حوار أجراه – جعفر الديري
في أشد الأوقات تجهما وشدة، تبرز أنامل الفنان لتحاكي شيئا من أوجاع الحياة ومراراتها حينا أو لترسم الزهرة والأمل أحيانا أخرى، وربما يكون في حضور المشهد العراقي على الساحة وأمام نواظر العالمين، استثارة من نوع ما للسؤال عن الفنان العراقي وواقعه في زحمة الحياة ومصاعبها، تساؤل عن موقفه من كل ما يجري وتأثير كل ذلك على فرشاة ألوانه، وهل أن ما حدث ويحدث للعراق كان بمثابة النار التي أشعلت الضوء أم بمثابة الرياح الشديدة التي أخمدت الشموع بما فيها شمعة الابداع!، ولكننا في هذا اللقاء الذي نجريه مع الفنان التشكيلي العراقي علي آل تاجر، على هامش معرضه في صالة الرواق بالعاصمة المنامة، نتيقن أن الفن العراقي كما العراق نفسه في صموده وتحديه وولوجه الى حياة جديدة تنبعث مع كل هجمة شرسة، هنا في هذا اللقاء نحاور الفنان العراقي ونتلمس الجانب التعبيري من تجربته الغنية وشيئا من أوجاع العراق.
مواد وخامات طبيعية
* للمؤثرات الحضارية الأثر الكبير في مفهوم الهوية، ولكن هناك من المبدعين من يقلل من أهميتها بسبب كونية التجربة أو عالمية التفكير، ولكن البيئة وصلة المبدع بها، كلها تمنح الفن طابعه المعرفي وشخصيته، فأين تقف تجربتك عند هذه الفكرة؟
- ان تسألني عن نفسي فاني أحاول ما استطعت التعبير عن الحياة الواقعية باستخدام مواد وخامات طبيعية من أرض العراق كالطين مثلا، ذلك أني أتصور العمل الفني بمثابة التنقيب عن القطع الأثرية النادرة في محاولة لتجميع شظاياها المتناثرة، فالفنان كلما كان محليا كلما كان أقرب الى العالمية. ولا شك فان الحضارة الانسانية تتكامل بتواصل الحضارات فيما بينها، والحضارة العراقية وبامكاناتها الكبيرة قادرة على هذا التواصل وعلى اثراء الحضارة الانسانية.
* نجد في أعمالك توثيقا للمنحى التعبيري، إذ تظهر التعبيرية كأسلوب في الرؤية الى جانب أساليب أخرى تغذيها وتتداخل معها، هلا أضأت لنا هذا الجانب؟
- استطيع القول اننا جميعا أبناء هذا الجيل، تأثرنا كثيرا بالمدرسة التعبيرية وبفنانيها، فأولائك الفنانون عاشوا تحت تأثير الحرب العالمية بينما نحن عشنا ولا نزال في أجواء الحياة الصعبة بالعراق الحبيب، واتجاهنا ناحية الفن التعبيري جاء اقتناعا منا بأنه يمكن ومن خلال هذا الفن فتح نافذة نطل منها على الحياة العراقية محاولين التعبير عنها، فالأسلوب التعبيري لم يكن وليد اليوم فهو ليس حكرا على المدارس الحديثة بل انه كان موجودا في الفن العراقي القديم.
فكر فني واجتماعي متكامل
* فكيف تقرأ إذا الاسهامات الحضارية الكبيرة التي أثرتها الحضارة العراقية القديمة؟
- أتصور أن هذه الحضارة العريقة قدمت فكرا فنيا واجتماعيا متكاملا، فحتى فيما يخص المقاييس الفنية فأرى أنها لم تأت عن عبث أو صدفة، فمن المؤكد أن الآشوريين لهم مقاييسهم المختلفة عن السومريين، وهذا ما سندركه أكثر بمرور الأيام، ولاعطاء دليل على ذلك أقول ان بردية «حرائق نينوى» والتي فكّت شفرتها على أيدي المستشرقين الألمان، اكتشفت معها النوتة الموسيقية الخاصة بها، فهذه حضارة عريقة لا تنتج الا أشياء مدروسة ومقصودة حتى في نسبها، فالعصر البابلي الحديث غير العصر القديم وكذلك الأمر مع الآشوريين والأكديين، إذا هناك توجه مقصود أملته أسباب فنية وأسباب دينية وهذه الأسباب الدينية أيضا لم تأت من فراغ فكلنا يعرف مدى العلاقة بين الفن والدين وقتها، فالتاريخ العراقي الذي يكتب اليوم مرتبط بالتاريخ العراقي القديم، هذا التاريخ الذي ترويه روايات آشورية وأكدية وسومرية تاريخ قريب من الروايات المعتمدة في الكتب المقدسة، وان كانت تختلف عنها في المسميات، فقصة آدم في الكتب المقدسة شبيهة بالروايات الآشورية، وكذلك ملحمة الخلق البابلية. ولكن هذه الروايات تتميز بحسها الانساني، فحتى آلهتها آلهة قريبة من الناس على عكس ما نراه في الحضارة الاغريقية والرومانية التي تصور لنا الآلهة في بروجها.
* وما يحدث اليوم على أرض الرافدين، هل شكل إعاقة أم إضافة للفنان العراقي؟
- الظروف الصعبة التي مر بها الشعب العراقي أضافت الكثير حتى بالنسبة إلى الانسان العراقي العادي الذي استطاع ولا يزال العيش غير مكترث بالمصائب، فنحن نرى الأعراس والزيجات والرقصات الشعبية تقام على دوي المدافع، وهذا أمر يدفعني للقول ان الحياة العراقية اليوم تنهض من جديد، فكأنما تعاود وثبتها في كل مرة يراد اخمادها، فهي استمرار إذا إلى تاريخها وإلى تجاربها السابقة. فلو رجعنا الى التاريخ العراقي لوجدنا الكلدانيين والسومريين وعلى رغم الهجمات الشرسة التي حاولت اجتثاثهم فإنهم كانوا يعاودون الظهور كدليل على كل ما مر بهم لم يأخذ بعزائمهم، فهم ينبعثون من جديد ويخلقون حضارة أخرى متجددة.
العراقي فنَّان حر
* وهل أظهر الفنان العراقي مرونة في التحوير والتماثل والتحرك لاغناء التيار التجريبي في التشكيل العراقي؟
- أرى أن الفنان العراقي فنان حر يتحرك بحرية في رحاب الفن، وتلك ميزة جعلته قادرا على التوصل الى نتائج واسهامات بديعة، فالمتابعون ينظرون الى تجربة الفنان العراقي نظرة محترمة ناضجة جديرة بالتوقف عندها، اذ هناك من الفنانين الغربيين من ينظر الى اسهامات الفن العراقي ويشهدون بأن المدارس الحديثة تأثرت كثيرا بالتجربة العربية والعراقية، وليس أدل من «ديلاكرو» الفنان الغربي الذي قضى جزءا كبير ا من وقته مهتما بالفن العربي.
في أشد الأوقات تجهما وشدة، تبرز أنامل الفنان لتحاكي شيئا من أوجاع الحياة ومراراتها حينا أو لترسم الزهرة والأمل أحيانا أخرى، وربما يكون في حضور المشهد العراقي على الساحة وأمام نواظر العالمين، استثارة من نوع ما للسؤال عن الفنان العراقي وواقعه في زحمة الحياة ومصاعبها، تساؤل عن موقفه من كل ما يجري وتأثير كل ذلك على فرشاة ألوانه، وهل أن ما حدث ويحدث للعراق كان بمثابة النار التي أشعلت الضوء أم بمثابة الرياح الشديدة التي أخمدت الشموع بما فيها شمعة الابداع!، ولكننا في هذا اللقاء الذي نجريه مع الفنان التشكيلي العراقي علي آل تاجر، على هامش معرضه في صالة الرواق بالعاصمة المنامة، نتيقن أن الفن العراقي كما العراق نفسه في صموده وتحديه وولوجه الى حياة جديدة تنبعث مع كل هجمة شرسة، هنا في هذا اللقاء نحاور الفنان العراقي ونتلمس الجانب التعبيري من تجربته الغنية وشيئا من أوجاع العراق.
مواد وخامات طبيعية
* للمؤثرات الحضارية الأثر الكبير في مفهوم الهوية، ولكن هناك من المبدعين من يقلل من أهميتها بسبب كونية التجربة أو عالمية التفكير، ولكن البيئة وصلة المبدع بها، كلها تمنح الفن طابعه المعرفي وشخصيته، فأين تقف تجربتك عند هذه الفكرة؟
- ان تسألني عن نفسي فاني أحاول ما استطعت التعبير عن الحياة الواقعية باستخدام مواد وخامات طبيعية من أرض العراق كالطين مثلا، ذلك أني أتصور العمل الفني بمثابة التنقيب عن القطع الأثرية النادرة في محاولة لتجميع شظاياها المتناثرة، فالفنان كلما كان محليا كلما كان أقرب الى العالمية. ولا شك فان الحضارة الانسانية تتكامل بتواصل الحضارات فيما بينها، والحضارة العراقية وبامكاناتها الكبيرة قادرة على هذا التواصل وعلى اثراء الحضارة الانسانية.
* نجد في أعمالك توثيقا للمنحى التعبيري، إذ تظهر التعبيرية كأسلوب في الرؤية الى جانب أساليب أخرى تغذيها وتتداخل معها، هلا أضأت لنا هذا الجانب؟
- استطيع القول اننا جميعا أبناء هذا الجيل، تأثرنا كثيرا بالمدرسة التعبيرية وبفنانيها، فأولائك الفنانون عاشوا تحت تأثير الحرب العالمية بينما نحن عشنا ولا نزال في أجواء الحياة الصعبة بالعراق الحبيب، واتجاهنا ناحية الفن التعبيري جاء اقتناعا منا بأنه يمكن ومن خلال هذا الفن فتح نافذة نطل منها على الحياة العراقية محاولين التعبير عنها، فالأسلوب التعبيري لم يكن وليد اليوم فهو ليس حكرا على المدارس الحديثة بل انه كان موجودا في الفن العراقي القديم.
فكر فني واجتماعي متكامل
* فكيف تقرأ إذا الاسهامات الحضارية الكبيرة التي أثرتها الحضارة العراقية القديمة؟
- أتصور أن هذه الحضارة العريقة قدمت فكرا فنيا واجتماعيا متكاملا، فحتى فيما يخص المقاييس الفنية فأرى أنها لم تأت عن عبث أو صدفة، فمن المؤكد أن الآشوريين لهم مقاييسهم المختلفة عن السومريين، وهذا ما سندركه أكثر بمرور الأيام، ولاعطاء دليل على ذلك أقول ان بردية «حرائق نينوى» والتي فكّت شفرتها على أيدي المستشرقين الألمان، اكتشفت معها النوتة الموسيقية الخاصة بها، فهذه حضارة عريقة لا تنتج الا أشياء مدروسة ومقصودة حتى في نسبها، فالعصر البابلي الحديث غير العصر القديم وكذلك الأمر مع الآشوريين والأكديين، إذا هناك توجه مقصود أملته أسباب فنية وأسباب دينية وهذه الأسباب الدينية أيضا لم تأت من فراغ فكلنا يعرف مدى العلاقة بين الفن والدين وقتها، فالتاريخ العراقي الذي يكتب اليوم مرتبط بالتاريخ العراقي القديم، هذا التاريخ الذي ترويه روايات آشورية وأكدية وسومرية تاريخ قريب من الروايات المعتمدة في الكتب المقدسة، وان كانت تختلف عنها في المسميات، فقصة آدم في الكتب المقدسة شبيهة بالروايات الآشورية، وكذلك ملحمة الخلق البابلية. ولكن هذه الروايات تتميز بحسها الانساني، فحتى آلهتها آلهة قريبة من الناس على عكس ما نراه في الحضارة الاغريقية والرومانية التي تصور لنا الآلهة في بروجها.
* وما يحدث اليوم على أرض الرافدين، هل شكل إعاقة أم إضافة للفنان العراقي؟
- الظروف الصعبة التي مر بها الشعب العراقي أضافت الكثير حتى بالنسبة إلى الانسان العراقي العادي الذي استطاع ولا يزال العيش غير مكترث بالمصائب، فنحن نرى الأعراس والزيجات والرقصات الشعبية تقام على دوي المدافع، وهذا أمر يدفعني للقول ان الحياة العراقية اليوم تنهض من جديد، فكأنما تعاود وثبتها في كل مرة يراد اخمادها، فهي استمرار إذا إلى تاريخها وإلى تجاربها السابقة. فلو رجعنا الى التاريخ العراقي لوجدنا الكلدانيين والسومريين وعلى رغم الهجمات الشرسة التي حاولت اجتثاثهم فإنهم كانوا يعاودون الظهور كدليل على كل ما مر بهم لم يأخذ بعزائمهم، فهم ينبعثون من جديد ويخلقون حضارة أخرى متجددة.
العراقي فنَّان حر
* وهل أظهر الفنان العراقي مرونة في التحوير والتماثل والتحرك لاغناء التيار التجريبي في التشكيل العراقي؟
- أرى أن الفنان العراقي فنان حر يتحرك بحرية في رحاب الفن، وتلك ميزة جعلته قادرا على التوصل الى نتائج واسهامات بديعة، فالمتابعون ينظرون الى تجربة الفنان العراقي نظرة محترمة ناضجة جديرة بالتوقف عندها، اذ هناك من الفنانين الغربيين من ينظر الى اسهامات الفن العراقي ويشهدون بأن المدارس الحديثة تأثرت كثيرا بالتجربة العربية والعراقية، وليس أدل من «ديلاكرو» الفنان الغربي الذي قضى جزءا كبير ا من وقته مهتما بالفن العربي.