يعتبر الشاعر المغربي الراحل محمد الميموني أحد مؤسسي القصيدة المعاصرة في المغرب التي أخذت تشق طريقها نحو التبلور بناءً ودلالةً ابتداء من سنوات الستين. وللشاعر تجربة طويلة في مجال الكتابة شعراً ونثراً. ومن دواوينه الشعرية: «آخر أعوام العقم»، و»الحلم في زمن الوهم» و»طريق النهر» و»شجر خفي الظل» وغيرها من الأعمال الشعرية التي كانت تستشرف دوماً آفاق التطور والتجدد، إلى آخر كتاباته الشعرية التي كان ينشرها قبل وفاته على صفحته في الفايسبوك.
أما أعماله النثرية، فقد اتخذت مسارين هما: البحث الأدبي والسرد، فمن الأول كتابه «في الشعر المغربي المعاصر/ سبع خطوات رائدة»، ومن الثاني كتابان: الأول «كأنها مصادفات/ تداعيات سيرذاتية»، وهي سيرة تميزت بالصدق والصراحة، سواء على المستوى السياسي والحزبي، أو على مستوى الحياة الخاصة والعائلية، تجاوزت العديد من السير الذاتية العربية؛ الثاني هو درة أعماله ـ حسب تعبير شقيقه الشاعر أحمد بنميمون ـ روايته «عودة المعلم الزَّيْن». وأول ما يلمسه القارئ لدى تصفحه الرواية هو المجهود الضخم الذي بذله صاحبها في كتابتها.
تقع الرواية في جزءين من الحجم الكبير. الجزء الأول من 278 صفحة، والثاني من 339 صفحة، وقد صدرت عن مطبعة سليكي أخوين، طنجة، فبراير/شباط 2015. وفي ما يلي قراءة أولية للرواية:
الجزء الأول: بعنوان «بين الكنز والضريح»
تدور أحداث «عودة المعلم الزين» في فضاءات تنتمي إلى منطقة الشمال المغربي، خاصة مدينة شفشاون وبعض مدن جبال الريف في عهد الاستعمار الإسباني، كما تدور بعض أحداثها الأخرى في بعض مدن إسبانيا أثناء الحرب الأهلية الإسبانية. ومن الملاحظ استخدام المؤلف عنصر التشويق في الفصول الأولى من الرواية، فالعديد من الأحداث تبقى طي الكتمان، وسراً من الأسرار لا يتعرف عليها القارئ، إلا بعد قراءة عدة فقرات أو فصول من الرواية مثل، حدث استدراج الحاج المختار القيم على ضريح مولاي علي بن راشد الصبي «سعيد» للدخول معه إلى خلوة داخل الضريح، فلا نعرف ما حدث بالداخل إلا بعد قراءة صفحات عديدة. تتميز الرواية برصد مرحلة تاريخية مهمة من تاريخ المنطقة الشمالية، منها مقاومة أحمد الريسوني للاستعمار الإسباني، وحرب الريف بقيادة عبدالكريم الخطابي، والقصف الذي تعرضت له مدينة شفشاون بواسطة الطائرات جراء المقاومة العنيدة التي أبداها المجاهدون.
وتركز الرواية على مسألة التغرير بالمغاربة للمشاركة في الحرب الأهلية الإسبانية إلى جانب فرانكو، واستقطاب الشباب لخوض حرب مجانية، كان من آثارها موت الآلاف من المغاربة في ساحة القتال في إسبانيا، وعودة أغلب من عادوا منها أحياء، معطوبين مشوهين جسدياً ونفسياً، ويمثلهم في الرواية «المعلم الزَّيْن».
الرواية مليئة بالأحداث وتتخللها قصة حب خجولة
بين «الهاشمي» و»حدة» ابنة القائد موسى المصوري، أحد أهم شخصيات الرواية. يمثل الإنسان المغربي الشهم المتشبث بالقيم النبيلة. ولا بد من الإشارة إلى الوجه المشرق للإنسان الإسباني الذي كان ضد الفاشية الفرانكفوية والسياسة الاستعمارية لبلده، وتمثله الجالية الإسبانية التي كانت تعيش بين ظهراني المغاربة، ومن بينها أساتذة مستنيرون، قدّم لنا المؤلف نماذج منهم. ولا تخلو الرواية من نقد لاذع للتقاليد السلبية والفكر الخرافي واستغلال الدين كقناع يخفي الناس خلفه رذائلهم وموبقاتهم .
الجزء الثاني: وهو بعنوان «حقل الألغام»، وسوف لا يكتشف القارئ دلالة العنوان إلا في الفصل الأخير من الرواية الذي يحمل رقم 63، حيث يتحدث عن مرحلة حرجة من تاريخ المغرب بُعَيْد الاستقلال، باعتبارها مرحلة انتقالية تشكل مخاضاً عسيراً، يكتنفها الغموض والتوجس والخوف من المجهول الآتي، ولا يعرف المرء فيها أين يضع قدمه. يقول القائد موسى المجاهد المشارك في عدة حروب لصديقه المعلم الزين: «أتذكر حين كنا نتوقع انفجار لغم تحت قدمي أحدنا في أي لحظة، ونحن نجتاز ما يحتمل أن يكون حقل ألغام أثناء الحرب؟ يجيبه المعلم الزين بقوله «نعم أذكر، إنها لحظات من أشد زمن الحرب وحشية، لأنها تتحدى كل شجاعة أو احتياط».
يرصد المؤلف في هذا الجزء مرحلة مهمة من تاريخ المغرب في شماله وجنوبه الواقعين تحت الحماية الإسبانية والفرنسية، عرفت كثيراً من المتغيرات، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الفكري. ومن أهم ما يميز هذه المرحلة: بروز الإرهاصات الأولى للحركة الوطنية والعمل السياسي المدني والوعي بالانتماء الوطني لدى الشباب المغربي في الشمال، والدعوة إلى الوحدة بين الشمال والجنوب المغربيين، ونبذ النعرات القبلية والعرقية التي كان الاستعمار يسعى إلى ترسيخها وتكريسها لاستمرار هيمنته وإيلاء الأهمية لمحاربة الجهل والخرافة، والدعوة إلى الإسلام الصحيح القائم على التسامح والتعايش والدعوة إلى تعليم المرأة وتغيير النظرة الدونية إليها التي سادت طويلاً في ظل المجتمع الذكوري، خاصة في مدينة صغيرة منغلقة آنذاك هي مدينة شفشاون (الفضاء الأساسي في الرواية).
ومن أهم الأحداث التاريخية التي سجلها الكاتب في هذا الجزء: زيارة محمد الخامس مدينة طنجة الدولية سنة 1947، والخطاب التاريخي الذي أعلن فيه انتهاء عهد الحماية، وما صاحب ذلك من أحداث دامية إثر خروج الشعب المغربي مطالباً بحقه في الحرية والاستقلال، ونقل محمد الخامس إلى فرنسا للتفاوض معه، فنفيه سنة 1953 ثم عودته من المنفى بعد اشتداد المقاومة، ثم إعلان استقلال المغرب سنة 1956 وبداية مرحلة انتقالية عصيبة عرفت الكثير من الصراعات بين الحزبين الوطنيين الأساسين في المغرب، بلغت درجة قصوى من العنف. ولم يكن أبطال الرواية بمنأى عن هذه المتغيرات والتحولات والأحداث، فقــــد شارك «سعيد» وصديقه «الهاشمي» في نشر الوعي الوطني والفكر التنويري في مدينتهما شفشاون، وأنشأ القائد موسى نواة مدرسة لتعليم بنات المدينة في بيته. أما المعلم الزَّيْن، فقد تبرع بقطعة الأرض التي ورثها عن عمه لبناء مدرسة سميت بمدرسة «باب الريف».
وقد خصص المؤلف عدة فصول رصدها للعلاقة المثمرة في الغرب الحضاري، من خلال لقاء «سعيد» بالفتاة «سيلبا» الإنكليزية ابنة القنصل البريطاني أثناء دراسته في تطوان في طنجة الدولية. وكان ثمرة هذه العلاقة مساعدته للسفر إلى إنكلترا لمتابعة دراسته في تخصص الأنثروبولوجيا في إحدى جامعاتها.
تمتلئ الرواية بالأحداث، وتعج بالشخصيات التي رسم المؤلف ملامحها الخارجية والنفسية والإنسانية بدقة وتفصيل. تواكب أحداثاً تاريخية حاسمة عرفها الشمال المغربي في عهد الحماية، خاصة مدينة عريقة مناضلة هي شفشاون. وهي بذلك إضافة متميزة إلى متن الرواية المغربية.
Oct 26, 2017
الدكتور عبدالجبار العلمي
٭ كاتب من المغرب
أما أعماله النثرية، فقد اتخذت مسارين هما: البحث الأدبي والسرد، فمن الأول كتابه «في الشعر المغربي المعاصر/ سبع خطوات رائدة»، ومن الثاني كتابان: الأول «كأنها مصادفات/ تداعيات سيرذاتية»، وهي سيرة تميزت بالصدق والصراحة، سواء على المستوى السياسي والحزبي، أو على مستوى الحياة الخاصة والعائلية، تجاوزت العديد من السير الذاتية العربية؛ الثاني هو درة أعماله ـ حسب تعبير شقيقه الشاعر أحمد بنميمون ـ روايته «عودة المعلم الزَّيْن». وأول ما يلمسه القارئ لدى تصفحه الرواية هو المجهود الضخم الذي بذله صاحبها في كتابتها.
تقع الرواية في جزءين من الحجم الكبير. الجزء الأول من 278 صفحة، والثاني من 339 صفحة، وقد صدرت عن مطبعة سليكي أخوين، طنجة، فبراير/شباط 2015. وفي ما يلي قراءة أولية للرواية:
الجزء الأول: بعنوان «بين الكنز والضريح»
تدور أحداث «عودة المعلم الزين» في فضاءات تنتمي إلى منطقة الشمال المغربي، خاصة مدينة شفشاون وبعض مدن جبال الريف في عهد الاستعمار الإسباني، كما تدور بعض أحداثها الأخرى في بعض مدن إسبانيا أثناء الحرب الأهلية الإسبانية. ومن الملاحظ استخدام المؤلف عنصر التشويق في الفصول الأولى من الرواية، فالعديد من الأحداث تبقى طي الكتمان، وسراً من الأسرار لا يتعرف عليها القارئ، إلا بعد قراءة عدة فقرات أو فصول من الرواية مثل، حدث استدراج الحاج المختار القيم على ضريح مولاي علي بن راشد الصبي «سعيد» للدخول معه إلى خلوة داخل الضريح، فلا نعرف ما حدث بالداخل إلا بعد قراءة صفحات عديدة. تتميز الرواية برصد مرحلة تاريخية مهمة من تاريخ المنطقة الشمالية، منها مقاومة أحمد الريسوني للاستعمار الإسباني، وحرب الريف بقيادة عبدالكريم الخطابي، والقصف الذي تعرضت له مدينة شفشاون بواسطة الطائرات جراء المقاومة العنيدة التي أبداها المجاهدون.
وتركز الرواية على مسألة التغرير بالمغاربة للمشاركة في الحرب الأهلية الإسبانية إلى جانب فرانكو، واستقطاب الشباب لخوض حرب مجانية، كان من آثارها موت الآلاف من المغاربة في ساحة القتال في إسبانيا، وعودة أغلب من عادوا منها أحياء، معطوبين مشوهين جسدياً ونفسياً، ويمثلهم في الرواية «المعلم الزَّيْن».
الرواية مليئة بالأحداث وتتخللها قصة حب خجولة
بين «الهاشمي» و»حدة» ابنة القائد موسى المصوري، أحد أهم شخصيات الرواية. يمثل الإنسان المغربي الشهم المتشبث بالقيم النبيلة. ولا بد من الإشارة إلى الوجه المشرق للإنسان الإسباني الذي كان ضد الفاشية الفرانكفوية والسياسة الاستعمارية لبلده، وتمثله الجالية الإسبانية التي كانت تعيش بين ظهراني المغاربة، ومن بينها أساتذة مستنيرون، قدّم لنا المؤلف نماذج منهم. ولا تخلو الرواية من نقد لاذع للتقاليد السلبية والفكر الخرافي واستغلال الدين كقناع يخفي الناس خلفه رذائلهم وموبقاتهم .
الجزء الثاني: وهو بعنوان «حقل الألغام»، وسوف لا يكتشف القارئ دلالة العنوان إلا في الفصل الأخير من الرواية الذي يحمل رقم 63، حيث يتحدث عن مرحلة حرجة من تاريخ المغرب بُعَيْد الاستقلال، باعتبارها مرحلة انتقالية تشكل مخاضاً عسيراً، يكتنفها الغموض والتوجس والخوف من المجهول الآتي، ولا يعرف المرء فيها أين يضع قدمه. يقول القائد موسى المجاهد المشارك في عدة حروب لصديقه المعلم الزين: «أتذكر حين كنا نتوقع انفجار لغم تحت قدمي أحدنا في أي لحظة، ونحن نجتاز ما يحتمل أن يكون حقل ألغام أثناء الحرب؟ يجيبه المعلم الزين بقوله «نعم أذكر، إنها لحظات من أشد زمن الحرب وحشية، لأنها تتحدى كل شجاعة أو احتياط».
يرصد المؤلف في هذا الجزء مرحلة مهمة من تاريخ المغرب في شماله وجنوبه الواقعين تحت الحماية الإسبانية والفرنسية، عرفت كثيراً من المتغيرات، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الفكري. ومن أهم ما يميز هذه المرحلة: بروز الإرهاصات الأولى للحركة الوطنية والعمل السياسي المدني والوعي بالانتماء الوطني لدى الشباب المغربي في الشمال، والدعوة إلى الوحدة بين الشمال والجنوب المغربيين، ونبذ النعرات القبلية والعرقية التي كان الاستعمار يسعى إلى ترسيخها وتكريسها لاستمرار هيمنته وإيلاء الأهمية لمحاربة الجهل والخرافة، والدعوة إلى الإسلام الصحيح القائم على التسامح والتعايش والدعوة إلى تعليم المرأة وتغيير النظرة الدونية إليها التي سادت طويلاً في ظل المجتمع الذكوري، خاصة في مدينة صغيرة منغلقة آنذاك هي مدينة شفشاون (الفضاء الأساسي في الرواية).
ومن أهم الأحداث التاريخية التي سجلها الكاتب في هذا الجزء: زيارة محمد الخامس مدينة طنجة الدولية سنة 1947، والخطاب التاريخي الذي أعلن فيه انتهاء عهد الحماية، وما صاحب ذلك من أحداث دامية إثر خروج الشعب المغربي مطالباً بحقه في الحرية والاستقلال، ونقل محمد الخامس إلى فرنسا للتفاوض معه، فنفيه سنة 1953 ثم عودته من المنفى بعد اشتداد المقاومة، ثم إعلان استقلال المغرب سنة 1956 وبداية مرحلة انتقالية عصيبة عرفت الكثير من الصراعات بين الحزبين الوطنيين الأساسين في المغرب، بلغت درجة قصوى من العنف. ولم يكن أبطال الرواية بمنأى عن هذه المتغيرات والتحولات والأحداث، فقــــد شارك «سعيد» وصديقه «الهاشمي» في نشر الوعي الوطني والفكر التنويري في مدينتهما شفشاون، وأنشأ القائد موسى نواة مدرسة لتعليم بنات المدينة في بيته. أما المعلم الزَّيْن، فقد تبرع بقطعة الأرض التي ورثها عن عمه لبناء مدرسة سميت بمدرسة «باب الريف».
وقد خصص المؤلف عدة فصول رصدها للعلاقة المثمرة في الغرب الحضاري، من خلال لقاء «سعيد» بالفتاة «سيلبا» الإنكليزية ابنة القنصل البريطاني أثناء دراسته في تطوان في طنجة الدولية. وكان ثمرة هذه العلاقة مساعدته للسفر إلى إنكلترا لمتابعة دراسته في تخصص الأنثروبولوجيا في إحدى جامعاتها.
تمتلئ الرواية بالأحداث، وتعج بالشخصيات التي رسم المؤلف ملامحها الخارجية والنفسية والإنسانية بدقة وتفصيل. تواكب أحداثاً تاريخية حاسمة عرفها الشمال المغربي في عهد الحماية، خاصة مدينة عريقة مناضلة هي شفشاون. وهي بذلك إضافة متميزة إلى متن الرواية المغربية.
Oct 26, 2017
الدكتور عبدالجبار العلمي
٭ كاتب من المغرب