لست من هواة نحت المصطلحات وتصنيف الأجناس وتبويبها، فالعمل الأدبي بوجه عام ليس عملا ميكانيكا محسوبا بدقة لأداء مهمة محددة، كما أن كثيرا من الأعمال التي وصفت أنها تجريبية -مثلا- لم تكن قد هبطت من سماء الإبداع للتو واللحظة، أو الأعمال التي وصفت أنها عبثية، كانت مجرد لهو، وقد سئل الشاعر الكبير "صلاح عبد" الصبور عن العبث حين قدم مسرحيته "مسافر ليل"؛ فأجاب من سأله: "وهل تظن أن إنسان هذا العصر عنده مساحة للعبث؟". وحتى التجريب خلفه خبرات معرفية لدى المجرب، تدفعه لمحاولات التطوير أو المزج أو التوظيف......، كل هذا يجعلنا نسأل عن مفهوم الأصالة في العمل الأدبي في ريبة وتطلع في نفس الوقت. والحقيقة إن أسئلة كثيرة تفرضها رواية "الطوالع" للقاص "سمير المنزلاوي". منذ البداية. فالرواية تتكون من عدة مشاهد تحكي حال أشخاص في قرية "متخيلة" المكان غريب التركيب، والأشخاص أكثر غرابة، ورغم هذا؛ فهذه الغرابة تأتي مشابهة تماما لما نعيشه في الحياة المعاصرة والتي تتشابك فيها خيوط كثيرة لتكوين حدث واحد، أو الوصول لنتيحة واحدة، تخرج في النهاية مشكوكا في كمالها، إن لم يكن مشكوكا في صحتها. رغم هذا ففكرة التنبؤ بالمستقبل عن طريق قراءة الطالع أو الكف أو الفنجان، أو حتى بالقياسات العلمية، ليست فكرة جديدة، وبمراجعة لتاريخنا الأدبي سنصادفها كثيرا في قصائد مثل قارئة الفنجان أو البكاء بين يدي زرقاء اليمامة، أوأفلام أو روايات. والكاتب نفسه يعرف هذا، وقد أورد في روايته نصا شعبيا تراثيا عن حسان اليماني وهو من أكثر من وضع العامةُ على لسانه نبوءات المستقبل في قصائد شعبية، كما أنه يكرر علمه بأنه يلعب لعبة خطرة على فكرة متداولة بوعي تام أكثر من مرة في الرواية مثل "لقد تذكرت ما قرأته عن وحى مدينة دلفي في اليونان القديمة.كانت الكاهنة تهمس بكلام ملغز لكل من يطلب وحيها" ولكنه كان يراهن على أصالة طريقة سرده وقدرته على اللعب الجميل، نعم اللعب، فالرواية في مجملها ذات طابع عبثي يتفجر من خلط الغرائبي بالواقعي منذ بداية الرواية، والتي تماست مع "حرب البثوث" بما أسماه الكاتب "حرب كريمة"، تلك الحرب التي اشتعلت لا لشيء غير أن حمار عائلة الحدايدة سفّد حمارة عائلة السكري؛ فانفجرت الحرب " قال جاد الله شعبان- الموظف بالوحدة المحلية وشقيق جابر القوى- لنفسه في الجنازات المتعاقبة:
- إن حالات الموت الذريعة تعدت الحدود المعترف بها في غير أوقات الأوبئة والجوائح،
هؤلاء القتلى يمثل كل منهم كارثة اقتصادية ونفسية" ومن هنا تبدأ الغرابة، فبالرغم من غرابة وقوع حرب لسبب مثل هذا، فواقعيا حدث في تاريخنا لأهون من هذا، ألسنا أبناء من استمرت حروبهم أربعين سنة؛ لأن فرسا سبق فرس! ويوغل الكاتب في بنية الغرابة لروايته، فيخلع الغرابة على محرك الأحداث وهو الكتاب الذي فيه أقدار الناس والأيام القادمة، وهو مجرد كتاب أوحت به بومة شاهدها الجميع، لكنها اختصت به الشحات بلغة لا يعرفها إلا هو، وحروف لا يقرأها غيره، بعد أن عزلته عن الناس زمنا تملي عليه! لكنه كان يقول للبعض حقيقة ما يعرف، ويغيّر أو يحسّن للبعض طوالعهم، وفي هذا إشارة للتلاعب بالفقه الأخلاقي والفتاوى حسب المنصب والمكانة، كما أنه في الواقع لاتوجد بلد اسمها "شرشيرة" رغم أن الكاتب اختلقها وربطها ببلاد معلومة يذهب الناس ويأتون منها مثل طنطا، دمنهور، دمياط، ملوي بالصعيد، هذه البلد الواقعة بين الخيال والواقع، هي أصلا بلد غرائب، فشخصيات البلد متصالحة مع نفسها وواقعها بطريقة تضعهم في مقامات الشذوذ، فالموظف الفني بالوحدة "جادالله" لا يعنيه شيئا من تصرفات زوجته ولاء ما دام تقضي له حاجته، رغم أنها توزع المتعة على الجميع بجسدها الجنسي الذي لا يشبع، "فاحت رائحة ولاء كجثة فى قبر مفتوح، بسبب انتقالها إلى الشقق والدكاكين وركوبها التكاتك حتى حافة البحيرة.وقد يفعت شهرتها بتواتر الحديث عن توهجها الدائم، وقدرتها الفائقة على ادخال الذكور الى عالم لم يحلموا به من قبل. شرشيرة معروفة منذ القدم بغلبة الشهوة لكن ولاء تجاوزت السقف القديم رغم ارتفاعه.وقد تناولت بعض المقالات العلمية هذا الموضوع بإسهاب، وتوصلت إلى أن تكرار التغذية على الكائنات البحرية يؤدى إلى هياج متواصل وبذلك تكون البحيرة متهما رئيسيا في إفساد الأخلاق بكثرة أكل السمك.
يفسر ذلك ما فعلته ابنة الحدايدة، لعلها لحظة جنون جنسي انتابتها ناحية القتيل فجعلتها تأتى فعلا لم يطلب منها "كانت "سكينة" قد أكلت خصيتي "سعد السكري" بعدما قتلته ثأرًا وهو يؤذن. أما "جاد الله" فمشغول بشيء أخر، إنه ينكر وجود إله رغم التصاق اسمه به ، ويؤسس لدين جديد يستقطب له الشباب من صفحات التواصل الإلكترونية، فهو ينكر دين ويؤسس لدين جديد! ويعلق البداية على تمرين نفسه حتى تصل لدرجة من القوة الروحية يرتضيها!
أما أخاه "جابر" القوي البنية فقد صار مجرد صديق للضابط، وكل ما يفعله في الحياة استخدام قوته في احتجاز السيارات وتسييرها حسب رؤاه تنظيما للمرور! في إشارة للتحالف بين السلطة واستخدام القوة للقمع، حتى صارت أكبر أماني القرية مطبا صناعيا يقيهم جموح السيارات وسطوة جابر في وقت واحد! والحق إن قرية تعجز عن عمل مطب لا يكلف الكثير لعبث وغرابة والأغرب حين استغلهم مرشح وقام بعمل المطب جلس كل منهم يحلم كيف يستغل المطب لصالحه " انتهى الرعب من المركبات المجنونة التى ترمح وتدوس المسنين والأطفال والطيور.محمدى بائع السمك انفرجت ملامحه، وتيقن أن المطب سوف يجبر الغرباء على التمهل، ولابد أنهم سيكتشفون رجلا يبيع السمك الطازج، عندما تهب عليهم الرائحة الطيبة والمنظر البديع. لا بأس أن يحملوا معهم افطارهم من عبده البنا، ستتحرك القرية ويدور القرش فيها، بدلا من ذلك النوم الثقيل." رغم الغرابة في بناء الشخصيات والرواية، فهي غير بعيدة عن الواقع. إن التفكير في مطب بهذه الطريقة تفكير يحيلنا لرمزية المطب، إنه البحث عن القانون المفقود لتنظم الحياة بدلا من القوة الغاشمة.
أما السلطة فلا يعنيها من الأحوال إلا ما يمسها فالضابط الذي ربته أمه " العايقة" التي تتزين ل (لا أحد)! لم يهتم بكتاب الطوالع وصاحبه إلا حين تنبأ لبنته، فقرر التخلص منه بحجزه، لكنه لم يستطع الصمود أمامه ليلة واحدة، وأصيب بالكوابيس؛ مما أجبره على إعادته لصاحبه، وهي اشارة للتحالف الحتمي بين السلطة ورجال الدين الذين يعزفون على الغيب. أما زراع السلطة /الخفير؛ فكل ما يعنيه الإتاوة التي يتقاضاها أسماكا من بائع السمك. ولكن السلطة حين تنكسر لا تجد غير القوة تستند عليها، يتجلى هذا في مشهد حمل "جابر" القوي للضابط ووضعه في السيارة حين مرض وترك عمله.
مقابل كل هذه الجموع الفقيرة المغموسة في مقدراتها، تسري عن نفسها بالجنس مع ولاء، وقراءة الطوالع مع الشيخ شحاتة؛ فيحلم البعض بالمستقبل الممتع مع المموسس القادرة، أو المستقبل الباهر مع بشارة طالعه، مثل بائع الطعمية الذي يخبره طالعه بالثراء الفاحش ، والذي لن يجلب له المال فقط، بل يزيده حب الناس ودعواتهم، ويخاف البعض طالعه؛ فيحاول الفرار منه مثل الصيدلي الذي يقرر ترك البلد كلها، مقابل كل هولاء يقف "جادالله" يفتش عن طريق للخلاص بدينه الجديد
"حيث سيلغى من عقل أتباعه فكرة دفن الجسد وتركه مرتعا للدود. بل سيحرق في احتفال يليق به وينثر رماده على الحقول ليتحول إلى محاصيل وزهور وينتفع بالعظام والاسنان والشعر. سوف يجعلهم يبنون أكواخا من الطين والبوص حتى إذا هدمتها الحكومة يكون من السهل إعادتها.سيقومون بإصلاح الأراضي الزراعية و تنصيب الأمناء عليها. و على المواشي و الإبل.
سوف يشكل لجانا لتطبيق نواميسهم على كافة خيرات دولتهم، حتى إذا ما ذبحت شاة يتسلم العرفاء لحمها ليفرقوه على من ترسم لهم و يدفع بالرأس و الأحشاء و الأطراف إلى غير القادرين على العمل لكي يتقاسموها بالتساوي. و يفرق الصوف على من يغزله ثم يدفع إلى من ينسجه و يصنع منه الملابس، كما تصنع منه الحبال.
أما الجلد يسلم للدباغة و يصنع منه النعال للمواطنين و تجمع كل هذه الخيارات في خزائن تحت إشراف جاد الله، ثم يوزع كل حسب حاجته.
تتكفل القيادة بإصلاح المنازل و ترميمها و تقديم العون المادي للزوار و القادمين إلى المكان.كل أدوات الحرف توزع على الحرفيين مجاناً للمرأة دور هام و إيجابي، وكي لا تثير الغيرة فإن تبادل الزوجات سيكون أمرا عاديا." إن هذا اللا ديني لا يذكرنا إلا بما تفعله الجماعات الموغلة في التطرف الديني وإن اختلفت الفرائض.
كذلك "أحمد القبلاوى" الصياد الماهرالذي يصيد الغربان التي تؤرق الضابط ويصيد الطيور ليبيع ويأكل ويطعم الضابط، والذي لم يخش نبوءات البومة، رغم أنه فشل في قتلها، وكان هذا هو فشله الوحيد في الصيد، بل إنه رفض عرضها بأن تملي عليه طوالع باقي البلد، لينافس الشيخ الشحات الذي لا يعرف إلا خمسين من آلاف الطوالع. وهو الذي تنتهي عليه الرواية في نهاية مفتوحة لم يتبين فيها أحد صدق النبوءات أو كذبها، فرغم ضيقه الشديد بالبومة هو لا يستطيع الجزم بكذبها ويردد " لكنه بعد دقائق قال لنفسه:
-ربما دفعها الغيظ أن تؤذينى، وليس من الشجاعة منازلة عدو مجهول. إنها الحياة التي وجدنا نفسنا فيها غرباء وفي ظروف غريبة نعيش بها لماذا نطلب من الكاتب أن يهندسها في بنابات فنية كأنها السر المقدس؟ لماذا لا نعيشها باستمتاع؟ وسواء أفضت لشيء أو لا شيء، فمجرد وجود الحياة أمر غاية في الغرابة
* الرواية صدرت عن دار الكنزي بالقاهرة 2020
- إن حالات الموت الذريعة تعدت الحدود المعترف بها في غير أوقات الأوبئة والجوائح،
هؤلاء القتلى يمثل كل منهم كارثة اقتصادية ونفسية" ومن هنا تبدأ الغرابة، فبالرغم من غرابة وقوع حرب لسبب مثل هذا، فواقعيا حدث في تاريخنا لأهون من هذا، ألسنا أبناء من استمرت حروبهم أربعين سنة؛ لأن فرسا سبق فرس! ويوغل الكاتب في بنية الغرابة لروايته، فيخلع الغرابة على محرك الأحداث وهو الكتاب الذي فيه أقدار الناس والأيام القادمة، وهو مجرد كتاب أوحت به بومة شاهدها الجميع، لكنها اختصت به الشحات بلغة لا يعرفها إلا هو، وحروف لا يقرأها غيره، بعد أن عزلته عن الناس زمنا تملي عليه! لكنه كان يقول للبعض حقيقة ما يعرف، ويغيّر أو يحسّن للبعض طوالعهم، وفي هذا إشارة للتلاعب بالفقه الأخلاقي والفتاوى حسب المنصب والمكانة، كما أنه في الواقع لاتوجد بلد اسمها "شرشيرة" رغم أن الكاتب اختلقها وربطها ببلاد معلومة يذهب الناس ويأتون منها مثل طنطا، دمنهور، دمياط، ملوي بالصعيد، هذه البلد الواقعة بين الخيال والواقع، هي أصلا بلد غرائب، فشخصيات البلد متصالحة مع نفسها وواقعها بطريقة تضعهم في مقامات الشذوذ، فالموظف الفني بالوحدة "جادالله" لا يعنيه شيئا من تصرفات زوجته ولاء ما دام تقضي له حاجته، رغم أنها توزع المتعة على الجميع بجسدها الجنسي الذي لا يشبع، "فاحت رائحة ولاء كجثة فى قبر مفتوح، بسبب انتقالها إلى الشقق والدكاكين وركوبها التكاتك حتى حافة البحيرة.وقد يفعت شهرتها بتواتر الحديث عن توهجها الدائم، وقدرتها الفائقة على ادخال الذكور الى عالم لم يحلموا به من قبل. شرشيرة معروفة منذ القدم بغلبة الشهوة لكن ولاء تجاوزت السقف القديم رغم ارتفاعه.وقد تناولت بعض المقالات العلمية هذا الموضوع بإسهاب، وتوصلت إلى أن تكرار التغذية على الكائنات البحرية يؤدى إلى هياج متواصل وبذلك تكون البحيرة متهما رئيسيا في إفساد الأخلاق بكثرة أكل السمك.
يفسر ذلك ما فعلته ابنة الحدايدة، لعلها لحظة جنون جنسي انتابتها ناحية القتيل فجعلتها تأتى فعلا لم يطلب منها "كانت "سكينة" قد أكلت خصيتي "سعد السكري" بعدما قتلته ثأرًا وهو يؤذن. أما "جاد الله" فمشغول بشيء أخر، إنه ينكر وجود إله رغم التصاق اسمه به ، ويؤسس لدين جديد يستقطب له الشباب من صفحات التواصل الإلكترونية، فهو ينكر دين ويؤسس لدين جديد! ويعلق البداية على تمرين نفسه حتى تصل لدرجة من القوة الروحية يرتضيها!
أما أخاه "جابر" القوي البنية فقد صار مجرد صديق للضابط، وكل ما يفعله في الحياة استخدام قوته في احتجاز السيارات وتسييرها حسب رؤاه تنظيما للمرور! في إشارة للتحالف بين السلطة واستخدام القوة للقمع، حتى صارت أكبر أماني القرية مطبا صناعيا يقيهم جموح السيارات وسطوة جابر في وقت واحد! والحق إن قرية تعجز عن عمل مطب لا يكلف الكثير لعبث وغرابة والأغرب حين استغلهم مرشح وقام بعمل المطب جلس كل منهم يحلم كيف يستغل المطب لصالحه " انتهى الرعب من المركبات المجنونة التى ترمح وتدوس المسنين والأطفال والطيور.محمدى بائع السمك انفرجت ملامحه، وتيقن أن المطب سوف يجبر الغرباء على التمهل، ولابد أنهم سيكتشفون رجلا يبيع السمك الطازج، عندما تهب عليهم الرائحة الطيبة والمنظر البديع. لا بأس أن يحملوا معهم افطارهم من عبده البنا، ستتحرك القرية ويدور القرش فيها، بدلا من ذلك النوم الثقيل." رغم الغرابة في بناء الشخصيات والرواية، فهي غير بعيدة عن الواقع. إن التفكير في مطب بهذه الطريقة تفكير يحيلنا لرمزية المطب، إنه البحث عن القانون المفقود لتنظم الحياة بدلا من القوة الغاشمة.
أما السلطة فلا يعنيها من الأحوال إلا ما يمسها فالضابط الذي ربته أمه " العايقة" التي تتزين ل (لا أحد)! لم يهتم بكتاب الطوالع وصاحبه إلا حين تنبأ لبنته، فقرر التخلص منه بحجزه، لكنه لم يستطع الصمود أمامه ليلة واحدة، وأصيب بالكوابيس؛ مما أجبره على إعادته لصاحبه، وهي اشارة للتحالف الحتمي بين السلطة ورجال الدين الذين يعزفون على الغيب. أما زراع السلطة /الخفير؛ فكل ما يعنيه الإتاوة التي يتقاضاها أسماكا من بائع السمك. ولكن السلطة حين تنكسر لا تجد غير القوة تستند عليها، يتجلى هذا في مشهد حمل "جابر" القوي للضابط ووضعه في السيارة حين مرض وترك عمله.
مقابل كل هذه الجموع الفقيرة المغموسة في مقدراتها، تسري عن نفسها بالجنس مع ولاء، وقراءة الطوالع مع الشيخ شحاتة؛ فيحلم البعض بالمستقبل الممتع مع المموسس القادرة، أو المستقبل الباهر مع بشارة طالعه، مثل بائع الطعمية الذي يخبره طالعه بالثراء الفاحش ، والذي لن يجلب له المال فقط، بل يزيده حب الناس ودعواتهم، ويخاف البعض طالعه؛ فيحاول الفرار منه مثل الصيدلي الذي يقرر ترك البلد كلها، مقابل كل هولاء يقف "جادالله" يفتش عن طريق للخلاص بدينه الجديد
"حيث سيلغى من عقل أتباعه فكرة دفن الجسد وتركه مرتعا للدود. بل سيحرق في احتفال يليق به وينثر رماده على الحقول ليتحول إلى محاصيل وزهور وينتفع بالعظام والاسنان والشعر. سوف يجعلهم يبنون أكواخا من الطين والبوص حتى إذا هدمتها الحكومة يكون من السهل إعادتها.سيقومون بإصلاح الأراضي الزراعية و تنصيب الأمناء عليها. و على المواشي و الإبل.
سوف يشكل لجانا لتطبيق نواميسهم على كافة خيرات دولتهم، حتى إذا ما ذبحت شاة يتسلم العرفاء لحمها ليفرقوه على من ترسم لهم و يدفع بالرأس و الأحشاء و الأطراف إلى غير القادرين على العمل لكي يتقاسموها بالتساوي. و يفرق الصوف على من يغزله ثم يدفع إلى من ينسجه و يصنع منه الملابس، كما تصنع منه الحبال.
أما الجلد يسلم للدباغة و يصنع منه النعال للمواطنين و تجمع كل هذه الخيارات في خزائن تحت إشراف جاد الله، ثم يوزع كل حسب حاجته.
تتكفل القيادة بإصلاح المنازل و ترميمها و تقديم العون المادي للزوار و القادمين إلى المكان.كل أدوات الحرف توزع على الحرفيين مجاناً للمرأة دور هام و إيجابي، وكي لا تثير الغيرة فإن تبادل الزوجات سيكون أمرا عاديا." إن هذا اللا ديني لا يذكرنا إلا بما تفعله الجماعات الموغلة في التطرف الديني وإن اختلفت الفرائض.
كذلك "أحمد القبلاوى" الصياد الماهرالذي يصيد الغربان التي تؤرق الضابط ويصيد الطيور ليبيع ويأكل ويطعم الضابط، والذي لم يخش نبوءات البومة، رغم أنه فشل في قتلها، وكان هذا هو فشله الوحيد في الصيد، بل إنه رفض عرضها بأن تملي عليه طوالع باقي البلد، لينافس الشيخ الشحات الذي لا يعرف إلا خمسين من آلاف الطوالع. وهو الذي تنتهي عليه الرواية في نهاية مفتوحة لم يتبين فيها أحد صدق النبوءات أو كذبها، فرغم ضيقه الشديد بالبومة هو لا يستطيع الجزم بكذبها ويردد " لكنه بعد دقائق قال لنفسه:
-ربما دفعها الغيظ أن تؤذينى، وليس من الشجاعة منازلة عدو مجهول. إنها الحياة التي وجدنا نفسنا فيها غرباء وفي ظروف غريبة نعيش بها لماذا نطلب من الكاتب أن يهندسها في بنابات فنية كأنها السر المقدس؟ لماذا لا نعيشها باستمتاع؟ وسواء أفضت لشيء أو لا شيء، فمجرد وجود الحياة أمر غاية في الغرابة
* الرواية صدرت عن دار الكنزي بالقاهرة 2020