قدمت ميسلون نصار حلقة بعنوان (اطلبوا العلم ولو في الجنس) بقناة فرنسا مع ثلاثة ضيوف.
الواقع الحلقة كانت ضعيفة كل الضعف. والسبب على ما اعتقد أن مقدمة البرنامج نحت اتجاهاً واحداً ، حاولت تأكيده وهو تثبيت ضرورة تعليم الجنس للأطفال في المدارس كما يحدث في فرنسا..
فالحلقة لم تحدد المقصود بالطفل. وفوق هذا خلطت بين الثقافة الجنسية والجرائم الجنسية. ولم تعرف ما المقصود بالثقافة الجنسية...الخ.
كان تحديد سن الطفولة ضرورياً جداً ، لأن كلمة طفل أصبحت تستخدم لأغراض سياسية ، او فلنكن اكثر صراحة لأغراض كولونيالية. ففي فرنسا مثلاً لم يكن هناك سن معين يجوز للفتاة إذا بلغته ممارسة الجنس. وقد صدر قبل سنتين قانون اجاز للفتاة ممارسة الجنس إذا بلغت الخامسة عشر...في الدول العربية تجاهل الناشطون الحقوقيون هذا القانون الفرنسي ، رغم انهم هم أنفسهم من كانوا يعتبرون ان الفتاة التي تبلغ السابعة عشر مجرد طفلة لا يجوز تزويجها في المجتمعات العربية. في قضية نورا التي قتلت زوجها ثار هؤلاء الناشطون وهم يعتبرون أن نورا التي تزوجت في السابعة عشر من عمرها طفلة. لم يخلو عنوان إلا وهم يتحدثون عن الطفلة نورا..والقضاء اضطر بعد هذه الحملة الإعلامية إلى مجاراتهم بشكل مخالف للقانون مخالفة صارخة بل تنتهك المساواة أمام القانون وهو مبدأ دستوري.
مع ذلك فلا يوجد ناشط عربي استطاع أن ينتقد القانون الفرنسي الذي لم بعتبر من بلغت الحامسة عشر من عمرها طفلة.
فما هو معيار الطفولة.
هناك معياران للطفولة:
أولاً: المعيار الطبيعي ، أي ان طفولة الفرد تنتهي بالبلوغ، فبمجرد الإحتلام او الحيض يصبح الفرد بالغاً. بغض النظر عن اكتماله المفاهيمي (ولا أقول العقلي لأن الاختلالات العقلية مسألة مختلفة). وذلك لسبب بسيط وهو أن الاكتمال المفاهيمي معيار غير منضبط. فقد تجد شخصاً في الثلاثين ولكنه ساذج. وشخص في الخامسة عشر ولكنه مُحتال. وبالتالي لا يمكن أن يكون الفهم أو الذكاء وقلته معياراً.
المعيار القانوني: المعيار الثاني هو المعيار القانوني. والمعيار القانوني يسمى بال(القاعدة التحكمية) أي القاعدة التي يفرضها القانون بدون حاجة لتبرير.. فالقانون إذا قال أن سن الرشد ثمانية عشر عاماً ، فأنت ستظل غير راشد حتى لو كنت أكثر رشداً من انشتاين. وبالتالي تخضع معاملاتك كلها لقيود القانون. ولذلك فالقاعدة هنا تحكم وتتحكم...ومن شَبَهِ القواعد التحكمية مثلاً أن ينص القانون على أنه لا يجوز تأسيس حزب سياسي إلا إذا بلغ عدد أعضائه خمسمائة عضو ، فهنا لا تستطيع أن تسأل لماذا ليس اربعمائة وتسعة وتسعين أو لماذا ليس خمسمائة وواحد.
لذلك فلو كنا منصفين في مسألة تحديد الطفولة لأخذنا بالمعيار الطبيعي الأكثر انضباطاً وهو البلوغ. فلا تحدثني عن الطفلة نورا التي بلغت قبل اربع سنوات وهي في عمر السابعة عشر الآن. إلا إن كان لديك أغراض أخرى الله أعلم بها.
ولذلك كان على مقدمة البرنامج أن تحدد أولاً ماذا تقصد بالطفل الذي تريد تعليمه الثقافة الجنسية.
مقدمة البرنامج استمرت في ضوضائها وخلطها فلم تحدد ماذا تقصد بالثقافة الجنسية. أحد ضيوفها قال بأن المسائل الأخلاقية لا أهمية لها من الناحية العلمية..وقد أمنت على ذلك مقدمة البرنامج.
وكان بالإمكان طرح سؤال بسيط: هل يمكننا أن نعرض أفلاماً إباحية على الأطفال ليشاهدوا العملية الجنسية مباشرة؟
لن تستطيع مقدمة البرنامج ولا حتى ضيوفها القبول بذلك، لأنهم سيواجهون بقوانين فرنسا نفسها التي تمنع عرض الأفلام الإباحية على الأطفال. ولكن على أي شيء يمكنهم الاستناد عندما يرفضوا ذلك؟ لن يستطيعوا الاستناد على أي مبدأ أخلاقي وإلا نسفوا ما قالوه بألسنتهم...إذا كنا نريد تعليم الأطفال الثقافة الجنسية فلنجعلهم يشاهدوا أفلام فيها ممارسة واضحة ومباشرة للجنس..ما المانع؟إذا لم يكن يوجد مانع أخلاقي ، فلا يوجد مانع آخر على ما أعتقد.
الخلط بين الجرائم الجنسية والثقافة الجنسية..
تحدثت إحدى الضيفات عن أن الثقافة الجنسية تحقق للطفل الأمان حينما تتم محاولة التحرش به. وهذا غير صحيح ، فجرائم الاغتصاب تقع في غالبها على البالغات وليس الأطفال. وحتى البالغات لا يمكن لهن حماية انفسهن عبر الثقافة الجنسية من الجريمة. فالجريمة أمر خارجي له ظروفه المختلفة. فهل المرأة المتزوجة ستحميها خبرتها الجنسية الطويلة من الجريمة؟
لم يتم تحديد ما المقصود بالثقافة الجنسية على نحو واضح.
فمثلاً غالبية البشر لم يتعلموا الجنس في المدارس بل أن غالبية الحيوانات لم تتعلم الجنس حتى من المشاهدة ، فالغريزة لا تحتاج لتعليم. لكن إذا كنا نريد أن نؤنسن الغريزة الجنسية بحيث تتمتع بمظهر رومانتيكي فهذا شيء لا نحتاج لتعليمه للأطفال بل للبالغين. كما أن هذا سيوقعنا في نسبية القيم الإنسانية. فمثلا هناك مجتمعات تحبذ الجنس الخشن ، وهناك مجتمعات تحبذ الجنس الرومانتيكي. وهذا معروف بين الطبقات الاقتصادية المختلفة. ففي ثقافة الفقر تقل الرومانتيكيات الجنسية في حين تزيد عند الطبقة البرجوازية. هناك مجتمعات قبلية لديها ثقافاتها وهناك مجتمعات مدنية لديها ثقافتها الجنسية. فما الذي يعطي لثقافة ما حق الوصاية على الباقيات؟
لم تناقش الحلقة في قناة فرنسا الأمر بعمق لأن المذيعة كان لها دوافع مسبقة. أولها هو وضع المحافظة الدينية في مقابل الانفتاح الجنسي. وثانيها التأكيد على تخلف المجتمعات المحافظة وثالثها ضرورة تعليم الثقافة الجنسية بغض النظر عن مضمون هذا التعليم. وما هي درجاته ومحاوره وتواؤمه مع المراحل السنية المختلفة....الخ...وهذا طبعاً مشكلة تحول أي موضوعة إلى هوس ودوغما..كما نراه عند الشيوعيين والإسلامويين في السودان. فهم يريدون تطبيق الاشتراكية أو الإسلام..لكن....أي نوع من الاشتراكية و أي نوع من الإسلام؟.. هذا غير مهم عندهم ولا يحاولوا حتى مجرد الاجتهاد لفهم ما ينادون به بشكل يتجاوز سطح مفاهيمهم....
الواقع الحلقة كانت ضعيفة كل الضعف. والسبب على ما اعتقد أن مقدمة البرنامج نحت اتجاهاً واحداً ، حاولت تأكيده وهو تثبيت ضرورة تعليم الجنس للأطفال في المدارس كما يحدث في فرنسا..
فالحلقة لم تحدد المقصود بالطفل. وفوق هذا خلطت بين الثقافة الجنسية والجرائم الجنسية. ولم تعرف ما المقصود بالثقافة الجنسية...الخ.
كان تحديد سن الطفولة ضرورياً جداً ، لأن كلمة طفل أصبحت تستخدم لأغراض سياسية ، او فلنكن اكثر صراحة لأغراض كولونيالية. ففي فرنسا مثلاً لم يكن هناك سن معين يجوز للفتاة إذا بلغته ممارسة الجنس. وقد صدر قبل سنتين قانون اجاز للفتاة ممارسة الجنس إذا بلغت الخامسة عشر...في الدول العربية تجاهل الناشطون الحقوقيون هذا القانون الفرنسي ، رغم انهم هم أنفسهم من كانوا يعتبرون ان الفتاة التي تبلغ السابعة عشر مجرد طفلة لا يجوز تزويجها في المجتمعات العربية. في قضية نورا التي قتلت زوجها ثار هؤلاء الناشطون وهم يعتبرون أن نورا التي تزوجت في السابعة عشر من عمرها طفلة. لم يخلو عنوان إلا وهم يتحدثون عن الطفلة نورا..والقضاء اضطر بعد هذه الحملة الإعلامية إلى مجاراتهم بشكل مخالف للقانون مخالفة صارخة بل تنتهك المساواة أمام القانون وهو مبدأ دستوري.
مع ذلك فلا يوجد ناشط عربي استطاع أن ينتقد القانون الفرنسي الذي لم بعتبر من بلغت الحامسة عشر من عمرها طفلة.
فما هو معيار الطفولة.
هناك معياران للطفولة:
أولاً: المعيار الطبيعي ، أي ان طفولة الفرد تنتهي بالبلوغ، فبمجرد الإحتلام او الحيض يصبح الفرد بالغاً. بغض النظر عن اكتماله المفاهيمي (ولا أقول العقلي لأن الاختلالات العقلية مسألة مختلفة). وذلك لسبب بسيط وهو أن الاكتمال المفاهيمي معيار غير منضبط. فقد تجد شخصاً في الثلاثين ولكنه ساذج. وشخص في الخامسة عشر ولكنه مُحتال. وبالتالي لا يمكن أن يكون الفهم أو الذكاء وقلته معياراً.
المعيار القانوني: المعيار الثاني هو المعيار القانوني. والمعيار القانوني يسمى بال(القاعدة التحكمية) أي القاعدة التي يفرضها القانون بدون حاجة لتبرير.. فالقانون إذا قال أن سن الرشد ثمانية عشر عاماً ، فأنت ستظل غير راشد حتى لو كنت أكثر رشداً من انشتاين. وبالتالي تخضع معاملاتك كلها لقيود القانون. ولذلك فالقاعدة هنا تحكم وتتحكم...ومن شَبَهِ القواعد التحكمية مثلاً أن ينص القانون على أنه لا يجوز تأسيس حزب سياسي إلا إذا بلغ عدد أعضائه خمسمائة عضو ، فهنا لا تستطيع أن تسأل لماذا ليس اربعمائة وتسعة وتسعين أو لماذا ليس خمسمائة وواحد.
لذلك فلو كنا منصفين في مسألة تحديد الطفولة لأخذنا بالمعيار الطبيعي الأكثر انضباطاً وهو البلوغ. فلا تحدثني عن الطفلة نورا التي بلغت قبل اربع سنوات وهي في عمر السابعة عشر الآن. إلا إن كان لديك أغراض أخرى الله أعلم بها.
ولذلك كان على مقدمة البرنامج أن تحدد أولاً ماذا تقصد بالطفل الذي تريد تعليمه الثقافة الجنسية.
مقدمة البرنامج استمرت في ضوضائها وخلطها فلم تحدد ماذا تقصد بالثقافة الجنسية. أحد ضيوفها قال بأن المسائل الأخلاقية لا أهمية لها من الناحية العلمية..وقد أمنت على ذلك مقدمة البرنامج.
وكان بالإمكان طرح سؤال بسيط: هل يمكننا أن نعرض أفلاماً إباحية على الأطفال ليشاهدوا العملية الجنسية مباشرة؟
لن تستطيع مقدمة البرنامج ولا حتى ضيوفها القبول بذلك، لأنهم سيواجهون بقوانين فرنسا نفسها التي تمنع عرض الأفلام الإباحية على الأطفال. ولكن على أي شيء يمكنهم الاستناد عندما يرفضوا ذلك؟ لن يستطيعوا الاستناد على أي مبدأ أخلاقي وإلا نسفوا ما قالوه بألسنتهم...إذا كنا نريد تعليم الأطفال الثقافة الجنسية فلنجعلهم يشاهدوا أفلام فيها ممارسة واضحة ومباشرة للجنس..ما المانع؟إذا لم يكن يوجد مانع أخلاقي ، فلا يوجد مانع آخر على ما أعتقد.
الخلط بين الجرائم الجنسية والثقافة الجنسية..
تحدثت إحدى الضيفات عن أن الثقافة الجنسية تحقق للطفل الأمان حينما تتم محاولة التحرش به. وهذا غير صحيح ، فجرائم الاغتصاب تقع في غالبها على البالغات وليس الأطفال. وحتى البالغات لا يمكن لهن حماية انفسهن عبر الثقافة الجنسية من الجريمة. فالجريمة أمر خارجي له ظروفه المختلفة. فهل المرأة المتزوجة ستحميها خبرتها الجنسية الطويلة من الجريمة؟
لم يتم تحديد ما المقصود بالثقافة الجنسية على نحو واضح.
فمثلاً غالبية البشر لم يتعلموا الجنس في المدارس بل أن غالبية الحيوانات لم تتعلم الجنس حتى من المشاهدة ، فالغريزة لا تحتاج لتعليم. لكن إذا كنا نريد أن نؤنسن الغريزة الجنسية بحيث تتمتع بمظهر رومانتيكي فهذا شيء لا نحتاج لتعليمه للأطفال بل للبالغين. كما أن هذا سيوقعنا في نسبية القيم الإنسانية. فمثلا هناك مجتمعات تحبذ الجنس الخشن ، وهناك مجتمعات تحبذ الجنس الرومانتيكي. وهذا معروف بين الطبقات الاقتصادية المختلفة. ففي ثقافة الفقر تقل الرومانتيكيات الجنسية في حين تزيد عند الطبقة البرجوازية. هناك مجتمعات قبلية لديها ثقافاتها وهناك مجتمعات مدنية لديها ثقافتها الجنسية. فما الذي يعطي لثقافة ما حق الوصاية على الباقيات؟
لم تناقش الحلقة في قناة فرنسا الأمر بعمق لأن المذيعة كان لها دوافع مسبقة. أولها هو وضع المحافظة الدينية في مقابل الانفتاح الجنسي. وثانيها التأكيد على تخلف المجتمعات المحافظة وثالثها ضرورة تعليم الثقافة الجنسية بغض النظر عن مضمون هذا التعليم. وما هي درجاته ومحاوره وتواؤمه مع المراحل السنية المختلفة....الخ...وهذا طبعاً مشكلة تحول أي موضوعة إلى هوس ودوغما..كما نراه عند الشيوعيين والإسلامويين في السودان. فهم يريدون تطبيق الاشتراكية أو الإسلام..لكن....أي نوع من الاشتراكية و أي نوع من الإسلام؟.. هذا غير مهم عندهم ولا يحاولوا حتى مجرد الاجتهاد لفهم ما ينادون به بشكل يتجاوز سطح مفاهيمهم....