ملخص
نحاول في هذه الورقة تسليط الضوء على أهمية مفهوم الحوارية الفلسفية، في تقنيات الدرس الفلسفي ومفهوم الكتابة عند الراحل مدني صالح. وقد خلص البحث الى وجود تداخل إشكالي وتاريخي بين مفهوم الكتابة من جهة ومفهوم الحوارية الفلسفية عند صالح من جهة اخرى، ذلك لان الكتابة عند صالح لم تأخذ اشكال تقليدية من حيث تقنيات الأسلوب واللغة المستعملة/المسيطرة بالضرورة وما شابه، وانما على العكس من ذلك تماما، فقد تميزت الكتابة عند صالح، بأعتبارها فلسفة نقدية ضد العقلية الدعائية/ والدوغمائية الكامنة في النص والوجود والممارسة التاريخية والثقافية، وقد سعى الراحل مدني صالح الى تبيئة مفهوم الكتابة بوصفه نظرية نقدية في تقنيات الدرس الفلسفي وآليات تداوله وطرق اشتغاله البيداغوجي المحددة بين الأستاذ والتلميذ.
الدرس الفلسفي: افيون الفلسفة والتفلسف.. بحث في الحوارية الفلسفية
ان تُشرِع في الكتابة عن الفيلسوف مدني صالح (1932-2007)، فهذا يعني انك تشرّع للكتابة عن جملة من الإشكالات الفلسفية والثقافية التي شكلت بنية النص المدني -نسبة الى مدني صالح- وبخلاف ذلك ، فأنت تكتب فقط حول كتابة مدني صالح. وهناك ثمة فرق كبير بين ان تكتب حول كتابة مدني صالح، أي كتابة حول كتابة، وبين ان تستنطق" كواليس قبلية" مثلت لتاريخية الكتابة وبنيتها الثقافية الى جانب سياقاتها السياسية والسوسيولوجية. ذلك، لأننا عندما نبحث في بنية النص المدني، لا يمكننا ان نتعامل معه حسب نظرية رولان بارت في موت الكاتب/ موت المؤلف، هذه النظرية التي ربما كانت هي الأكثر شيوعا وسيطرة في الأوساط الاكاديمية والثقافية التي تناولت فكر وفلسفة الراحل مدني صالح. حيث لاحظنا وبعد اطلاعنا على مجمل ما كتب وما زال يكتب ان اغلب النصوص تنطلق مما كتبه مدني صالح، وليس مما سكت عن قوله مدني صالح، او امتنع البوح به في فترة زمنية معينة. بمعنى آخر، ان علاقة المؤلف هنا مع نصه هي علاقة إشكالية متوترة غير مستقرة، فهناك جملة من الاكراهات واجهت هذا النص بدء من اكراهات الفلسفة وانتهاء بإكراهات السياسة والنخب الثقافية.
وهذا ما سوف يقودنا الى تسليط الضوء من جديد على ما لم يتم النظر اليه واكتشافه في معظم النصوص التي كتبت عن النص المدني، ونعني بها هنا، العلاقة المسكوت عنها بين الدرس الفلسفي والنظرية السياسية وتشكيل الانتلجنسيا البيروقراطية.
ما بعد المسكوت عنه في تقنيات الدرس الفلسفي
نعتقد ان هذه العلاقة تمثل ما يعرف بـ «الفكر المهمل» والمستبعد التفكير فيه في طبيعة المكتوب حول النص المدني. وذلك لان الباحث في الدرس الفلسفي ما زال يفكر في مرحلة ما قبل التقنيات الفلسفية والحِجاجية الجديدة، القادرة على تأويل خصائص الدرس الفلسفي من اجل الخروج من المركزية الفلسفية، هذا من جهة ومن جهة أخرى، ولغرض إعادة فتح باب التواصل والتفاعل البين – منهجي بين الفلسفة وبقية حقول العلوم الإنسانية كاللغة والبلاغة وسوسيولوجيا الثقافة...الخ. فمثلاً، عندما ركز النص المدني على بنية العلاقة المتداخلة والمتفاعلة بين كل من: الدرس الفلسفي؛ والأستاذ؛ والطالب، نلحظ كيف ان الراحل مدني صالح لم يطرح هذه العلاقة بطريقة دوغمائية او ارثوذكسية تبقى محصورة ومحدودة على تلك الصلة الطبيعية بين الطالب والأستاذ والجدران الأربعة التي تحتويهما. مما جعل هذه العلاقة تتحول الى نسق بيروقراطي / ووضعي، قابلاً لان يكون قانوناً حتمياً، لا يفكر بخارجانية الدرس الفلسفي، ويتعالى على سياقات وايديولوجيات الطالب، وكأن هذه العلاقة أصبحت هي أقرب الى أن تكون مجرد «أنماط وعظية» أكثر مما هي ممارسة نقدية وتحليلية لراهن الفلسفة؛ وراهن العملية الفلسفية، وراهن الطالب الفلسفي.
وإذا نظرنا، على سبيل المثال، لمفهوم مدني للحوار في الدرس الفلسفي، نجد ان الدافع خلف هذه العلاقة، يكمن في عدم تحويل الدرس الفلسفي الى «شكل بيروقراطي /مركزي» غير حيوي ومجرد وفاقد لكل ما هو جميل وجمالي. ربما هذا ما جعل مدني صالح يشدد على قيمة الحوار/وحوار القيمة في محاضراته، بالقول: «أُعلن للدراسين ان الرجل الناجح محاور جيد...أُعلن لهم ان الفلسفة هي حوار وصفاء نية وتبادل أفكار ...وحاورهم ...وافسح لهم يتحاورون... أشع بينهم المرح الهادئ ضد الجد المأزوم، وأشع فيهم توقير الدرس واحترامه ضد الخوف من الامتحان، وأخلط لهم خلط مزج بين المرح والفرح والحب والاحترام في وحدة افراحِ حب الجمال وحب كل مشارك فيه ....وصنف بين الدرس والدرس في الحوار طلبتك في مجموعات، وأنسب هذه المجموعات الى المذاهب والمدارس الفلسفية السائدة منذ بداية الفلسفة ...وبهذا تكون قد حملت طلبتك مَحملاً سقراطياً افلاطونياً نحو تصور لمجمل مفترق طرق التمذهب الفلسفي لا بالتلقين الممل المنيِّم، ولا بالمحاضرة القاتلة طولاً وعرضاً وتنفيراً، بل بالحوار المنعش، وبالتدريب العملي الفعلي المثير... ولطالب فلسفة واحد منتعش مُحفَّز، لهو خير من آلاف يتضجرون حاضرين الدرس مخافة عقوبة الغياب عن درس يعتلي فيه الأستاذ منبر التدريس خطيباً والطلبة سكوت يسمعون. وحاور طلبتك، إفسح مجالا يختصمون وينتفعون بكل امجاد المتضارب الفلسفي لحل مشكلة تمس حياتهم في العلم، او الادب او الفن او التاريخ او التشريع اوفي أي فرع من فروع المعرفة بما ان المعرفة رد فعل لحل مشكلة تواجه الانسان... وإلا، فلماذا طور الانسان لغة وحوارا، وطور كل هذه الفلسفات؟
لندرب، اذن الطلبة في الدرس الفلسفي على أداء ردود أفعال ملائمة في الحوار نحو حل المشكلة الراهنة موضوعا للدرس، حلا يتوخى:
أولا: مطابقة الفكر لواقع حال الموضوع.
ثانيا: تشخيص الأسباب الفاعلة حقيقة في ظهور الاحداث وحدوث الظواهر.
ثالثا: توظيف هذا التشخيص في الاستذكار من الخير. وهذا ما لا يكون الا بتدريب الطلبة شيئا بعد شيء على مباهج الإحساس بتجاوز الانغلاق على عتمة واورام الذات وعلى مباهج حسن المواطنة وحب الاخرين حبا قائما على اتحاد ضد:
اولا: الخطأ بتصحيحه.
ثانيا: المجهول باكتشافه.
والا، فلماذا الفلسفة فن جميل؟؟... ولماذا نعلق عليها آمالا كبيرة في مجال إعادة تشكيل الواقع في مجال تبديل العالم وتطويره من حسن الى أحسن، وفي مجال إعادة تنظيم العلاقات بين محتويات هذا العالم، لإعادة التوازن الى هذا الكون». (مدني صالح، مقالات في الدرس الفلسفي، ص 29-30)
مدني صالح ونهاية الانتلجنسيا الفلسفية البيروقراطية
يتضح لنا، من النص أعلاه، ان النزوع الى «الحوارية التعليمية» في بنية الدرس الفلسفي بالنسبة لمدني صالح، قد مثلت أحد اهم الدعائم الأساسية التي تمكننا من مساءلة إشكالية محدودية النظر الى الفلسفة من خلال ابعادها الابستمولوجية والانطولوجية التي لطالما عملت على تكريس أنماط بيروقراطية في إنتاج المعرفة وتنميط مفهوم الوجود بواسطة سلطة الانطولوجيا/ وانطولوجيا السلطة التي تتحول فيها الانطولوجيا الى سلسلة من المبادئ الشكلية المنفصلة عن الوجود التاريخي للكائن الإنساني من جهة، وللفلسفة من جهة أخرى.
هذا يعني، ان كلاً من الانطولوجيا والابستمولوجيا لم تعد لها أي علاقة ببنية الوجود الإنساني، وانما هما يتمفصلان في البنيات السياسية political structures، حيث تتحول الابستمولوجيا هنا الى سستم من العقلنة التقنية – البيروقراطية يعمل على تكوين مبادئنا المستقلة في فضاء الثقافة العامة ضمن شكل محدد من اشكال السيطرة التي تشرع بدورها الى استعمالات تلك المبادئ في انتاج صلاحيات مستمرة لهيمنة القيم المسيطرة. وبهذه الطريقة، سوء تعاملنا مع الابستمولوجيا بوصفها نظرية معرفة تقليدية تبحث في أسس وامكانيات وحدود المعرفة الإنسانية؛ او بوصفها نظرية نقدية للأسس المنطقية والعلموية الضيقة لفلسفة وتاريخ العلوم، فأنها، ستبقى، في نهاية المطاف، هي المشرِّع الرسمي لما يُعرف بـ «السيطرة الاكسيولوجية» المكرسة لأشكال مختلفة من المعرفة الآلية/ الميكانيكية ولمعيار صلاحية هذه المعرفة على حد سواء. وهذا يعني بالضرورة، اننا، في الواقع، لا ننتج معرفة ولا معارف، وانما نحن نبرر وندعم ونتوافق دائماً مع مزاعم وادعاءات هذه المعرفة. وبالتالي، فأن هذه المعرفة تتحول، شيئاً فشيئاً، الى شكل من اشكال الدعاية الأيديولوجية ideological propaganda التي تجعلنا دائما نتمثل الواقع الاجتماعي، وهناك فرق واختلاف بين مفهوم التمثل ومفهوم الوجود، فالتمثل متصل بالأيديولوجيا التي تجعل المفهوم تخيل والتخييل مفهوماً. أي اننا تحت هذه الاشكال من السيطرة لم يعد باستطاعتنا التمييز بين الابستمولوجيا بوصفها مشروع عقلاني؛ والابستمولوجيا بوصفها مشروع يوتوبي، وبين مفهوم الحقيقة ومفهوم القوة/السلطة.
من هنا، تظهر الجوانب النقدية الكامنة في مفهوم الدرس الفلسفي الذي تكلم عنه الراحل مدني صالح، لتجعل من الصعوبة بمكان التعامل معه بحرفية ارثوذكسية مطلقة، لأن المفهوم المدني للدرس الفلسفي هو، في الواقع، يمثل بنية كل من: النظام المعرفي؛ وتشكيل الأفكار؛ والمبادئ؛ والنماذج؛ والاتجاهات؛ والمثل الفلسفية. وبطبيعة الحال، ان الحديث عن تكوين هذه المبادئ/والأفكار والمثل في الدرس الفلسفي، يشكل في مجمله للثقافة السياسية political culture. ووظيفة هذا المفهوم الأخير تتمركز في الحقول البنيوية للمجتمع، أي الثقافة والسياسة وتشكيل المعاني والمفاهيم والقيم.
الحوارية كنقد لتاريخانية النص الفلسفي الأيديولوجي
وبالعودة الى النص المدني أعلاه حول مفهوم النزعة الحوارية Dialogism في بنية الدرس الفلسفي، كان يشير في أحد اهم معانيه الى ضرورة عدم الركون لإستعمالات «اللغة الفلسفية النظرية المسيطرة» التي يستعملها أستاذ الفلسفة بطريقة واعية او غير واعية. لذا، جاء تأكيد مدني على «تاريخية العملية الفلسفية» و «سياقية المفاهيم والمصطلحات» التي تعيد الصلة الحيوية بين المرِسل(الأستاذ)؛ والعلامة(النص)؛ والمتلقي (الطالب). فمن خلال تفعيل هذه الترسيمة في أروقة الدرس الفلسفي، سوف يتم إعادة الصلة بين المفاهيم الفلسفية ومشاكلها السياقية التي هي، في نهاية المطاف، جزء لا يتجزأ عن الثقافة السياسية والبنية السياسية. مما يعني، أن جينالوجيا الدرس الفلسفي هي منذ البواكير الأولى لم تكن سوى «نظرية سياسية» عملت على انتاج/وإعادة انتاج «لغة فلسفية نظرية مسيطرة بالضرورة»، تستأنف دائماً انتاج قيم السياسة ومعاييرها المتعالية؛ ومواضع النخب elite positions الثقافية. وهذه النخب هي التي سوف تقود الفلسفة فيما بعد وتعمل على صياغة برامجها من جهة، وتوزيع العاملين في أجهزة الفلسفة النظرية والأيديولوجية من جهة أخرى.
وعليه، فأن البحث في المسكوت عنه في بنية النص المدني حول الدرس الفلسفي وطرق اشتغاله وتأويل رموزه وانساقه وعلاماته ومواضعه السياقية، هو، في الواقع، إعادة تأويل لتاريخ الانطولوجيا والابستمولوجيا وفلسفات الاخلاق والقيم. فإمكانية ان تعرف؛ وإمكانية ان توجد؛ وإمكانية ان تفعل ما ينبغي عليك فعله، أصبحت جميعها مرتهنة بالأشكال السياسية والأيديولوجية القيادية بالضرورة، ففي قاع بنية هذه الاشكال تترسب انظمة الأفكار؛ القيم Values؛ الاحكام judgments؛ التمثلات Representations؛ الاتجاهات والميول؛ والسلوكيات الاجتماعية، وطرق انجاز الافعال Ways of actions. لذا، فأن بنية الدرس الفلسفي، من الناحية الميتافورية والرمزية، هو مجموعة من التمثيلات لقيم الثقافة المسيطرة، أي، لتمثيلات تراتبية القيمة Value hierarchies ومعاييرها التي لها نظام وظيفي وعملياتي في الثقافة السياسية من جهة، وفي الثقافة التعليمية من جهة اخرى.
ربما يمكننا ايجاز مفهوم مدني صالح للدرس الفلسفي، بما يلي:
أولا: لا يتأسس الدرس الفلسفي المدني على اشكال بيداغوجية / نظرية تقليدية مطلقة، وانما يتأسس على مبدأ الحوارية.
ثانيا: علاقة الحوارية في الدرس الفلسفي لا تقوم على أساس اتصال تقليدي /عادي بين الأستاذ والطالب، وانما على مبدأ الحوارية التي تشكل نظام استطيقي / لساني يعمل على تشخيص بؤر السلطة في النص والمنهج والممارسة.
ثالثا: حوارية الدرس الفلسفي المدني، تسعى الى إعادة تفعيل «المنطق السياقي» للعلاقة بين كل من: منتِج النص الفلسفي؛ والوسيط الثقافي/ التاريخي؛ ومتلقي هذا النص.
رابعا: لا يقوم مبدأ الحوارية على أسس ومعايير منطقية شكلية صارمة وممنهجة، بل، على العكس من ذلك، ان مبدا الحوارية ينشأ ويتشكل بين المناطق المتوترة لكل من: الثقافة السياسية؛ الثقافة المسيطرة؛ القيم الهرمية/ الأيديولوجية.
خامسا: الحوارية في الدرس الفلسفي تتجاوز المنطق الشكلي لتتجه صوب نقد الأيديولوجيا الشكلية وبنية النظام الدعائي الشكلي في اللغة والخطاب والسياق.
سادسا: الحوارية في الدرس الفلسفي هي ما بعد فلسفات اللغة المعيارية/ الوضعية ذات الصلاحية المتجددة بذاتها، لتنعرج نحو تحليل الخطاب النقدي.
سابعا: مبدأ الحوارية لا يشتغل مع نظريات الابستمولوجية الوضعية -غير التاريخية-، وانما مع الابستمولوجية الاجتماعية والسوسيولسانية التي تعيد اكتشاف لغة المتكلم المقموعة.
ثامنا: مبدأ الحوارية يتجاوز أيضا مفاهيم الانطولوجيا المنحدرة من الفلسفات الافلاطو-أرسطية المثالية / الكلية /الشكلية – تاريخ الانطولوجيا التقليدية –، لأنه يتمرحل تاريخياً مع مفهوم النسيان الانطولوجي للوجود.
تاسعا: مبدأ الحوارية في الدرس الفلسفي يقوض معظم الأنماط البيروقراطية المسيطرة في اللغة الفلسفية وأجهزتها النظرية؛ واللغة الثقافية وأجهزتها الأيديولوجية التي تستعملها الانتلجنسيا لإنتاج السيطرة وإعادة انتاج السيطرة.
عاشراً: ان فلسفة الحوارية التي دشنها الراحل مدني صالح، لم تكن مجرد شكل من اشكال التواصل البين-ذاتي التقليدي، أي بين الأستاذ والطالب. وانما هي، وكما سعى مؤسسها باختين، تمثل تفاعلية تاريخية بين مختلف المناهج والعلوم الإنسانية، وربما هذا ما ذهب اليه الراحل مدني صالح، فهو كان يعتقد ان الفلسفة إذا اقتصر أدائها وفاعليتها على مركزيتها باعتبارها «ام العلوم»، فهذا يعني انها سوف تتحول الى «نص بيروقراطي منغلق على ذاته الهووية الضيقة» لا عمل له الا إعادة استئناف الانساق السلطوية الكامنة في تاريخه.
الحادي عشر: ان فلسفة الحوارية تهدف الى «إعادة تركيب» الدرس الفلسفي وتقويض اشكاله المعرفية والدلالية واللغوية، للحيلولة دون تطابقه مع الفكر والواقع والنظام القيمي السائد، وبالطريقة التي يعطي فيها أي فرصة لتوالد نخب وانتلجنسيا بيروقراطية تقوده وتحدد له معايير أيديولوجية معينة لاشتغاله وطرق تكاثره وتشعباته وانبعاثاته الاعتباطية.
الثاني عشر: فلسفة الحوارية التي دشنها الراحل مدني صالح يبقى شعارها: لئلا يتحول الدرس الفلسفي الى افيون للتفلسف والفلسفة.
نحاول في هذه الورقة تسليط الضوء على أهمية مفهوم الحوارية الفلسفية، في تقنيات الدرس الفلسفي ومفهوم الكتابة عند الراحل مدني صالح. وقد خلص البحث الى وجود تداخل إشكالي وتاريخي بين مفهوم الكتابة من جهة ومفهوم الحوارية الفلسفية عند صالح من جهة اخرى، ذلك لان الكتابة عند صالح لم تأخذ اشكال تقليدية من حيث تقنيات الأسلوب واللغة المستعملة/المسيطرة بالضرورة وما شابه، وانما على العكس من ذلك تماما، فقد تميزت الكتابة عند صالح، بأعتبارها فلسفة نقدية ضد العقلية الدعائية/ والدوغمائية الكامنة في النص والوجود والممارسة التاريخية والثقافية، وقد سعى الراحل مدني صالح الى تبيئة مفهوم الكتابة بوصفه نظرية نقدية في تقنيات الدرس الفلسفي وآليات تداوله وطرق اشتغاله البيداغوجي المحددة بين الأستاذ والتلميذ.
الدرس الفلسفي: افيون الفلسفة والتفلسف.. بحث في الحوارية الفلسفية
ان تُشرِع في الكتابة عن الفيلسوف مدني صالح (1932-2007)، فهذا يعني انك تشرّع للكتابة عن جملة من الإشكالات الفلسفية والثقافية التي شكلت بنية النص المدني -نسبة الى مدني صالح- وبخلاف ذلك ، فأنت تكتب فقط حول كتابة مدني صالح. وهناك ثمة فرق كبير بين ان تكتب حول كتابة مدني صالح، أي كتابة حول كتابة، وبين ان تستنطق" كواليس قبلية" مثلت لتاريخية الكتابة وبنيتها الثقافية الى جانب سياقاتها السياسية والسوسيولوجية. ذلك، لأننا عندما نبحث في بنية النص المدني، لا يمكننا ان نتعامل معه حسب نظرية رولان بارت في موت الكاتب/ موت المؤلف، هذه النظرية التي ربما كانت هي الأكثر شيوعا وسيطرة في الأوساط الاكاديمية والثقافية التي تناولت فكر وفلسفة الراحل مدني صالح. حيث لاحظنا وبعد اطلاعنا على مجمل ما كتب وما زال يكتب ان اغلب النصوص تنطلق مما كتبه مدني صالح، وليس مما سكت عن قوله مدني صالح، او امتنع البوح به في فترة زمنية معينة. بمعنى آخر، ان علاقة المؤلف هنا مع نصه هي علاقة إشكالية متوترة غير مستقرة، فهناك جملة من الاكراهات واجهت هذا النص بدء من اكراهات الفلسفة وانتهاء بإكراهات السياسة والنخب الثقافية.
وهذا ما سوف يقودنا الى تسليط الضوء من جديد على ما لم يتم النظر اليه واكتشافه في معظم النصوص التي كتبت عن النص المدني، ونعني بها هنا، العلاقة المسكوت عنها بين الدرس الفلسفي والنظرية السياسية وتشكيل الانتلجنسيا البيروقراطية.
ما بعد المسكوت عنه في تقنيات الدرس الفلسفي
نعتقد ان هذه العلاقة تمثل ما يعرف بـ «الفكر المهمل» والمستبعد التفكير فيه في طبيعة المكتوب حول النص المدني. وذلك لان الباحث في الدرس الفلسفي ما زال يفكر في مرحلة ما قبل التقنيات الفلسفية والحِجاجية الجديدة، القادرة على تأويل خصائص الدرس الفلسفي من اجل الخروج من المركزية الفلسفية، هذا من جهة ومن جهة أخرى، ولغرض إعادة فتح باب التواصل والتفاعل البين – منهجي بين الفلسفة وبقية حقول العلوم الإنسانية كاللغة والبلاغة وسوسيولوجيا الثقافة...الخ. فمثلاً، عندما ركز النص المدني على بنية العلاقة المتداخلة والمتفاعلة بين كل من: الدرس الفلسفي؛ والأستاذ؛ والطالب، نلحظ كيف ان الراحل مدني صالح لم يطرح هذه العلاقة بطريقة دوغمائية او ارثوذكسية تبقى محصورة ومحدودة على تلك الصلة الطبيعية بين الطالب والأستاذ والجدران الأربعة التي تحتويهما. مما جعل هذه العلاقة تتحول الى نسق بيروقراطي / ووضعي، قابلاً لان يكون قانوناً حتمياً، لا يفكر بخارجانية الدرس الفلسفي، ويتعالى على سياقات وايديولوجيات الطالب، وكأن هذه العلاقة أصبحت هي أقرب الى أن تكون مجرد «أنماط وعظية» أكثر مما هي ممارسة نقدية وتحليلية لراهن الفلسفة؛ وراهن العملية الفلسفية، وراهن الطالب الفلسفي.
وإذا نظرنا، على سبيل المثال، لمفهوم مدني للحوار في الدرس الفلسفي، نجد ان الدافع خلف هذه العلاقة، يكمن في عدم تحويل الدرس الفلسفي الى «شكل بيروقراطي /مركزي» غير حيوي ومجرد وفاقد لكل ما هو جميل وجمالي. ربما هذا ما جعل مدني صالح يشدد على قيمة الحوار/وحوار القيمة في محاضراته، بالقول: «أُعلن للدراسين ان الرجل الناجح محاور جيد...أُعلن لهم ان الفلسفة هي حوار وصفاء نية وتبادل أفكار ...وحاورهم ...وافسح لهم يتحاورون... أشع بينهم المرح الهادئ ضد الجد المأزوم، وأشع فيهم توقير الدرس واحترامه ضد الخوف من الامتحان، وأخلط لهم خلط مزج بين المرح والفرح والحب والاحترام في وحدة افراحِ حب الجمال وحب كل مشارك فيه ....وصنف بين الدرس والدرس في الحوار طلبتك في مجموعات، وأنسب هذه المجموعات الى المذاهب والمدارس الفلسفية السائدة منذ بداية الفلسفة ...وبهذا تكون قد حملت طلبتك مَحملاً سقراطياً افلاطونياً نحو تصور لمجمل مفترق طرق التمذهب الفلسفي لا بالتلقين الممل المنيِّم، ولا بالمحاضرة القاتلة طولاً وعرضاً وتنفيراً، بل بالحوار المنعش، وبالتدريب العملي الفعلي المثير... ولطالب فلسفة واحد منتعش مُحفَّز، لهو خير من آلاف يتضجرون حاضرين الدرس مخافة عقوبة الغياب عن درس يعتلي فيه الأستاذ منبر التدريس خطيباً والطلبة سكوت يسمعون. وحاور طلبتك، إفسح مجالا يختصمون وينتفعون بكل امجاد المتضارب الفلسفي لحل مشكلة تمس حياتهم في العلم، او الادب او الفن او التاريخ او التشريع اوفي أي فرع من فروع المعرفة بما ان المعرفة رد فعل لحل مشكلة تواجه الانسان... وإلا، فلماذا طور الانسان لغة وحوارا، وطور كل هذه الفلسفات؟
لندرب، اذن الطلبة في الدرس الفلسفي على أداء ردود أفعال ملائمة في الحوار نحو حل المشكلة الراهنة موضوعا للدرس، حلا يتوخى:
أولا: مطابقة الفكر لواقع حال الموضوع.
ثانيا: تشخيص الأسباب الفاعلة حقيقة في ظهور الاحداث وحدوث الظواهر.
ثالثا: توظيف هذا التشخيص في الاستذكار من الخير. وهذا ما لا يكون الا بتدريب الطلبة شيئا بعد شيء على مباهج الإحساس بتجاوز الانغلاق على عتمة واورام الذات وعلى مباهج حسن المواطنة وحب الاخرين حبا قائما على اتحاد ضد:
اولا: الخطأ بتصحيحه.
ثانيا: المجهول باكتشافه.
والا، فلماذا الفلسفة فن جميل؟؟... ولماذا نعلق عليها آمالا كبيرة في مجال إعادة تشكيل الواقع في مجال تبديل العالم وتطويره من حسن الى أحسن، وفي مجال إعادة تنظيم العلاقات بين محتويات هذا العالم، لإعادة التوازن الى هذا الكون». (مدني صالح، مقالات في الدرس الفلسفي، ص 29-30)
مدني صالح ونهاية الانتلجنسيا الفلسفية البيروقراطية
يتضح لنا، من النص أعلاه، ان النزوع الى «الحوارية التعليمية» في بنية الدرس الفلسفي بالنسبة لمدني صالح، قد مثلت أحد اهم الدعائم الأساسية التي تمكننا من مساءلة إشكالية محدودية النظر الى الفلسفة من خلال ابعادها الابستمولوجية والانطولوجية التي لطالما عملت على تكريس أنماط بيروقراطية في إنتاج المعرفة وتنميط مفهوم الوجود بواسطة سلطة الانطولوجيا/ وانطولوجيا السلطة التي تتحول فيها الانطولوجيا الى سلسلة من المبادئ الشكلية المنفصلة عن الوجود التاريخي للكائن الإنساني من جهة، وللفلسفة من جهة أخرى.
هذا يعني، ان كلاً من الانطولوجيا والابستمولوجيا لم تعد لها أي علاقة ببنية الوجود الإنساني، وانما هما يتمفصلان في البنيات السياسية political structures، حيث تتحول الابستمولوجيا هنا الى سستم من العقلنة التقنية – البيروقراطية يعمل على تكوين مبادئنا المستقلة في فضاء الثقافة العامة ضمن شكل محدد من اشكال السيطرة التي تشرع بدورها الى استعمالات تلك المبادئ في انتاج صلاحيات مستمرة لهيمنة القيم المسيطرة. وبهذه الطريقة، سوء تعاملنا مع الابستمولوجيا بوصفها نظرية معرفة تقليدية تبحث في أسس وامكانيات وحدود المعرفة الإنسانية؛ او بوصفها نظرية نقدية للأسس المنطقية والعلموية الضيقة لفلسفة وتاريخ العلوم، فأنها، ستبقى، في نهاية المطاف، هي المشرِّع الرسمي لما يُعرف بـ «السيطرة الاكسيولوجية» المكرسة لأشكال مختلفة من المعرفة الآلية/ الميكانيكية ولمعيار صلاحية هذه المعرفة على حد سواء. وهذا يعني بالضرورة، اننا، في الواقع، لا ننتج معرفة ولا معارف، وانما نحن نبرر وندعم ونتوافق دائماً مع مزاعم وادعاءات هذه المعرفة. وبالتالي، فأن هذه المعرفة تتحول، شيئاً فشيئاً، الى شكل من اشكال الدعاية الأيديولوجية ideological propaganda التي تجعلنا دائما نتمثل الواقع الاجتماعي، وهناك فرق واختلاف بين مفهوم التمثل ومفهوم الوجود، فالتمثل متصل بالأيديولوجيا التي تجعل المفهوم تخيل والتخييل مفهوماً. أي اننا تحت هذه الاشكال من السيطرة لم يعد باستطاعتنا التمييز بين الابستمولوجيا بوصفها مشروع عقلاني؛ والابستمولوجيا بوصفها مشروع يوتوبي، وبين مفهوم الحقيقة ومفهوم القوة/السلطة.
من هنا، تظهر الجوانب النقدية الكامنة في مفهوم الدرس الفلسفي الذي تكلم عنه الراحل مدني صالح، لتجعل من الصعوبة بمكان التعامل معه بحرفية ارثوذكسية مطلقة، لأن المفهوم المدني للدرس الفلسفي هو، في الواقع، يمثل بنية كل من: النظام المعرفي؛ وتشكيل الأفكار؛ والمبادئ؛ والنماذج؛ والاتجاهات؛ والمثل الفلسفية. وبطبيعة الحال، ان الحديث عن تكوين هذه المبادئ/والأفكار والمثل في الدرس الفلسفي، يشكل في مجمله للثقافة السياسية political culture. ووظيفة هذا المفهوم الأخير تتمركز في الحقول البنيوية للمجتمع، أي الثقافة والسياسة وتشكيل المعاني والمفاهيم والقيم.
الحوارية كنقد لتاريخانية النص الفلسفي الأيديولوجي
وبالعودة الى النص المدني أعلاه حول مفهوم النزعة الحوارية Dialogism في بنية الدرس الفلسفي، كان يشير في أحد اهم معانيه الى ضرورة عدم الركون لإستعمالات «اللغة الفلسفية النظرية المسيطرة» التي يستعملها أستاذ الفلسفة بطريقة واعية او غير واعية. لذا، جاء تأكيد مدني على «تاريخية العملية الفلسفية» و «سياقية المفاهيم والمصطلحات» التي تعيد الصلة الحيوية بين المرِسل(الأستاذ)؛ والعلامة(النص)؛ والمتلقي (الطالب). فمن خلال تفعيل هذه الترسيمة في أروقة الدرس الفلسفي، سوف يتم إعادة الصلة بين المفاهيم الفلسفية ومشاكلها السياقية التي هي، في نهاية المطاف، جزء لا يتجزأ عن الثقافة السياسية والبنية السياسية. مما يعني، أن جينالوجيا الدرس الفلسفي هي منذ البواكير الأولى لم تكن سوى «نظرية سياسية» عملت على انتاج/وإعادة انتاج «لغة فلسفية نظرية مسيطرة بالضرورة»، تستأنف دائماً انتاج قيم السياسة ومعاييرها المتعالية؛ ومواضع النخب elite positions الثقافية. وهذه النخب هي التي سوف تقود الفلسفة فيما بعد وتعمل على صياغة برامجها من جهة، وتوزيع العاملين في أجهزة الفلسفة النظرية والأيديولوجية من جهة أخرى.
وعليه، فأن البحث في المسكوت عنه في بنية النص المدني حول الدرس الفلسفي وطرق اشتغاله وتأويل رموزه وانساقه وعلاماته ومواضعه السياقية، هو، في الواقع، إعادة تأويل لتاريخ الانطولوجيا والابستمولوجيا وفلسفات الاخلاق والقيم. فإمكانية ان تعرف؛ وإمكانية ان توجد؛ وإمكانية ان تفعل ما ينبغي عليك فعله، أصبحت جميعها مرتهنة بالأشكال السياسية والأيديولوجية القيادية بالضرورة، ففي قاع بنية هذه الاشكال تترسب انظمة الأفكار؛ القيم Values؛ الاحكام judgments؛ التمثلات Representations؛ الاتجاهات والميول؛ والسلوكيات الاجتماعية، وطرق انجاز الافعال Ways of actions. لذا، فأن بنية الدرس الفلسفي، من الناحية الميتافورية والرمزية، هو مجموعة من التمثيلات لقيم الثقافة المسيطرة، أي، لتمثيلات تراتبية القيمة Value hierarchies ومعاييرها التي لها نظام وظيفي وعملياتي في الثقافة السياسية من جهة، وفي الثقافة التعليمية من جهة اخرى.
ربما يمكننا ايجاز مفهوم مدني صالح للدرس الفلسفي، بما يلي:
أولا: لا يتأسس الدرس الفلسفي المدني على اشكال بيداغوجية / نظرية تقليدية مطلقة، وانما يتأسس على مبدأ الحوارية.
ثانيا: علاقة الحوارية في الدرس الفلسفي لا تقوم على أساس اتصال تقليدي /عادي بين الأستاذ والطالب، وانما على مبدأ الحوارية التي تشكل نظام استطيقي / لساني يعمل على تشخيص بؤر السلطة في النص والمنهج والممارسة.
ثالثا: حوارية الدرس الفلسفي المدني، تسعى الى إعادة تفعيل «المنطق السياقي» للعلاقة بين كل من: منتِج النص الفلسفي؛ والوسيط الثقافي/ التاريخي؛ ومتلقي هذا النص.
رابعا: لا يقوم مبدأ الحوارية على أسس ومعايير منطقية شكلية صارمة وممنهجة، بل، على العكس من ذلك، ان مبدا الحوارية ينشأ ويتشكل بين المناطق المتوترة لكل من: الثقافة السياسية؛ الثقافة المسيطرة؛ القيم الهرمية/ الأيديولوجية.
خامسا: الحوارية في الدرس الفلسفي تتجاوز المنطق الشكلي لتتجه صوب نقد الأيديولوجيا الشكلية وبنية النظام الدعائي الشكلي في اللغة والخطاب والسياق.
سادسا: الحوارية في الدرس الفلسفي هي ما بعد فلسفات اللغة المعيارية/ الوضعية ذات الصلاحية المتجددة بذاتها، لتنعرج نحو تحليل الخطاب النقدي.
سابعا: مبدأ الحوارية لا يشتغل مع نظريات الابستمولوجية الوضعية -غير التاريخية-، وانما مع الابستمولوجية الاجتماعية والسوسيولسانية التي تعيد اكتشاف لغة المتكلم المقموعة.
ثامنا: مبدأ الحوارية يتجاوز أيضا مفاهيم الانطولوجيا المنحدرة من الفلسفات الافلاطو-أرسطية المثالية / الكلية /الشكلية – تاريخ الانطولوجيا التقليدية –، لأنه يتمرحل تاريخياً مع مفهوم النسيان الانطولوجي للوجود.
تاسعا: مبدأ الحوارية في الدرس الفلسفي يقوض معظم الأنماط البيروقراطية المسيطرة في اللغة الفلسفية وأجهزتها النظرية؛ واللغة الثقافية وأجهزتها الأيديولوجية التي تستعملها الانتلجنسيا لإنتاج السيطرة وإعادة انتاج السيطرة.
عاشراً: ان فلسفة الحوارية التي دشنها الراحل مدني صالح، لم تكن مجرد شكل من اشكال التواصل البين-ذاتي التقليدي، أي بين الأستاذ والطالب. وانما هي، وكما سعى مؤسسها باختين، تمثل تفاعلية تاريخية بين مختلف المناهج والعلوم الإنسانية، وربما هذا ما ذهب اليه الراحل مدني صالح، فهو كان يعتقد ان الفلسفة إذا اقتصر أدائها وفاعليتها على مركزيتها باعتبارها «ام العلوم»، فهذا يعني انها سوف تتحول الى «نص بيروقراطي منغلق على ذاته الهووية الضيقة» لا عمل له الا إعادة استئناف الانساق السلطوية الكامنة في تاريخه.
الحادي عشر: ان فلسفة الحوارية تهدف الى «إعادة تركيب» الدرس الفلسفي وتقويض اشكاله المعرفية والدلالية واللغوية، للحيلولة دون تطابقه مع الفكر والواقع والنظام القيمي السائد، وبالطريقة التي يعطي فيها أي فرصة لتوالد نخب وانتلجنسيا بيروقراطية تقوده وتحدد له معايير أيديولوجية معينة لاشتغاله وطرق تكاثره وتشعباته وانبعاثاته الاعتباطية.
الثاني عشر: فلسفة الحوارية التي دشنها الراحل مدني صالح يبقى شعارها: لئلا يتحول الدرس الفلسفي الى افيون للتفلسف والفلسفة.