آصف فيصل - ركِيَّةٌ مُتْرَعةٌ بالحُزْن، مَسْجُورةٌ بالخَوْف

إنّ الحُزْن لا يتَعارَضَ مع تَّعْبِيرات الوَجْه كالتَجَهَّمَ و الإِفْتِرَار عَنِ الأسْنَانِ و ذَرَفَ الدَّمْوع ، لذا يَصعُب التَّمْيِيز بينه و بين الغَضَب الذي عَادَةًُ ما يكون عَابِراً .

جُدّ حُزْنٍ
و بُسْتَان شَجْيٍ
أنا
صِراط شَجَنٍ
و دَرْب جَوًى
يقْتادَني إلى مِشْنَقَتي
كان مَصِيري
..
عَادِيَّاتٌ القَتَلَ
إِعْتِيَاديّة الإِحْتِرَاق
و سُهُولَة التَنْكِيل
غَدت زَّمَاني ..
..
ما بين عُسْرٍ و ضَوْرٍ و جَوْرٍ يَتَرَأَّى
أَضْحَت رِحْلَتي
..

البُؤْس إِسْتِهْلالي و عُقْبَاي
الخَوْف مُسْتَقَرّي و ذَوْدي
كَدْمَاتي أَضْخَمُ مني و حِيْن تَصَغُر لا تَتَأَنِّى
و تحَفِظَ العَهْدَ ذَّاكِرَتي
فتَكَبُرُ تَارَةً أُخْرَى و تَلْتَهِمني
فلا النِّسْيَان يُسْعِفني
و لا لَذَّة الإِدْرَاك الأُوْلَى تشفَّعَ لي

..

دَوْماً ما يُقْولون أنّ الصَبَرَ مِفْتاحُ الحُزْن ، بَيْد أن الصَّدَأ قد مَلأَ مِفْتاحِي لعَدَم الاِسْتِخْدام! البَارِحَة كان التَصَبُّرَ عَوْني ، و الآن جَمِيع الأَحْزَان التي تَصَبّرَتُ فيها و رَوَّضَتُها - هَذَّبتُها - ثَقَّفَتُها - تَهَجَّدَتُ على إِسْتِرْخائها و نَهْلتُ تَوَجُّسها و تَجَرَّعَت بِسِيلَة شُعُوري بالعَجْز ، أَثْمَرَت وَعْياً ليس مَأْلُوفاً .
يُحْتَمَل أن السَعادَة صِفَة المُغَفَّل، بينما النَعْت الأَجْوَد له هي البَلادَة و الحَماقَة . إن القرآن - الكِتاب التّام في إِجْتَبَاءُ المُفْرَدات لوَصَف الحَالَ - لم يَصِف بالسَعادَة إلا الذين أدْرَكوا مُنْتَهاهم ، و ما قبل ذلك اِما هَزْل أو تَسَلّي .
السَعادَة لا تأتِي إلا بعد الإِدْرَاك و الإِدْرَاك دائماً مُلازِم للتَأَلُّم ، و التَأَلُّم على نَظِير الروح، و لا تَلتَقِي السَعادَة بالتَأَلُّم إلا في أَوْنٍ نَادِر ، أنهما لا يَلّتَقِيان إطْلاقاً إلا مع مَعْرِفَة و خِلال لَحْظَة سُمو نَجِد فيها لذَوَاتِنا مَفْهُوما و مَقْصَدا وجودي .
إن المَعْرِفَة شَهيّة جداً للمدًى الذي يجعلك تكَفّ عن الحَيَاة! و لكن الحَيَاة مُسْتَمِرّة ، و في ظِلّ هذه الإِسْتِمْرارِيَّة قد يَتَغَيُّر قُبُولك لها و لرُبَّمَا تَتَغَاضَى عَمَّ عَرَفَته ، هنا سَتُحْرِضُك مُتْعَة المَعْرِفَة للإِسْتَقْصَاء من جَدِيد .

في جَوْف مَغَارَةُ المَنْفِيّين أَوْقَدَتُ نار قَلَقي مُنْزَوياً ، لم اخَشَ أُوَارها بُغْيَة الدفْء ، فإن زَمْهَرِير البَرْد كبَاحُورَاء الحَرّ كِلاهما لا يُطاق!
و في طَوِيَّة قَضَاء ليلتي مُنْعَزِلاً ، آلِفَاً بالسَكِينة و الحُرْقَة ، لم أَحِسّ أنني قد فَغَرتُ ثُلْمَةً لجميع المُرْتَابين و المُضْطَرِبين ، فأَمْضَيتُ أهَوِّن عن كل ذو غُرْبَةٍ حُزْنه ، فالحُزْن مُتْعِب تحَدّيدَاً للذي أُبْتُلَيَ بكل أنَوْاعه.
إن الحُزْن يكفي لإِدْرَاك أننا خُلْقنا لكي نتهَيَّأ فقط للموت ، و نتَمْرّن على مُلاَقَاته بالوضع المَقْبُول رغم إِرْتِيَاعنا الوُجُودي من سِيرته!! — لَم أكن حزيناً بالمعْنَى الضَيْق للْمُفْرَدَة بل كان حُزْناً لا تَفْسِيرياً كما أنني لا أذَكُر حُزْناً بِعَيْنِهِ بل أذَكُرهم جميعاً مَرَّة واحدة! إنني أَرِيب في الحُزْن و بارَع في التَعامُل معه و تَخْبِئَته بالقَدْر الذي يجَعَلني قَادِراً على تَطْوِيقه في إحدى سَرادِب رّوحِي ، على الأَقَلّ أَسْتَطِيعُ تَحجِّيم سَطْوَته .
أقَدِرَ على إِيجَاز القِصّة في عِبَارَةٍ فقط ، كما أقَدِرَ أن أُحَرِّرَ منها رِّوَايَة ، لم يُضْنَني حِيناً الإِسْتَرْسَال ، لكن كان ما يُقْلَقني أن أقَدِرَ على كتابة هذة العِبَارَة بلا تضْييع جُزْء من زُخْرُفها ، و حِين أَدْرَكتُ أنني أقَدِرَ على الكتابة ، أَضْرَمَتُ ناري لكل من إِبْتَغَى المُواساة .

لم آنَسَ مَأْمَناً قط ، أَفْزَع من كل شيء و أَهْنَى في ظِلّ هذا الجَزَع ببَهْجَة عَرَضِيّة عندما لا يَحْدُث ما كُنتَ أخَشّاه ، بينما أسْتَقَي من هذا الذُعْر حَيْطَتي لأكون مُتَأَهِّب لجل إِخْفاقات الحياة المُتَرَقَّبة . إِسْتَعِرت شَطْراً من حياتي الآن لذاتي المُسْتَقْبَلية التي سوف تسُّبني في كل حين تمْهَلَت فيه و أوَهْنني الخوف، خوف الذَنْب، خوف الإِثْم، خوف الغَفْلَة، خوف الحَسْرَة، خوف الإِفصاح عن هذا الخوف و خوف ترَوْيع الآخرين . إن الجَمِيع سلفاً في حالة تَوَجُّس! و الحياة كَفِيلة بأن ترُعْب كل من داست قدماه فيها .

قد تَعَادَل كَافَّتَنا في التَقَهْقُرٌ شيئاً فشيئاً نَاحِية الهَاوِيَة كثَمَرَة نيوتن ، كانت تَحضْن السّماء و ما إِنْزَلَقَت عن مَوْضِعها إلا إِلْهَاماً لفِكْرَة .
إنني مَحْبُور للغَايَة من قَسْوَة الحُزْن ، لِذَا فَالنَسّعد بأَشْجَانِنا في هذة الأُمْسِية ، فسوف تَمُوت بِأَيَّةِ حَالٍ عِنْدَما نَنَام ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى