رمضان الصباغ - مرة ثانية، موضوعية القيمة وحكم القيمة ردا على البروفيسور بيرى والدكتور فيشر.. ترجمة: د. رمضان الصباغ

لقد منحنى البروفيسور " بيرى " والدكتور " فيشر " شرف اخضاع بعض الأ وراق التى نشرتها مؤخرا فى هذه المجلة للبحث النفدى الذى كان من المؤكد أنها كانت فى حاجة اليه . وقد استفدت – على الاقل – من التحليل الدقيق الذى قدماه لأفكارى ، ولا أعرف طريقة أفضل من الاعتراف بمديونيتى لهما غير محاولتى تعديل أفكارى بناءا على الأفكار التى طرحت . وآمل ان تكون المحاولة مفيدة للآ خرين ممن يهتمون بنفس المسائل . "1"
لا تسمح المسا حة لى بأن اضع كل انتقاداتهم فى الاعتبار ، وبالتالى فاننى سوف أركز على نقطة أو نقطتين مما اعتبر أنه له أهمية خاصة . وآمل ألا يكون فى ذلك اعتقادا بأننى اهرب من اى مسئولية تتعمد الشروع فى تقديم أفكار جديدة او مشكوك فى فرضها .
النقطة الرئيسبة فى الهجوم فى كلا البحثين هى نظريتى عن موضوعية القيمة والنظرية الممائلة عن حكم القيمة ، على الرغم من أن "فيشر " يرى أن موضوعية القيمة عليها اعتراضات أكثر بكثير مما قدمها "يرى " . ولكن فى حين أن هدف الهجوم هو نفسه ،الا أن وجهة النظر والاستنتاجات التى تم التوصل اليها فى المسا ئل الهامة مختلفة تماما . هذه الحقيقة يجب أن تحدد درجة طريقة الرد .

1

وسوف يكون مناسبا النظر فى مقال الدكتور " فيشر " اولا ، وان لم أكن مخطئا الى حد كبير ، يوجد اتفاق فى الأساسيات مع وجهة نظرى ، غير الحال عند " بيرى " . ولهذا السبب لا يسعنى الا أن آسف لأن الدكتور "فيشر " لم يؤكد على نقاط الاتفاق أكثر مما فعل . فهو يذكر نقطة واحدة فى البداية ويضيف أن هذه هى النقطة الوحيدة التى يمكن أن يتفق معها .

فى الجزء الرئيسى من المقال من جهة أخرى ، يشير الى موقف بعد الموقف الذى قال فيه بالموافقة - عندما على سبيل المثال – قال بالاتفاق معى باعتبار أن التمييز الاساسى هو بين القيمة والكينونة ( ص 570 ) ، وأن القيمة قد ترتبط بالموضوع بصرف النظر عن الشعور الانسانى حول هذه الموضوعا ت ( ص 576 ) ، وأن هناك شيئا من هذا القبيل مثل معرفة القيمة ( 576 ) وأن الحقيقة تعد شكلا من أشكال القيمة وأن دلالة القيمة لا تنفصل عن مفهومها ( 578 ) . وتنطوى هذه القيمة على الحقيقة ( 580 ) ، وقد فبل كل الا مور التى اعتبرها ذات أهمية . خلافه بالأحرى – من ثم – مع نقاط فنية محددة فى المصطلحات التى قدمتها فى هذه المواقف .
والان من جهتى ، انا مهتم بشكل جدى بنقاط الاتفاق اكثر من نقاط الاختلاف ، واعتقد أن الدكتور فيشر كذلك . لهذا السبب ، ومن اجل أمور تبنيناها فى الفلسفة باهتمام اكبر ، أشعر أننى يجب أن اؤكد على نقاط الاتفاق اولا.
وسوف أعود الى هذه النقطة فى التعقيب . فى الوقت نفسه الخلافات حقيقية بما فيه الكفاية وتدعو للنظر فيها .
يعارض الدكتور فيشر تصورى عن موضوعية القيم واعتبر أنه فى اصله يكمن فى الا فتقار الى التفسير الواضح من جانبى لموضوع حكم القيمة . " لقد عالجها ( الكاتب الحالى ) على أنها قيمة والآن عالجها باعتبارها قيمة موضوع " . بعبارة اخرى ، أنا خلطت قيمة الموضوع مع كينونة الموضوع ذى القيمة . الاول هو أن عدم الادراك من قبل الحكم بل من قبل الشعور كان حادثا . وهذا الأخير حكم حقيقة وليس حكم قيمة .

بداية – الآ ن - أشير الى التاكيد على أن د. فيشر يعترف باعتبار موضوع الحكم أو الاعتقاد نفس الشىء الذى وصفته على أنه موضوعية حكم القيمة . الا أنه يصر على ان هذا موضوع حكم حقيقة، وانه " لكى يميز بين حكم الحقيقة وحكم القيمة " – كما فعلت – " يكون الاعتراف بأن لا وجود لشىء يعد حكم قيمة من هذا القبيل " .
لا بد لى فى البداية الاعتراف بتبرير محدد لهذا الرد . من المحتنل اننى لست معفى تماما من تهمة اهمال التعبير عن هذه النقطة ، لكن اذا كان الامر كذلك ، فمن الواجب – أن اعتقد – بما يقرب من مراوغة لا مفر منها فى مفهوم الحقيقة . كل حكم يقدم الزعم بالحقيقة يعد متجاوزا للشك ، ويكون هذا اذا عرفت الحقيقة على نطاق واسع بما فيه الكفاية .
بيد أنه اذا عرفت الحقيقة كتاكيد لشىء ما – اما صراحة أو افتراضا – عن الوجود ( كما سوف نرى على سبيل المثال فيما بعد فى تعريف "بيرى" لها ) ومن ثم فاننى أدعم وجود معرفة حكمية لا تؤكد وجود الموضوع ، صراحة أو فرضا ، وهى أحكام معينة للقيمة الجوهرية من نموذج ( ا ) يجب ان يكون . اذا كان السياق الذى ميزت فيه بين الحقيقة وحكم القيمة موضوعا فى الاعتبار ، سيتبين أن ذلك هو كل ما كان يدور فى خلدى . وسوف أترك هذه المسالة – الى فيما بعد – عند ردى على مقالة "بيرى " .
انا أقوم بذلك عن طيب خاطر لان الكتور " فيشر" يتفق معى فى تمييزى الاساسى بين القيمة والوججود . وبناءا على ذلك فان النقطة الحقيقية للاختلاف هى بشان كيفية هذا بخلاف الكينونة المدركة . يوافق فيشر وبيرى على أن الحكم يدرك الكينونة فحسب .يقول "بيرى " ان القيمة هى مجرد اسم للعلاقة بين الموجودات . لذا فان ادراك القيمة يعد ادراكا مستترا للعلاقة بالموجودات . ويقول " فيشر " "القيمة شىء آخر غير الكينونة ، وبالتالى لايمكن ادراكها من خلال الحكم على الاطلاق . " قد يبدو شيئا صغيرا " – كما يقول – " القول بان ما يدرك من خلال حكم القيمة ليست القيمة ، بل قيمة الموضوع المعطى ، ولكن – هذه النقطة فيما اعتقد – ذات أهمية جوهرية . القيمة لا يمكن ادراكها عن طريق الحكم ، انها – كما اعتقد – مدركة من خلال شكل من أشكال الشعور" .
يدور السؤال الجوهرى الى حد كبير حول ما اذا كان هناك سبب مسبق لجعل الحكم يقتصر على ادرا ك الكينونة ، والذى بنطوى بالطبع على انتقاد فيشر لتصورى عن موضوعية القيمة . وسوف أمضى الى ذلك حاليا . أنا مهتم هنا فقط بالرأى القا ئل بان القيمة تدرك عن طريق الشعور .
من التكتيكات الجيدة أن تدع أحد الخصوم يتخلص من الآخر حيثما يكون ذلك ممكنا . عند هذه النقطة فحسب أنا بحاجة للسماح للبروفيسور "بيرى " با لحد يث . الالتباس الكامل يرجع الى وجود معرفة خاصة مستحقة للقيمة – فى رأيه – والى خلط الفعل الضرورى للمعرفة مع المواقف الحركية العاطفية المرتبطة به . مغلوب على أمرى ، لأن هذه حجة ضد مفهومى – كما بينت – وهذا خطير بالنسبة لموقف فيشر . وكما وضعت فى معضلة " بيرى""2" .
الاهتمام ( الشعور والرغبة ) اما أن يشكل القيمة أو يميزها " ، اذا كان الأول – تشكيل القيمة – تكون معرفة القيمة وصفا للاهتمامات فى علاقتها باموضوعات . بعبارة أخرى ، لاوجود هنا لمعرفة القيمة كشىء مختلف عن الوجود أو الكينونة . من ناحية أخرى ، اذا ميزت عنهما – اى الوجود والكينونة – من ثم –" فليست القيم امورا ذات اهتمام على الاطلاق ، بل صفات للموضوعا ت التى يعد لها الشعور – فحسب ا الحساسية المطلوبة" . وحينئذ تصير القيمة مجرد صفة لايمكن تعريفها للموضوعات .
اذا قبل الدكتور فيشر البديل الاخير – بالنسبة له ليس هناك أى وجود لحل وسط – ومن ثم – يترتب على ذلك نوعان من الصعوبات . فى المقام الأول توجد الصعوبا ت المنطقية التى ينطوى عليها مفهوم القيمة باعتبارها صفة ، والتى قدمتها باسهاب ولم يشر اليها فيشر . وفى المقام الثانى – وهذا هو الأكثر خطورة – اذا كانت القيم صفات للموضوعات ، فانها تندرج تحت مقولة الكينونة ، ويقول " فيشر " بووضوح : يعد التمييز بين القيمة والكينونة أمرا أسا سيا .
اعتقد بعد ذلك انه سيكون على أن اقول بكل دقة أن الدكتور فيشر ، يستدعى المعرفى وغير المعرفى ، ولكن هذا مجرد تعبير عن الشعور . من جهة أخرى ، أنا غير قادر على رؤية جهة التمييز التى يعتبرها هامة بين القيمة وقيمة الموضوع المعطى . من وجهة نظرى هناك ما يعد مؤكدا ، فالمعرفة المسبقة للقيمة ليست معرفة لقيمة موضوعات محددة ،بل – بصرف النظر عن ذلك – كل معرفة القيمة هى بمثابة اعتراف بأن الموضوع يجب ان يكون أو يجب ان يكون غير الموضوع الآخر .

يرى د. فيشر نفسه – كما اقترحت – ان فكرة حكم القيمة المحدد ترتبط بنظرية موضوعية القيمة . ولذلك يركز فيشر نقده الرئيسى على النظرية الموضوعية . ويصل الى ان القيمة ليست موضوعية . علاوة على ذلك اذا كنت فى استخدامى لمصطلح " موضوعى " فى مقال أعنى ما كان يعنيه " مينونج " ، فاننى اورط نفسى فى التنا قض . مع ذلك اذا لم اتقيد بشكل صارم برايه ، فاننى بلا داع اربك الموقف من خلال اقحامه فيه .
اسمحوا لى ان اتخذ النقطة الاخيرة اولا . هذا سيمهد الطريق – فيما اعتقد – للسؤال الأكثر اهمية ما اذا كانت القيمة حقا قد تسمى موضوعية .
فى تصريحى الاصلى قدمت توضيحا كاملا بأن المصطلح فى حد ذاته ليس مسألة ذات اهمية خاصة . واذا كان المصطلح قد قدم من "مينونج" ، فانه يمكن ان يمتد ليغطى بعض الحقائق الجديدة التى لم يتم التفكير فيها من جانبه ، ولا ارى سببا لمنع استخدام ذلك . يقول د. فيشر بأن المصطلح كما يستخدمه يطبق دائما على شكل من أشكال الكينونة . وأنا أشعر بالحيرة تجاه فهم كيفية قوله هذا ، لانه احد اتباع " مينونج " الأفذاذ ، ومواقفه لافتة للنظر ، الى جا نب موضوعية الكينونة هناك الموضوعية التى وصفها باعتبارها اضافة الى الكينونة . الموضوعا ت المستحيلة لا تملك الوجود أو الحضور ، ولكنها شكل من أشكال الموضوعية أدرك من خلال الافتراض ، الا ان هذه مسالة ثانوية وتشير الى أن "مينونج" نفسه استخدم المصطلح بمعنى اوسع مما اعترف به فيشر"3" .
مع ذلك ، النقطة الاسا سية فى موقفى – كما يقول فيشر حقا – هى أن القيمة ليست على الاطلاق صفة أو علاقة . فى اتنقاد هذا الموقف حاول تحدى ليس حجتى الايجا بية ، بموازاة الفصل بين وجودية وموضوعية القيمة ، ولا حجتى السلبية ضد مفهوم القيمة كصفة أو علاقة . وركز كل خلافه على القول بانه يعترف با نها نقطة شكلية . هذه النفطة هى كما يلى :
يمكن ان توضع اطروحتى – كما يقول – فى النموذج التالى :
" القيمة التى يمتلكها اى موضوع هى القيمة الموضوعية التى يجب ان يكون لها اعتبارها الخا ص بالنسبة للموضوع . " عدم امكانية الدفاع عن هذه الأطروحة ، - كما يعتقد – مراعاة ماله علاقة بالامتلاك ( بالاستحواذ ) " . قد تكون القيمة ممتلكة من قبل الموضوع ( أ ) هى ما يستحوذ عليه الموضوع ، لكن الموضوعية التى يجب أن توضع فى اعتبار الموضوع ليست هى الشىء الذى يمتلكه ( أ ) . وهذا يكمن فى طبيعة الموضوعية فى حد ذاتها بصرف النظر عن هذه الموضوعية الخاصة ( 572 ) .
ليس بوسعى أن أرى ( واعتقد أن أى قارىء مهتم ببحثى سوف يتفق معى ) كيف قدم فيشر هذا الانتقاد دون أن يتعرف على حجتى السلبية أولا . فانتقاده بكامله يقوم على افتراض أن احد أهدافه الرئيسية هو دحض هذه الحجة ، أى ان القيمة صفة أو امتلاك موضوع . امتلاك الصفات باعتبار أنها مقومه ، أو باعتبار مايجب أن يكون ،ولكن ليس لامتلاكها لما يجب أن يكون أكثر من امتلاكها لوجودها الخاص .
فى الواقع كانت احدى نقاطى الرئيسية هى جعل القيمة معادلة لما " يجب أن يكون " ، ومن ثم لاعتبارها صفة أو متلاكا للموضوع ، وهو اشراكها نفسها بالوضع الكامل للتناقضات ، كما رأى " كروتشه " . بعبارة أخرى أنا ادرك مع فيشر أن الموضوعية لاتمتلك من قبل الموضوع ، وانما بسبب أن الموضوعية لاتمتلك بالضبط أيضا من قبل موضوعها ، وهذا الذى قادنى الى القول بأنها موضزعية . ان لم يكن هذا هو السبب الوحيد فانه يكون أحد الاسباب الرئيسية بالنسبة لنظريتى .
من ثم اذا كان لدى فيشر شيئا أكثر من هذه الحجة الشكلية ، وحتى وضعه فى الاعتبار لحججى السلبية ضد القيمة باعتبارها صفة أو علاقة ، واعتقد أننى مستثنى من مواصلة النظر فى هذه ، النقطة الرئيسية . فى واقع الأ مر هذا الاستنتاج السلبى تماما يعد الباعث الحقيقى لقلقى الرئيسى . اذا أراد د. فيشر أن يقبل مايقبله البروفيسور " كريتون Creighton " * باعتباره الاستنتاج الرئيسى لدراستى ، وهو ان الحقيقة هى الجانب العام أو شكل الخبرة العام ، ولا يمكن تعريفها فى مصطلحا ت أى شىء آخر ، وموضوعى الرئيسى سوف يتم انجازه . فى استخدام مصطلح " موضوعى " كنت فحسب أحاول العثور على مفهوم يغطى هذه الحقيقة . وهذا المصطلح فى حد ذاته مسأ لة ثانوية .
ما يكمن وراء الاعتراض الكامل للدكتور فيشر على وجهة نظرى –هو – بالطبع مسواتى للققيمة مع افتراض أن الموضوع يجب أن يكون . وجد أن ذلك لامعنى له اسا سا . وقد نفى أن الموضوعات دائما تمتلك أو تستطيع امتلاك الالتزام بأن تكون كذلك . هل يدرك الدكتور فيشر أو لايدرك أن المرور من يجب أن يكون الى الا لتزام يغير المسأ لة حقا بكاملها ؟ . أنا اتعجب ! . وانا اتفق معه كما فعلت مع " كانط " ان الامور لا تسمح بالحتمية ، وهذ الوجب أو الالتزام يشير فحسب الى الاشخاص . ولكن هل نحن نتحدث عن واجب أو التزام . بالتأ كيد أنا لست – أيا ما كان يقوم به الدكتور فيشر – ولا أستطيع أن أكرر هنا أسبابى للاعتقاد بأن الحتمى ما هو الا حالة خاصة من مقولة أكثر عمومية ، " يجب أن يكون". وليست لدى المساحة للتكرار ، فكيف بعد ان تبين أن القيمة الجوهرية لايمكن تعريفها بشكل نهائى بأى من مصطلحى الصفة أو العلاقة ، ويمكن فى النهاية أن توضح باعتبارها تعادل " ما يجب أن يكون "

لم يشر ناقدى لهذه الحجج ، ناهيك عن مواجهتها . الا يكفى مرة أخرى كثيرا ما نقول بأن الأمور يجب ان تكون على خلاف ذلك عندما لانمتلك أدنى نية تنسب الالتزام اليها، وان الحكم الذى يوجب على أن أقوم بأشياء معينة هو نفسه لديه معنى جوهريا ، فقط على افتراض أن هذه الأشياء يجب أن تكون محل غيرها ؟ . بعبارة اخرى ، " ما يجب أن يكون " هو – على الأقل – يعد مقولة أساسية مثل مقولة الكينونة ، واعتقد أن هذا ما كنا نعنيه – اذا عرفنا ما نعنيه – عندما نقول بأن الموضوع لديه قيمة فى ذاته .
بهذا انتقل بكل سرور للحظة فى الختام على الأقل – الى احدى النقاط العديدة التى نتفق عليها ، الا وهى الاعتقاد المشترك باعتبار طبيعة علاقة القيمة باحقيقة . وأؤكد مرة أخرى على أن اتفاقنا هنا أكثر أهمية من خلافاتنا ، لانه يفصلنا على حد سواء عن تلك الآ راء التى – على سبيل المثال – مثل آراء البروفيسور " بيرى " التى تلزم القيمة بان تكون ذاتية وملحقة بالحقيقة .
كما اراها ، يتفق كلاانا على أن الحقيقة فى جوهرها مفهوم قيمة ، وهذه الحقيقة تتضمن القيمة بمعنى ما وايضا هذه القيمة تتضمن الحقيقة فى بعض معانيها . فى كل حالة يكون هو المعنى المدرك بشكل مختلف .
بعد ذلك ، ما النقطة الرئيسية للاختلاف وما مصدرها ؟ . الى أولئك الذين يصرون على أن وجهة نظر فيشر ، وأ نا قد اتفق على الابقاء عليها ، والنقاد يجيبون دائما بأن الحقيقة ليست بحاجة الى ارضائنا لكى تكون حقيقة – هذه مغا لطة عاطفية .
والآن فان خلافى هو أن الفرضية الثنائية ذكرت أنها ليست محددة بالفرضية القائلة بأن الحقيقة يجب أن ترضينا . يتساءل فيشر : كيف يمكننى الاحتفا ظ بهذا الرأى ( ص 579 )، القا ئل بأن الحقيقة هى مفهوم القيمة ، وأرفض الرأى القا ئل بأن العام سوف يرضينا . فى الاحتفاظ بالأول يقبل الثانى .
اولا وقبل كل شىء أو ان اسال د. فيشر : كيف علم اننى أرفض هذا . وفى أى مكان قلت ذلك . كما – فى واقع الأمر – وأنا أصدق ذلك شخصيا . لكن الاعتقاد شىء والبصيرة شىء آخر . فلو قرأ مقالى الأخير بعناية ، فسوف يجد – فيما اعتقد – أن النقطة الوحيدة التى كانت محل اهتمامى للحفاظ عليها هى ذلك الموقف الثانى وهو منطقيا ليس مرتبطا بالأول .
فى أى مكان وصفت هذا الراى الثانى باعتباره " اسلوبا لا يمكن الدفاع عنه بشكل واضح " كما يقول ناقدى (ص 579 ) . المصطلحان رومانتيكى ووجدانى ، هما من اشارات الاقتباس ، باعتبارها تمثيلا لمواقف النقاد . وكل ما كنت أصر عليه هو رؤية القيمة والحقيقة غير منفصلتين ، ومفهوم درجات الحقيقة لا يبقى بناءا على الاعتقا د بأن الحقيقة سوف ترضينا ، ولكن بناءا على شىء مختلف تماما . الا وهو بناءا على اليقين بان الخصائص الأ ولية للقيمة هى مسا ئل متعلقة بالبصيرة .

انا أدرك تماما اذا كنت أجادل فعلا ضد هذا الاعتقاد ، فاننى – كما يقول فيشر – اكون قمت بما يعد أدنى من الانصاف له – اى هذا الاعتقاد- . لكن أنا لم تكن لدى أية نية للجدل ضده . الا أننى أود أن أسأ ل فيشر سؤالا . من السهل أن نرى لماذا يكون الافتراض بأن القيمة تتضمن الحقيقة هو نفسه بالنسبة لفيشر على النحو الذى سوف يرضينا ، هو لا يستطيع الحفاظ باستمرار على شىء آخر . اذا القيمة أدركت فحسب عن طريق الشعور وكان الشعور علامة الرضا ، فمن ثم اذا كانت الحقيقة هى القيمة فان الأمر هكذا لا يرضينا .
لكن كيف بعد ذلك يقوم بالتوفيق بين هذا ووجهة نظره (ص 576 ) بأن القيمة قد ترتبط بالموضوعات بصرف النظر عن أى شعور انسانى عن هذه الموضوعا ت ؟. سوف اقول شيئا عن صعوبة استخدام تعبير " يرضينا " ، دون معناه الحتمى " ارضائى " لا شىء عن الصعوبات فى هذين التعبيرين مثل الارادة الفردية المفرطة ، او التوق الى ما يبدو خلافا مدفوعا بشكل حتمى . ولسوف أصر مرة اخرى فحسب على أن الفرضين ليسا نفس الشىء ، ذلك ان الأول يمكن أن يظل مستقلا عن الثانى .
يقول ناقدى : " بالفعل هناك بلا شك وجود مجرد ، سواء كان ماديا أو عقليا لا يتضمن ما هو مرض ، وهذه نقطة ضعف " . ولكن هذه النقطة هى بالضبط التى نحتاج الى وضعها بالاعتبار ، لان الاشياء لا تحتاج الى ان تكون خيرا او جمالا لكى توجد ، والحقيقة – فى الواقع – اكثر من وجود مجرد أو حضور ( واذا اردنا ان نفسر الحقيقة فلا يجب علينا ان نلتزم بالنزول الى هذه المقولات )، لكن اذا كانت الحقيقة تشمل هذه المقولات – كما هو الحال – على الرغم من انه لا يمكن اختزالها الى هذه المقولات ، واذا كنت الحقيقة هى مفهوم القيمة ، فمن ثم تكون هذه – أى ا لمقولات قيما أيضا ، ويجب علينا ان نستنتج ان القيمة لا تتضمن بالضرورة ماهو مرض . ومن ثم كانت الاشارة الى القول بأن الاعتراف بهذه القيم لا يتضمن ما هو مرض .
فكرتى عن هذه النقطة ثابتة ، اما د. فيشر فيعتقد فحسب طالما انا احتفظ بهذه الحقيقة ، على الرغم من ان القيمة هى نوع من عدة أنواع مما له قيمة ولا تنطوى على انواع أخرى بل هى نفسها ( ص 579 ) . انا لا أزعم الا تساق فى كل نقطة ، واباعتبار مسا لة الحقيقة ، وهذه بالضبط احدى النقاط التى أشرت اليها عندما قلت بأن الصعوبا ت فى المفهوم يجب ان تكون واضحة للقارىء المختص .
لم يكن موضوعى هو حل كل المشكلات الانطولوجية للقيمة ، بل مجرد تاسيس مبدأ تلازم القيمة والحقيقة دون الاعتراف بأنه يرتكز على الفرضية التى تمت مناقشتها . مع ذلك – ودون الخوض فى هذه المسا لة – فاننى أسأل ما اذا كان رأيى غير متسق مع افتراض آخر ، الا وهو ان الحقيقة بدلا من أن تكون اسما فقط لنوع واحد من القيم ، هى بالضرورة افتراض مسبق لكل القيم . فى حين أن الوجود والحضور هما فقط بمثابة شرطين لبعض انواع القيم ؟

II
تعرض ورقة بحث البروفيسور "بيرى " – كما قلت – موقفا مختلفا تماما . بينما وجدنا أنا وفيشر قواسم مشتركة لوجهات نظرنا لمفهوم القيمة فى الفلسفة ، فان بيرى وأنا ابعد ما نكون عن بعضنا البعض . من الصحيح ان فيشر وبيرى يتفقان فى الهجوم على مفهوى عن موضوعية القيمة ، لكن وجهة النظر التى يتم الهجوم من خلالها تختلف تماما فى الحالتين . بالنسبة لشىء واحد هو ان القيمة عند بيرى مجرد اضافة ذاتية للحقيقة ، وليست ضرورية لتصور الحقيقة ذاته .
مرة أخرى بالنسبة ل " بيرى " لا توجد حقيقة شىء من هذا القبيل ، كما الامر بالنسبة لفيشر وبالنسبة لى ، مثل الاعتراف بالقيمة وادراكها . توجد المعرفة فقط للأشياء وعلاقاتها ، وتصبح القيمة الاسم الذى يطلق على نوع محدد من العلاقات .
بما ان القضية فلسفية بشكل جوهرى وهامة للغا ية ، لا يسعنى الا ان احتج على طريقة بيرى فى معالجتها . هو مقتنع باعتبارى أنا قلت بتشوش البراجماتية فى القضايا الأ ساسية لنظربة القيمة ، والاكثر من ذلك والمؤسف اننى يجب ان اكون مرتبطا مع البروفيسور " ديوى " . ومن المؤكد ان تمرير ملاحظة ( فى الهامش !) حيث يعبر فيلسوف واحد عن أملنا فى أن تكون هناك – على الأقل – نقطة واحدة للاتفاق مع الآخر ، وهذا اساس با لكا د يكون كافيا لافتراض ان وجهتى النظر حتى على الرغم من انهما مبهمتان ومريبتان متطابقتين . ومن النقاط الهامة التى تفرق بين وجهة نظرى ووجهة نظر البروفيسور " ديوى " بلا شك ترك مقالى دون نقاش .
مرة أخرى اشعر باننى ملزم بالتعبير عن اسفى عن التكتيك الذى اختاره بيرى . فى ورقة سابقة أهاب بى على وجه التحديد لمواجهة معضلة معينة والتى كانت من المفترض أن تظهر استحالة حكم القيمة . وقد حاولت مواجهة المعضلة مع بعض النجاح ، كما اعتقدت - وقدمتها له مع شخص فى اللقاء . لا يسعنى مساعدة الشعور بأن البروفيسور بيرى فد تناول نقاش هذه النقطة ، فقد كان يجب أن نكون أقرب الى الفهم . وباعتبار ذلك ، انا مجبر أن احذو حذوه التكتيكى .
اعتقد ان البروفيسور بيرى على حق . فى القول بأن " اولئك الذين يبقون على نظرية حكم القيمة يقومون بذلك لأنهم – عموما – يعتقدون بأن مفهوم " يجب " خاص باحكا م القيمة وغير قابل الى الاختزال الى مقولتى الكينونة أو العدم . هو – على الأقل – على حق فى نسبة هذا الاعتقاد لى . على الرغم من أنه لم يكن السبب الوحيد الا أنه أحد الأسباب الهامة للموقف الذى اتخذه . وهو على حق ايضا فى الاقتباس عنى مثل قولى بأن حكم القيمة ليس " هو ( أ ) باعتبار مايجب ان يكون " بل بالأحرى " ان ( أ ) يجب أن يكون .
والآن مع د. فيشر الذى يؤكد على أن هذا ليس حكم قيمة بل حكم حقيقة . " حتى عن حكم من هذا النوع " يقول " ان المرء – مع ذلك – يحكم اما حقا أوزيفا عما يتعلق بالحقيقة المنطقية ، أو الحقيقة المتضمنة " . ومثل هذا الحكم يختلف فى عدم التقدير عن أى حكم يؤكد أى شىء افتراضى فقط أو وجودى محتمل .
الجزء الأول من هذه العبارة صحيح بلا شك ، وأنا اعترف به فى مواجهة نفس النقطة التى قدمت من قبل " فيشر " . بمعنى أن أى شىء فى عا لم الخطاب ، هو حقيقة والقيمة حقيقة . بمعنى أن كل شىء موضوعى " وأن( ا ) يجب أن تكون " وهذا هو حكمى ، وذلك أنه اما حقيقى او زائف . ولكن اذا كنت قد فهمته ، فهذه ليست نقطة " بيرى " . انها تصريحه الثانر بأن " حكم القيمة " فى عدم التقدير عن أى حكم يؤكد الوجود الا فتراضى والذى يتضمن نقطة من فحوى حجته والتى اتعامل بها مع القضية .
لكن كيف يمكن للبروفيسور " بيرى" تقديم مثل هذا التصريح – على الأقل – فى انتقاد مقالاتى ، حتى أنه فقد مصداقية التحليلات والحجج التى قدمها مرارا وتكرارا ، وأنا أثبت أن هناك أحكاما من نوع أن ( أ ) يجب أن يكون حيث الوجود (أو الكينونة بأى معنى قابلة للتعريف ) غير مؤكد اما بشكل فاطع أو افتراضى ؟ . كما فى واقع الأمر ، هو لم يدرس أى توضيحات ولا محاول ت لمواجهة حججى . لكن موقفى بالتحديد يعتمد ليس على نظريتى عن موضوعية القيمة الفريدة من نوعها ، بل ما هو أكثر من ذلك موقفى بأنه فى حين أن القيمة ليست بالضرورة تفترض الوجود ، فانها تفترض الحقيقة مسبقا .
من ناحية أخرى ، بقليل من الاستغراب أن يجد المرء نفسه مستفيدا من التوضيح التالى من تلقاء نفسه ، على الرغم من أنه من السهل ان يرى لماذا ينبغى أن يفعل ذلك . " المذنب يجب أن يكون مرئيا فى هذا وذالك ، فى ذلك الوقت وذلك المكان " . يقول بيرى – با لتأ كيد . معظمنا – فيما اعتقد – وجد أن التوضيح بالكامل غير ذى صلة ، لسبب بسيط هو أن " يجب " كما يستخدم هنا ليس لديه أى شىء للقيام به مع القيمة . بل يعد مجرد تعبير عن درجة الاحتمال . حتى الآن فانه عن القيمة التى نتكلم عنها هنا ، اليس كذلك ؟.
لكن على افتراض أنه هو نفسه " يجب " الذى نجده فى حكم القيمة ، واسمحوا لى – على الأقل – أن أشير الى موضع الحجة التى من شأنها أن تقوده . هلا تمضى مباشرة الى موقف " شيلدون " الذى عارضه بشدة ، وهو تعريف القيمة باعتبارها تحقيقا لأى نزعة فى الطبيعة أيا كانت ، والتى – كما قال البروفيسور " بوش " فى مقالة حديثة " 4 "، انها لا يمكن تمييزها من السببية ؟
فى محاولة للحد من عدم قا بلية " ما يجب أن يكون " الى علاقات وجودية ، يقول البروفيسور بيرى ما يأ تى : " الغرض يتطلب أو يتضمن ( س ) وهذا يمكن أن يساوى بشكل جيد التعبير عن اعتبار ( س ) يجب أن تحدث " أو " اذا حدث ( أ ) وهو قيمة ل ( س ) ، من ثم فانه مثل " يجب أن يحد ث " . الآ ن هذا صحيح بالطبع ، بقدر ما نزعم أن القيم الوسيلية هى المعنية . ويفترض الغرض ، والوجود الممكن للوسائل المتضمنة بلا شك اذا كانت الوسائل ذات قيمة .
لكن ماذا عن كيفية قيمة الغرض ؟ لابد من وجود القيمة الجوهرية فى مكان ما . بعبارة أخرى ، يتجاهل البروفيسور " بيرى " حجتى بالكامل ، والتى تبين دائرية كل التعريفات العلائقية للقيمة ، سواء كانت له – أى بيرى – أو ل" شيلدون " .
عن هذه النقطة مرة أخرى ، قد تكون مقالة الدكتور " بوش" مقنعة للبروفيسور "بيرى " اذا لم تكن مقالتى مقنعة . فى هذه المقالة – فى الواقع – يقول د.بوش بأننى أستطيع تقديم هذه النقطة بقوة أكبر ضد اختزال د. " شنايد ر " للقيم الى قيم وسيلية . اذا انا لم أؤكد ذلك فى هذا الصدد لم يكن هذا بالتأكيد لأننى لم أقدمها فى كثير من الأحيان بما فيه الكفاية من قبل فى أوراقى الاخرى .
النظر بعناية فى النقطة الثانية فى نقد البروفيسور " بيرى " ، يعزز موقفى الأصلى . الاستثناء مأخوذ من الاستدلال الذى لفت الانتباه اليه من افتراضات مسبقة معينة عن القيمة المستقلة عن الحقائق السيكولوجية على وجه الخصوص عن الاهتماما ت المتسقة مع الافتراضات الأولية عن الكينونة . أنا اعتقد الان حقا ان هناك هذه الافتراضات ( مثل ان كافة الموضوعات يجب أن تكون ذات قيمة ايجابية او سلبية ، وان أى القيمتين يجب أن تكون اسمى من الأخرى ) .
واعتقد ايضا أنها تختلف بصفة عامة عن الافتراضات المماثلة عن الكينونة ، وأن " يجب " ينبع منها بدلا من أى علاقة افتراضية للوجود . هذا يشكل أحد خطوطى للجدل من أجل موضوعية القيم الفريدة من نوعها وحكم القيمة المناظر لها .
يعبر البروفيسور " بيرى "فى اقراره عن الشك فى حقيقة هذه الافتلراضا ت الاولية ، ولكن من غير المؤكد الانطباع الذى ليس من الضرورى النظر فيه ، فى هذاهو مثل د. فيشر . على اية حال هذه ليست نقطته الرئبسبة ، فهو يتحدى الاستدلالات المستخلصة منها . وهو بؤكد – مسلما بحقيقتها – أن هذه التعميما ت عن القيمة هى حقائق عن القيمة التى اما ان تكون من النوع العام المشترك لجميع الحقائق ، أو من نوع خاص مستمد من خصوصيات الحقيقة السيكو فيزيائية المعروفة باسم الاهتمام .

اليست هذه الافتراضات هى نفسها الحقا ئق او الوقائع ؟ كان هذا سؤاله . بالتأ كيد ، وأنا أجيب ، واحاول جاهدا التأكيد فى مقالى . لكنها حقائق عن القيمة – كما قال بنفسه – وليست عن الكينونة . هذه بالضبط هى الخلافا ت الجذرية بين الافتراضات الأولية عن القيمة والافتراضات المماثلة عن الكينونة والتى تشكل احدى اسبابى الرئيسية للتفرقة بين القيمة والكينونة ، التمييز الذى يتفق معى فبه فيشر .
هذه الافتراضا ت هى عندئذ حقا ئق أو وقائع بالتا كيد . الا أننى انكر دون تردد أنها من "نوع مستمد من خصوصيات معينة للحقيقة السيكوفيزيقية المعروفة باسم الاهتمام ". الاسباب التى قدمتها لانكارى بتفصيل كبير ليس بوسعى تكرارها هنا . اما بالنسبة للبديل الآخر ، فانها " من النوع العام المشترك لجميع الحقا ئق " ، العبارة عامة جدا وغامضة بالنسبة لى لتوريطى . اذا كانت تتضمن استجداء السؤال فى هذه القضية باذات ، بافتراض ، هو أن كل الحقائق هى حقائق عن الوجود ، وأنا لا اعترف بذلك بالتأ كيد . الاعتراضات على ادراج القيمة ضمن الوجود هى اعتراضات ساحقة جدا – كما أوضحت ذلك .
عاداتى السوية الجوهرية للعقل تدفعنى – " كما يقول ناقدى –لتعريف القيمة بحقيقة أن الشىء يجب ان يكون . ويكون حكم القيمة عندئذ حكما متعلقا بهذه الحقيقة " أنا فى الواقع سوى بما فبه الكفاية – لحسن الحظ – لرؤية ذلك . ولكن هذا فحسب بسبب اننى ارى ذلك ، وارى فى نفس الوقت أن هذه الحقيقة تختلف الى الأبد عن حقيقة كون الشىء هو ، واننى شعرت أيضا بالحث على العثور على اسم خاص لذلك ، الا وهو موضوعية القيمة .
يوجد عند البروفيسور بيرى ما يقوله عن نظريتى للقيمة كقيمة موضوعية ، مع انه جاء فى الهامش . على العكس من فيشر يرى بجد أن " لاشىء يستحق الاعتراض على محمل الجد فى الزعم بأن القيمة موضوعية ولبست صفة للموضوع " ، لكنه لا يعتقد ان من غير المرغوب فيه التخلى عن الموضوعية بوصفها غائية وجودية ، وانه لايعارض " افتراض أن هذا على الأقل يجادل من اجل تفرد احكام القيمة " .
انا أرحب بهذا التنازل ، لأننى اعتقد انه يعد تنازلا هاما . ولكن لماذا يجب ألا يعترض ، الا اذا كلن مقتنعا بدرجة اقل او أكثر، وانا ليس بوسعى رؤية ذلك . اود ان اعتقد بانه قد اعترض وبشدة أيضا لأن هذا احد اسا سيا ت النظرية الى يتم ادراكها فقط بواسطة الحكم او الافتراض .

اذا كانت القيمة موضوعية فريدة ومختلفة عن موضوعية الكينونة ، من ثم فان ادراك حكم القيمة يكون نتيجة منطقية . لكن البروفيسور بيرى يعترض على ترك الموضوعية كغاية وجودية . وحتى ان لم يكن فى نهاية التحليل ، فماذا نفعل هنا ؟ لماذا استخدم المصطلح والمفهوم على الاطلاق ؟ أليس فقط لان القيمة بشكل نهائى لا يمكن تعريفها مثل الوجود ، وأنا قد غامرت باستخدام المصطلح . اذا كانت القيمة ليست سوى الاضافة الذاتية للحقيقة ، فان العلاقة بين فان العلاقة بين الموضوع واهتمام الذات المحدد – كما رأى بيرى حبنئذ بالتأ كيد نحن لانريد ان نسميها موضوعية .
يعرب البرو فيسور بيرى عن أسفه – كما هو الحال – فى ورقته السابقة ، "لكل هذا التشويش على حكم القيمة " . وانا اشاركه هذا الاسف . اود ان اتمكن من الاعتقاد – كما لا يزال يعتقد – " ان سبب هذا هو خلط الفعل الاسا سى للحكم مع المواقف الجدانية المثيرة التى يرتبط بها " . اذا كان هذا صحيحا ، فان التفاهم بيننا لن يكون صعبا . لكن – لسوء الحظ – تمضى الصعوبة الى أبعد من ذلك يكثير .
حقا – فى بداية مناقشة حكم القيمة لم يكن هناك سوى هذا الشوش المستشرى . وحقا – فيما أعتقد – ان هذا التشوش يعد جزءا ، ومع ذلك لم يكن كل مصدره عدم اتساق البراجماتية عند الحديث عن حكم القيمة . بل كان التشوش حين تم التخلى عنها منذ فترة طويلة ، على الأقل فى تلك المناطق حيث كان مفهوم حكم القيمة يعمل بنجاح تام . من جهتى مازلت اعتقد ان المتاعب تنشأ مما وصفه البروفيسور بيرى بسوء الفهم لوضع حكم القيمة .
اعتقد ان المعضلة التى قدمتها له ولم يجب عليها ما زالت صالحة . واعتقد أن من الأفضل التوضيح فى هذا الصدد من خلال طرح السؤال : هل هناك اى معرفة واى ادراك ، او أى اعتراف بالقيمة على الاطلاق ؟ . د. فيشر - فيما رأينا – يعتقد فى وجود ذلك ، ولكنه ينفى أن يكون حكميا ، مبقيا هذا الشعور بطابعه الادراكى والمعرفى . بالنسبة لموقف فيشر لقد تحدثت بالفعل . دعنا الآن نواجه بيرى بشكل اكثر تحديدا . بمقدماته المنطقية يجب عليه أن ينكر منطقيا أن هناك أى معرفة للقيمة . ولأنه ينكر موقف فيشر أيضا ، كما فهمت منه أن الاهتمام يصنع أو يشكل القيم ، ولكن الاهتمام لايعرفها – أى القيم .
من جهة أخرى ليس هنك ادراك حكمى للقيمة ، لان الحكم مجرد ادراك للحقائق عن اهتمامنا وعلاقات الموضوعات باهتما منا . لكن من المؤكد ان هذه المعرفة عن الاهتمامات ليست اكثر معرفة للقيمة من معرفة ان شروط الاضاءة هى التعرف على الضوء . من ثم ليس ل " بيرى" معرفة بالقيمة .
اعتقد ان هذه المعضلة لا يمكن تجاهلها بأمان . ويوجد اتفاق يخيم على طريقة اجابته لأنه اذا اعترف بهذا الاستنتاج ، عندئذ ، فى حين أن هناك المجال المؤكد لدراسة الاهتمامات الانسا نية ، حيث يمكننا العمل معه – أى بيرى – والتى كانت لديه بالفعل ، وسيكون لديه بلا شك اشياء مثيرة للاهتمام اكثر ليقولها ، ولا يزال المجال غير مجال القيم الموضوعية التى بالنسبة للبعض منا تعد المشكلة المركزية للفلسفة بشكل اكثر واكثر.
نحن نتحدث عن اشياء متباينة . من جهة أخرى ، اذا كان يقر بمعرفة القيمة – كمعرفة – من خلال طبيعة الحالة ، موحيا ضمنا بالاعتراف ، ونادرا ما يكون بوسع المرء الاعتراف باى شىء لأن المرء ليس هو المدرك الاول لفعل المعرفة . التفكير بعيدا عن فعل المعرفة، والاعتراف مفترض ضمنا ، وانا لا ارى كيف يمكن أن يهرب المرء فى النهاية من مواجهة أفكارحكم القيمة وموضوعية القيمة التى ادركت .

لا اتملق نفسى باقتناعى بأن البروفيسور بيرى سيعود للنقاش . ولكن ربما اكون قد احرزت نجاحا فى جعل موقفى اكثر وضوحا ، وهذا هو الشىء الذى اكتسبته .
اهمية المسا لة التى نناقشها ، وهويعرف ذلك وكذلك انا ، لا تكمن فى النقاط الفنية التى يبدو أنها استغرقتنا ، بل فى الرأيين المتعارضين حيث تشكل هذه النقاط أسافين منطقية حادة – اذا جاز التعبير . البروفيسور "كريتون " على النقيض من ذلك ، لديه تصريح جيد فى المناقشة الاخيرة "5" يعرب فيه عن اتفاقه مع وجهة نظرى العامة عن علاقة القيمة بالحقيقة ويتناقض مع وجهة نظر بيرى التى ترى ان القيمة هى مجرد جزء من الحقيقة او اضافة ذاتية لها .
بوسعى فقط ان آسف ، اذ أن نقد بيرى لآرائى جاء قبل قبل صدور المقالة الثا لثة من سلسلة مقالاتى ، بعنوان " المشكلات الانطولوجية للقيمة " والتى جاءت بنتائج نهائية أكثر بالنسية لموقفى المشار اليه . هل لو كان من الممكن بالنسبة له ان ياخذ ذلك بعين الاعتبار ، كانت استفادتى بالتا كيد اكثر مما حصلت عليه من انتقاداته الحادة المذكورة .
فى الختام أود ان اكرر ماقلته سابقا ، من وجهة النظر العامة ، بالنسبة لهذه المشكلة بكاملها ، يبدو لدينا انا والدكتور فيشر الكثير من القواسم المشتركة فى نظريتنا عن القيمة ، فى حين ان البروفيسور بيرى وانا لا نزال للاسف متباعين للغا ية .

**************************

هوامش
1- The two papers are: "Dewey and Urban on Value Judgments," this
JOURNALV, ol. XIV., No. 7, and "Professor Urban s Value Theory," this JouRNAL,
Vol. XIV., No. 21. The papers criticized in the foregoing are: "Value and
Existence," this JOURNAL, Vol. XIII., No. 17, "Knowledge of Value and the
Value Judgment," this JOURNAL, Vol. XIII., No. 25, and "Ontological Problems
of Value," Ithis JOURNAL, Vol. XIV., No. 12
JOURNALV, ol. XIV., No. 7, and "Professor Urban s Value Theory," this JouRNAL,
Vol. XIV., No. 21. The papers criticized in the foregoing are: "Value and
Existence," this JOURNAL, Vol. XIII., No. 17, "Knowledge of Value and the
Value Judgment," this JOURNAL, Vol. XIII., No. 25, and "Ontological Problems
of Value," Ithis JOURNAL, Vol. XIV., No. 12
2- R. B. Perry, "The Definition of Value," this JOURNAL, Vol. XI., p. 152.2
3 - ربماقد لا اكون مخطئاعند القول هنا بأننى ناقشت هذه المسألة الهامة فى المحادثات مع "مينونج " . ويجب الاعتراف بانه لم يكن متحمسا لمفهوم القيمة باعتباره موضوعيا ، ولكن هذا كان بسبب تصوره للقيمة كافتراض مسبق للوجود وليس بسبب اى بداهة .
"4- Value and Causality," this JOURNAL, Vol. XV., No. 4.
"5- Beyond Realism and Idealism Versus Two Kinds of Idealism," Philosophical
Review, Jan., 1918.
*جيمس ادوين كريتون James Edwin Creighton (1861- 1924 )
فيلسوف امريكى كان يعتقد ان اى نسق من الفكر يمكن ان يكون نتاج عقل منعزل – تأثر بكانط وبرادلى وبوزانكيت وشارك كل من فيندلباند وريكارت بعض افكارهما .

د. رمضان الصباغ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى