أدب السجون بولص آدم - صندوق بنيامين.، قصة من أدب السجون العراقي)

مرت سنوات وتغيرت اشياء، اندثر عدد منها واصبح استعادة عدد اخر رغم اهميته بلا طعم، مع انه هو الآخر أُستُهلك ودخل قفص الأبهام، يجد المبهم من تلك الأشياء نفسه مسجونا ليضمحل هناك ويترك مكانه لفراغ يشغله صندوق نخاف فتحه، لكي لانصطدم بحقيقة كونه فارغا وتنتهي حكاية تلك الأشياء التي نعتقد بانها في صناديقنا، لذا نبقي تلك الصناديق بعيدة عن فضولنا لنحيا ابدا على امل غامض في أشياء تتمتع برعاية الذاكرة ..
كان الصندوق المصنوع من ورق المقوى غير قويا بالمرة ولكنه احتوى على صرخة ! اعتقد( بنيامين ) بان الصندوق مهم جدا، ثمة من سلَّمه أياه ورحل..
حذره من اشياء كثيرة عليه تفادي تداولها والا فأنه ومن مكان بعيد، يمكن حشر مفتاح شبحي يطير لمسافة بعيدة ليستقر في ثقب الصندوق ويتحرك المسنن منه مرتين الى جهة اليمين، ويكون الصندوق مهيئا تماما ليفتح نفسه وتخرج صرخة مرعبة على درجة لايمكن تحمل قوتها ! لربما ستكون اقوى من انفجار شحنة ناسفة ادخلت في اذنه سرا، لتعاقبه على تداوله اشياء عليه ان ينسى بانها تدفعه للأهتمام بها ! وهكذا كان هناك رقيب يؤدي وظيفته بشكل كامل دون نقصان، ذلك الملعون رحل والى الأبد، الا ان ماتركه كصرخة في ( باكيت مسحوق الغسيل ) وسلمه لبنيامين قبل ان يغادر، كان كَلُغم تركه امانة و غادر الى مكان مجهول، لااحد يعرف السبب ولأية غاية وذلك لم يكن مهما، فصديقنا السجين بنيامين، كان شغله الشاغل، ان يعتني بذلك الصندوق الذي يحتوي على صرخة، لو خرجت لكانت مؤذية وقاتلة، فعليه الحذر ثم الحذر من كشف سر مهم جدا حول مالم يعد يتذكره!
لم يكن احد ما قادرا على تفسير حكاية مثل هذه، لأن معلومات بنيامين نفسه باتت قليلة فهو بمرور الأعوام فقد ذاكرته هنا في ( ابو غريب ) ، وانا نقلت مثل غيري الى الزنزانة مؤخرا، وهكذا كان هناك من يقول بان بنيامين مجنون ولا احد يهتم بعدد السنوات التي مرت عليه هنا ولماذا هو هنا؟
علمنا في نهاية الشهر بان مامورا حضر لتسليمه نصف راتبه الشهري كنائب ضابط في الجيش، وتصرف بنيامين بالمبلغ بالشكل الذي درج عليه في نهاية كل شهر، يتأبط صندوقه، يتجه نحو حانوت ابوغريب، يسلم نصف راتبه الى ( نداء الأرمني ) من خلال شباك مربع صغير ويسلمه نداء عددا من معلبات اللحم الهولندية ، يعود مسرعا الى الزنزانة ويضع كارتونة مسحوق الغسيل سومر جانبا، ينظر نحونا بريبة وخوف، يُسرع بفتح تلك العلب الواحدة تلو الأخرى ويلتهمها بنهم، بعد ان يستقر اللحم البقري في جوفه، يرسم علامة صليب بحركات كيفما أتفق، يمرر اصابع يديه على العلب المعدنية الفارغة جيئة وذهابا، يرفع صندوقه ويضعه على رأسه، تلك الكارتونة اللغز كانت ما ينبغي أن يحتفظ به وليس اي شئ آخر، فلم يعد ليله ليل ونهاره نهار، يحكي لنفسه بصوت مسموع تفاصيل غير مترابطة في هذيان محموم عن اي شئ يُذكِّره بشخص لم يعد يعلم من هو ..
بعد انتهاء بنيامين من طقوسه مع الأمانة المرعبة وعلب اللحم الفارغة، ينظر الينا نظرة ساخرة ويسأل:
ــ هل سلمكم سيدي صندوقا؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
أدب السجون والمعتقلات
المشاهدات
518
آخر تحديث
أعلى