أمجد الدهامات - تأثيرُ الأمثال الشعبيةِ على شخصيةِ الفردِ العراقي

من المعروفِ أنَّ العادات والتقاليد هي صورةٌ عاكسةٌ لتأريخِ وثقافةِ وحضارةِ ومعارفَ مجتمعٍ ما، وتتكونُ نتيجةَ تجاربِ افرادِه، وبمرورِ الزمنِ تكتسبُ نوعاً من الثباتِ والقدسيةِ تجعلُ عمليةَ تغييرِها أو عدمِ الالتزامِ بها صعبةً جداً، وأوضحُ تجّلي لتلكَ العاداتِ والتقاليدَ هي (الامثالُ الشعبيةُ) التي بدورِها وليدةُ تجربةٍ حياتيةٍ مرَّ بها فردٌ أو أفرادٌ في مكانٍ ما وزمانٍ ما، لتكوّنَ بالنهايةِ الذاكرةَ الجمعيةَ للشعبِ وتؤثرُ بشكلٍ كبيرٍ على سلوكِ افرادهِ أيجاباً أو سلباً، ثم يؤدي المجتمعُ نفسهُ دوراً كبيراً في انتشارِها وتأصيلُها لتصبحَ نمطاً أساسياً للتفكيرِ والسلوكِ.
ان خطورةَ هذه الامثالِ يتمثلُ بترسخِها في العقلِ الباطنِ، وانتقالِها باللاشعورِ الجمعي الى الأجيالِ اللاحقةِ لتتحولَ الى سلوكٍ ونسقٍ اجتماعيٍ مسيطرٍ، وقوانينَ شفاهيةٍ تنظمُ العلاقاتِ الاجتماعيةَ بينَ الافرادِ وتكتسبُ سطوةً كبيرةً تفوقُ المقدسَ نفسَه، بل وتكونُ حاسمةً عندَ اختلافِ وجهاتِ النظرِ، حيثُ يُذكَرُ المثلُ باعتبارهِ شاهداً على تأييدِ فكرةٍ أو تفنيدِها، والقيامُ بعملٍ معينٍ أو عدمِ القيامِ بهِ.
وقد أنتجَ المجتمعُ العراقيُ مجموعةً من الأعرافِ والتقاليدِ ووليدتِها الشرعيةِ الأمثالِ الشعبيةِ، كانَ لها دورٌ تربويٌ مدمرٌ، وساهمتْ بتسويقِ ثقافةِ الإحباطِ، الانانيةِ، الانتهازيةِ، النفاقِ والفسادِ، كما اعادتْ انتاجَ القيمِ الجاهليةِ، وقدمتْها على شكلِ نصائحَ مضلّلةٍ ومشبوهةٍ، يتوارثُها جيلٌ عن جيلٍ بسذاجةٍ مفرطةٍ وكأنَها قواعدٌ علميةٌ وبديهياتٌ غيرُ قابلةٍ للنقاشِ على طريقةِ ﴿نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾.
سأذكرُ تالياً مجموعاتٍ من هذهِ الامثالِ وفي قبالةِ بعضِها ما يناقضُها من آياتِ القرآنِ الكريمِ أو الأحاديثِ النبويةِ الشريفةِ أو بعضِ التعليقاتِ التوضيحيةِ:
أولاً: الامثالُ التي تجعلُ الفردَ يعيشُ يومَهُ فقط ولا يفكرُ بغدهِ أو مستقبلهِ، فضلاً عن التخطيطِ للحياةِ بأكملِها، وهذا ما انعكسَ على التخطيطِ في البلدِ ايضاً فلا توجدُ لدينا مثلاً خطةٌ للسنتينِ القادمتينِ! بينما في جزرِ البهاماس، التي لا يَعرفُ موقعَها أغلبُ السياسيينَ العراقيينَ، هناكَ خطةٌ لغايةِ عام (2040)، وفي رواندا خطةٌ لعامِ (2050)، وفي الاماراتِ الخطةُ المئويةُ لغايةِ (2071)!

ادناه نماذجٌ من هذهِ الامثالِ:
شبعني اليوم وجوعني باچر، بيضة اليوم أحسن من دجاجة باچر، أصرفْ ما في الجيبِ يأتيكَ ما في الغيبِ، منو أبو باچر ﴿ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾، الگدّر ما گدر، لا تحير لها مدير، لا تفكّر لها مدبّر ( ذكرَ القرآنُ كلمة ﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾ ومشتقاتها "19" مرة)، لو تركض ركض الوحوش غير رزقك ما تحوش { اعملْ لِدُنْياكَ كأنَّكَ تَعيشُ أبَداً}، الباب التجيك منه ريح سده وأستريح، إمشي شهر ولا تطفر نهر (ولماذا لا نتعلمُ السباحةَ؟ أو نبنيَ جسراً؟).

ثانياً: الامثالُ التي تحثُ على الجُبنِ والمداهنةِ، وخداعِ الناسِ وغشِهم، وتساهمُ بتهيئةِ الأرضيةِ المناسبةِ لتفشيَ الفسادُ بل تشجعهُ وتبررهُ للتخلصِ من تأنيبِ الضميرِ، وهذهِ نماذجٌ منها:
أكل أوصوص، شيمه واخذ عباته ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾، الشجرة تفيي على أهلهه، السبع يعبي بالسكله رگي {أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ}، كل من ياخذ أمي يصير عمي، إذا حاجتك عد چلب سميه حجي چليب ﴿ِبَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾، ألأيد أللي ما تگدر تلويهه حبهه {المُؤمِن الْقَوِيُّ خيرٌ وَأَحبُّ إِلى اللَّهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ}، خطأ شائع خير من صحيح نادر (أليسَ من الأفضلِ العملُ بالصحيحِ النادرِ ليصبحَ شائعاً ونتركَ الخطأُ فيندثرَ ويختفي؟)، شعره من جلد خنزير، السمچة خايسه من راسهه (وهذانِ المثلانِ الاخيرانِ هما اشهرُ تبريرٍ للفسادِ في البلدِ).

ثالثاً: الامثالُ التي تشجعُ الانسانَ على الفردانيةِ والانانيةِ، وتحثُه على الانعزالِ عن المجتمعِ، والاهتمامِ بنفسهِ ومصالحهِ على حسابِ مصالحِ الجماعةِ، وهذهِ نماذجٌ منها:
ما يحك جلدك إلا ظفرك ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، كل لشه تتعلگ من كراعها {لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ}، مرگتنا على زياجنا {الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً}، الگوي يأكل الرچيچ، لا أرحمك ولا أخلي رحمة الله تنزل عليك {ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}، كلمن يحوش النار لگرصته {كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِه}.

رابعاً: الامثالُ التي تقاومُ التغييرَ، وتدفعُ الفردَ والمجتمعَ إلى قتلِ الإرادةِ، وتعتبرُ الطموحَ وتطويرَ الذاتَ وكأنها جريمةٌ كبرى، ولهذا يجبُ على الانسانِ، وفقَ هذهِ الامثالِ، أن يكونَ راضياً بواقعهِ ويتعايشَ معهُ حتى ولو كان مأساوياً لا يُطاقُ، وهذهِ نماذجُ منَها:
الطبع يغلب التطبع، ذيل الچلب أبد ما ينعدل، عگب ما شاب ودّوه للكُتّاب {اطلبوا العِلمَ من المَهد إلى اللَّحدِ}، مد رجلك على گد غطاك، العين ما تعله ع الحاجب، لو بيه خير چان ظل بولايته ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾، (الرسول "ص" هاجرَ من "ولايته" مكة الى المدينةِ)، ما طار طيرٌ وارتفع الا كما طار وقع، الشين التعرفه أحسن من الزين الما تعرفه (وهذا اعترافٌ إنّه "زين" ومع ذلك يقولُ المثلُ إن "الشين" أحسن منه)، حشرٌ مع الناسِ عيدٌ ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾، مَن شب على شيء شاب عليه، الطبع البلبدن ما يغيره غير الچفن.

في قبالةِ ذلكَ نرى انَّ القرآنَ يحثُ على التغييرِ للأفضلِ ويجعلُهُ من مسؤوليةِ الانسانِ اولاً ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾، كما يجعلُ عمليةَ اتخاذِ القرارِ تبدأ من الفردِ نفسهُ ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾، ولا ننسى قولَ صاحبِ الناقةِ لرسولِ اللهِ (ص): { يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ}.
هذه نماذجٌ من الامثالِ الشعبيةِ التي ساهمتْ بتعزيزِ الطابعِ السلبيِ في شخصيةِ الفردِ العراقي، واعتقدُ أنَّ الوقتَ قد حانَ للانتباهِ لخطورتِها والتخلصِ منها، لأنَّ التطورَ من طبيعةِ الأشياءِ وتجاربِ الماضي لا يمكنُ أنْ تَصلُحَ للحاضرِ فضلاً عن المستقبلِ.
بالتأكيدِ لا يمكنُ عيشُ اليومِ وغدٍ بنفسِ طريقةِ الامسِ.

أمجد الدهامات
أعلى