9
ليس لاجئا بعد
امتدت اصابعه لتناول مكوك ماكنة الخياطه ،تحسسه باصابعه دون النظر اليه . كانت عيناه ملتصقتين في كتاب الطب،فهي السنة الاخيرة (ستاجير كما يتداولها زملاءه) . جاءت كلمات الاسطى كفرقعة سوط جلدي! (وين امدولغ خل الكتاب على صفحه واكمل بنطرون الرجّال؟) تناثر زجاج محل الخياطه وانسكب كاس عرق الاسطى على الارض، كان انفجار صاروخ ارض ارض قويا - كما قال عامل الخياطة الاخر الذي خرجته الحرب معوقا - مدويا، قفز (الكشتبان) محدثا صوتا دائريا تلاشى على الارض تدريجيا :
(خ.... على هيج حرب ما تنتهي) صرخ الاسطى ساحقا عقب سجارته بعنف يتلائم مع القصف!استدار طالب كلية الطب ليلتقط (الكشتبان) منحنيا، هامسا بكلمات حذرة من شفتيه،ثم فتح الراديو ليسمع صوتا مدويا لمجموعة مهوسة (يعكاب اتبع لو جرينا) استغل كره الاسطى للحرب قائلا) اكول اسطى ذوله ليش يتحاربون؟) نظر الاسطى بعينين نصف مغمضتين ، تناول زجاجة العرق ليفرغ ما بقي منها في جوفه صائحا(ما تكلي استاد انتو شدرسون؟؟
مو يزي عاد مو انتو مثقفين ،المفروض انتو اتكلونا ليش هاي الحرب؟
شارك العامل الاخر الذي خرجته الحرب معوقا :
(عمي ما تدرون ليش هاي الحرب ؟هاي الحرب ايريدون ايصورون بيها افلام ،لان تكساس ازغيره!) ثم سحب نفسا عميقا من سجارة نتنه مغمورة بسائل الثنر بدل الحشيش لعدم امكانية شراءه, صافح طالب الطب العمال مستأذنا الاسطى بالذهاب، ذاكرا محاسنه وسعة قلبه ثم استدار مودعا. سبعة سنوات قضاها هنا،حمل اشياءه متأكدا من كل شئ
. تنفس الصعداء متجها الى داره .غدا هو الحد الفاصل بينه وبين سنوات الاستغلال السبع ،مطلقا لخياله العنان ،متقمصا شخصية استاذه في كلية الطب ،رافعا رأسه مزهوا بنشوة الحدث .
فتحت امه صندوقا خشبيا جلبه والده من بقايا مخلفات الانكليز بعد انتهاء الحرب، وهو صندوق قذائف مدفعيه قديم. اخرجت منه ملابسا جديدة يتذكر انه لبسها قبل العيد الماضي،عطر نفسه بعطر شعبي نسميه (ريحة ام السودان) متجها الى بوابة مستشفى البصرة الجمهوري ليطبق فيه علومه الطبية متدربا،نظر الى الخلف ليواجهه سجن البصره. تذكر طفولته في (صبخة العرب) وتعليقات اقرانه كونه رجل مسالم!(وجهك سجن وكفاك مستشفى) ضحك بعمق لهذه الصورة الواقعيه .
استقبله مدير المستشفى مرحبا قائلا انك ستكون طبيب ماهر ،الجرحى يتوافدون والحرب مستمره، بعد فترة فكر ان يدرس التخدير كأختصاص له بعد ان اُرسل زميلان له الى المستشفيات الميدانية في جبهة القتال. طبيب التخدير نادرا ما يرسل الى الجبهة والمستشفيات بحاجة له. قال لنفسه ذلك كي يقنعها . اكمل اختصاصه وعيّن طبيب مخدر. قال له احد المسؤولين الحزبين- وهو ممرض عين كاتبا في ادراة المستشفى لعظم خدماته في الوشايه - (اذا اتريد تاكل خبز كل ما تشوف او تسمع طنش) . في دراسته الاختصاص كطبيب مخدر ،تعلم ان يستفسر من المريض عن الامراض لديه للتعرف على كيفية التخدير او رفضها . ذات يوم خرج مريض من غرفة العمليات ، بعد اسبوع كان يتألم من خاصرته اليسرى وكانت عمليته انسداد الامعاء وبعض امور المعدة ، وتبين انه فقد كليته بعد العمليه . استفسر الطبيب المخدر من زميل له عن هذه المسأله، وبعد ثلاثة ايام اقتيد الطبيب المخدر الى السجن دون ان يدري لماذا . تذكر وصية المسؤول الحزبي (اذا تريد تاكل خبز كل ما اتشوف او تسمع طنش) وبعد يومين من خروجه من السجن استقبلته الحدود العراقية الاردنيه دافعا كل ما ادخره وزوجته رشوة للعبور!!!
فنراي
ليس لاجئا بعد
امتدت اصابعه لتناول مكوك ماكنة الخياطه ،تحسسه باصابعه دون النظر اليه . كانت عيناه ملتصقتين في كتاب الطب،فهي السنة الاخيرة (ستاجير كما يتداولها زملاءه) . جاءت كلمات الاسطى كفرقعة سوط جلدي! (وين امدولغ خل الكتاب على صفحه واكمل بنطرون الرجّال؟) تناثر زجاج محل الخياطه وانسكب كاس عرق الاسطى على الارض، كان انفجار صاروخ ارض ارض قويا - كما قال عامل الخياطة الاخر الذي خرجته الحرب معوقا - مدويا، قفز (الكشتبان) محدثا صوتا دائريا تلاشى على الارض تدريجيا :
(خ.... على هيج حرب ما تنتهي) صرخ الاسطى ساحقا عقب سجارته بعنف يتلائم مع القصف!استدار طالب كلية الطب ليلتقط (الكشتبان) منحنيا، هامسا بكلمات حذرة من شفتيه،ثم فتح الراديو ليسمع صوتا مدويا لمجموعة مهوسة (يعكاب اتبع لو جرينا) استغل كره الاسطى للحرب قائلا) اكول اسطى ذوله ليش يتحاربون؟) نظر الاسطى بعينين نصف مغمضتين ، تناول زجاجة العرق ليفرغ ما بقي منها في جوفه صائحا(ما تكلي استاد انتو شدرسون؟؟
مو يزي عاد مو انتو مثقفين ،المفروض انتو اتكلونا ليش هاي الحرب؟
شارك العامل الاخر الذي خرجته الحرب معوقا :
(عمي ما تدرون ليش هاي الحرب ؟هاي الحرب ايريدون ايصورون بيها افلام ،لان تكساس ازغيره!) ثم سحب نفسا عميقا من سجارة نتنه مغمورة بسائل الثنر بدل الحشيش لعدم امكانية شراءه, صافح طالب الطب العمال مستأذنا الاسطى بالذهاب، ذاكرا محاسنه وسعة قلبه ثم استدار مودعا. سبعة سنوات قضاها هنا،حمل اشياءه متأكدا من كل شئ
. تنفس الصعداء متجها الى داره .غدا هو الحد الفاصل بينه وبين سنوات الاستغلال السبع ،مطلقا لخياله العنان ،متقمصا شخصية استاذه في كلية الطب ،رافعا رأسه مزهوا بنشوة الحدث .
فتحت امه صندوقا خشبيا جلبه والده من بقايا مخلفات الانكليز بعد انتهاء الحرب، وهو صندوق قذائف مدفعيه قديم. اخرجت منه ملابسا جديدة يتذكر انه لبسها قبل العيد الماضي،عطر نفسه بعطر شعبي نسميه (ريحة ام السودان) متجها الى بوابة مستشفى البصرة الجمهوري ليطبق فيه علومه الطبية متدربا،نظر الى الخلف ليواجهه سجن البصره. تذكر طفولته في (صبخة العرب) وتعليقات اقرانه كونه رجل مسالم!(وجهك سجن وكفاك مستشفى) ضحك بعمق لهذه الصورة الواقعيه .
استقبله مدير المستشفى مرحبا قائلا انك ستكون طبيب ماهر ،الجرحى يتوافدون والحرب مستمره، بعد فترة فكر ان يدرس التخدير كأختصاص له بعد ان اُرسل زميلان له الى المستشفيات الميدانية في جبهة القتال. طبيب التخدير نادرا ما يرسل الى الجبهة والمستشفيات بحاجة له. قال لنفسه ذلك كي يقنعها . اكمل اختصاصه وعيّن طبيب مخدر. قال له احد المسؤولين الحزبين- وهو ممرض عين كاتبا في ادراة المستشفى لعظم خدماته في الوشايه - (اذا اتريد تاكل خبز كل ما تشوف او تسمع طنش) . في دراسته الاختصاص كطبيب مخدر ،تعلم ان يستفسر من المريض عن الامراض لديه للتعرف على كيفية التخدير او رفضها . ذات يوم خرج مريض من غرفة العمليات ، بعد اسبوع كان يتألم من خاصرته اليسرى وكانت عمليته انسداد الامعاء وبعض امور المعدة ، وتبين انه فقد كليته بعد العمليه . استفسر الطبيب المخدر من زميل له عن هذه المسأله، وبعد ثلاثة ايام اقتيد الطبيب المخدر الى السجن دون ان يدري لماذا . تذكر وصية المسؤول الحزبي (اذا تريد تاكل خبز كل ما اتشوف او تسمع طنش) وبعد يومين من خروجه من السجن استقبلته الحدود العراقية الاردنيه دافعا كل ما ادخره وزوجته رشوة للعبور!!!
فنراي