كان في مقدوره ان يعيش حياة مختلفة ، لكنه اكتفى بأسوأ أشكالها..
عندما كنت صبيا في العاشرة من العمر ، بدأت هواية جمع الكتب ، لكن احدا من الأسرة لم ينظر لي بعين الرضا ، لأعتقادهم أن ذلك سيؤثر على دراستي سلبا ، بينما أصر على ما انطوت عليه نفسي ، لم اجد لي نصيرا ينغمس معي فيما عشقته ، لا قريب و لا غريب ، بدوت وحيدا في قلب العاصفة ، لم يكن شكلي مقبولا ، المظهر المتواضع يخفي الكثير من شغفي المحموم بالكتب البيضاء ، تلك التي احببتها حبا لم أحبه لشيء اخر ، بقي هذا الهيام يرافقني و يقبع بداخلي ، فيحيي فيه كل جميل ، الكتب أوعية الجمال ، أرواح أصحابها تسكنها ، و حين يقابلك حب في السن البيضاء ، فسوف يهبك شعورا بمذاق لذيذ ، منعش ، يثبت فيك جناحين لتطير ، اظهر المتعة فليس من الصواب اخفاء المشاعر ، و الإ ستنحو نحو الأنانية ، ستبدو مختلفا محلقا تنبعث من جناتك كل أعاجيب الحواة ، أو فيض من كل شيء تهديه من تقابله رغم صغره .. أحببت فتاة أكثر من وجه جميل ، أحترمتها بكل عمق ، كانت على استعداد لترك كل شيء من أجل من تحب ، لكنه كان خائفا ك جرذ ، بأنفه الشمام لا يضع قدمه في مكان يخشاه ، لا أدري كم من الأشياء أحببتها فيها ، لكنها أكبر حب عشته ببراءة طفولتي ، و محل ثقتي في كل اوان ، حتى عندما ادركت حب جمع الكتب ، لم تتخل عن تحفيزي قائلة : العباقرة يقدرون الكتب !
أنا أيضا اعتقد ذلك ، في الوقت الذي كان أصدقائي يكتفون بالتسكع في الأزقة و جمع الحصى و الأشياء المنهوبة و كرة الجورب المغتصبة ، فكل شيء مستطاع اغتنامه في ظل بيئة تشجع عليه.
لم تكن مسألة جمع الكتب و حسب ، لكن كثيرا ما كانت مغامرة مدهشة ، أتعرف من خلال جمعها و قراتها على كائن مميز ، و بلاد بعيدة ، و اشخاص مميزين ، و قلب محنط فقده صاحبه في النفق الأخير للحياة ، كل قراءة رحلة مثيرة و صداقة ، فالكتب تشبه مؤلفيها .. فهي أكثر من ورق ابيض او اسود داكن..
لم يكن احد مسرورا من هوايتي المضيعة للوقت عن الدراسة ، فالآباء حريصون عادة ان يتحصل ابناؤهم على ما تحصلوا عليه من شهادات و مناصب ، و ليس أشواب مختلطة من كتب تورث القلق و أحيانا الإحباط ، و كلما كان الأب حريصا على أبنائه ، يكبر بداخله الشعور بالكراهية لكل ما يبعدهم عما خططه لهم ، و يزيد في التعنيف و ربما القهر ، هكذا يريد ان يقدمهم للعالم كما يرى و لا شيء اخر .. مما اضطرني إلي اخفاء الكتب و الإكتفاء بالكتيبات حتى أنجو و يسهل علي اخفائها ، بشكل سري جدا كنت أحشر نفسي في الخن كفأر بعيدا عن الأنظار ، فلا يسبقني اللصوص إلي ما أخبؤه فيه من غنيمة ، أدفن راسي بين دفتيها ، كنت أشعر بالحماس الشديد على الرغم من ضيق المكان ك قبر ، فالاختفاء عن أعين الرقباء مسألة في غاية الإمتاع و سعادة لا يصدق ، ما دمت أعثر على كتب ؛ لأجد نفسي غريبا عن كل رفاقي ، لكنه نصر نادر .
كنت أستسمح كل من وجدت في بيته كتابا او اوراقا مسودة ، جواهر مخفية تركت عن غير قصد ، أتوسله ان يسمح لي بحملها و الاحتفاظ بها وسط دقات قلبي الوجل ، فأجمع من هنا و هناك و من ذلك علم أو ذاك دون تحفظ ، حتى وجدت جزءا من غرفة نومي اكواما مغبرة من كتب و مجلات و قصاصات صحف بعضها فيه الأرضة ، جلست لأنفض عنها التراب الواحد تلو الآخر كقطع ذهبية ، يغمرني فرح وثاب و شعور من خوف العقاب ، فلكل سعادة وجع بنكهة ما ، كنت اباهي من اعرفهم بما امتلكت و أبزهم ، أقضي اوقاتي حيث اتتبعه و أتجول بين الكتب و أتصرف كما تقول ، أنطلق كذئب مع الغنيمة .. الدكاكين أغنى الأماكن بصيد كتب تتوسطها ، يسمح لي اصحابها بالتنقيب و المطالعة ،و غنمت نذرا من الأغاني و نهاية ألأرب ، أجزاء من شكسبير مترجما ، و المزيفون لأندريه جيد و لا أعرف لمن ادايضا ، أهدتني كتبي قلب قط و شيئا من اسرار الساحرات ، داوتني من عماي الروحي ، ما ان أفرغ حتى أقدر الاختلافات و أعانقهم وسط خفقان لا يفهمه الإ باحث نادر عن الكنوز ، أشبه بمن بحث عن سر ثم عثر عليه ، هذا يعني لي الكثير من المتعة و الاضطراب أيضا ، وعلى كل إنسان ان يبحث عما يحب ، و يمضغه و يتذوقه ، قد يكون ذهبا او كتابا او طعاما حتى يجد جوهره ، لم يقف هيامي عند حد ، أبحث عن كتاب لم أره ، لا أنفر من كومة قمامة مادمت سأحظى بضالتي أو لم أعثر ليس مهما .
فلا اطيق أن أبقى بعيدا عن كتاب حتى عندما أصبت بالحمى القرمزية ، شفيت بالنظر إلي كتب ، و امتثلت ، وأجن أن فقدت كتابا كمن فقد قلبا..
( تتبع)
عندما كنت صبيا في العاشرة من العمر ، بدأت هواية جمع الكتب ، لكن احدا من الأسرة لم ينظر لي بعين الرضا ، لأعتقادهم أن ذلك سيؤثر على دراستي سلبا ، بينما أصر على ما انطوت عليه نفسي ، لم اجد لي نصيرا ينغمس معي فيما عشقته ، لا قريب و لا غريب ، بدوت وحيدا في قلب العاصفة ، لم يكن شكلي مقبولا ، المظهر المتواضع يخفي الكثير من شغفي المحموم بالكتب البيضاء ، تلك التي احببتها حبا لم أحبه لشيء اخر ، بقي هذا الهيام يرافقني و يقبع بداخلي ، فيحيي فيه كل جميل ، الكتب أوعية الجمال ، أرواح أصحابها تسكنها ، و حين يقابلك حب في السن البيضاء ، فسوف يهبك شعورا بمذاق لذيذ ، منعش ، يثبت فيك جناحين لتطير ، اظهر المتعة فليس من الصواب اخفاء المشاعر ، و الإ ستنحو نحو الأنانية ، ستبدو مختلفا محلقا تنبعث من جناتك كل أعاجيب الحواة ، أو فيض من كل شيء تهديه من تقابله رغم صغره .. أحببت فتاة أكثر من وجه جميل ، أحترمتها بكل عمق ، كانت على استعداد لترك كل شيء من أجل من تحب ، لكنه كان خائفا ك جرذ ، بأنفه الشمام لا يضع قدمه في مكان يخشاه ، لا أدري كم من الأشياء أحببتها فيها ، لكنها أكبر حب عشته ببراءة طفولتي ، و محل ثقتي في كل اوان ، حتى عندما ادركت حب جمع الكتب ، لم تتخل عن تحفيزي قائلة : العباقرة يقدرون الكتب !
أنا أيضا اعتقد ذلك ، في الوقت الذي كان أصدقائي يكتفون بالتسكع في الأزقة و جمع الحصى و الأشياء المنهوبة و كرة الجورب المغتصبة ، فكل شيء مستطاع اغتنامه في ظل بيئة تشجع عليه.
لم تكن مسألة جمع الكتب و حسب ، لكن كثيرا ما كانت مغامرة مدهشة ، أتعرف من خلال جمعها و قراتها على كائن مميز ، و بلاد بعيدة ، و اشخاص مميزين ، و قلب محنط فقده صاحبه في النفق الأخير للحياة ، كل قراءة رحلة مثيرة و صداقة ، فالكتب تشبه مؤلفيها .. فهي أكثر من ورق ابيض او اسود داكن..
لم يكن احد مسرورا من هوايتي المضيعة للوقت عن الدراسة ، فالآباء حريصون عادة ان يتحصل ابناؤهم على ما تحصلوا عليه من شهادات و مناصب ، و ليس أشواب مختلطة من كتب تورث القلق و أحيانا الإحباط ، و كلما كان الأب حريصا على أبنائه ، يكبر بداخله الشعور بالكراهية لكل ما يبعدهم عما خططه لهم ، و يزيد في التعنيف و ربما القهر ، هكذا يريد ان يقدمهم للعالم كما يرى و لا شيء اخر .. مما اضطرني إلي اخفاء الكتب و الإكتفاء بالكتيبات حتى أنجو و يسهل علي اخفائها ، بشكل سري جدا كنت أحشر نفسي في الخن كفأر بعيدا عن الأنظار ، فلا يسبقني اللصوص إلي ما أخبؤه فيه من غنيمة ، أدفن راسي بين دفتيها ، كنت أشعر بالحماس الشديد على الرغم من ضيق المكان ك قبر ، فالاختفاء عن أعين الرقباء مسألة في غاية الإمتاع و سعادة لا يصدق ، ما دمت أعثر على كتب ؛ لأجد نفسي غريبا عن كل رفاقي ، لكنه نصر نادر .
كنت أستسمح كل من وجدت في بيته كتابا او اوراقا مسودة ، جواهر مخفية تركت عن غير قصد ، أتوسله ان يسمح لي بحملها و الاحتفاظ بها وسط دقات قلبي الوجل ، فأجمع من هنا و هناك و من ذلك علم أو ذاك دون تحفظ ، حتى وجدت جزءا من غرفة نومي اكواما مغبرة من كتب و مجلات و قصاصات صحف بعضها فيه الأرضة ، جلست لأنفض عنها التراب الواحد تلو الآخر كقطع ذهبية ، يغمرني فرح وثاب و شعور من خوف العقاب ، فلكل سعادة وجع بنكهة ما ، كنت اباهي من اعرفهم بما امتلكت و أبزهم ، أقضي اوقاتي حيث اتتبعه و أتجول بين الكتب و أتصرف كما تقول ، أنطلق كذئب مع الغنيمة .. الدكاكين أغنى الأماكن بصيد كتب تتوسطها ، يسمح لي اصحابها بالتنقيب و المطالعة ،و غنمت نذرا من الأغاني و نهاية ألأرب ، أجزاء من شكسبير مترجما ، و المزيفون لأندريه جيد و لا أعرف لمن ادايضا ، أهدتني كتبي قلب قط و شيئا من اسرار الساحرات ، داوتني من عماي الروحي ، ما ان أفرغ حتى أقدر الاختلافات و أعانقهم وسط خفقان لا يفهمه الإ باحث نادر عن الكنوز ، أشبه بمن بحث عن سر ثم عثر عليه ، هذا يعني لي الكثير من المتعة و الاضطراب أيضا ، وعلى كل إنسان ان يبحث عما يحب ، و يمضغه و يتذوقه ، قد يكون ذهبا او كتابا او طعاما حتى يجد جوهره ، لم يقف هيامي عند حد ، أبحث عن كتاب لم أره ، لا أنفر من كومة قمامة مادمت سأحظى بضالتي أو لم أعثر ليس مهما .
فلا اطيق أن أبقى بعيدا عن كتاب حتى عندما أصبت بالحمى القرمزية ، شفيت بالنظر إلي كتب ، و امتثلت ، وأجن أن فقدت كتابا كمن فقد قلبا..
( تتبع)