"المصور لن يغير العالم أبداً، لكنهُ قادرٌ على تغيير عالمه الخاص من خلال قول الحقيقة" يقول الصحافي البريطاني "غلين إدوارد"، المدرب في ورشة البحث عن الحقيقة التي انطلقت في بيروت خلال شهر نيسان من قبل دار المصور ومؤسسة طومسون بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني، ليتبعها معرض ضمَّ صوراً عن الإرث الثقافي في فلسطين وسورية واليمن ولبنان، بعدسات 15 مصوراً ومصورة. افتُتِح المعرض في دار النمر، من 12 تموز/يوليو وحتى 13 منه، ثم انتقل إلى دار المصور في 16 تموز/يوليو واستمر لغاية 27 منه.
بين أخلاقيات المهنة وتطوير المهارات التقنية
ما يجعل هذه الورشة مختلفة هو إيمانها بوجود قصص أخرى غير تلك التي نعرفها في بلدان كهذه، قصص لن يتمكن من رويها سوى مصورين صحافيين يعيشون تلك التفاصيل.
تقول مديرة المشاريع الفنية في المجلس الثقافي البريطاني "سندي مزهر" إن المشروع الذي بدأ منذ عام هدف إلى تطوير المهارات التقنية والمهنية لمصورين صحافيين يعتبرون في بداية الطريق، حيث تمّ العمل على تطوير الأدوات التصويرية وقدراتهم الفنية والتقنية، من جهة أخرى تمّ العمل على كيفية بناء الهويّة المهنية، إضافة إلى كيفية الوصول إلى وكالات عالمية والتشبيك مع أناس آخرين.
أما عن اختيار المشاركين، فتقول مزهر: "لم يتم الاختيار على أساس الجانب التقني فقط، لكن بالأحرى كيف يمكن أن يستخدموا التصوير الصحافي في بلدهم ليخبروا من خلاله قصةً ما".
من جهته، يؤكد المدرب اللبناني "إبراهيم الديراني" أن الورشة ركزت على أخلاقيات المهنة في وقتٍ بات فيه الجميع قادراً على التصوير. يجد الديراني أن ما يميز القادمين من بلاد تتعرض للحرب هي صيغة مواضيعهم ومشاكلهم، فكان من الأهمية بمكان الجمع بين مصورين من بلدان كاليمن وسورية وفلسطين يملكون هموماً وحاضراً ولغة مشتركة.
ترتكز ورشة البحث عن الحقيقة على الإيمان بأن هنالك حيواتٍ أخرى لا نعرف عنها شيئاً، خصوصاً في بلاد تتعرض للحرب، وهذا ما أكد عليه الصحافي البريطاني غلين إدوارد بقوله "إن المهارة تكمن في إخبار قصة ما، لكن أيضاً بإيجاد قصص خلف الحرب المبتذلة والكارثية، مثل "الحكواتي - فرقة الروك"، والتي كانت إحدى الأفكار المطروحة في الورشة"، يتابع إدوارد "لا يرى الجميع في سورية سوى الحرب والكارثة، لكنّي لم أر سابقاً لا الحكواتي ولا فرقة الروك!".
الحرب تموت ويبقى الإرث الثقافي
يجد المصور السوريّ "جعفر مرعي"، أحد المتدربين في الورشة، أنّ التشبيك مع أشخاص من أماكن مختلفة قد يساعد على العمل والتفكير بأهداف أكبر وأشمل. حاول جعفر، ومن خلال عمله الذي سماه "التفاعل الزمني في دمشق"، تغيير الاعتقاد السائد بأن الحرب قد أوقفت الزمن في دمشق، فيمكنك أن ترى الحكواتي في مقهى النوفرة يتجمهر حوله الناس، يروي قصة عنترة أو الملك الظاهر، وفي ذات الوقت وفي مكان ليس ببعيد في "غاليري مصطفى علي" الذي يعبّر عن أصالة دمشق المعمارية والفنية تقوم وبشكل دوري مجموعة من الشباب بدمج قِدم المكان بأنغام موسيقى الروك الخاصة بهم، فقُدمت أعماله كصورتين فوق بعضهما واحدة عن الحكواتي والأخرى عن فرقة الروك، مُظهِراً مدى التحام الصورة في مكان ما.
أما المصوّر اليمني "ضياء الأديمي" فالتقط صوراً للمعصرة، حيث يتم عصر الزيتون بالطريقة التقليدية المتعبة منذ أكثر من 2000 سنة، عن طريق دوران الجمل بعد إغماض عينيه حول حجر العصر، حكت صور ضياء عن علاقة رجل المعصرة بالجمل، وعن كيفية الإنتاج، لتدخل مجموعته عميقاً في الذاكرة اليمنيّة، مرتكزاً على تقنية عالية في الالتقاط لتظهَر مجموعته كقصة خيالية قديمة. يجد ضياء أنه عاد بروح وأفكار جديدة بعد الورشة ليطبق ما تعلّمه على أرض الواقع من خلال صور قصصِ الحياة والحرب والبلاد والعلاقات.
أمّا اليمنية "إيمان العوّامي"، فقد التقطت صوراً لجلسات النساء في بلدها، مركّزة على التفاصيل الخاصة بهنّ من البخور والأيدي والطبول، صانعة عالماً خاصاً من الحكاية المستند على التخييل واستكمال المشهد، ليذهب "محمد المخلافي" نحو رقصة البَرَع، وهي رقصة يمنية قديمة تتم بالخناجر. أما زميلته "أنغام الصرحي"، فقدمت مجموعة من الصور حول العقيق اليمني المشهور في صناعة الحلي، فأخذت بورتريهات له ولأنواعه وأحجامه.
من جهة أخرى، يبقى المشاركون الفلسطينيون الوحيدون البعيدون عن بلادهم، كما تقول مزهر والقادمون من المخيمات الفلسطينية في لبنان، ليجسد "إبراهيم عبد الرازق" رؤيته لبلده عبر الدبكة الفلسطينية، حيث ترك أجساد الراقصين تتحرك بخفّة أمام الحدود الفلسطينية البعيدة، ليقول ببساطة نحن القريبون البعيدون، راوياً قصّة الحنين والعودة في قفزة واحدة في الهواء.
أما اللبنانية "نبيهة حجيج"، قدمت صوراً لنساء خارجات عن العرف بأنماط حياة مختلفة، فمنهن من يمتطين الخيل أو حتى الدراجة النارية. من جهتها، قامت "رين شاهين" بالعمل على تصوير صناعة الآلات الشرقية في لبنان.
ذهب السوري حسن بلال إلى الحمام الدمشقي القديم الحاضر رغم قدمه، مراوغاً الزمن ليشكّل رؤيته كحيز منفصل عن الوقت القديم أو الحالي، وكأنه يصيغ الفكرة بمعزل عنه. أما زميله يحيى فلوح فاتجهت عدسته نحو قلعة حلب، ليذكرنا أنها أقدم قلعة ماتزال قائمة رغم سنوات الحرب الثماني، وأن السوريين عادوا لزيارتها مجدداً، محاولاً إحياء ذاكرة ترتبط بمكان أصيل لم تزعزعه الحرب الطويلة.
نهايةً وأمام كل التحديات التي تواجه الصورة الصحافية اليوم، نتساءل: كم نحتاج من ورشاتٍ نعملُ فيها على صناعة الحقيقة والبحث عنها! عبر التوجه نحو العدسات الشابة التي لم تشوهها الإيديولوجيات والمصالح لنعيد تقديم الإنسانية عبر صورة الحكاية.
بين أخلاقيات المهنة وتطوير المهارات التقنية
ما يجعل هذه الورشة مختلفة هو إيمانها بوجود قصص أخرى غير تلك التي نعرفها في بلدان كهذه، قصص لن يتمكن من رويها سوى مصورين صحافيين يعيشون تلك التفاصيل.
تقول مديرة المشاريع الفنية في المجلس الثقافي البريطاني "سندي مزهر" إن المشروع الذي بدأ منذ عام هدف إلى تطوير المهارات التقنية والمهنية لمصورين صحافيين يعتبرون في بداية الطريق، حيث تمّ العمل على تطوير الأدوات التصويرية وقدراتهم الفنية والتقنية، من جهة أخرى تمّ العمل على كيفية بناء الهويّة المهنية، إضافة إلى كيفية الوصول إلى وكالات عالمية والتشبيك مع أناس آخرين.
أما عن اختيار المشاركين، فتقول مزهر: "لم يتم الاختيار على أساس الجانب التقني فقط، لكن بالأحرى كيف يمكن أن يستخدموا التصوير الصحافي في بلدهم ليخبروا من خلاله قصةً ما".
من جهته، يؤكد المدرب اللبناني "إبراهيم الديراني" أن الورشة ركزت على أخلاقيات المهنة في وقتٍ بات فيه الجميع قادراً على التصوير. يجد الديراني أن ما يميز القادمين من بلاد تتعرض للحرب هي صيغة مواضيعهم ومشاكلهم، فكان من الأهمية بمكان الجمع بين مصورين من بلدان كاليمن وسورية وفلسطين يملكون هموماً وحاضراً ولغة مشتركة.
ترتكز ورشة البحث عن الحقيقة على الإيمان بأن هنالك حيواتٍ أخرى لا نعرف عنها شيئاً، خصوصاً في بلاد تتعرض للحرب، وهذا ما أكد عليه الصحافي البريطاني غلين إدوارد بقوله "إن المهارة تكمن في إخبار قصة ما، لكن أيضاً بإيجاد قصص خلف الحرب المبتذلة والكارثية، مثل "الحكواتي - فرقة الروك"، والتي كانت إحدى الأفكار المطروحة في الورشة"، يتابع إدوارد "لا يرى الجميع في سورية سوى الحرب والكارثة، لكنّي لم أر سابقاً لا الحكواتي ولا فرقة الروك!".
الحرب تموت ويبقى الإرث الثقافي
يجد المصور السوريّ "جعفر مرعي"، أحد المتدربين في الورشة، أنّ التشبيك مع أشخاص من أماكن مختلفة قد يساعد على العمل والتفكير بأهداف أكبر وأشمل. حاول جعفر، ومن خلال عمله الذي سماه "التفاعل الزمني في دمشق"، تغيير الاعتقاد السائد بأن الحرب قد أوقفت الزمن في دمشق، فيمكنك أن ترى الحكواتي في مقهى النوفرة يتجمهر حوله الناس، يروي قصة عنترة أو الملك الظاهر، وفي ذات الوقت وفي مكان ليس ببعيد في "غاليري مصطفى علي" الذي يعبّر عن أصالة دمشق المعمارية والفنية تقوم وبشكل دوري مجموعة من الشباب بدمج قِدم المكان بأنغام موسيقى الروك الخاصة بهم، فقُدمت أعماله كصورتين فوق بعضهما واحدة عن الحكواتي والأخرى عن فرقة الروك، مُظهِراً مدى التحام الصورة في مكان ما.
أما المصوّر اليمني "ضياء الأديمي" فالتقط صوراً للمعصرة، حيث يتم عصر الزيتون بالطريقة التقليدية المتعبة منذ أكثر من 2000 سنة، عن طريق دوران الجمل بعد إغماض عينيه حول حجر العصر، حكت صور ضياء عن علاقة رجل المعصرة بالجمل، وعن كيفية الإنتاج، لتدخل مجموعته عميقاً في الذاكرة اليمنيّة، مرتكزاً على تقنية عالية في الالتقاط لتظهَر مجموعته كقصة خيالية قديمة. يجد ضياء أنه عاد بروح وأفكار جديدة بعد الورشة ليطبق ما تعلّمه على أرض الواقع من خلال صور قصصِ الحياة والحرب والبلاد والعلاقات.
أمّا اليمنية "إيمان العوّامي"، فقد التقطت صوراً لجلسات النساء في بلدها، مركّزة على التفاصيل الخاصة بهنّ من البخور والأيدي والطبول، صانعة عالماً خاصاً من الحكاية المستند على التخييل واستكمال المشهد، ليذهب "محمد المخلافي" نحو رقصة البَرَع، وهي رقصة يمنية قديمة تتم بالخناجر. أما زميلته "أنغام الصرحي"، فقدمت مجموعة من الصور حول العقيق اليمني المشهور في صناعة الحلي، فأخذت بورتريهات له ولأنواعه وأحجامه.
من جهة أخرى، يبقى المشاركون الفلسطينيون الوحيدون البعيدون عن بلادهم، كما تقول مزهر والقادمون من المخيمات الفلسطينية في لبنان، ليجسد "إبراهيم عبد الرازق" رؤيته لبلده عبر الدبكة الفلسطينية، حيث ترك أجساد الراقصين تتحرك بخفّة أمام الحدود الفلسطينية البعيدة، ليقول ببساطة نحن القريبون البعيدون، راوياً قصّة الحنين والعودة في قفزة واحدة في الهواء.
أما اللبنانية "نبيهة حجيج"، قدمت صوراً لنساء خارجات عن العرف بأنماط حياة مختلفة، فمنهن من يمتطين الخيل أو حتى الدراجة النارية. من جهتها، قامت "رين شاهين" بالعمل على تصوير صناعة الآلات الشرقية في لبنان.
ذهب السوري حسن بلال إلى الحمام الدمشقي القديم الحاضر رغم قدمه، مراوغاً الزمن ليشكّل رؤيته كحيز منفصل عن الوقت القديم أو الحالي، وكأنه يصيغ الفكرة بمعزل عنه. أما زميله يحيى فلوح فاتجهت عدسته نحو قلعة حلب، ليذكرنا أنها أقدم قلعة ماتزال قائمة رغم سنوات الحرب الثماني، وأن السوريين عادوا لزيارتها مجدداً، محاولاً إحياء ذاكرة ترتبط بمكان أصيل لم تزعزعه الحرب الطويلة.
نهايةً وأمام كل التحديات التي تواجه الصورة الصحافية اليوم، نتساءل: كم نحتاج من ورشاتٍ نعملُ فيها على صناعة الحقيقة والبحث عنها! عبر التوجه نحو العدسات الشابة التي لم تشوهها الإيديولوجيات والمصالح لنعيد تقديم الإنسانية عبر صورة الحكاية.