تميل الخطابات السياسية على وجه الخصوص إلى دالة التنوع؛ في صيغ -اراها مبتذلةقليلاً- لاستقطاب مفهوم قيَمي، داخل خطاب حماسي شعبوي وكلاسيكي. اورد الدكتور وائل الكردي في قروبنا إسخيلوس الثقافي على الواتس خطاب للسيد فرنسيس دينق ينطلق من تلك المركزية الأخلاقية، بدلاً عن التجريد الذي تؤسس له مفردة التعدد. وهو الخطاب الذي يصفق له الناس كثيراً ثم ينسوه سريعاً.
لا تستطيع الخطابات الاخلاقية (توسم بالرفيعة كمستوى طبقي ثقافي) الإسهام في:
- طرح المشاكل بشكل واضح.
- مناقشتها بحرية أكبر.
- إيجاد حلول نهائية حاسمة ومرضية للجميع.
وفي المقابل تواجهها خطابات أخلاقية راديكالية، لا تختلف عنها في ذات التورط العاطفي.
كان بالإمكان إيجاد معالجات واقعية ومستديمة لو استخدمنا التجريد الرياضي والإحصائي، ذلك المحتشد بالجفاف والقليل من الخشونة، رغم أنها خشونة مرنة لأنها تنطلق من العقلانية، وأقصد بالعقلانية التفكيك المنطقي للواقع والحديث عنه ووصفه على نحو جامع بقدر الإمكان تمهيدا للكشف عن منطقة المرض والوجع.
إن التعددية كمفردة متنصلة دوماً من الإلتباس الآيدولوجي تنقلنا فوراً إلى التعالي عن المؤثرات الرومانسية التي لا نهاية لها والتي تنبثق وتتصل وتنمو كاعشاب متفاوتة في الكم والنوع، وتمنحنا مُكنة النظر الثاقب من أعلى لأسفل بحيث نتمكن من استئصال تلك الأعشاب الضارة والتعامل مع الواقع كمعطيات إحصائية.
تنطلق التنوعية من القيَم وتنتهي التعددية إلى القيم. فالقيم وسيلة في الأولى وغاية في الثانية. والقيم غامضة في الأولى ومحصورة وواضحة في الثانية حيث لا تتجاوز مبدأ المساواة القانونية.
تفضي التعددية -مستقبلاً- إلى تعزيز التنوع، في حين تؤثر التنوعية وتشوش رؤيتنا وتمنع من تحقيق غايتها.
يذكرني ذلك بالشيوعية المثالية التي شوشت على فكرة العدالة طويلاً بحيث أفضت بذاتها إلى أن تتحول لرصاصة قاتلة أصابت قلب العدالة بعد ممارسة مؤسفة أستغلت دعائيا من قبل الرأسمالية العالمية لتقوض العدالة بيد ظنت أنها يد العدالة بحيث لم تقم لها قائمة بعد ذلك.
وليس ذلك بمقصورٍ على الشيوعية فقط، بل على كافة الآيدولوجيات الأخلاقية الأخرى والتي تنتهي بتقويض نفسها بنفسها مخلفة جرحاً غائراً لا يندمل ووصمة عار في جبين كل خطاب أخلاقي وضعي أو ديني.
وهذا ما يحدث -بل وحدث بالفعل- حينما تم استخدام مفردة التنوع بدلاً من التعدد في السودان وغير السودان. لقد ترتب على ذلك تقرير المصير لجنوب السودان، وبعد قليل سيمتد الإنقسام ليشمل الدولة بأكملها إذا لم يتم تفريغ الخطاب السياسي من ديماغوغيته وتحويله لخطاب جاد ومجرد. واقصد بالديماغوغية النبرة النازعة نحو الحماس والعاطفة. إن الحديث عن التنوع يفترض مسبقاً وحدة ما، وحدة هلامية غائمة وضبابية، كما هو الحديث عن التنوع النباتي، فالنباتات متنوعة لكنها في النهاية تنتمي لجنس النبات. لكن التعدد لا يهتم بتلك الفرضية ولا يكترث لها خاصة عندما نحاول معالجة صراعاتنا السياسية حول السلطة والثروة كمحصلة لغاية وجودنا داخل دولة أي (إقليم محدد ذا سيادة). كما يفترض التنوع ضرورة الإعتراف بالآخر كموضوع ثقافي، في حين أنه يكفي في التعدد الإعتراف بالآخر كموجود مجرد بلا حاجة للغوص في دراسات ثقافية تنتهي بأحكام تزيد من الطين بلة.
سنجد أن فرانسيس دينق يطالب بالإعتراف بالآخر كموضوع ثقافي، رغم أن هذا فضلاً عن كونه غير ممكن لأنه يحتاج للتعمق الدراسي، فهو يتعارض مع المواجهة الحتمية بين الذات الصائبة دائما والغير المخطئ دائماً، أي الصراع بين مطلقات، بل وفوق ذلك فالمطالبة بالاعتراف كموضوع ثقافي تفترض أهمية ذلك الاعتراف للموجود المجرد.
سنرى وضوح هذه المشكلة عند الجدل العلمانوي الدينوي..والواو هنا مقصود منها الأطروحة المؤدلجة..حيث يطلب كلاً منهما الإعتراف الثقافي وينتهي الأمر (على النقيض من الهدف) إلى مزيد من الرفض والتباعد.
إن الغرض النهائي من كل ذلك هو الحماية التي يطلبها الجميع، والحق إن ما يحدث هو أن هذه الحماية لا تتحقق بل يتحقق عكسها تماماً، إن الجميع يشعر بمزيد من التهديد..وهذا الشعور يفضي لمزيد من التشبث بالأغطية منعاً للريح من اقتلاعها -كما في القصة التي درسناها في المرحلة الابتدائية- وذلك التشبث يفضي بدوره إلى مزيد من الإنكفاء والرفض والحنق والعدوانية ثم العنف..ثم فرز كلٌ لحدود عرينه.
إن التجريد التعددي هو التوجه الصائب نحو النموذج القانوني، والذي يعترف بالآخر كموجود كنقطة ارتكاز اساسية، ثم التفاوض باستمرار على تعزيز ذلك الوجود.
لا تستطيع الخطابات الاخلاقية (توسم بالرفيعة كمستوى طبقي ثقافي) الإسهام في:
- طرح المشاكل بشكل واضح.
- مناقشتها بحرية أكبر.
- إيجاد حلول نهائية حاسمة ومرضية للجميع.
وفي المقابل تواجهها خطابات أخلاقية راديكالية، لا تختلف عنها في ذات التورط العاطفي.
كان بالإمكان إيجاد معالجات واقعية ومستديمة لو استخدمنا التجريد الرياضي والإحصائي، ذلك المحتشد بالجفاف والقليل من الخشونة، رغم أنها خشونة مرنة لأنها تنطلق من العقلانية، وأقصد بالعقلانية التفكيك المنطقي للواقع والحديث عنه ووصفه على نحو جامع بقدر الإمكان تمهيدا للكشف عن منطقة المرض والوجع.
إن التعددية كمفردة متنصلة دوماً من الإلتباس الآيدولوجي تنقلنا فوراً إلى التعالي عن المؤثرات الرومانسية التي لا نهاية لها والتي تنبثق وتتصل وتنمو كاعشاب متفاوتة في الكم والنوع، وتمنحنا مُكنة النظر الثاقب من أعلى لأسفل بحيث نتمكن من استئصال تلك الأعشاب الضارة والتعامل مع الواقع كمعطيات إحصائية.
تنطلق التنوعية من القيَم وتنتهي التعددية إلى القيم. فالقيم وسيلة في الأولى وغاية في الثانية. والقيم غامضة في الأولى ومحصورة وواضحة في الثانية حيث لا تتجاوز مبدأ المساواة القانونية.
تفضي التعددية -مستقبلاً- إلى تعزيز التنوع، في حين تؤثر التنوعية وتشوش رؤيتنا وتمنع من تحقيق غايتها.
يذكرني ذلك بالشيوعية المثالية التي شوشت على فكرة العدالة طويلاً بحيث أفضت بذاتها إلى أن تتحول لرصاصة قاتلة أصابت قلب العدالة بعد ممارسة مؤسفة أستغلت دعائيا من قبل الرأسمالية العالمية لتقوض العدالة بيد ظنت أنها يد العدالة بحيث لم تقم لها قائمة بعد ذلك.
وليس ذلك بمقصورٍ على الشيوعية فقط، بل على كافة الآيدولوجيات الأخلاقية الأخرى والتي تنتهي بتقويض نفسها بنفسها مخلفة جرحاً غائراً لا يندمل ووصمة عار في جبين كل خطاب أخلاقي وضعي أو ديني.
وهذا ما يحدث -بل وحدث بالفعل- حينما تم استخدام مفردة التنوع بدلاً من التعدد في السودان وغير السودان. لقد ترتب على ذلك تقرير المصير لجنوب السودان، وبعد قليل سيمتد الإنقسام ليشمل الدولة بأكملها إذا لم يتم تفريغ الخطاب السياسي من ديماغوغيته وتحويله لخطاب جاد ومجرد. واقصد بالديماغوغية النبرة النازعة نحو الحماس والعاطفة. إن الحديث عن التنوع يفترض مسبقاً وحدة ما، وحدة هلامية غائمة وضبابية، كما هو الحديث عن التنوع النباتي، فالنباتات متنوعة لكنها في النهاية تنتمي لجنس النبات. لكن التعدد لا يهتم بتلك الفرضية ولا يكترث لها خاصة عندما نحاول معالجة صراعاتنا السياسية حول السلطة والثروة كمحصلة لغاية وجودنا داخل دولة أي (إقليم محدد ذا سيادة). كما يفترض التنوع ضرورة الإعتراف بالآخر كموضوع ثقافي، في حين أنه يكفي في التعدد الإعتراف بالآخر كموجود مجرد بلا حاجة للغوص في دراسات ثقافية تنتهي بأحكام تزيد من الطين بلة.
سنجد أن فرانسيس دينق يطالب بالإعتراف بالآخر كموضوع ثقافي، رغم أن هذا فضلاً عن كونه غير ممكن لأنه يحتاج للتعمق الدراسي، فهو يتعارض مع المواجهة الحتمية بين الذات الصائبة دائما والغير المخطئ دائماً، أي الصراع بين مطلقات، بل وفوق ذلك فالمطالبة بالاعتراف كموضوع ثقافي تفترض أهمية ذلك الاعتراف للموجود المجرد.
سنرى وضوح هذه المشكلة عند الجدل العلمانوي الدينوي..والواو هنا مقصود منها الأطروحة المؤدلجة..حيث يطلب كلاً منهما الإعتراف الثقافي وينتهي الأمر (على النقيض من الهدف) إلى مزيد من الرفض والتباعد.
إن الغرض النهائي من كل ذلك هو الحماية التي يطلبها الجميع، والحق إن ما يحدث هو أن هذه الحماية لا تتحقق بل يتحقق عكسها تماماً، إن الجميع يشعر بمزيد من التهديد..وهذا الشعور يفضي لمزيد من التشبث بالأغطية منعاً للريح من اقتلاعها -كما في القصة التي درسناها في المرحلة الابتدائية- وذلك التشبث يفضي بدوره إلى مزيد من الإنكفاء والرفض والحنق والعدوانية ثم العنف..ثم فرز كلٌ لحدود عرينه.
إن التجريد التعددي هو التوجه الصائب نحو النموذج القانوني، والذي يعترف بالآخر كموجود كنقطة ارتكاز اساسية، ثم التفاوض باستمرار على تعزيز ذلك الوجود.