لا زالت الشخصية العربية فى رحلتها إلى الغرب تعانى القلق والإغتراب منذ روايات عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم وأديب لطه حسين وموسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح والحب فى المنفى لبهاء طاهر حتى رجل الفودكا لأحمد الشريف وقد كانت لكل منها رؤية خاصة بها نحو الغرب، ولعل رواية رجل الفودكا هى من أكثر الروايات التى تعانى شخصياتها من الإغتراب والقلق والاضطراب فى الغرب، تايه هو الشخصية المحورية فى الرواية فهو عراقى مقيم بالنرويج ومتجنس بالجنسية النرويجية وله زوجة من لاتفيا وابنة، انفصلت الزوجة عنه بسبب إدمانه للفودكا وخوفا من منظمة حماية الطفل، التى هددت بأخذ الطفلة منهما فى حالة عدم توقف الأب عن شرب الكحول وسوء السلوك . يستضيف تايه بشقته عدد من أصدقائه اللاجئين محمد السورى وجاسر وعادل الموصلى من سوريا والعراق ليس لهم عمل ثابت ويعانون من عجز بدنى فى أحد أعضائهم كما يعانون من الاغتراب والقلق العصبى .
تستوقفنا اسم شخصية تايه فهو اسم دال على فقدان الطريق والضلال فى الأرض كما أنه لعنوان الرواية رجل الفودكا دلالة على أدمان هذه الشخصية الفودكا (نوع من الكحول)، "كان شخصا وحيدا مهجورا يشرب الفودكا ضعيف الجسم بطئ الحركة عصبى المزاج "ص51 تعرَّض تايه بسبب إدمانه للفودكا لأزمات كثيرة فقد هجرته زوجته وابنته، وبسببها تلقى إهانات كثيرة ، كما تعرض للقبض عليه ووضعه فى معسكر اللاجئين أثناء سفره إلى بولندا، ولكنه كان يرى أن الفودكا تساعده على دفن آلامه وتخطى المحن والبلاءات التى تعرض لها، يعانى تايه قلقا وجوديا فهو دائم التساؤل"هل عناك فرق بين الأمس واليوم؟ أليس الموضوع كله عبارة عن ليل ونهار وبشر، يعملون، يمشون فى الشوارع وينامون ويتضاجعون وبعدها يموتون؟" وربما تذكرنا بتساؤلات عمر الحمزاوى فى رواية الشحاذ لنجيب محفوظ ، كما تساءل متمنيا "لماذا لا تجدد أجهزة الجسم الضعيفة بأجهزة جديدة مثل ما يقومون به فى السيارات والأجهزة الكهربية والأبواب والشبابيك وحتى صنابير المياه فى المطابخ تجدد"ص89 كما اتسمت شخصية تايه بجانب ساخر وعبثى مع صديقه العراقى سنان حيث يسأله تايه عن اسم القطة التى التى طلعت الفضاء وهل رجعت إلى الأرض وهل ماتت وهى كلها اسئلة عبثية لا تفيد شيئا وتدل على الجانب والعبثى بشخصيته.
مست الرواية السياسة مسا رقيقا ففى بلاده ديكتاتورية قتلت والده دون بلا مبرر أوسبب واضح، وفى روسيا ديكتاتور "تعب من الشعب الروسى ولم يقدر أن يحتمل المزيد ويسيطر فمات" ص 48 ، تمنى بطريقة ساخرة أن يكون كل القادة والحكام والسياسيين قوَّادين فهم فى رأيه مسالمون ولا يحبون الصراعات ولا الحروب، كما مست الرواية الحرب الروسية الأوكرانية باعتبارها قريبة من روسيا وأوكرانيا ولم يوغل فى الحديث عنها لأن ذلك يغير مسار الرواية .
كانت تقنية الاسترجاع من أكثر التقنيات السردية توظيفا فى الرواية ومن خلالها تداعت من ذاكرته مشاهد من حياته دون ترتيب زمنى منها ما يتعلق بقتل والده عن طريق حزب البعث بالعراق "قبضت عليه أو اختطفته قوات حزب البعث فى منتصف الثمانيات .اخذوه لمكان مجهول وقتلوه"ص34 دون أن يفهم سببا لقتله فقد كان مقاولا يتمتع بسمعة طيبة بين الجيران وسكان المنطقة ، ومنها ما يتعلق برحلته فى شهر العسل مع زوجته إلى فينسيا حيث يهمل زوجته ويظل ساهما شاردا طوال الرحلة لا يفكر سوى فى قنينته وسجائره ، وقد حاول تايه العلاج من ادمانه الفودكا عن طريق الإلتحاق لدى جيش الخلاص وهى مؤسسة لإعادة تأهيل المدمنين إلا أنه تركها قبل إتمام علاجه بها .
حفلت الرواية بمشاهد الجنس مثل " هناك بمدينة "فلورو" حيث التقى صديقته السورية غير قادر على نسيان :حوارهما، ابتسامتها، عيناها، صوتها، صراخها وشبقها الجامح أثناء المضاجعة، ومحاولة حثها له على البقاء وعدم الانتقال إلى أوسلو"ص62 ، ومثل تعرفه على امرأة نرويجية واصطحابها إلى منزله وهما فى حالة سكر ومارسا الجنس وعندما استيقظت فى الصباح قامت بإبلاغ الشرطة بتعرضها للإغتصاب ثم تأكدو من صحة أقواله ثم أطلقوا سراحه ص80 ، وفى ص42 وغيرها من المشاهد غير أننا نلاحظ أن مشاهد الجنس كانت مقترنة دائما بشرب الفودكا، والتى نرى أن كليهما أى الجنس وشرب الفودكا تعبيرًا عن أزمة القلق والاغتراب لديه ويجد فيهما نوعا من العزاء والسلوى .
كانت اللغة بالرواية بالعربية الفصحى البسيطة، عبرت عن قلقه واغترابه بطرحه تساؤلات وجودية كما ذكرنا، غير أنها تلين وتصفو وتكون أكثر شاعرية حين يسمع الموسيقى ويتذكر أيام شبابه فى العراق مثل "أحس بمشاعر دافئة وهدوء عندما رأى العصافير على ذؤابات الاغصان بحمرة الشفق مرت سيارة تنبعث منها موسيقى فأعادته لأيام شبابه الأولى فى العراق . كان يعزف على الجيتار أيام العطل والإجازات مع فرقة غناء وموسيقى محلية .ركض الزمن سريعا وتغيرت أشياء عديدة داخل العالم "ص54 ، وفى موضع آخرحين سمع رجلا وهو يعزف على جيتاره فى الباص "الليل والهدوء وعزف الرجل الغريب أعاده إلى البصرة بلياليها وذكرياتها . كان طفلا آنذاك. سمع وهو يلعب مع الأطفال صوت عزف للعود ينبع من نافذة بيت بطابق واحد. كان رجلا يعزف وأمامه زجاجة "عرقى" ص78 .. ينظر باتجاه الرجل ويسمع نغمات الجيتار التى جعلت روحه تهفو إلى طفولته، إلى الموسيقى، إلى الأمل البعيد وخلاصه مما هو فيه"ص80 .
جمع الحوار بين الفصحى واللهجة العراقية مثل كلمات اشلون، شنو ، موهو، وين ، ميخالف، وماكو أحد ، وكانت مفهومة غير مستعصية عن الإدراك .
كان السرد فى الرواية يميل إلى التكثيف والتعبير بأسلوب مشهدي وبصري، كما جمع بين ضمير الغائب العليم وضمير المتكلم المعبرعن الشخصية وعلى سبيل المثال تتضح هاتين السمتين المشهدية وتناوب التعبير بضميرى الغائب والمتكلم فى المشهد الأول من الرواية تحدث تايه بصوته (ضمير المتكلم) مخاطبا الشرطية "أعطنى سيجارة " ثم يعقبه حوار بينه وبين الشرطية ثم ينتقل السارد إلى ضمير الغائب العليم " مد تايه يده وأخذ السيجارة ودخنها حتى آخرها ثم احتسى ماتبقى معه فى قنينة الفودكا ونان فى انتظار يوم جديد" ص5 وهكذا فى سائر الرواية، لم يحتكر السارد العليم الحكى بل أعطى الشخصية التعبير بصوتها فكانت أكثر جاذبية .
تنازعت نهاية الرواية بين حُلم تايه فى العودة إلى بلاده والتخلص من ذلك القلق والاغتراب وبين رغبته فى استمرار الحياة مع أسرته فى أسلو ، إلا أنه قد اختار البقاء مع أسرته فى النرويج والتطلع إلى المستقبل، فى نهاية متفائلة وسعيدة، فقد قرر عرض بيته القديم للبيع كى يستغل النقود لشراء المزيد من الدجاج والبط والأوز وتوسعة المزرعة التى تقع فى بيت زوجته، وفى إشارة إلى التغيير فى حياته وامتناعه عن شرب الفودكا "لأول مرة منذ فترة طويلة يضع يده فى جيب بنطاله الخلفى، وفى الجيب الداخلى للجاكت ولا يجد قنينة فودكا لا كبيرة ولا صغيرة. ابتسم وضحك بصوت عال ثم صاح بمرح على ابنته"ص137 ، كما اعطته زوجته بيضة كبيرة بعد خروجها من المزرعة وربما كانت اشارة إلى موافقتها على عودة حياتهما الزوجية، وقد انتهت الرواية بعبارة ابنته "بابا أتمنى لك الأفضل فى بقية رحلتك فى الحياة " والتى كانت تسمعها من جدها ويكررها له وهى نهاية تدعو إلى الأمل والتفاؤل.
استطاع الكاتب التعبير عن أزمة القلق والإغتراب التى تعترى شخصية المهاجرين واللاجئين العرب فى الغرب بلغة تعبيرية بسيطة وجميلة ومكثفة، وبتقنيات سردية حديثة .
تستوقفنا اسم شخصية تايه فهو اسم دال على فقدان الطريق والضلال فى الأرض كما أنه لعنوان الرواية رجل الفودكا دلالة على أدمان هذه الشخصية الفودكا (نوع من الكحول)، "كان شخصا وحيدا مهجورا يشرب الفودكا ضعيف الجسم بطئ الحركة عصبى المزاج "ص51 تعرَّض تايه بسبب إدمانه للفودكا لأزمات كثيرة فقد هجرته زوجته وابنته، وبسببها تلقى إهانات كثيرة ، كما تعرض للقبض عليه ووضعه فى معسكر اللاجئين أثناء سفره إلى بولندا، ولكنه كان يرى أن الفودكا تساعده على دفن آلامه وتخطى المحن والبلاءات التى تعرض لها، يعانى تايه قلقا وجوديا فهو دائم التساؤل"هل عناك فرق بين الأمس واليوم؟ أليس الموضوع كله عبارة عن ليل ونهار وبشر، يعملون، يمشون فى الشوارع وينامون ويتضاجعون وبعدها يموتون؟" وربما تذكرنا بتساؤلات عمر الحمزاوى فى رواية الشحاذ لنجيب محفوظ ، كما تساءل متمنيا "لماذا لا تجدد أجهزة الجسم الضعيفة بأجهزة جديدة مثل ما يقومون به فى السيارات والأجهزة الكهربية والأبواب والشبابيك وحتى صنابير المياه فى المطابخ تجدد"ص89 كما اتسمت شخصية تايه بجانب ساخر وعبثى مع صديقه العراقى سنان حيث يسأله تايه عن اسم القطة التى التى طلعت الفضاء وهل رجعت إلى الأرض وهل ماتت وهى كلها اسئلة عبثية لا تفيد شيئا وتدل على الجانب والعبثى بشخصيته.
مست الرواية السياسة مسا رقيقا ففى بلاده ديكتاتورية قتلت والده دون بلا مبرر أوسبب واضح، وفى روسيا ديكتاتور "تعب من الشعب الروسى ولم يقدر أن يحتمل المزيد ويسيطر فمات" ص 48 ، تمنى بطريقة ساخرة أن يكون كل القادة والحكام والسياسيين قوَّادين فهم فى رأيه مسالمون ولا يحبون الصراعات ولا الحروب، كما مست الرواية الحرب الروسية الأوكرانية باعتبارها قريبة من روسيا وأوكرانيا ولم يوغل فى الحديث عنها لأن ذلك يغير مسار الرواية .
كانت تقنية الاسترجاع من أكثر التقنيات السردية توظيفا فى الرواية ومن خلالها تداعت من ذاكرته مشاهد من حياته دون ترتيب زمنى منها ما يتعلق بقتل والده عن طريق حزب البعث بالعراق "قبضت عليه أو اختطفته قوات حزب البعث فى منتصف الثمانيات .اخذوه لمكان مجهول وقتلوه"ص34 دون أن يفهم سببا لقتله فقد كان مقاولا يتمتع بسمعة طيبة بين الجيران وسكان المنطقة ، ومنها ما يتعلق برحلته فى شهر العسل مع زوجته إلى فينسيا حيث يهمل زوجته ويظل ساهما شاردا طوال الرحلة لا يفكر سوى فى قنينته وسجائره ، وقد حاول تايه العلاج من ادمانه الفودكا عن طريق الإلتحاق لدى جيش الخلاص وهى مؤسسة لإعادة تأهيل المدمنين إلا أنه تركها قبل إتمام علاجه بها .
حفلت الرواية بمشاهد الجنس مثل " هناك بمدينة "فلورو" حيث التقى صديقته السورية غير قادر على نسيان :حوارهما، ابتسامتها، عيناها، صوتها، صراخها وشبقها الجامح أثناء المضاجعة، ومحاولة حثها له على البقاء وعدم الانتقال إلى أوسلو"ص62 ، ومثل تعرفه على امرأة نرويجية واصطحابها إلى منزله وهما فى حالة سكر ومارسا الجنس وعندما استيقظت فى الصباح قامت بإبلاغ الشرطة بتعرضها للإغتصاب ثم تأكدو من صحة أقواله ثم أطلقوا سراحه ص80 ، وفى ص42 وغيرها من المشاهد غير أننا نلاحظ أن مشاهد الجنس كانت مقترنة دائما بشرب الفودكا، والتى نرى أن كليهما أى الجنس وشرب الفودكا تعبيرًا عن أزمة القلق والاغتراب لديه ويجد فيهما نوعا من العزاء والسلوى .
كانت اللغة بالرواية بالعربية الفصحى البسيطة، عبرت عن قلقه واغترابه بطرحه تساؤلات وجودية كما ذكرنا، غير أنها تلين وتصفو وتكون أكثر شاعرية حين يسمع الموسيقى ويتذكر أيام شبابه فى العراق مثل "أحس بمشاعر دافئة وهدوء عندما رأى العصافير على ذؤابات الاغصان بحمرة الشفق مرت سيارة تنبعث منها موسيقى فأعادته لأيام شبابه الأولى فى العراق . كان يعزف على الجيتار أيام العطل والإجازات مع فرقة غناء وموسيقى محلية .ركض الزمن سريعا وتغيرت أشياء عديدة داخل العالم "ص54 ، وفى موضع آخرحين سمع رجلا وهو يعزف على جيتاره فى الباص "الليل والهدوء وعزف الرجل الغريب أعاده إلى البصرة بلياليها وذكرياتها . كان طفلا آنذاك. سمع وهو يلعب مع الأطفال صوت عزف للعود ينبع من نافذة بيت بطابق واحد. كان رجلا يعزف وأمامه زجاجة "عرقى" ص78 .. ينظر باتجاه الرجل ويسمع نغمات الجيتار التى جعلت روحه تهفو إلى طفولته، إلى الموسيقى، إلى الأمل البعيد وخلاصه مما هو فيه"ص80 .
جمع الحوار بين الفصحى واللهجة العراقية مثل كلمات اشلون، شنو ، موهو، وين ، ميخالف، وماكو أحد ، وكانت مفهومة غير مستعصية عن الإدراك .
كان السرد فى الرواية يميل إلى التكثيف والتعبير بأسلوب مشهدي وبصري، كما جمع بين ضمير الغائب العليم وضمير المتكلم المعبرعن الشخصية وعلى سبيل المثال تتضح هاتين السمتين المشهدية وتناوب التعبير بضميرى الغائب والمتكلم فى المشهد الأول من الرواية تحدث تايه بصوته (ضمير المتكلم) مخاطبا الشرطية "أعطنى سيجارة " ثم يعقبه حوار بينه وبين الشرطية ثم ينتقل السارد إلى ضمير الغائب العليم " مد تايه يده وأخذ السيجارة ودخنها حتى آخرها ثم احتسى ماتبقى معه فى قنينة الفودكا ونان فى انتظار يوم جديد" ص5 وهكذا فى سائر الرواية، لم يحتكر السارد العليم الحكى بل أعطى الشخصية التعبير بصوتها فكانت أكثر جاذبية .
تنازعت نهاية الرواية بين حُلم تايه فى العودة إلى بلاده والتخلص من ذلك القلق والاغتراب وبين رغبته فى استمرار الحياة مع أسرته فى أسلو ، إلا أنه قد اختار البقاء مع أسرته فى النرويج والتطلع إلى المستقبل، فى نهاية متفائلة وسعيدة، فقد قرر عرض بيته القديم للبيع كى يستغل النقود لشراء المزيد من الدجاج والبط والأوز وتوسعة المزرعة التى تقع فى بيت زوجته، وفى إشارة إلى التغيير فى حياته وامتناعه عن شرب الفودكا "لأول مرة منذ فترة طويلة يضع يده فى جيب بنطاله الخلفى، وفى الجيب الداخلى للجاكت ولا يجد قنينة فودكا لا كبيرة ولا صغيرة. ابتسم وضحك بصوت عال ثم صاح بمرح على ابنته"ص137 ، كما اعطته زوجته بيضة كبيرة بعد خروجها من المزرعة وربما كانت اشارة إلى موافقتها على عودة حياتهما الزوجية، وقد انتهت الرواية بعبارة ابنته "بابا أتمنى لك الأفضل فى بقية رحلتك فى الحياة " والتى كانت تسمعها من جدها ويكررها له وهى نهاية تدعو إلى الأمل والتفاؤل.
استطاع الكاتب التعبير عن أزمة القلق والإغتراب التى تعترى شخصية المهاجرين واللاجئين العرب فى الغرب بلغة تعبيرية بسيطة وجميلة ومكثفة، وبتقنيات سردية حديثة .