البنية الشعرية أو السردية لكتابة النص تعتمد عدة سمات وأهمها المكان بعبارة أخرى الفضاء الذي يفسح المجال لصياغة بنيوية لأبعاد النص.
في الواقع يمثل المكان حيزا واسعا لطاقة النص الإيحائية والتصويرية التي يشكلها، والتي يكتسب بها شعريته وبعده الجمالي.
ولايتسنى لبنية اللغة تكثيف فضائها النصي إلا من خلاله، والتي تتعلق بتوسيع أو تضييق المساحة المخصصة لذلك، بحيث تفقد اللغة مفرداتها ودلالاتها، لتحمل أبعادا متباينة داخل فضاء النص.
أما العلاقة بين المكان والنص فهي قائمة على عملية التأثير المتبادل فيما بينهما، لتنتقل هذه الديناميكية التصويرية والاستشعارية فيما بعد إلى المتلقي.
في حين ينطلق الكاتب من تحديد المكان كنقطة أو مساحة داخلية لها صلة بالمكان على أرض الواقع هذا ما يثير خيال المتلقي وما يزيد من الإيحاءات، والانفعالات في فضاء النص.
نخلص إلى نقطة مهمة، كيف أن المتلقي أصبح رهن إشارة الكاتب، مرة يضعه في المكان الحقيقي الحاضر داخل النص ومرة أخرى في المكان المتخيل الذي يستحضره بناء على طلب منه لحظة قراءة النص.
أيضاً تتجسد قيمة المكان داخل النص من خلال ما أطر له وما حدد له من خصوصية، كقيمة تاريخية أو اجتماعية أو سياسية والعكس.
انطلاقاً من هذا التقابل والتمثيل "يرى لوتمان أنه توجد صفة طوبولوجية هامة هي الحدّ، فالحدّ هو الذي يعهد إليه تقسيم فضاء النص إلى فضاءين غير متقاطعين، وفق مبدأ أساسي هو انعدام قابلية الاختراق" (بحراوى 37).
كمحاولة أخيرة لنصل المكانين ببعضهما حتّى نفهم إحداثيات المكان ثم ننتقل بعدها إلى المشاعر التي يولدها لنصل بالتدريب إلى الصورة المكانية المتواجدة داخل ذهن الكاتب.
ومما لاشك فيه أن أدوات الكاتب الحذق لا حصر لها، فهي لا ترتبط فقط بذكر المكان ووصفه وكل ما يتعلق به، بل تصوغه بطريقة خاصة ليصبح مكانه الذي يمثله، ليرتبط أوتوماتيكيا باسمه. المجال لا يسمح لسرد أمثلة لكن العديد من الأمكنة والمسميات تحيلنا بطريقة ترابطية وتراتبية بأسماء كتابها والشخوص التي ارتبطت بها، وعليه فالمكان حي ويحيا داخل ذاكرة النص قبل القارئ، يكفي فقط نفض الغبار عنه ليحملنا إليه بشحنته النوستالجية اللا مفسرة.
كما يجب أن لا نغفل مستويات التلقي، ثقافيا، نفسيا، سوسيولوجيا، وفكريا، هذا ما يعكس المكان الذي داخل النص من دلالات وايحاءات متباينة.
المكان ككلمة تثير مجموعة انفعالات مترابطة، لها وقعها السحري. فالمكان مقره الذهن حيث يحتل مساحة موازية داخل الفرد ليصبح جزءا من معرفته الداخلية التي تتشكل منها لغته.
ثمة رؤية تصنيفية أخرى قدمها لنا "غاستون باشلار" في "جماليات المكان"، فتحدث عن مكان أليف، وهو البيت الذي يوجد فيه الإنسان، ثم تحدث عن المكان المتناهي في الصغر والمكان المتناهي في الكبر، وأكد أنهما " ليسا متضادين كما يظن البعض، ففي الحالتين يجب ألا نناقش الصغير والكبير بما هو عليه موضوعياً، بل على أساس كونهما قطبين لإسقاط الصور"(باشلار 33)
ثم يلح على "أننا حين نقرأ مثلاً وصفاً لحجرة، نتوقف عن القراءة لنتذكر حجرتنا، أي إن قراءة المكان في الأدب تجعلنا نعاود تذكر بيت الطفولة" (باشلار 7).
في الأخير، علينا الحذر في التعامل مع المكان فيما يخص التعلق به أو النفور منه. بإمكان الأمكنة أن تصبح فردوسنا المنشود أو عبارة عن جحيم يصلنا لهيبه الذي يلفح علاقتنا به ويحرق ذكرياتنا ومشاعرنا على آخرها.
(*)بحراوى، حسن، بنية الشكل الروائي، المركز الثقافى العربي، بيروت، الدار البيضاء، 1990
(*)باشلار، غاستون، جماليات المكان، تر. غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للنشر، بيروت، ط. ثانية، 1984.
عنفوان فؤاد
في الواقع يمثل المكان حيزا واسعا لطاقة النص الإيحائية والتصويرية التي يشكلها، والتي يكتسب بها شعريته وبعده الجمالي.
ولايتسنى لبنية اللغة تكثيف فضائها النصي إلا من خلاله، والتي تتعلق بتوسيع أو تضييق المساحة المخصصة لذلك، بحيث تفقد اللغة مفرداتها ودلالاتها، لتحمل أبعادا متباينة داخل فضاء النص.
أما العلاقة بين المكان والنص فهي قائمة على عملية التأثير المتبادل فيما بينهما، لتنتقل هذه الديناميكية التصويرية والاستشعارية فيما بعد إلى المتلقي.
في حين ينطلق الكاتب من تحديد المكان كنقطة أو مساحة داخلية لها صلة بالمكان على أرض الواقع هذا ما يثير خيال المتلقي وما يزيد من الإيحاءات، والانفعالات في فضاء النص.
نخلص إلى نقطة مهمة، كيف أن المتلقي أصبح رهن إشارة الكاتب، مرة يضعه في المكان الحقيقي الحاضر داخل النص ومرة أخرى في المكان المتخيل الذي يستحضره بناء على طلب منه لحظة قراءة النص.
أيضاً تتجسد قيمة المكان داخل النص من خلال ما أطر له وما حدد له من خصوصية، كقيمة تاريخية أو اجتماعية أو سياسية والعكس.
انطلاقاً من هذا التقابل والتمثيل "يرى لوتمان أنه توجد صفة طوبولوجية هامة هي الحدّ، فالحدّ هو الذي يعهد إليه تقسيم فضاء النص إلى فضاءين غير متقاطعين، وفق مبدأ أساسي هو انعدام قابلية الاختراق" (بحراوى 37).
كمحاولة أخيرة لنصل المكانين ببعضهما حتّى نفهم إحداثيات المكان ثم ننتقل بعدها إلى المشاعر التي يولدها لنصل بالتدريب إلى الصورة المكانية المتواجدة داخل ذهن الكاتب.
ومما لاشك فيه أن أدوات الكاتب الحذق لا حصر لها، فهي لا ترتبط فقط بذكر المكان ووصفه وكل ما يتعلق به، بل تصوغه بطريقة خاصة ليصبح مكانه الذي يمثله، ليرتبط أوتوماتيكيا باسمه. المجال لا يسمح لسرد أمثلة لكن العديد من الأمكنة والمسميات تحيلنا بطريقة ترابطية وتراتبية بأسماء كتابها والشخوص التي ارتبطت بها، وعليه فالمكان حي ويحيا داخل ذاكرة النص قبل القارئ، يكفي فقط نفض الغبار عنه ليحملنا إليه بشحنته النوستالجية اللا مفسرة.
كما يجب أن لا نغفل مستويات التلقي، ثقافيا، نفسيا، سوسيولوجيا، وفكريا، هذا ما يعكس المكان الذي داخل النص من دلالات وايحاءات متباينة.
المكان ككلمة تثير مجموعة انفعالات مترابطة، لها وقعها السحري. فالمكان مقره الذهن حيث يحتل مساحة موازية داخل الفرد ليصبح جزءا من معرفته الداخلية التي تتشكل منها لغته.
ثمة رؤية تصنيفية أخرى قدمها لنا "غاستون باشلار" في "جماليات المكان"، فتحدث عن مكان أليف، وهو البيت الذي يوجد فيه الإنسان، ثم تحدث عن المكان المتناهي في الصغر والمكان المتناهي في الكبر، وأكد أنهما " ليسا متضادين كما يظن البعض، ففي الحالتين يجب ألا نناقش الصغير والكبير بما هو عليه موضوعياً، بل على أساس كونهما قطبين لإسقاط الصور"(باشلار 33)
ثم يلح على "أننا حين نقرأ مثلاً وصفاً لحجرة، نتوقف عن القراءة لنتذكر حجرتنا، أي إن قراءة المكان في الأدب تجعلنا نعاود تذكر بيت الطفولة" (باشلار 7).
في الأخير، علينا الحذر في التعامل مع المكان فيما يخص التعلق به أو النفور منه. بإمكان الأمكنة أن تصبح فردوسنا المنشود أو عبارة عن جحيم يصلنا لهيبه الذي يلفح علاقتنا به ويحرق ذكرياتنا ومشاعرنا على آخرها.
(*)بحراوى، حسن، بنية الشكل الروائي، المركز الثقافى العربي، بيروت، الدار البيضاء، 1990
(*)باشلار، غاستون، جماليات المكان، تر. غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للنشر، بيروت، ط. ثانية، 1984.
عنفوان فؤاد