أحد، لا من الشيطان الأنثى، ولا من الشيطان الذكر، وكانت انجازاً فردياً لم أهدف من ورائه منفعة مادية، بل خدمة الأدب العربي والفلسطيني. وبعض هذه الدراسات ترجمته بمبادرة فردية، وبعضها بناءً على طلب من آخرين، مثلاً الشاعرة المرحومة فدوى طوقان طلبت مني أن أترجم لها رسالة ماجستير أنجزت بالألمانية عنها، وقد لبيتُ رغبتها دون أن أنال منها مليماً واحداً.
نعم، أنا غدوت كاتباً ساخراً، بسبب تجربتي السيزيفية التي عززها المقال، فما زال الناس منذ نشرته في جريدة "نابلس"، وفي كتاب يبحثون عن الأنثى تلك. أهي عربية أم ألمانية؟ أهي نابلسية أم ريفية؟ ولم يشفع لي أني في بعض ما كتبت ذكرت أن بعض الطالبات المجتهدات ممن درستهن لم يكنّ يعرفن سوى المقرر، وحين ذكرت، ذات محاضرة، اسم أدونيس أمامهن، في مساق الأدب الحديث، وسألت إن كن يعرفنه فوجئت. طبعاً أنا لا أنكر أن هناك فتيات مجتهدات ومجدات ويمكن أن ينجزن دراسات جيدة. أنا مثلاً أشرفت في الأعوام الأربعة المنصرمة على طالبتين أنجزتا رسالتي ماجستير معتبرتين، وربما تفوقان رسائل الدكتوراه في بعض الجامعات العربية. لكن ذلك تمّ بعد أن درستهما مساقات عديدة، وعلمتهما مواد أفادتا منها، بل واقترحت عليهما الموضوعين وزودتهما بأسماء مصادر ومراجع عديدة.
"شيطاني الأنثى" مقالة مربكة مثل عنوانها، فهو عنوان يحتمل غير تأويل. قد تكون الأنثى ملهمتي، وقد تكون مربكتي ومزعجتي، وقد تكون حوّلت حياتي إلى جحيم. نعم، ثمة فارق بين شيطاني الأنثى وشيطاني أنثى. وربما أتذكر، الآن، قصة الطاهر وطار الكاتب الجزائري "الرسام الكبير والشاعرة الناشئة"، وهي قصة ساخرة لأنها تقوم على المفارقة في واقعنا. وربما تجدر قراءة القصة.
منذ فترة، وأنا أفكر في كتابة هذه المقالة. منذ فترة وأنا أريد أن أقول: إن المقالة ساخرة، وفيها قدر من التهكم، ولما لم يدرك هذا كثيرون، لأنهم لا يعرفون التهكم والسخرية، كان لا بد من كتابة هذه المقالة، ولعل لها أيضاً مناسبة أخرى تخص صاحب المناسبة.
إني وكل شاعر من البشر شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
وفضلت أن يكون شيطاني أنثى لا ذكراً، ربما لأنني رزقت بطفلتين، وربما لأنني عرفت إناثاً بعضهن كن شيطانات، أقول بعضهن فأنا لا أعمم لأن هناك نساءً نساء، حور عين، عاقلات يذكرن المرء بقول الشاعر:
وكم رجل يعد بألف رجل وكم ألف تمر بلا حساب
وربما وجب هنا أن نستبدل كلمة امرأة بكلمة رجل. وربما وجب أيضاً تذكر مقولات وأمثال مثل: فلانة أخت الرجال، وهناك نساء وهناك..... وربما تذكر المرء ما كتبته عائشة عودة في كتابها أحلام بالحرية عن هذا، وربما تذكر المرء ليلى خالد وسيرتها، وربما.
وأجزم أنني حين كتبت مقالي ذاك كنت ساخراً، على الرغم من أنني جاد غالباً فيما أكتب، وبعض ما أكتبه لا يخلو من سخرية. نعم أكون أحياناً ساخراً بل ومتهكماً، لا لأنني بطبيعتي كذلك، فقد أكون جبلت من طينة أخرى، من طينة الجدية والصرامة. وقد أكون غدوت ساخراً ومتهكماً لأن شر البلية ما يضحك، ولأن الواقع مأساوي. ولأنك لا تملك سلاحاً موازياً لسلاح الآخر تواجهه به، فإن أمامك، على رأي إميل حبيبي، سلاح السخرية والضحك. وربما غدا إميل ساخراً للتجارب التي مر بها وأهلنا في الأرض المحتلة.
لقد غدوت أحياناً ساخراً ومتهكماً لأنني عشت تجربة (سيزيفية) بكل معنى الكلمة، تجربة مرت عليها أعوام، ومنذ بدايتها تتكرر يومياً دونما ضرورة للتكرار. ولا أدري إن كنت أنا المسؤول عنها، بسبب مقالتي أو لسبب آخر يعود إلى تعلمي الألمانية كبيراً، وإلى ضرورة أن أنجز بها أبحاثاً ودراسات، في فترة زمنية قصيرة، وهذا، كما يعرف الكثيرون ممن تعلموا اللغات وهم في سن كبيرة، غير ممكن، وبالتالي كان لا بدّ من أنثى تساعدني، كما كنت أساعد الأساتذة الألمان، حين يكتبون بالعربية علماً بأنني نقلت من الألمانية إلى العربية كتاباً ومجموعة دراسات، دونما حاجة لمساعدة من أحد، لا من الشيطان الأنثى، ولا من الشيطان الذكر، وكانت انجازاً فردياً لم أهدف من ورائه منفعة مادية، بل خدمة الأدب العربي والفلسطيني. وبعض هذه الدراسات ترجمته بمبادرة فردية، وبعضها بناءً على طلب من آخرين، مثلاً الشاعرة المرحومة فدوى طوقان طلبت مني أن أترجم لها رسالة ماجستير أنجزت بالألمانية عنها، وقد لبيتُ رغبتها دون أن أنال منها مليماً واحداً.
نعم، أنا غدوت كاتباً ساخراً، بسبب تجربتي السيزيفية التي عززها المقال، فما زال الناس منذ نشرته في جريدة "نابلس"، وفي كتاب يبحثون عن الأنثى تلك. أهي عربية أم ألمانية؟ أهي نابلسية أم ريفية؟ ولم يشفع لي أني في بعض ما كتبت ذكرت أن بعض الطالبات المجتهدات ممن درستهن لم يكنّ يعرفن سوى المقرر، وحين ذكرت، ذات محاضرة، اسم أدونيس أمامهن، في مساق الأدب الحديث، وسألت إن كن يعرفنه فوجئت. طبعاً أنا لا أنكر أن هناك فتيات مجتهدات ومجدات ويمكن أن ينجزن دراسات جيدة. أنا مثلاً أشرفت في الأعوام الأربعة المنصرمة على طالبتين أنجزتا رسالتي ماجستير معتبرتين، وربما تفوقان رسائل الدكتوراه في بعض الجامعات العربية. لكن ذلك تمّ بعد أن درستهما مساقات عديدة، وعلمتهما مواد أفادتا منها، بل واقترحت عليهما الموضوعين وزودتهما بأسماء مصادر ومراجع عديدة.
"شيطاني الأنثى" مقالة مربكة مثل عنوانها، فهو عنوان يحتمل غير تأويل. قد تكون الأنثى ملهمتي، وقد تكون مربكتي ومزعجتي، وقد تكون حوّلت حياتي إلى جحيم. نعم، ثمة فارق بين شيطاني الأنثى وشيطاني أنثى. وربما أتذكر، الآن، قصة الطاهر وطار الكاتب الجزائري "الرسام الكبير والشاعرة الناشئة"، وهي قصة ساخرة لأنها تقوم على المفارقة في واقعنا. وربما تجدر قراءة القصة.
منذ فترة، وأنا أفكر في كتابة هذه المقالة. منذ فترة وأنا أريد أن أقول: إن المقالة ساخرة، وفيها قدر من التهكم، ولما لم يدرك هذا كثيرون، لأنهم لا يعرفون التهكم والسخرية، كان لا بد من كتابة هذه المقالة، ولعل لها أيضاً مناسبة أخرى تخص صاحب المناسبة.