سامية ساسي - بين غرفة العمليات والمشرحة..

المُمرّضةُ التي تُصرُّ على تغييرِ ملاءاتِ سريري البيضاء بنفسها، وفي نفس التوقيتِ تمامًا،
تمَّ طردها هذا الصباح من المشفى بتهمة سرقة أزهارٍ من غرف المرضى وازعاج الأموات.
البارحة، حدّثتها عن الرائحة الضيّقة للشعر في جسدي المفتوح.
حدّثتني عن بكاء أطفال في راحتيها.
عن مضاجعةِ الأموات، التي لا تؤذي الأموات.
عن الركض حافية بين المشرحة وغرفةِ العمليّات.
عن فخذ الغانية المجهولة، دماغ الشاب الملفوف بالشال، ثدي الحامل، صدر الشقراء المثقوب،
ضرس الزنجي، مؤخرة الكسيح..وأشعار الملعون " غوتفريد بن" ومشرطه.
فجرًا، سمعتُها تُصلّي،
من أجل أجنّةٍ ينامون في المزابل وبين المراحيض.
رضّع يفقدون ألسنتهم في الملاجئ.
عجّزٌ يزحفون على مؤخّراتهم إلى بيوت لم تعد بيوتهم.
أرامل، أمهات، عاشقات يطُفنَ بالمشفى ويرجُمنَ شيطان الموت.
صباحًا، تُصرّ على تغيير ملاءات سريري البيضاء بنفسها.
تحصي الكدمات على جسدي.
تلعنُ المسكّنات اللعينة وطيبةَ أمراضي الخبيثة.
توشوشني: لا توقظي الأموات!
وتختفي.
يقول شاهدُ عيانٍ لم يفقد ثقته بالأحياء، إنه يراها، في نفس التوقيت يوميًّا، تضعُ أزهارا على قبر رَجُلٍ،
وتعتذر لأنها لم تُغيِّر ملاءتهُ البيضاء هذه منذ سنتين.
وتحدّثهُ عن امرأة تركضُ ليلاً ، بين غرفة العمليات والمشرحة و تكتبُ شعرًا مفتوحًا كجسدها تمامًا
ولا توقظ الأموات

____________
لا تلتفت لنراها 2019، ص 34
أعلى