حوار أجراه جعفر الديري
يؤكد عدد من شعراء البحرين، أنه لاتزال هناك مشكلة في تعريف المصطلح الخاص بقصيدة النثر، إلا أنه من المؤكّد أن بعض التجارب تستجيب للتراث من خلال احتوائه والهجس بتجاوزه، حيث يكون الذهاب نحو الكتابة والشعر بما هي وهو، لا بما هي مجرد انسياق مع السائد والمكرّس.
ويرى آخرون في هذا الحوار، أن معظم شعراء البحرين ان لم نقل كلهم قد اطلعوا على التجربة الشعرية العربية، وكانت لهم تجاربهم الجمالية بهذا الخصوص، مع أن تجربة كتابة قصيدة النثر لا تتنافى مع ألوان الشعر الأخرى.
يقول الشاعر علي الشرقاوي بهذا الصدد: ما يحدث اليوم من اهتمام بقصيدة النثر أو الشعر المنثور- ان جازت التسمية- له علاقة بما حدث أيام الثمانينيات من القر ن الماضي، حين شهدت الساحة الشعرية هذا اللون من التعبير، ليس في الساحة الشعرية البحرينية وحسب بل في ساحة الشعر العربي. لكن الأمر الذي يلح بهذا الخصوص هو الاشكال الكبير الذي رافق قصيدة النثر، فهل كل ما ينشر تحت اسم قصيدة النثر هو شعر نثري، وهل أن من يكتب تحت اسم قصيدة النثر يكتب قصيدة نثر أساسا؟!.
ويضيف: الحال أنه لا توجد دراسات توضح الفروق بين قصيدة النثر وغيرها من ألوان الشعر، خصوصا وأننا نعاني منذ فترة طويلة من مشكلة في تعريف المصطلح، اذ لا يوجد مصطلح خاص بقصيدة النثر حتى اليوم. أما بخصوص التساؤل عن نضج التجارب بهذا الخصوص، فانا لا أستطيع الحكم عليها، ذلك أني أرى أن النص الشعري أو قصيدة النثر أكثر صعوبة من القصيدة التقليدية أو التفعيلة، فهي من أصعب الكتابات بعكس ما يراها الكثيرون، فالشاعر هنا يحاول خلق شيء من روحه ومن موسيقاه الداخلية فقط ، وهو الأمر الذي يفسر لنا العدد القليل من الشعراء الذين يتقنون هذا اللون في مقابل العدد الكبير من الذين يتعاطونه.
الذهاب نحو الشعر بما هو
من جانبه يؤكد الشاعر د. حسين السماهيجي أنه لا يمكن الجزم والقطع بإجابةٍ صارمة حول هذا الموضوع فيما يخص جميع التجارب الشعرية التي تتعامل مع قصيدة النثر لدينا في البحرين. إلا أنه من المؤكّد أن بعض التجارب تستجيب للتراث من خلال احتوائه والهجس بتجاوزه، ولعلّ أهم التجارب في هذا السياق هي تجارب قاسم حداد وإيمان أسيري وفوزية السندي وأحمد العجمي. أمّا مسألة مواكبة الحساسية الشعرية الجديدة، فإن تمّ إطلاقها هكذا، فستغدو مجرد رغبة لا تفضحُ تجربة شعرية عميقة ورصينة؛ إذ ليست المسألة في كتابة الشعر مجرد رغبة في الانسياق مع ما يطرح في الظرف الآني من أشكال كتابية. مسألة كتابة الشعر، بالإضافة إلى كونها احتياجًا ذاتيًّا، تتعلق بمسألة الوعي نفسه. ولذلك يكون الذهاب نحو الكتابة والشعر بما هي وهو، لا بما هي مجرد انسياق مع السائد والمكرّس.
سياق يفترض التنوع
أمَّا الشاعر أحمد العجمي فيلفت إلى أهمية السياق التاريخي للشعر الذي يفترض التنوع وليس الشكل الهندسي الصارم الذي يرى في كل محاولة خروجا على عمود الشعر، موضحا: بحكم التجربة الشعرية الموجودة في البحرين وبحكم المناهج الدراسية على الأقل، أعتقد أن معظم شعراء البحرين ان لم نقل كلهم قد اطلعوا على التجربة الشعرية العربية، بل أني أتصور أن الكثيرين منهم كانت لهم تجاربهم الجمالية بهذا الخصوص، فعمل بعضهم على القصيدة التقليدية وآخرون على التفعيلة. ومع ذلك فان عدم اطلاع الشاعر الحديث على الحركة الشعرية لا ينفي شاعريته، فلو تتبعنا السياق التاريخي لوجدنا أن التجربة الشعرية لم تكن ذات سياق هندسي واحد يلغي الأخر، بل تغير بما يقتضي الحاجات اليومية والمستجده للانسان، وهذا أمر تقاس به جميع المستويات وليس الشعر خاصة، فيجب علينا عدم التفكير في أن الخروج على عمود الشعر أو أوزانه خروجا على قدسيتة فالخروج هذا لا يعني الانفصال فالكتابة الفنية لا تنظر على أساس تراكمي بل أفقي.
ليس عن جهل أو استخفاف
كذلك تعلق الشاعرة إيمان أسيري، وهي شاعرة اختارت قصيدة النثر وسيلة للتعبير دون المرور على الأنواع الشعرية الأخرى: لأجل أن يكون حكمي على الأمور دقيقا، سأنطلق من تجربتي الشعرية، فكوني احدى المشتغلات بقصيدة النثر، يجعلني أقول أني لم أكتب قصيدة النثر عن جهل أو استخفاف بها وانما تبنيتها عن دراية واطلاع، فعلى رغم كوني لم أنطلق في كتابتها من كتابة القصيدة العمودية اذ لم أمر في تجربتي الشعرية على الشعر العمودي والتفعيلة، كنت واعية عندما بدأت كتابتها بامكاناتها الكبيرة، فهي قصيدة تتيح مجالا رحبا ومساحة أكبر للتعبير ومنطلقا أكبر للأفكار، وأعتقد أن تجربة كتابة قصيدة النثر لا تتنافى مع ألوان الشعر الأخرى، فيمكن الجمع هنا بين مختلف أدوات التعبير، خاصة واننا نرى قامات شعرية معروفة كان لها نصببها واهتمامها بقصيدة النثر، كأدونيس مثلا.
تجارب متفاوتة
من جهته يرى الشاعر إبراهيم بو هندي أن التجارب بهذا الصدد تتفاوت من شاعر الى آخر، مؤكدا أنه لا يمكن الحكم بشمولية على هذه التجارب التي تناولت الشعر النثري أو قصيدة النثر، فمن المؤكد أن هناك من التجارب في هذا المجال من تدل دلالة واضحة على أنها واسعة الاطلاع على التاريخ الشعري والحركة الشعرية التي تنقلت فيها حتى اختارت قصيدة النثر، فهؤلاء الشعراء وجدوا مجالا أكثر حرية للتعبير بالنسبة اليهم ، بينما نجد على الطرف الآخر من ولج الى هذا النوع من الشعر دون سابق معرفة به ولا بالحركة الشعرية، وأنا لا أشير هنا الى تلك التجارب الجيدة ولكني أشير الى تجارب متعثرة لم تأخذ بنصيبها من الشعر التقليدي فاخفقت في ذلك اللون، وأيضا لم تنطلق في قصيدة النثر عن دراية فأخفقت مرة ثانية.
لكل لون مميزاته
فيما يتساءل الشاعر الشاب عبدالرضا زهير: ما الذي يدلل على أن هذه القصيدة كتبت عن دراية بالقصيدة النثرية أو الشعر عموما؟ فلكل لون شعري مميزاته الخاصة أو علاماته الفارقة، والاشارة الى أنه يجب على الشاعر ان يكون ملما بالشعر بتلاوينه المختلفه لينطلق بعدها في قصيدة النثر أمر ليس من الواجب على المتعاطي مع الشعر فعله، على أن لا يتحول الى عملية عكسية فتكتب الخاطرة على أنها شعر، اذ أن هناك من يكتب قصيدة النثر دون أن يكون ذو معرفة بها، وفي نفس الوقت الذي نجد فيه شعراء وقد احترقوا كي يكتبوا قصيدة النثر، نجد هناك من يفتح الباب على مصراعية لهذه التجارب على أنها شعر ربما لغياب المعايير التي تحكم هذه القصيدة.
قصيدة مغرية
ويعقب الشاعر الشاب أحمد الستراوي: من وجهة نظر شخصية أقول أن قصيدة النثر قادرة على إغرائي من ناحية السبك الموجود بداخلها، وأتصور انه لم يستطع أحد من الشعراء حتى الآن تجاوز تجربة قاسم حداد في قصيدة النثر. كما أنني أرى أن أغلب الشعراء توجهوا الى قصيدة النثر بعد مرورهم على الأنواع الشعرية الأخرى، فأصبح هناك ونتيجة لهذا التوجه اندماج أكبر لكل نوع من أنواع الشعر، فهذه التقسيمات لم تعد مقنعة لكثير من الشعراء، فغالبية من يكتب الشعر اليوم متجهون الى كسر المنجز الشعري القديم ذو القالب الجاهز، بعد أن كان لهذه القوالب قدسية لا يمكن الخروج عليها، اذ أصبحت هناك صيغة تمردية تحاول نثرنة الشعر وشعرنة السرد.
يؤكد عدد من شعراء البحرين، أنه لاتزال هناك مشكلة في تعريف المصطلح الخاص بقصيدة النثر، إلا أنه من المؤكّد أن بعض التجارب تستجيب للتراث من خلال احتوائه والهجس بتجاوزه، حيث يكون الذهاب نحو الكتابة والشعر بما هي وهو، لا بما هي مجرد انسياق مع السائد والمكرّس.
ويرى آخرون في هذا الحوار، أن معظم شعراء البحرين ان لم نقل كلهم قد اطلعوا على التجربة الشعرية العربية، وكانت لهم تجاربهم الجمالية بهذا الخصوص، مع أن تجربة كتابة قصيدة النثر لا تتنافى مع ألوان الشعر الأخرى.
يقول الشاعر علي الشرقاوي بهذا الصدد: ما يحدث اليوم من اهتمام بقصيدة النثر أو الشعر المنثور- ان جازت التسمية- له علاقة بما حدث أيام الثمانينيات من القر ن الماضي، حين شهدت الساحة الشعرية هذا اللون من التعبير، ليس في الساحة الشعرية البحرينية وحسب بل في ساحة الشعر العربي. لكن الأمر الذي يلح بهذا الخصوص هو الاشكال الكبير الذي رافق قصيدة النثر، فهل كل ما ينشر تحت اسم قصيدة النثر هو شعر نثري، وهل أن من يكتب تحت اسم قصيدة النثر يكتب قصيدة نثر أساسا؟!.
ويضيف: الحال أنه لا توجد دراسات توضح الفروق بين قصيدة النثر وغيرها من ألوان الشعر، خصوصا وأننا نعاني منذ فترة طويلة من مشكلة في تعريف المصطلح، اذ لا يوجد مصطلح خاص بقصيدة النثر حتى اليوم. أما بخصوص التساؤل عن نضج التجارب بهذا الخصوص، فانا لا أستطيع الحكم عليها، ذلك أني أرى أن النص الشعري أو قصيدة النثر أكثر صعوبة من القصيدة التقليدية أو التفعيلة، فهي من أصعب الكتابات بعكس ما يراها الكثيرون، فالشاعر هنا يحاول خلق شيء من روحه ومن موسيقاه الداخلية فقط ، وهو الأمر الذي يفسر لنا العدد القليل من الشعراء الذين يتقنون هذا اللون في مقابل العدد الكبير من الذين يتعاطونه.
الذهاب نحو الشعر بما هو
من جانبه يؤكد الشاعر د. حسين السماهيجي أنه لا يمكن الجزم والقطع بإجابةٍ صارمة حول هذا الموضوع فيما يخص جميع التجارب الشعرية التي تتعامل مع قصيدة النثر لدينا في البحرين. إلا أنه من المؤكّد أن بعض التجارب تستجيب للتراث من خلال احتوائه والهجس بتجاوزه، ولعلّ أهم التجارب في هذا السياق هي تجارب قاسم حداد وإيمان أسيري وفوزية السندي وأحمد العجمي. أمّا مسألة مواكبة الحساسية الشعرية الجديدة، فإن تمّ إطلاقها هكذا، فستغدو مجرد رغبة لا تفضحُ تجربة شعرية عميقة ورصينة؛ إذ ليست المسألة في كتابة الشعر مجرد رغبة في الانسياق مع ما يطرح في الظرف الآني من أشكال كتابية. مسألة كتابة الشعر، بالإضافة إلى كونها احتياجًا ذاتيًّا، تتعلق بمسألة الوعي نفسه. ولذلك يكون الذهاب نحو الكتابة والشعر بما هي وهو، لا بما هي مجرد انسياق مع السائد والمكرّس.
سياق يفترض التنوع
أمَّا الشاعر أحمد العجمي فيلفت إلى أهمية السياق التاريخي للشعر الذي يفترض التنوع وليس الشكل الهندسي الصارم الذي يرى في كل محاولة خروجا على عمود الشعر، موضحا: بحكم التجربة الشعرية الموجودة في البحرين وبحكم المناهج الدراسية على الأقل، أعتقد أن معظم شعراء البحرين ان لم نقل كلهم قد اطلعوا على التجربة الشعرية العربية، بل أني أتصور أن الكثيرين منهم كانت لهم تجاربهم الجمالية بهذا الخصوص، فعمل بعضهم على القصيدة التقليدية وآخرون على التفعيلة. ومع ذلك فان عدم اطلاع الشاعر الحديث على الحركة الشعرية لا ينفي شاعريته، فلو تتبعنا السياق التاريخي لوجدنا أن التجربة الشعرية لم تكن ذات سياق هندسي واحد يلغي الأخر، بل تغير بما يقتضي الحاجات اليومية والمستجده للانسان، وهذا أمر تقاس به جميع المستويات وليس الشعر خاصة، فيجب علينا عدم التفكير في أن الخروج على عمود الشعر أو أوزانه خروجا على قدسيتة فالخروج هذا لا يعني الانفصال فالكتابة الفنية لا تنظر على أساس تراكمي بل أفقي.
ليس عن جهل أو استخفاف
كذلك تعلق الشاعرة إيمان أسيري، وهي شاعرة اختارت قصيدة النثر وسيلة للتعبير دون المرور على الأنواع الشعرية الأخرى: لأجل أن يكون حكمي على الأمور دقيقا، سأنطلق من تجربتي الشعرية، فكوني احدى المشتغلات بقصيدة النثر، يجعلني أقول أني لم أكتب قصيدة النثر عن جهل أو استخفاف بها وانما تبنيتها عن دراية واطلاع، فعلى رغم كوني لم أنطلق في كتابتها من كتابة القصيدة العمودية اذ لم أمر في تجربتي الشعرية على الشعر العمودي والتفعيلة، كنت واعية عندما بدأت كتابتها بامكاناتها الكبيرة، فهي قصيدة تتيح مجالا رحبا ومساحة أكبر للتعبير ومنطلقا أكبر للأفكار، وأعتقد أن تجربة كتابة قصيدة النثر لا تتنافى مع ألوان الشعر الأخرى، فيمكن الجمع هنا بين مختلف أدوات التعبير، خاصة واننا نرى قامات شعرية معروفة كان لها نصببها واهتمامها بقصيدة النثر، كأدونيس مثلا.
تجارب متفاوتة
من جهته يرى الشاعر إبراهيم بو هندي أن التجارب بهذا الصدد تتفاوت من شاعر الى آخر، مؤكدا أنه لا يمكن الحكم بشمولية على هذه التجارب التي تناولت الشعر النثري أو قصيدة النثر، فمن المؤكد أن هناك من التجارب في هذا المجال من تدل دلالة واضحة على أنها واسعة الاطلاع على التاريخ الشعري والحركة الشعرية التي تنقلت فيها حتى اختارت قصيدة النثر، فهؤلاء الشعراء وجدوا مجالا أكثر حرية للتعبير بالنسبة اليهم ، بينما نجد على الطرف الآخر من ولج الى هذا النوع من الشعر دون سابق معرفة به ولا بالحركة الشعرية، وأنا لا أشير هنا الى تلك التجارب الجيدة ولكني أشير الى تجارب متعثرة لم تأخذ بنصيبها من الشعر التقليدي فاخفقت في ذلك اللون، وأيضا لم تنطلق في قصيدة النثر عن دراية فأخفقت مرة ثانية.
لكل لون مميزاته
فيما يتساءل الشاعر الشاب عبدالرضا زهير: ما الذي يدلل على أن هذه القصيدة كتبت عن دراية بالقصيدة النثرية أو الشعر عموما؟ فلكل لون شعري مميزاته الخاصة أو علاماته الفارقة، والاشارة الى أنه يجب على الشاعر ان يكون ملما بالشعر بتلاوينه المختلفه لينطلق بعدها في قصيدة النثر أمر ليس من الواجب على المتعاطي مع الشعر فعله، على أن لا يتحول الى عملية عكسية فتكتب الخاطرة على أنها شعر، اذ أن هناك من يكتب قصيدة النثر دون أن يكون ذو معرفة بها، وفي نفس الوقت الذي نجد فيه شعراء وقد احترقوا كي يكتبوا قصيدة النثر، نجد هناك من يفتح الباب على مصراعية لهذه التجارب على أنها شعر ربما لغياب المعايير التي تحكم هذه القصيدة.
قصيدة مغرية
ويعقب الشاعر الشاب أحمد الستراوي: من وجهة نظر شخصية أقول أن قصيدة النثر قادرة على إغرائي من ناحية السبك الموجود بداخلها، وأتصور انه لم يستطع أحد من الشعراء حتى الآن تجاوز تجربة قاسم حداد في قصيدة النثر. كما أنني أرى أن أغلب الشعراء توجهوا الى قصيدة النثر بعد مرورهم على الأنواع الشعرية الأخرى، فأصبح هناك ونتيجة لهذا التوجه اندماج أكبر لكل نوع من أنواع الشعر، فهذه التقسيمات لم تعد مقنعة لكثير من الشعراء، فغالبية من يكتب الشعر اليوم متجهون الى كسر المنجز الشعري القديم ذو القالب الجاهز، بعد أن كان لهذه القوالب قدسية لا يمكن الخروج عليها، اذ أصبحت هناك صيغة تمردية تحاول نثرنة الشعر وشعرنة السرد.