(عندما أموت/ أريد أن أصير قارباً/ وأبحر في الزرقة/ أو أصير غروباً/ وأبحر إلى نفسي)، من هنا تنتشر ذكريات الموت ملحفة كثيراً في ديوان الشاعرة المصرية آلاء حسانين (يخرج مرتجفاً من أعماقه)، 224 صفحة، عن دار المتوسط، ترى التوابيت وورد الجنائز جاهزة لحمل الجثة، ولا جثة هنا غير الكآبة التي تفعم أنفاسنا طيلة قراءة الديوان، لكنها تقف على قدمين وتختفي في العتمة، وهي تصرخ (أريد أن أصير ضياء)، ولا أعرف السبب في استعمال الشاعرة لضمير المتكلم، الضمير الأول، على شكل ذكوري، مثل (أنا ابن الأرصفة) وليس (ابنة الأرصفة)، وهو يستمرّ في الديوان بلا داع جماليّ في تصوّري، وكان من الأبلغ أن تواجهنا بنفسها كضمير مؤنث، لا كشحص حياديّ تكتبه بالمذكّر.
(أنا غير موجود/ والناس كلهم محض أشياء)، هنا قلق وجوديّ لمن يحاول قتل نفسه وإن بالخيال، كأن يعلق نفسه في مروحة، أو يكشط جلده، أو يستخدم عروقه كحبل غسيل، وهو ملمح شبه أنثوي، كما تقول ( أدفن قدمَيّ في التراب/ لتنبت شجرة أصابع) تأسياً بقصيدة ابن الملوّح
(تكاد يدي تندَى إذا ما لمستها/ وينبت بأطرافها الورق الخُضر)،
لكنها تريد أن تصبح غراباً أسود، من لحم ودم، بخمس أصابع، وعلينا أن نأخذ معولاً لضرب الجذور، لتتشرّد العصافير الحزينة، تحت قمر ضائع، يجرب نوم الأرصفة، أو السير دون وجهة، لكأنها المعادل الموضوعيّ لقيس المجنون، في تشرّده الصوفيّ طلباً لليلى غير مرئية، وكأن في الأمر مزحة.
هنا أيضاً قد نجد ملمحاً نفسياً من أثر فرويد، فثمة موتى يبترون أعضاءهم، ويكنسون حياتهم، في بقعة سوداء تنبح فيها الكلاب، كأنها لا تريد غير جنس موحّد، لا يعرف ذكراً ولا أنثى، كمن يريد للبشر أن يصبحوا كالأميبا، وحيدة الخلية، التي منها نشأ الكون، لكنه عموماً جنس يضحك في الجنازات من فعلته بإنكار أصله وفصله، وقد يتطوّر الأمر فيصبح ( بجسدين)، أحدهما (شفاف) والآخر ( يشبه الأخطبوط) لكن في براءة، حيث يشتبك بعضه مع بعضه، وقد يصرّ على الموت، بحقن نفسه ( نكايةً بوالده)، باستبطان أن المتكلّم أنثى، على رغم أن نشاطه ظاهرياً ذكوريّ.
الرحيل في الديوان تيمة أساسية أيضاً، فهو قرين الموت، ولو بالانتحار أحياناً، تقول: (لو لم نرحل عند الفجر/ برصاصة في القلب/ سنربي حلمنا على المنفى/ أريد بلدي القديم)، تريد أن تدفن النسل الحزين، الذي يتمدّد الألم بأحشائه، ويجر ندماً ثقيلاً في أحلام مخيلته، بولادات كثيرة، قد توقف هذا النزيف (هذا الدم الأحمر الذي يكتسح العالم/ ليطفئ العالم)، والخلق تائهون كقطيع خراف في الأزقة، لا يتمنون غير المغفرة، وطموح الشاعرة أن تقف كالأنبياء، لتنقذ شعبها، وتكتسح العالم، وأعضاؤها تبكي (في الشمس التي تذهب وتجيء).
والبكاء هنا أكثر غربة من الموت، تلمع عيناها من آثار الغروب، والناي يبكي كالنبيذ على الأعتاب (جدران المنازل كجدران الملاجئ/ حاولنا فيها قتل أنفسنا)، القتل والتعب واليأس حتى من الموت سبيل للخلاص، حتى الأشجار تيبس حزناً على الفقد ( أنا/ مثل غيري/ سأبتعد ذات يوم/ عن حياتي بشكل خاطف)، ثم تأمل بملمح وجودي مطمئن نادراً ما نراه في أن تعود إلى المنزل، حيث تلمع النيران، وتسرح فيه الأمهات، من الدفء (حيث يذوب الصقيع في القلب)، لكنها لا تسكن إلى الأمل غالباً، فتذكّرنا (لكنها لحسن الحظّ/ لحظاتٌ لا تستمر طويلاً)، وتبكي (من يجلب لي أمّاً؟)
العيون في هلع أمام المرايا، والمكتئبات يتضاجعن في يأس، وكلنا يملك الضجر، بالدم والدموع نرسم أفراحنا، فلا أحلام في البلاد، حتى يختفي الطغاة في النهاية، بخطبهم الكوميدية.
(أنا غير موجود/ والناس كلهم محض أشياء)، هنا قلق وجوديّ لمن يحاول قتل نفسه وإن بالخيال، كأن يعلق نفسه في مروحة، أو يكشط جلده، أو يستخدم عروقه كحبل غسيل، وهو ملمح شبه أنثوي، كما تقول ( أدفن قدمَيّ في التراب/ لتنبت شجرة أصابع) تأسياً بقصيدة ابن الملوّح
(تكاد يدي تندَى إذا ما لمستها/ وينبت بأطرافها الورق الخُضر)،
لكنها تريد أن تصبح غراباً أسود، من لحم ودم، بخمس أصابع، وعلينا أن نأخذ معولاً لضرب الجذور، لتتشرّد العصافير الحزينة، تحت قمر ضائع، يجرب نوم الأرصفة، أو السير دون وجهة، لكأنها المعادل الموضوعيّ لقيس المجنون، في تشرّده الصوفيّ طلباً لليلى غير مرئية، وكأن في الأمر مزحة.
هنا أيضاً قد نجد ملمحاً نفسياً من أثر فرويد، فثمة موتى يبترون أعضاءهم، ويكنسون حياتهم، في بقعة سوداء تنبح فيها الكلاب، كأنها لا تريد غير جنس موحّد، لا يعرف ذكراً ولا أنثى، كمن يريد للبشر أن يصبحوا كالأميبا، وحيدة الخلية، التي منها نشأ الكون، لكنه عموماً جنس يضحك في الجنازات من فعلته بإنكار أصله وفصله، وقد يتطوّر الأمر فيصبح ( بجسدين)، أحدهما (شفاف) والآخر ( يشبه الأخطبوط) لكن في براءة، حيث يشتبك بعضه مع بعضه، وقد يصرّ على الموت، بحقن نفسه ( نكايةً بوالده)، باستبطان أن المتكلّم أنثى، على رغم أن نشاطه ظاهرياً ذكوريّ.
الرحيل في الديوان تيمة أساسية أيضاً، فهو قرين الموت، ولو بالانتحار أحياناً، تقول: (لو لم نرحل عند الفجر/ برصاصة في القلب/ سنربي حلمنا على المنفى/ أريد بلدي القديم)، تريد أن تدفن النسل الحزين، الذي يتمدّد الألم بأحشائه، ويجر ندماً ثقيلاً في أحلام مخيلته، بولادات كثيرة، قد توقف هذا النزيف (هذا الدم الأحمر الذي يكتسح العالم/ ليطفئ العالم)، والخلق تائهون كقطيع خراف في الأزقة، لا يتمنون غير المغفرة، وطموح الشاعرة أن تقف كالأنبياء، لتنقذ شعبها، وتكتسح العالم، وأعضاؤها تبكي (في الشمس التي تذهب وتجيء).
والبكاء هنا أكثر غربة من الموت، تلمع عيناها من آثار الغروب، والناي يبكي كالنبيذ على الأعتاب (جدران المنازل كجدران الملاجئ/ حاولنا فيها قتل أنفسنا)، القتل والتعب واليأس حتى من الموت سبيل للخلاص، حتى الأشجار تيبس حزناً على الفقد ( أنا/ مثل غيري/ سأبتعد ذات يوم/ عن حياتي بشكل خاطف)، ثم تأمل بملمح وجودي مطمئن نادراً ما نراه في أن تعود إلى المنزل، حيث تلمع النيران، وتسرح فيه الأمهات، من الدفء (حيث يذوب الصقيع في القلب)، لكنها لا تسكن إلى الأمل غالباً، فتذكّرنا (لكنها لحسن الحظّ/ لحظاتٌ لا تستمر طويلاً)، وتبكي (من يجلب لي أمّاً؟)
العيون في هلع أمام المرايا، والمكتئبات يتضاجعن في يأس، وكلنا يملك الضجر، بالدم والدموع نرسم أفراحنا، فلا أحلام في البلاد، حتى يختفي الطغاة في النهاية، بخطبهم الكوميدية.