يحتاج الكاتب الكفيف إلى من يقرأ له وإلى من يملي عليه. هذه حياة شاقة للإنسان العادي، فكيف للعبقري الذي وجد نور حياته في الكتابة؟ أول ما كان يخطر لي تفكيرا في ملحمة طه حسين، أنه لم يستطع أن يقرأ كل ما كان يحب أن يقرأ. لم يذهب إلى رفوف المكتبات ليختار منها بنفسه ما يثير هواه وفضوله. كانت له زوجة بالغة الثقافة والحنان وكانت قرّة عينه، لكنها لم تكن عينيه. وكان له سكرتير خارق، هو «شحاتة»، يقرأ ويكتب له، ويستقبل ضيوفه، ويحفظ ذوقه في الحياة وفي الأدب، لكن شحاتة كان أيضا الحاجز بين طه والحبر والورق. والعلاقة معهم يجب أن تكون بلا حواجز مهما كانت شفافة.
وبعد شيوع الإنترنت وزوال الورق والحبر، تخترع الشركات الآن آلات كاتبة باللمس، تكتب بيدك وتطبع هي الأحرف، لأن ثمة شعورا بأن الملايين حول العالم يريدون العودة إلى الإحساس المباشر، الحر، مع الكتابة.
ربما كان أشهر كفيفين في عالم الآداب، طه حسين وشاعر أميركا اللاتينية الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس. والثاني لم يفقد نظره منذ الطفولة، بل بدأت رؤيته تتدهور قبيل الخمسين من العمر. وعندها، بدأ يملي على أمه. وكان والده قد أصيب بالعمى من قبل، فكانت تقول: أمضيت العمر يملي علي زوجي، ثم ابني. وعندما بلغت التسعين، أصبح بورخيس يستعين في الكتابة بمن يعثر عليه، ولم يكن له مساعد واحد مثل طه حسين. غير أن أحد هؤلاء، ألبرتو مانويل، أمضى الفترة الأطول في خدمته، واستطاع من خلال التجربة، أن يجد لنفسه مهنة أدبية في تاريخ الكتب والكتابة. وأحد أجمل مؤلفاته، حكايته مع بورخيس في كتاب يحمل بكل بساطة هذا العنوان «مع بورخيس» (دار الساقي).
كان عمره 16 عاما عندما دعاه بورخيس للعمل معه. وكان يتبرم بأحاديثه ولا يفهم منها شيئا. وذات يوم، قالت له عمته: يا غبي، أنت في رفقة رجل عبقري. أنصت إلى كل كلمة يقولها. سجل جميع شذراته. حاول أن تعلو على مراهقتك السخيفة وأنت في حضوره. هذه تجربة لا تتأتى لأي كان!
كان بورخيس يعيش في منزل صغير بالغ التقشف وقليل الكتب بالنسبة إلى أحد مثقفي العالم. لم يحتجها في منزله لأنه كان أمين المكتبة الوطنية في بوينس أيرس. ولم يحتفظ في منزله إلا بالملاحم و«ألف ليلة وليلة» ترجمة السير ريتشارد بورتون. وكان هذا مستعربا ترحَّل في الجزيرة العربية وأمضى فترة مندوبا لبريطانيا في دمشق.
كما كان المنزل مليئا بالتذكارات من المدن التي أحبها بورخيس وتجوَّل فيها دون أن يراها، وأقربها إليه كانت جنيف. وكان يقول إن الله منحه «الكتب والليل» ولا تفارقه ملاحم هوميروس وقصائد ملتون لأنهما كانا مثله أعميين. وقد ذكرت لجنابكم هنا، قبل سنوات، أنه قال غير مرة إنه تأثر بـ«ألف ليلة وليلة» أكثر من أي كتاب آخر.
وبعد شيوع الإنترنت وزوال الورق والحبر، تخترع الشركات الآن آلات كاتبة باللمس، تكتب بيدك وتطبع هي الأحرف، لأن ثمة شعورا بأن الملايين حول العالم يريدون العودة إلى الإحساس المباشر، الحر، مع الكتابة.
ربما كان أشهر كفيفين في عالم الآداب، طه حسين وشاعر أميركا اللاتينية الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس. والثاني لم يفقد نظره منذ الطفولة، بل بدأت رؤيته تتدهور قبيل الخمسين من العمر. وعندها، بدأ يملي على أمه. وكان والده قد أصيب بالعمى من قبل، فكانت تقول: أمضيت العمر يملي علي زوجي، ثم ابني. وعندما بلغت التسعين، أصبح بورخيس يستعين في الكتابة بمن يعثر عليه، ولم يكن له مساعد واحد مثل طه حسين. غير أن أحد هؤلاء، ألبرتو مانويل، أمضى الفترة الأطول في خدمته، واستطاع من خلال التجربة، أن يجد لنفسه مهنة أدبية في تاريخ الكتب والكتابة. وأحد أجمل مؤلفاته، حكايته مع بورخيس في كتاب يحمل بكل بساطة هذا العنوان «مع بورخيس» (دار الساقي).
كان عمره 16 عاما عندما دعاه بورخيس للعمل معه. وكان يتبرم بأحاديثه ولا يفهم منها شيئا. وذات يوم، قالت له عمته: يا غبي، أنت في رفقة رجل عبقري. أنصت إلى كل كلمة يقولها. سجل جميع شذراته. حاول أن تعلو على مراهقتك السخيفة وأنت في حضوره. هذه تجربة لا تتأتى لأي كان!
كان بورخيس يعيش في منزل صغير بالغ التقشف وقليل الكتب بالنسبة إلى أحد مثقفي العالم. لم يحتجها في منزله لأنه كان أمين المكتبة الوطنية في بوينس أيرس. ولم يحتفظ في منزله إلا بالملاحم و«ألف ليلة وليلة» ترجمة السير ريتشارد بورتون. وكان هذا مستعربا ترحَّل في الجزيرة العربية وأمضى فترة مندوبا لبريطانيا في دمشق.
كما كان المنزل مليئا بالتذكارات من المدن التي أحبها بورخيس وتجوَّل فيها دون أن يراها، وأقربها إليه كانت جنيف. وكان يقول إن الله منحه «الكتب والليل» ولا تفارقه ملاحم هوميروس وقصائد ملتون لأنهما كانا مثله أعميين. وقد ذكرت لجنابكم هنا، قبل سنوات، أنه قال غير مرة إنه تأثر بـ«ألف ليلة وليلة» أكثر من أي كتاب آخر.