نقوس المهدي - شهادة حق في حق المبدعة الشريفة مريم بن بخثة

نقف هنا والآن من خلال هذه الشهادة في حضرة مبدعة مغربية استثنائية ، وكما قال الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي "شهود الحق في النساء أعظم الشهود" ، والمبدعة مريم بن بخثة او الشريفة كما يحلو للعديد من الأدباء مناداتها ، أحبت الأدب والفكر حبا جما وأخلصت له ، و أبت إلا أن ينمو مع ذلك العشق شغفها العظيم بالأمكنة، والوفاء للقبيلة ، و الحنين الذي ظل يراود مخيلتها منذ حداثة سنها ، من خلال الاهتمام و النبش في حفريات الزوايا ، خاصة الزاوية البوسونية كمؤسسة دينية اجتماعية وعلمية لعبت دورا كبيرا في تدعيم المذهب السني ، و الزاوية الناصرية التي تتوزع على تراب قبيلة احمر في اكثر من موقع ، والتي لعبت أيضا دورا هاما في استتباب الأمن والسلم والتعايش والتسامح بالمغرب منذ القرن السابع عشر ، و عن شيخها القطب دفين زاوية تمكروت سيدي أحمد بناصر الدرعي .. هذا الحلم الذي رافقها منذ صفاء براءتها الموزعة بين مدنية الدار البيضاء الفارهة ، وبداوة قبيلة احمر البسيطة ، بزاوية النعيمي ودوار خلف الله ، حيث السهوب تينع بسخاء الفصول ، وحواري اليوسفية التي تعرفها حجرا حجرا .. قبل أن يفاجئها عشق الكلمة ويستوطن مخيالها الشاسع ، ويناوشها الحرف الحرون لتخط بداياتها البكر الضاجة بأمشاج الحكايات الرصينة ، حيث يتماهى الشّجنُ في الشّجو ، تذيبه بإكسير المحو الهدهَاد ، و تلحمه بكيمياء الحنين الجارف لسرود شهرزاد التي تأتمر " بأمر مولانا السلطان " ، وهي تطرز وشما على هيولى الذاكرة المعتمرة بالعصيان ، داعمة " سقوط المرايا " كي لا يندلق ماؤها البراق ، مسعفة " روح مرزمة في جلايل الحروف" ، بترياق "حدبث الليل " ، كي تحرر " امرأة على الرف " على ايقاع صياح الديك والإمساك عن الكلام المباح على تباشير الصباح

وحتى لا نضيع بين فجاج المفاهيم الجمالية للكتابة، وكل ما يدخل في اختصاصات أهل النقد الأدبي .. سنكتفي بالحديث عن بعض التيمات الأساسية التي تتمحور حولها إمداداتها الإبداعية، حيث تتركز بالأساس حول واقع الإنسان في أعمق إنسانيته و آدميته و معاناته ، وعلاقته بالآخر وبالعدالة الاجتماعية .. وبقضايا المرأة عموما حيث الزوجة المضطهدة ، والخادم المغلوبة على أمرها ، والفتاة المغرر بها ، والنساء المقهورات ، والطفولة المحرومة الحالمة بمستقبل مشرق .. لا نصير لها سوى قلمها الرصين ، ولغتها الجزلة المتينة ، والخلال الحميدة ، والسجايا الطيبة ، والشمائل الحسنة ، وطلاقة الوجه ، والإحساس الإنساني المرهف ، وحب الوطن ، ونظافة اليد و المعتقد ، و السعي دوما لمساعدة الآخرين

والمبدعة برغم إتقانها للغة الفرنسية بتمام قواعدها ، فإن اللغة الأم ظلت تتقمصها بشكل ساحر ، إذ تعتبر من بين القاصات الفاهِقات في فن الكتابة ، سادنات الحرف الراقي ، الصانعات لمتعة الحكي الماتع ، الصائغات لجوهر الحكاية الآسرة ، و الأكثر حضورا في فضاء الإبداع المغربي، والنسوي على الخصوص ، بتنوع وتعدد اهتماماتها في كل ميادين الإبداع ، و سفيرة للاتحاد العالمي للثقافة و الاداب و مديرة مكتبه بالمغرب ، و رئيسة المركز الوطني للتنمية و التنوع الثقافي

هكذا هي الشريفة كما يحلو للجميع مناداتها ، خليط من أجناس إبداعية متنوعة ، واهتمامات أدبية مختلفة تتوزع بين الرواية والشعر والقص القصير جدا والزجل والكتابة الشذرية .. والكتابة القصصية القصيرة أو (الأقصوصة) كما يحلو للدكتور عبدالله العروي تسميتها اختصارا . والتي تمثل بالنسبة إليها بداية لاهتمامات وامتدادا لهموم أخرى تشكل السعي وراء مطلق الجمال كمحاولة لترجمة ذلك الولع بالحياة .. قلقة على مستقبل الحلم ، عاشقة للعصافير والبيلسان ، ضافرة من ضلع الكلمات قاربا تعبر به إلى أرخبيلات الديستوبيا عبر يم الأليغوريا والسيمولاكر بشكيمة صوفية طاعنة في البهاء

في النهاية ، أهنئ مبدعتنا المتميزة على هذا التكريم المستحق، كما أهنئ من صميم القلب جمعية محترف الإشعاع على روح المبادرة و الإصرار و المثابرة التي تعيدنا كل عام لهذا العيد الجمعوي البهيج ، وهذا صنيع يذكرني ببيت شعري يقول
أحسن من در ومرجان / آثار إنسان بإنسان
والسلام


نقوس المهدي


* شهادة في حق المبدعة الشريفة مريم بن بخثة في حفل تكريمها من طرف جمعية محترف الاشعاع باليوسفية27/03/2017

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى