لقد عرفت مجتمعاتنا في فترة ليست ببعيدة لحظات حساسة في موضوع الزواج، حيث تم المساس بأولويات المعنيين بالأمر، وذلك من حيث الخضوع للشيء عنوة قبل التفكير العميق في الموضوع، والأخذ بالآراء كرها دون الرضى التام بما تم استقباله، وعليه فإن ما أراه أو ما كنت قد رأيته من مظاهر مجسدة لموضوعنا المتناول، هو ما جعلني أقتحم هذه الدائرة، لأخلق منها مادة دسمة تكون في متناول القارئ الكريم.
نبدأ هذه الورقة بمقولتين ممهدتيْنِ لموضوعنا، ورافضتين كذلك لمصيبة الإكراه..فكانت الأولى لمحمد الغزالي والتي قال فيها: "الإكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل ...كما أن الإكراه على الإيمان لا يصنع الإنسان المؤمن ... فالحرية هي أساس الفضيلة"، أما الثانية فهي لمصطفى محمود وقال: "إن الله أعتق قلوبنا من كل صنوف الإكراه والإجبار وإنه فطرها حرة.
لقد شكل هذا النوع من التعامل مع الآخر، سواء تعلق الأمر بقريب أو ببعيد، خطورة كبيرة قد تجعل منه عرضة للاكتئاب والتأزم بكل ألوانه، فلو تعلم الإنسان كيف يرفض أشياء لا يحبذها، أو بالأحرى لو أنه اكتسب جرأة تكفيه لاختيار ما يريد ودرء ما لا يريد وبطرق نبيلة، بعيدا عن الخوف والعاطفة المُحَطِّمَة، التي غالبا ما تجعل منا لقما سهلة البلع، لاستطاع تحرير نفسه من لعنة الإكراه ومرارة الإرغام وشؤم الابتزاز...وكل ما يَصُبُّ في هذا النطاق.
من خلال هذه التوطئة سأحاول معالجة ظاهرة خطيرة كانت سائدة في أعوام خلت، والتي لم تعد سارية بتلك الوتيرة التي كانت عليها آنفا، فقد تقلصت بشكل كبير، نظرا لوعي الأجيال الحديثة، وانفتاحها على الدراسة والتعلم، وتوسع دائرة الحرية، وانفتاح الثقافات العالمية على بعضها البعض، وبفضل ذلك تقلصت نسبة الجهل بشكل قد نقول عنه مُفرح إلى حد ما، ومع كل هذا فلا يمكن أن يسلم الجميع من ذلك، إذ لا بد من مصادفة نماذج متضررة، فليس الكل يسلم من العاصفة.
كثيرا ما يحدث في البوادي النائية ذلك الزواج المُطَعَّم بالإجبار أو الإجبار بشكل كلي، غالبا ما تكون الفتيات ذوات العمر الناعم المستهدفات في هذا الموضوع العسير، إنهن يصدمن بقرار الزواج دون تحليهن بالرضى التام أو أنهن قد لا يشاورن في الأمر حتى.
إن ذلك يشعرني وكأننا في عالم صغير تعمه الفوضى ويغمره الاستبداد العاطفي، ليس عيبا أبدا أن يتعلم الإنسان ثقافة الرفض، بل العيب في تقبله لما لا يريده وبصدر ضيق، هذا الأمر إن حدث فعلا، فما هو إلا خزي وعار على كل من كان مسهما في توريط الفتيات فيما هن منه بريئات.
كيف لفتاة لم تتعلم بعد أن تقول "لا أريد"، أو أن تعرض ما تحب عوضا عما عرِ ض عليها، أن ترسم لنفسها ولأسرتها مستقبلا زاهرا يطل على فضاء الحرية؟ كيف لفتاة مقموعة أن تفلح في تسيير حياتها بالطريقة التي تحب؟ كيف لفتاة مخنوقة أن تتنفس بشكل طبيعي؟ كيف لها أن تعانق السعادة وقد سلبت منها من لدن أشخاص تثق بهم؟ عيب علينا أن نقع في مثل هذا العبث ونحن في القرن الواحد والعشرين.
ليس من السهل أبدا تسيير أسرة بقلب حزين يتخبطه التحسر والألم ،لذلك لابد للمرء أن يفكر بعمق، قبل الشروع في تنفيذ أي شيء ولو كان أمرا بسيطا، كما أنه لا يجب على الآباء أن يزوجوا بناتهم حتى يستأذنوهن، فلو لم تكن لطلب الإذن فائدة عظيمة، لما دعا إليه الإسلام في كل خطوة نخطوها في حياتنا مع الأشخاص ،فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري ومسلم (لا تنْكح الْبِكْر حتَّى تسْتأذْن). أي أن الاستئذان هنا يكسر عتبة الإكراه والإجبار.
بالتالي ففي مسار الاستئذان قد يتلقَّى المُستأذِن أجوبة مختلفة ،فقد يكون الجواب "لا أريد" بمعنى أن ذلك لا يسعدني أو أنه لا يروق لي، أو قد يكون الجواب "دع لي مهلة للتفكير في الأمر"، أو أن الرد قد يلوذ "بالقبول"، بالتالي فالقبول لا يأتي إلا بعد الرضى والارتياح للشيء، وعليه فإننا في هذه الحالة نكون في الطريق الصحيح، فعندما يستأذِ ن المرء في أمر ما فإنه يلامس الخلق الكريم ويضع اليد على الصواب، أما في تخطيه ذلك واستعماله خطوات عنيفة كالإكراه والإرغام فما ذلك إلا تمهيد للمشاكل والمصائب.
إن إجبار المرأة على الزواج قد يبدو ظلما لها ولعواطفها، فالمرأة في حد ذاتها كمٌّ من العواطف فإذا احترقت بسبب إرغامها على شيء لا تريده، فلن ترى بعدها الراحة النفسية مرة أخرى، ولهذا وجب على ولاة الأمور أن يتحلوا بالتعقل والتريث قبل أن يقوموا بأي خطوة، كي لا يقعوا في الظلم، فكما هو معلوم أن الظلم ظلمات يوم القيامة، فكم من أب غره الثراء فسارع في تزويج بناته دون رضاهن، فتقبلن ذلك كرها، إما خوفا من غضب الأب أو خشية من ردة فعله المجهولة، بالتالي ينسى الأب مسؤوليته العظيمة تجاههن وأنه سيسأل عنهن يوم لا ينفع مال ولا بنون.
فلو فكرنا وتمعنا في الأمر جيدا لوجدنا أننا إذا أردنا أن تتحقق المرامي والمقاصد القصوى للزواج من (مودة ورحمة وطمأنينة واستقرار ومحبة وتعاون...) وغير ذلك من المحاسن، فلابد لهذا الزواج أن يكون مبنيا على الرضى التام بين الطرفين، فبدون ذلك لن نرى هذه الفضائل القيمة التي تؤثث الحياة الزوجية.
أما بخصوص جانب الإكراه فعاقبة ذلك بينة وواضحة، ففي هذه الحالة يكون بيت الزوجية أو العلاقة الزوجية بكليتها، مبنية على قوائم وأسس هشة لا تشجع على الرقي والنجاح أبدا، إنما فقط تفتح على الزوجين باب القهر والضيم والضيق وكل المشاكل المختلفة، فحينما يكون الشيء في أولياته مُسْتَقْبَلاً بالعنف وكسر الخاطر، فما على المرء حينها إلا أن ينتظر جني الأسوأ بجميع أشكاله.
وعليه فإن تحسين أحوال المرأة داخل المجتمعات وذلك مع تبنيها الالتزام المطلق، ما هو إلا دُفْعة نحو استقبال أجيال فاخرة، فإذا صلحت العلاقات الزوجية منذ نشأتها أثمرت لنا ما يُصْلِح أحوالنا وأحوال مجتمعاتنا.
إن المرأة هي المربية والمعلمة في مقامها الأول، فإذا قامت بواجبها الأسري والتربوي على أحسن وجه، استطعنا حينها أن نطرد الجهل من محيطنا، ولضمان ذلك لا يجب علينا أن نقمع اختيارات بناتنا، بل وجب علينا أن نحترمها ونوجهها ونقومها ونرشدها نحو الصلاح والصواب بالتي هي أحسن لا بالتعصب واللاعقلانية.
نبدأ هذه الورقة بمقولتين ممهدتيْنِ لموضوعنا، ورافضتين كذلك لمصيبة الإكراه..فكانت الأولى لمحمد الغزالي والتي قال فيها: "الإكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل ...كما أن الإكراه على الإيمان لا يصنع الإنسان المؤمن ... فالحرية هي أساس الفضيلة"، أما الثانية فهي لمصطفى محمود وقال: "إن الله أعتق قلوبنا من كل صنوف الإكراه والإجبار وإنه فطرها حرة.
لقد شكل هذا النوع من التعامل مع الآخر، سواء تعلق الأمر بقريب أو ببعيد، خطورة كبيرة قد تجعل منه عرضة للاكتئاب والتأزم بكل ألوانه، فلو تعلم الإنسان كيف يرفض أشياء لا يحبذها، أو بالأحرى لو أنه اكتسب جرأة تكفيه لاختيار ما يريد ودرء ما لا يريد وبطرق نبيلة، بعيدا عن الخوف والعاطفة المُحَطِّمَة، التي غالبا ما تجعل منا لقما سهلة البلع، لاستطاع تحرير نفسه من لعنة الإكراه ومرارة الإرغام وشؤم الابتزاز...وكل ما يَصُبُّ في هذا النطاق.
من خلال هذه التوطئة سأحاول معالجة ظاهرة خطيرة كانت سائدة في أعوام خلت، والتي لم تعد سارية بتلك الوتيرة التي كانت عليها آنفا، فقد تقلصت بشكل كبير، نظرا لوعي الأجيال الحديثة، وانفتاحها على الدراسة والتعلم، وتوسع دائرة الحرية، وانفتاح الثقافات العالمية على بعضها البعض، وبفضل ذلك تقلصت نسبة الجهل بشكل قد نقول عنه مُفرح إلى حد ما، ومع كل هذا فلا يمكن أن يسلم الجميع من ذلك، إذ لا بد من مصادفة نماذج متضررة، فليس الكل يسلم من العاصفة.
كثيرا ما يحدث في البوادي النائية ذلك الزواج المُطَعَّم بالإجبار أو الإجبار بشكل كلي، غالبا ما تكون الفتيات ذوات العمر الناعم المستهدفات في هذا الموضوع العسير، إنهن يصدمن بقرار الزواج دون تحليهن بالرضى التام أو أنهن قد لا يشاورن في الأمر حتى.
إن ذلك يشعرني وكأننا في عالم صغير تعمه الفوضى ويغمره الاستبداد العاطفي، ليس عيبا أبدا أن يتعلم الإنسان ثقافة الرفض، بل العيب في تقبله لما لا يريده وبصدر ضيق، هذا الأمر إن حدث فعلا، فما هو إلا خزي وعار على كل من كان مسهما في توريط الفتيات فيما هن منه بريئات.
كيف لفتاة لم تتعلم بعد أن تقول "لا أريد"، أو أن تعرض ما تحب عوضا عما عرِ ض عليها، أن ترسم لنفسها ولأسرتها مستقبلا زاهرا يطل على فضاء الحرية؟ كيف لفتاة مقموعة أن تفلح في تسيير حياتها بالطريقة التي تحب؟ كيف لفتاة مخنوقة أن تتنفس بشكل طبيعي؟ كيف لها أن تعانق السعادة وقد سلبت منها من لدن أشخاص تثق بهم؟ عيب علينا أن نقع في مثل هذا العبث ونحن في القرن الواحد والعشرين.
ليس من السهل أبدا تسيير أسرة بقلب حزين يتخبطه التحسر والألم ،لذلك لابد للمرء أن يفكر بعمق، قبل الشروع في تنفيذ أي شيء ولو كان أمرا بسيطا، كما أنه لا يجب على الآباء أن يزوجوا بناتهم حتى يستأذنوهن، فلو لم تكن لطلب الإذن فائدة عظيمة، لما دعا إليه الإسلام في كل خطوة نخطوها في حياتنا مع الأشخاص ،فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري ومسلم (لا تنْكح الْبِكْر حتَّى تسْتأذْن). أي أن الاستئذان هنا يكسر عتبة الإكراه والإجبار.
بالتالي ففي مسار الاستئذان قد يتلقَّى المُستأذِن أجوبة مختلفة ،فقد يكون الجواب "لا أريد" بمعنى أن ذلك لا يسعدني أو أنه لا يروق لي، أو قد يكون الجواب "دع لي مهلة للتفكير في الأمر"، أو أن الرد قد يلوذ "بالقبول"، بالتالي فالقبول لا يأتي إلا بعد الرضى والارتياح للشيء، وعليه فإننا في هذه الحالة نكون في الطريق الصحيح، فعندما يستأذِ ن المرء في أمر ما فإنه يلامس الخلق الكريم ويضع اليد على الصواب، أما في تخطيه ذلك واستعماله خطوات عنيفة كالإكراه والإرغام فما ذلك إلا تمهيد للمشاكل والمصائب.
إن إجبار المرأة على الزواج قد يبدو ظلما لها ولعواطفها، فالمرأة في حد ذاتها كمٌّ من العواطف فإذا احترقت بسبب إرغامها على شيء لا تريده، فلن ترى بعدها الراحة النفسية مرة أخرى، ولهذا وجب على ولاة الأمور أن يتحلوا بالتعقل والتريث قبل أن يقوموا بأي خطوة، كي لا يقعوا في الظلم، فكما هو معلوم أن الظلم ظلمات يوم القيامة، فكم من أب غره الثراء فسارع في تزويج بناته دون رضاهن، فتقبلن ذلك كرها، إما خوفا من غضب الأب أو خشية من ردة فعله المجهولة، بالتالي ينسى الأب مسؤوليته العظيمة تجاههن وأنه سيسأل عنهن يوم لا ينفع مال ولا بنون.
فلو فكرنا وتمعنا في الأمر جيدا لوجدنا أننا إذا أردنا أن تتحقق المرامي والمقاصد القصوى للزواج من (مودة ورحمة وطمأنينة واستقرار ومحبة وتعاون...) وغير ذلك من المحاسن، فلابد لهذا الزواج أن يكون مبنيا على الرضى التام بين الطرفين، فبدون ذلك لن نرى هذه الفضائل القيمة التي تؤثث الحياة الزوجية.
أما بخصوص جانب الإكراه فعاقبة ذلك بينة وواضحة، ففي هذه الحالة يكون بيت الزوجية أو العلاقة الزوجية بكليتها، مبنية على قوائم وأسس هشة لا تشجع على الرقي والنجاح أبدا، إنما فقط تفتح على الزوجين باب القهر والضيم والضيق وكل المشاكل المختلفة، فحينما يكون الشيء في أولياته مُسْتَقْبَلاً بالعنف وكسر الخاطر، فما على المرء حينها إلا أن ينتظر جني الأسوأ بجميع أشكاله.
وعليه فإن تحسين أحوال المرأة داخل المجتمعات وذلك مع تبنيها الالتزام المطلق، ما هو إلا دُفْعة نحو استقبال أجيال فاخرة، فإذا صلحت العلاقات الزوجية منذ نشأتها أثمرت لنا ما يُصْلِح أحوالنا وأحوال مجتمعاتنا.
إن المرأة هي المربية والمعلمة في مقامها الأول، فإذا قامت بواجبها الأسري والتربوي على أحسن وجه، استطعنا حينها أن نطرد الجهل من محيطنا، ولضمان ذلك لا يجب علينا أن نقمع اختيارات بناتنا، بل وجب علينا أن نحترمها ونوجهها ونقومها ونرشدها نحو الصلاح والصواب بالتي هي أحسن لا بالتعصب واللاعقلانية.