...
كان زمهريرا جافا لمناخ اكتوبر الخنثوي ، وضوضاء المقهى تختلط بضوضاء ميدان التحرير ؛ يضربون الطابة بعنف ؛ الدومينا بعنف أقوى ، يجترون دخان الشيشة بعنف أكبر..والصبي (في الثلاثين) يصيح بصوت أهوج..هنا حيث لا نعرف إن كان كل هذا الصخب حياة فاضحة أم تمردا على موت فاجع...وأم كلثوم تغني بمواويل قديمة جدا ، قديمة جدا وكئيبة. لقد ترقت في الستينات بسبب عبد الوهاب..تجاوزت الموالد وانضمت للارستوقراطية الجديدة ما بعد الثورة ضد الارستوقراطية القديمة...
الشاي الكشري سيئ الطعم..لفظته وتحركت سيرا على الأقدام ؛ وعبرت ميدان جاكسون الشاسع ببؤس الخرطوم..حتى بلغت أرض الهند في جزيرة العرب...
ماهي الحياة؟
اللعنة التي تلاحق البشر حتى إغماضتهم الأخيرة..
أسأل نفسي:
هل الحياة على تفاهتها تستحق أن نتمسك بها..
تغني أم كلثوم: (أغار من نسمة الجنوب على محياك يا حبيبي) ، ومات هو وماتت هي بل حتى نسمة الجنوب هلكت بالتغير المناخي..وزمهرير أكتوبر الخنثوي..
وكنت ألاحظ حذائي عن كثب حتى لا يتسخ بالأتربة أكثر مما هو متسخ..
كل الخطوات منكسرة ومنهزمة...كان البشر يحملون أثقالهم فوق ركبهم...حديدا من هم البحث عن حياة حقيقية...ولكنهم لا يعرفون معنى الحقيقة قبل معرفة الحياة نفسها...والأغنيات تلتصق بالحجارة ، وتجف فيها...
لذلك عبدوا الشمس..لأنهم كانوا يكرهون الظلام ويحبون الحياة..والحياة تغسل عورتها تحت الشمس...
(لا شيء يموت لأنه لا شيء حي حقا)..
قال عجوز يشبه أحمد فؤاد نجم وهو يدخن سجارة متعرجة تتسق ومسيرته منذ الميلاد البائس..
تتطاير التصورات وتغوص في خيالنا منذ الطفولة..تصورات تشكل كل ذائقتنا تجاه الحياة..بدء من الطعام والموسيقى والملابس وحتى طريقة الكلام..التصورات التي لا أساس لها سوى الاعتياد فتضحى مقياسا لصحة تكيفنا مع مجتمعنا الصغير...
لكن من يخبر الهندوسي بذلك..من يخبر الصيني والقوقازي والأفريقي..الخ بذلك...
ورأيت جمعا من الناس يرفعون رؤوسهم إلى السماء...والفتاة التي لم تبلغ العشرين قفزت صارخة ..ثم انفجرت جمجمتها بصوت مكتوم...
إنها ذكرى..
لم تعد هناك فتاة اليوم....ومؤكد أنها تحولت لتصور عابث في أدمغة أهلها...
كان شعرها كثيفا جدا..مخضب بلون الدم اللامع في خصلات منه...سقطت بملابس النوم..والناس لم يستطيعوا رؤية فخذيها الأبيضين..كانوا جزعين جدا...وجه الفتاة الميت سيطر على كل المشهد...
لماذا لم تتحول لعاهرة وهي تملك كل هذه الثروة بدلا عن الموت...
إنني أفضل لو كانت قد فعلت ذلك...فالموت دميم جدا..
لا حول الله..يقول الرجال..والنسوة يصرخن وبعضهن أغمى عليه.
يبدو أنها كانت وحيدة في الشقة فلم يهبط أحد من أهلها..
أصابع يدها وردية كخديها..
حتى الموت يختلف من شخص لآخر...شخص نعرفه ولا نعرفه..شخص جميل وقبيح..شخص نحبه ونكرهه..
ورأيت نقطتي دم على حذائي...فرفعته للإسكافي وبدأ عمله بنشاط...
كنت أسمع أزيز أنفاسه..إنه مصاب بالسل أو مدخن شره...كانت ملامحه ملامح مجرم يغتصب الأطفال...لكنه حين رفع وجهه وضحك مغازلا بائعة النعناع رأيت بشريا بلا معنى...كان باهتا كحروفي وكلماتي هذي...
*_أمل الكردفاني_*
كان زمهريرا جافا لمناخ اكتوبر الخنثوي ، وضوضاء المقهى تختلط بضوضاء ميدان التحرير ؛ يضربون الطابة بعنف ؛ الدومينا بعنف أقوى ، يجترون دخان الشيشة بعنف أكبر..والصبي (في الثلاثين) يصيح بصوت أهوج..هنا حيث لا نعرف إن كان كل هذا الصخب حياة فاضحة أم تمردا على موت فاجع...وأم كلثوم تغني بمواويل قديمة جدا ، قديمة جدا وكئيبة. لقد ترقت في الستينات بسبب عبد الوهاب..تجاوزت الموالد وانضمت للارستوقراطية الجديدة ما بعد الثورة ضد الارستوقراطية القديمة...
الشاي الكشري سيئ الطعم..لفظته وتحركت سيرا على الأقدام ؛ وعبرت ميدان جاكسون الشاسع ببؤس الخرطوم..حتى بلغت أرض الهند في جزيرة العرب...
ماهي الحياة؟
اللعنة التي تلاحق البشر حتى إغماضتهم الأخيرة..
أسأل نفسي:
هل الحياة على تفاهتها تستحق أن نتمسك بها..
تغني أم كلثوم: (أغار من نسمة الجنوب على محياك يا حبيبي) ، ومات هو وماتت هي بل حتى نسمة الجنوب هلكت بالتغير المناخي..وزمهرير أكتوبر الخنثوي..
وكنت ألاحظ حذائي عن كثب حتى لا يتسخ بالأتربة أكثر مما هو متسخ..
كل الخطوات منكسرة ومنهزمة...كان البشر يحملون أثقالهم فوق ركبهم...حديدا من هم البحث عن حياة حقيقية...ولكنهم لا يعرفون معنى الحقيقة قبل معرفة الحياة نفسها...والأغنيات تلتصق بالحجارة ، وتجف فيها...
لذلك عبدوا الشمس..لأنهم كانوا يكرهون الظلام ويحبون الحياة..والحياة تغسل عورتها تحت الشمس...
(لا شيء يموت لأنه لا شيء حي حقا)..
قال عجوز يشبه أحمد فؤاد نجم وهو يدخن سجارة متعرجة تتسق ومسيرته منذ الميلاد البائس..
تتطاير التصورات وتغوص في خيالنا منذ الطفولة..تصورات تشكل كل ذائقتنا تجاه الحياة..بدء من الطعام والموسيقى والملابس وحتى طريقة الكلام..التصورات التي لا أساس لها سوى الاعتياد فتضحى مقياسا لصحة تكيفنا مع مجتمعنا الصغير...
لكن من يخبر الهندوسي بذلك..من يخبر الصيني والقوقازي والأفريقي..الخ بذلك...
ورأيت جمعا من الناس يرفعون رؤوسهم إلى السماء...والفتاة التي لم تبلغ العشرين قفزت صارخة ..ثم انفجرت جمجمتها بصوت مكتوم...
إنها ذكرى..
لم تعد هناك فتاة اليوم....ومؤكد أنها تحولت لتصور عابث في أدمغة أهلها...
كان شعرها كثيفا جدا..مخضب بلون الدم اللامع في خصلات منه...سقطت بملابس النوم..والناس لم يستطيعوا رؤية فخذيها الأبيضين..كانوا جزعين جدا...وجه الفتاة الميت سيطر على كل المشهد...
لماذا لم تتحول لعاهرة وهي تملك كل هذه الثروة بدلا عن الموت...
إنني أفضل لو كانت قد فعلت ذلك...فالموت دميم جدا..
لا حول الله..يقول الرجال..والنسوة يصرخن وبعضهن أغمى عليه.
يبدو أنها كانت وحيدة في الشقة فلم يهبط أحد من أهلها..
أصابع يدها وردية كخديها..
حتى الموت يختلف من شخص لآخر...شخص نعرفه ولا نعرفه..شخص جميل وقبيح..شخص نحبه ونكرهه..
ورأيت نقطتي دم على حذائي...فرفعته للإسكافي وبدأ عمله بنشاط...
كنت أسمع أزيز أنفاسه..إنه مصاب بالسل أو مدخن شره...كانت ملامحه ملامح مجرم يغتصب الأطفال...لكنه حين رفع وجهه وضحك مغازلا بائعة النعناع رأيت بشريا بلا معنى...كان باهتا كحروفي وكلماتي هذي...
*_أمل الكردفاني_*