الشهادة أولا :
في الجامعة لا يسأل عن ثقافتك وقدرتك على العطاء قدر ما يسأل عن درجتك العلمية .
كانت الجامعة في بداية تأسيسها تحتاج إلى حملة شهادات عليا لتقنع الآخرين بمستواها العلمي وبأنها ليست معهدا أو مدرسة ، وكان لا بد من حملة الدكتوراه ، وهكذا سعت إلى التعاقد مع أعضاء هيأة تدريس من حملة الدكتوراه حتى لو كانوا حصلوا عليها من جامعات ضعيفة وبالانتساب أيضا . نظرت الجامعة ، من أجل سمعتها أمام الآخرين وإقناعهم ، وهذا من حقها ، إلى المسمى حتى لو كان صاحبه مجرد متعلم عادي والمسمى أكبر منه.
درس في قسم اللغة العربية أعضاء من حملة الدكتوراه كانوا معلمي مدارس بالدرجة الأولى ، ولم يكونوا مثقفين أو قراء جيدين ، وكان نتاجهم العلمي شبه معدوم وفقيرا جدا ، ومع ذلك كانوا مزهوين بشهاداتهم التي نقلتهم من المدرسة إلى الجامعة ، وهكذا غادروا مدارس دول الخليج فرحين عائدين إلى جامعة في بلدهم .
عندما عينت في القسم كنت أحمل شهادة الماجستير وكان زميلي الأستاذ فتحي خضر يحمل درجة البكالوريوس ، وفي هذه الأثناء عاد قسم من المبعدين من حملة الدكتوراه .
في اجتماعات القسم ، حين كانت هناك قضايا تتطلب التصويت ، وبخاصة في قضايا التعيين ، كان بعض الدكاترة يقول علنا وبصوت مسموع واضح :
- الزملاء ممن لا يحملون درجة الدكتوراه يحق لهم الإصغاء ولا يحق لهم التصويت .
وكانت عباراته ولهجته تشعرنا بأننا فائضون عن الحاجة ، وهذا جعلني أفكر جديا بضرورة الحصول على الدكتوراه . كما لو أن الشهادة فقط هي التي تمنحك المكانة ، وعدا ما سبق فإنك إن كنت عضو هيأة تدريس في جامعة ، وجب عليك أن تطور نفسك وأن تواصل القراءة والكتابة ، فالشهادة ليست سوى خطوة أولى .
غالبا ما كنت في محاضراتي أقول للطلبة إن الدكتوراه ليست سوى رصيد في البنك عليك أن تضيف إليه لأنك إن لم تفعل فسوف ينقص حتى يتلاشى ، وكذلك المعلومات .
كانت مشكلة الجامعة ، وما زالت ، أنها لا ترسل المبعوثين على نفقتها هي ، وأنها تعتمد على المنح والبعثات التي تقدم لها من الدول والمؤسسات ، وغالبا ما كانت هذه الدول والمؤسسات غربية ، ما جعل إمكانية مواصلة دراستي أمرا صعبا ومتعذرا ، ومع ذلك فلم أستسلم . كان لا بد من التخلص من الإصغاء إلى حملة الدكتوراه وعباراتهم التي تشعرك بأنك أقل منهم مكانة .
في تلك السنوات كنت تزوجت وخلفت طفلتين وكان راتبي جيدا ، ولكنه لا يمكنني من التفرغ لإكمال الدكتوراه ، وهكذا فلا بد من البحث عن منحة .
كانت مؤسسة ال DAAD ، وهي مؤسسة أكاديمية ألمانية للتبادل الثقافي مع العالم الخارجي ، تقدم منحا لا تستثني منها طلاب اللغة العربية والأدب العربي ، وقد عرفت أن زملاء كثيرين لي في الجامعات الأردنية سافروا إلى ألمانيا لإكمال الدكتوراه فيها ، وهكذا تشجعت للدراسة هناك ، علما بأنني لم أكن أعرف الألمانية نهائيا .
السؤال الذي ظل يسأل هو :
- أدب عربي في ألمانيا؟
منذ فكرت في الدراسة هناك أصبح السؤال يجري على لسان الجميع ، وحين عدت ومعي درجة الدكتوراه كتبت أوضح الأمر للمتسائلين .
ما يجدر الإشارة إليه هنا هو أنني خلال عملي محاضرا ما بين 1982 و 1987 كنت أثقف نفسي باستمرار ، وكنت إلى جانب عملي محاضرا أرسخ اسمي كاتبا ، فقد واظبت على كتابة مقال أسبوعي في جريدة " الشعب " المقدسية التي كنت أحرر صفحتها الثقافية. تطلبت كتابة المقال مني القراءة والقراءة ، ولا أبالغ حين أزعم أنني صرت أقرأ أكثر من حملة الدكتوراه ممن كانوا يسندون أنفسهم ، بالدرجة الأولى ، باللقب العلمي . إن الثقافة والمطالعة والكتابة لا تشفع ، فما يشفع هو الكرتونة وحسب ، وجامعة النجاح الوطنية لم تكن في بداياتها جامعة عريقة تجيز لحامل الماجستير المثقف فيها أن يشرف على طالب الدكتوراه . في الجامعات العريقة كما كنت أسمع كان المثقف المشهود له بالكفاءة والبحث والإنجاز يشرف على طلبة الدكتوراه حتى لو لم يكن حاصلا على شهادة الدكتوراه .
في جامعاتنا لا يجوز لمن هو برتبة أستاذ مساعد أن يشارك في التصويت على ترقية أستاذ مشارك إلى رتبة أستاذ دكتور حتى لو كان يبذ حملة الأستاذية ثقافة وعلما .
٧ / ١٢ / ٢٠١٩
عادل الأسطة
21
في الجامعة لا يسأل عن ثقافتك وقدرتك على العطاء قدر ما يسأل عن درجتك العلمية .
كانت الجامعة في بداية تأسيسها تحتاج إلى حملة شهادات عليا لتقنع الآخرين بمستواها العلمي وبأنها ليست معهدا أو مدرسة ، وكان لا بد من حملة الدكتوراه ، وهكذا سعت إلى التعاقد مع أعضاء هيأة تدريس من حملة الدكتوراه حتى لو كانوا حصلوا عليها من جامعات ضعيفة وبالانتساب أيضا . نظرت الجامعة ، من أجل سمعتها أمام الآخرين وإقناعهم ، وهذا من حقها ، إلى المسمى حتى لو كان صاحبه مجرد متعلم عادي والمسمى أكبر منه.
درس في قسم اللغة العربية أعضاء من حملة الدكتوراه كانوا معلمي مدارس بالدرجة الأولى ، ولم يكونوا مثقفين أو قراء جيدين ، وكان نتاجهم العلمي شبه معدوم وفقيرا جدا ، ومع ذلك كانوا مزهوين بشهاداتهم التي نقلتهم من المدرسة إلى الجامعة ، وهكذا غادروا مدارس دول الخليج فرحين عائدين إلى جامعة في بلدهم .
عندما عينت في القسم كنت أحمل شهادة الماجستير وكان زميلي الأستاذ فتحي خضر يحمل درجة البكالوريوس ، وفي هذه الأثناء عاد قسم من المبعدين من حملة الدكتوراه .
في اجتماعات القسم ، حين كانت هناك قضايا تتطلب التصويت ، وبخاصة في قضايا التعيين ، كان بعض الدكاترة يقول علنا وبصوت مسموع واضح :
- الزملاء ممن لا يحملون درجة الدكتوراه يحق لهم الإصغاء ولا يحق لهم التصويت .
وكانت عباراته ولهجته تشعرنا بأننا فائضون عن الحاجة ، وهذا جعلني أفكر جديا بضرورة الحصول على الدكتوراه . كما لو أن الشهادة فقط هي التي تمنحك المكانة ، وعدا ما سبق فإنك إن كنت عضو هيأة تدريس في جامعة ، وجب عليك أن تطور نفسك وأن تواصل القراءة والكتابة ، فالشهادة ليست سوى خطوة أولى .
غالبا ما كنت في محاضراتي أقول للطلبة إن الدكتوراه ليست سوى رصيد في البنك عليك أن تضيف إليه لأنك إن لم تفعل فسوف ينقص حتى يتلاشى ، وكذلك المعلومات .
كانت مشكلة الجامعة ، وما زالت ، أنها لا ترسل المبعوثين على نفقتها هي ، وأنها تعتمد على المنح والبعثات التي تقدم لها من الدول والمؤسسات ، وغالبا ما كانت هذه الدول والمؤسسات غربية ، ما جعل إمكانية مواصلة دراستي أمرا صعبا ومتعذرا ، ومع ذلك فلم أستسلم . كان لا بد من التخلص من الإصغاء إلى حملة الدكتوراه وعباراتهم التي تشعرك بأنك أقل منهم مكانة .
في تلك السنوات كنت تزوجت وخلفت طفلتين وكان راتبي جيدا ، ولكنه لا يمكنني من التفرغ لإكمال الدكتوراه ، وهكذا فلا بد من البحث عن منحة .
كانت مؤسسة ال DAAD ، وهي مؤسسة أكاديمية ألمانية للتبادل الثقافي مع العالم الخارجي ، تقدم منحا لا تستثني منها طلاب اللغة العربية والأدب العربي ، وقد عرفت أن زملاء كثيرين لي في الجامعات الأردنية سافروا إلى ألمانيا لإكمال الدكتوراه فيها ، وهكذا تشجعت للدراسة هناك ، علما بأنني لم أكن أعرف الألمانية نهائيا .
السؤال الذي ظل يسأل هو :
- أدب عربي في ألمانيا؟
منذ فكرت في الدراسة هناك أصبح السؤال يجري على لسان الجميع ، وحين عدت ومعي درجة الدكتوراه كتبت أوضح الأمر للمتسائلين .
ما يجدر الإشارة إليه هنا هو أنني خلال عملي محاضرا ما بين 1982 و 1987 كنت أثقف نفسي باستمرار ، وكنت إلى جانب عملي محاضرا أرسخ اسمي كاتبا ، فقد واظبت على كتابة مقال أسبوعي في جريدة " الشعب " المقدسية التي كنت أحرر صفحتها الثقافية. تطلبت كتابة المقال مني القراءة والقراءة ، ولا أبالغ حين أزعم أنني صرت أقرأ أكثر من حملة الدكتوراه ممن كانوا يسندون أنفسهم ، بالدرجة الأولى ، باللقب العلمي . إن الثقافة والمطالعة والكتابة لا تشفع ، فما يشفع هو الكرتونة وحسب ، وجامعة النجاح الوطنية لم تكن في بداياتها جامعة عريقة تجيز لحامل الماجستير المثقف فيها أن يشرف على طالب الدكتوراه . في الجامعات العريقة كما كنت أسمع كان المثقف المشهود له بالكفاءة والبحث والإنجاز يشرف على طلبة الدكتوراه حتى لو لم يكن حاصلا على شهادة الدكتوراه .
في جامعاتنا لا يجوز لمن هو برتبة أستاذ مساعد أن يشارك في التصويت على ترقية أستاذ مشارك إلى رتبة أستاذ دكتور حتى لو كان يبذ حملة الأستاذية ثقافة وعلما .
٧ / ١٢ / ٢٠١٩
عادل الأسطة
21